ابتد أني» (1).
     و في كلّ ذلك كان صلّى اللّه عليه و آله يمارس دور الاعداد الفكري و القيادي لأمير المؤمنين عليه السلام، و يبلغ أصحابه في هذا الاتجاه، حيث قال صلّى اللّه عليه و آله : « أنا مدينة العلم و علي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب» .(2)
     و قال صلّى اللّه عليه و آله: « قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي علي تسعة أجزاء، و الناس جزءاً واحداً» .(3)
     و قال ابن عباس رضي اللّه عنه : و اللّه لقد اُعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، و أيم اللّه لقد شارككم في العشر العاشر.(4)
     و من هنا تميّز من بين الصحابة بقوله عليه السلام علي المنبر : « سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض» (5) . قال سعيد بن المسيب و ابن شبرمة وغيرهما : لم يكن أحد من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول سلوني إلّا علي (6)، و ذلك لأنه لا يجترئ على هذه الدعوى إلّا من يثق بنفسه بأن عنده

(1) مستدرك الحاكم 3: 125 و صححه علي شرط الشيخين: الصواعق المحرقة: 123، ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 486 / 1013.
(2) المستدرك / الحاكم 3: 126 و 127 و صححه، جامع الأصول 9: 473 / 6489، الصواعق المحرقة: 122، اُسد الغابة 4: 22 ، تاريخ بغداد / الخطيب 11: 49 و 50 ـ مطبعة السعادة ـ مصر ـ 1349 هـ، البداية و النهاية 7: 372 و غيرها كثير.
(3) حلية الأولياء 1: 68، مناقب ابن المغازلي : 287 / 328، كنز العمال 11: 615 / 32982.
(4) الاستيعاب بهامش الإصابة / ابن عبدالبر 3: 40 ـ مكتب السعادة بمصر.
(5) نهج البلاغة / تحقيق صبحي الصالح : الخطبة (189).
(6) الصواعق المحرقة : 127، شرح ابن أبي الحديد 7: 46، ترجمة الإمام علي عليه السلام



(82)
جواباً لكلّ ما يُسأل عنه، و في ذلك كفاية في الدلالة على سبقة و أرجحيّته في العلم.
     و من هنا أيضاً صار علي عليه السلام ملجأً و مفزعاً لكل من يعضل عليه شيء من شؤون العلم، و لم يرجع هو و لا مرة واحدة الى أحدٍ منهم، حتى أن عمر قال: لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن . و قال: لو لا علي لهلك عمر. (1)
     قال العقاد: كانت فتاواه مرجعاً للخلفاء و الصحابة في عهود أبي بكر و عمر و عثمان، و ندرت مسألة من مسائل الشريعة لم يكن له رأي فيها يُؤخذ به، أو تنهض له الحجة بين أفضل الآراء، الى أن قال: و قيل لا بن عباس: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر الى البحر المحيط (2).
خامساً ـ العصمة
     و من مظاهر الاصطفاء في شخص عليّ عليه السلام هو أنه نظير النبي صلّى اللّه عليه و آله في الطهارة و العصمة، و ذلك أمر اختصّ به أهل البيت عليهم السلام دون أفراد الأُمّة، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهرَُكُمْ تَطْهِيراً)(3) و المراد بأهل البيت الذين نزلت فيهم هذه الآية هم: النبي صلّى اللّه عليه و آله و علي و الحسن و الحسين و فاطمة الزهراء عليهم السلام (4).

من تاريخ دمشق 3: 31 / 1054.
(1) الاستيعاب / ابن عبدالبر 3: 39 بهامش الاصابة، الاصابة / ابن حجر 2: 509 ـ مكتب السعادة بمصر، اُسد الغابة 4: 23.
(2) عبقرية الإمام علي عليه السلام: 47 ـ دار الكتاب ـ ط 1.
(3) سورة الأحزاب: 33 / 33.
(4) راجع: صحيح مسلم 4: 1883 / 2424، تفسير الرازي 8: 80، سنن



(83)

     و إنما جعل اللّه سبحانه هذه المَلَكَة في الأوصياء مثلما جعلها في الأنبياء، لأنه جعل مقامهم في الأُمّة مقام الأنبياء في وجوب الاقتداء بأفعالهم و أقوالهم، و بما أن الحكيم لا يجوز منه أن يوجب على عباده الاقتداء بما هو قبيح أو غير مأمون منه فعل القبيح، فلا بدّ أن يكون الوصي معصوماً كالنبي من جميع القبائح ، منزّهاً من الخطايا و الآثام، مسدّداً من اللّه، مصوناً من هفوات الآراء و خطرات الأهواء، و لذلك نفى تعالى أن ينال هذا العهد من كان ظالماً، قال تعالى: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ)(1) و من مصاديق الظلم عبادة الأصنام، قال تعالى: (إِنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(2).
     قال الإمام الصادق عليه السلام في الآية الأولى: « أبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم الى يوم القيامة، فصارت في الصفوة» (3).
     و قال أمير المؤمنين عليه السلام: « لمّا علم إبراهيم عليه السلام أن عهد اللّه ـ تبارك و تعالى اسمه ـ بالإمامة لا ينال عَبَدة الأصنام قال: (وَ اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَام)» (4).
     و عن عبداللّه بن مسعود في حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: « أنا دعوة أبي إبراهيم، و كان من دعاء إبراهيم عليه السلام (وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ

