السذاجة، سيّما و قد عاصروا الرسول صلّى اللّه عليه و آله فكانوا أولى من غيرهم في فهم مراده صلّى اللّه عليه و آله.
     و لقد كان من بين الذين ذكروا الوصية في أشعارهم من أعداء علي صلّى اللّه عليه و آله الذين شهروا السيف في وجهه، و الفضل ما شهدت به الأعداء، و منهم : عاصم ابن الدلف الذي أنشد في حرب البصرة و هو آخذ بخطام جمل عائشة:
نحن بني ضبّة أعداء علي ذاك الذي يُعرف قدماً بالوصي(1)
     و هو يشير الى قدم هذا المصطلح و عمق وجوده في تاريخ علي عليه السلام المشرق.
     و فيهم أيضاً ممّن صار فيما بعد في صفّ أعداء على عليه السلام كالاشعث بن قيس و عمر و بن العاص ، فكانت تلك الأشعار حجة لأمير المؤمنين عليه السلام يوم يلقاهما علي الحوض فيذودهما عنه.
     و للمتأخرين عن عصر الصحابة أشعار كثيرة في الوصية ، نذكر منهم مرتّبين علي الحروف: أبو الأسود الدؤلي ، بديع الزمان الهمذاني، القاضي التنوخي، الحسن بن الحجاج، الحسن بن النضر الفهري، ابن حماد، الحماني، الخطيب الخوارزمي،ابن دريد ، دعبل بن علي الخزاعي، ابن الرومي ، سعيد بن قيس الهمداني، سفيان بن مصعب العبدي، السيد الحميري، الشريف الرضي، الشريف المرتضى، الصاحب بن عباد، ابو العباسي الضبي، عبدالرحمن بن ذؤيب، عبيداللّه بن قيس الرقيات، عثمان بن أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام، عمر بن حارثة الأنصاري، عمرو بن اُحيحة، أبو فراس الحمداني، أبوالفضل الصنوبري، الفضل بن العباس بن ربيعة اللهبي، أبوالقاسم الزاهي، قطب الدين

(1) الفتوح 1: 481، و في الفتوح 2: 321 و شرح ابن أبي الحديد 1: 144 منسوب الى غلام من بني ضبّة.


(112)
الراوندي، كثير عزّة، كشاجم، الكميت الأسدي، المأمون العباسي، المفجع البصري، مهيار الديلمي، ابن منير الطرابلسي، النجاشي، قاضي القضاة يحيي ابن أبي المعالي محمد القرشي الأموي الشافعي(1)، و غيرهم كثير.

(1) راجع :البداية و النهاية/ ابن كثير 13: 258 حوادث سنة 668، تاريخ الطبري 4: 426، ديوان أبي فراس: 313 ـ المستشارية الثقافية ـ سورية ـ 1408 هـ، ديوان دعبل: 129، 225، 231، 248 و 262 ـ نشر الشريف