الترمذي 5: 351 / 3205 و 5: 663 / 3787 و غيرها كثير.
(1) سورة البقرة : 2 124.
(2) سورة لقمان: 31/ 13.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 216 / 1.
(4) الاحتجاج / الطبرسي : 251 ـ منشورات المرتضى ، مشهد، و الآية من سورة إبراهيم : 14 / 35.



(84)
الْأصْنَامَ) ... فانتهت الدعوة إليّ و الى أخي علي، لم يسجد أحدٌ منّا لصنم قطّ ، فاتخذني نبياً، و علياً وصياً» (1).
سادساً: مزايا فريدة
     خصّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله علياً عليه السلام بمزايا جمّة لم تكن في غيره، و النبي صلّى اللّه عليه و آله (مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ** إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(2) فلا يمكن تفسير تلك المزايا و الخصائص إلّا بكونها من مظاهر الاصطفاء الإلهي و العناية الربانية، و فيما يلي نذكر بعضها:
     1ـ خصّه النبي صلّى اللّه عليه و آله ليلة الهجرة بالمبيت على فراشه ليؤدي الأمانات عنه صلّى اللّه عليه و آله . و يتجشم الهجرة بمن بقي من نساء بني هاشم و المستضعفين من المؤمنين.
     2ـ و خصّه بالمصاهرة من سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام، بعد أن تقدّم لخطبتها غيره فردّهم، و منهم أبو بكر و عمر (3)، و قال صلّى اللّه عليه و آله: « إنّ اللّه تبارك و تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من علي » (4).
     3ـ و اختص علي عليه السلام بكون ذرية النبي صلّى اللّه عليه و آله من صلبه، و قال صلّى اللّه عليه و آله: « إن اللّه عزّوجلّ جعل ذرية كلّ نبي في صلبه، و إن اللّه عزّوجلّ جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب» (5).

(1) مناقب علي عليه السلام/ ابن المغازلي: 276 / 322، أمالي الطوسي: 379 / 811.
(2) سورة النجم: 53 / 3 ـ 4.
(3) راجع: المعجم الكبير / الطبراني 22: 409 / 1021.
(4) المعجم الكبير 22: 407 / 1020 / الصواعق المحرقة: 124.
(5) المعجم الكبير 3: 44 / 2630، الصواعق المحرقة : 124.



(85)

     4ـ وخصّه النبي صلّى اللّه عليه و آله بالمؤاخاة ، و قال له: « أنت أخي في الدنيا و الآخرة» (1).
     5ـ و خصّه بالراية في ساحة الجهاد، فدفع إليه رايته في بدر و هو ابن عشرين سنة (2) ، و كان علي عليه السلام صاحب راية المهاجرين في المواطن كلّها (3).
     و دفع إليه رايتين ، تطلّع إليها كل من حضر من الصحابة ، فكان لعلي عليه السلام شرف الاختصاص بهما دون غيره، و هما: راية الفتح في مكة، وراية الفتح في خيبر.
     و في راية خيبر بعث صلّى اللّه عليه و آله أبا بكر، فعاد و لم يصنع شيئاً، وبعث بعده عمر، فعاد يجبّن أصحابه و يحبّنونه(4). فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: « لأُعطين الراية غداً رجلاً يفتح اللّه على يديه، يحبّ اللّه و رسوله، و يحبه اللّه و رسوله، كراراً غير فرار» فبات الناس يدوكون (5) ليلتهم أيّهم يعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، كلّهم يرجو أن يعطاها، فأعطاها علياً عليه السلام (6).
     6ـ و خصّه بالتبليغ عنه صلّى اللّه عليه و آله ، فقد أرسل أبوبكر ليبلّغ براءة في الموسم،

(1) سنن الترمذي 5: 636 / 3720، الصواعق المحرقة: 122.
(2) مستدرك الحاكم 3: 111.
(3) الاصابة 2: 30.
(4) مستدرك الحاكم 3: 27و صححه، تاريخ الطبري 3: 93.
(5) داك القوم: ماجوا و اختلفوا.
(6) الصواعق المحرقة: 121، والحديث صحيح و قد ورد بألفاظ متعددة، راجع: صحيح البخاري 5: 87/ 197 و 198 ـ كتاب الفضائل، و 5 : 279 / 231، كتاب المغازي، صحيح مسلم 4: 1871/ 32 ـ 34 ـ كتاب الفضائل، سنن الترمذي 5: 638 / 3724 و غيرها.



(86)
فسار بها ثلاثاً، ثم أردفه بعلي عليه السلام ، فأخذها منه و سار، ورجع أبوبكر و هو يقول: يا رسول اللّه، أحدث فيّ شيء؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: « لا، و لكن أُمرت أن لا يبلغها إلّا أنا أو رجل مني» و في رواية: « لا يبلّغ عنّي إلّا أنا أو رجل مني » (1).
     7ـ و خصّه بفتح بابه الى المسجد بعد أن أمر بسدّ الأبواب الشارعة الى المسجد، فكان يحلّ له عليه السلام و لأهل بيته ما يحلّ النبي صلّى اللّه عليه و آله دون أفراد الأُمّة.
     و تكلّم بذلك الناس، فقال صلّى اللّه عليه و آله:« أما بعد، فاني اُمر ت بسدّ هذه الأبواب إلّا باب علي ، و قال فيه قائلكم، و إنّي و اللّه ما سددت شيئاً ولا فتحته، و لكني اُمرت بشيء فاتبعته» (2).
     8ـ و خصّه بالمناجاة يوم الطائف بأمر اللّه تعالى، فقال الناس: لقد طال نجواه مع ابن عمه! فقال صلّى اللّه عليه و آله : « ما أنا انتجيته، و لكن اللّه انتجاه» (3).
     9ـ و في فتح مكّة اختصه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأن أصعده على منكبيه، و ألقى صنم قريش الأكبر، و النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول: « جاء الحق و زهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً » (4).
     10ـ و في مناظرة النبي صلّى اللّه عليه و آله لنصارى نجران اختصّ النبي صلّى اللّه عليه و آله علياً و فاطمة والحسن و الحسين عليهما السلام بالمباهلة، فكانوا المعنيين بقوله تعالى: (فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَكُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَكُمْ وَ أنفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ)(5) فجعل

(1) مسند أحمد 1: 3 و 331 ، 3: 212 و 283، سنن الترمذي 5: 636 / 3719.
(2) مستدرك الحاكم 3: 125 و صححه، الصواعق المحرقة: 124.
(3) سنن الترمذي 5: 639 / 3726، مصابيح السنة 4: 175 / 4773.
(4) مستدرك الحاكم 2: 367، مسند أحمد 1: 84 و 151.
(5) سورة آل عمران: 3 / 61.



(87)
علياً كنفسه صلّى اللّه عليه و آله (1) ، فكان أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي تفرّد من بين رجال الأُمة بشرف الاصطفاء الإلهي لهذه المنزلة العظيمة.
     11ـ و خصّه بالقتال على تأويل القرآن، و قال صلّى اللّه عليه و آله : « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله» فاستشرف لها القوم و فيهم أبوبكر وعمر، فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: « لا » . قال عمر: أنا هو؟ قال صلّى اللّه عليه و آله: « لا، و لكن خاصف النعل» (2) يعني علياً عليه السلام و كان يخصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.
     12ـ و خصّه بكونه الهادي للأُمّة من بعده، قال علي عليه السلام في قوله تعالى: (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(3): رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المنذر، و أنا الهادي.(4)
     و عن ابن عباس: وضع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يده على صدره فقال: « أنا المنذر» ثم أومأ الى منكب علي عليه السلام و قال: « أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي» (5).
     13ـ و اختص عليه السلام بكونه أحبّ الخلق الى اللّه تعالى و الى رسوله صلّى اللّه عليه و آله ، كما

(1) معالم التنزيل / البغوي 1: 480، و راجع أيضاً: صحيح مسلم 4: 1871، سنن الترمذي 5: 225 / 2999 ، مصابيح السنة 4: 183 / 4795، الصواعق المحرقة: 121 و غيرها.
(2) مستدرك الحاكم 3: 123 ـ و صححه علي شرط الشيخين، مسند أحمد 3: 82.
(3) سورة الرعد: 13 / 7.
(4) مستدرك الحاكم 3: 129 ـ 130 و صححه علي شرط الشيخين.
(5) تفسير الرازي 19: 20، تفسير الطبري 13: 130 ـ دار إحياء التراث العربي ـ 1421 هـ، تفسير النيسابوري بهامش تفسير الطبري 14: 68 ـ دار المعرفة ـ 1403 هـ، روح المعاني / الآلوسي 13: 108.



(88)
في حديث الطائر المشوي وغيره. (1)
     14ـ و اختص عليه السلام بكونه قسيم الجنة و النار يوم القيامة.(2)
15ـ و اختص عليه السلام بكون حبّه حباً للّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و آله ، فقد جاء في الصحيح عنه صلّى اللّه عليه و آله أنه قال: « من أحبّ علياً فقد أحبني ، و من أبغض علياً فقد أبغضني» (3).
     و قال صلّى اللّه عليه و آله « حبيبك حبيبي، و حبيبي حبيب اللّه ، و عدوّك عدوّي، و عدوي عدوّ اللّه ، و الويل لمن أبغضك بعدي» (4).
     16ـ وعهد إليه النبي صلّى اللّه عليه و آله بأُمورٍ لم يعهدها الى غيره، وهذا هو معنى الوصية على ما تقدّم في أوّل البحث، قال ابن عباس: كنا نتحدّث أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عهد الى علي سبعين عهداً لم يعهدها الى غيره.(5)
     17ـ وجعله مع القرآن في كفّة واحدة حيث قال صلّى اللّه عليه و آله: « علي مع القرآن، و القرآن مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»(6).
     الى غير ذلك من المزايا الفريدة التي لو أتينا عليها جميعاً لطال بنا المقام، و كلّها تحكي أن الوصية ليست المظهر الوحيد الذي اختص اللّه تعالى به وليه، بل له عليه السلام خصائص اُخرى كانت مثار إعجاب و غبطة المؤمنين و حسد المنافقين

(1) مستدرك الحاكم 3: 130 ـ 131 و صححه على شرط الشيخين.
(2) الصواعق المحرقة: 126.
(3) مستدرك الحاكم 3: 130 ـ و صححه.
(4) مستدرك الحاكم 3: 128 ـ و صحهه.
(5) حلية الأولياء 1: 71، مجمع الزوائد 9: 116.
(6) مستدرك الحاكم 3: 124 و صححه، الصواعق المحرقة: 124.



(89)
والذين في قلوبهم مرض له عليه السلام، بل و تمنّى بعضهم ول واحدة منها، لتكون أحبّ إليه من حمر النعم ، أو من الدنيا و ما فيها.
     قال عمر بن الخطاب: لقد أُعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال، لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أُعطي حمر النعم. قيل: و ما هنّ؟ قال: تزويجه فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و سكناه المسجد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يحلّ له ما يحلّ له، و الراية يوم خيبر(1).
     و قال معاوية لسعد بن أبي وقاص: ما يمنعك أن تسبّ ابن أبي طالب؟ فقال: لا أسبّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأن تكون لي واحدة أحبّ إليّ من حمر النعم، و ذكر حديث الكساء، و حديث المنزلة، والراية يوم خيبر (2).
     و قال سعد في حديث آخر: إن علي بن أبي طالب أُعطي ثلاثة لأن أكون اُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا و ما فيها، ثم ذكر حديث الغدير، و الراية يوم خيبر، و سدّ الأبواب دون بابه (3). (وَاللَّهُ يَخْتَضُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(4)

(1) مستدرك الحاكم 3: 125 ـ و صححه ، الصواعق المحرقة : 127.
(2) مستدرك الحاكم 3: 108 و 109.
(3) مستدرك الحاكم 3: 116 ـ 117.
(4) سورة البقرة: 2 / 105.



(90)
المبحث الرابع: أوجه التشابه
بين وصي موسى عليه السلام و وصي محمّد صلّى اللّه عليه و آله

     تقدّم في أحاديث الوصية أنه حينما سأل سلمان رضي اللّه عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن وصيه، قال له صلّى اللّه عليه و آله: « من كان وصي موسى؟» فأجاب سلمان: يوشع بن نون، ثمّ عقّب صلّى اللّه عليه و آله بذكر وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام.
     و لم تكن هذه المقارنة عبثاً، بل إنها تحكي عن مزيدٍ من أوجه التشابه و التماثل بين وصيّ موسى عليه السلام و وصي محمّد صلّى اللّه عليه و آله ، و فيما يلي نذكر بعض الأوجه المستقاة من الحديث و السنّة:
1ـ السبق الى الإيمان
     يتميّز أمير المؤمنين عليه السلام من بين سائر أفراد الاُمّة بعمق وجوده في كيان الرسالة، فهو المسلم الأول، و المصلّى الأول، و المجاهد الأول في تاريخ الإسلام، و هكذا كان يوشع عليه السلام، فقد جاء في الحديث عن ابن عباس: قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: « السبّاق ـ أو السُّبّق ـ ثلاثة: فالسابق الى موسى يوشع بن نون، و السابق الى عيسى ياسين، و السابق الى محمّد صلّى اللّه عليه و آله علي ابن أبي طالب» (1).

(1) المعجم الكبير / الطبراني 11: 77 / 11152، الصواعق المحرقة: 125، شرح ابن أبي الحديد 13: 225، الآحاد و المثاني / أبوبكر الشيباني 1: 150. دار الراية ـ الرياض، ذخائر العقبى: 58، كنز العمال 11: 601 / 32896.


(91)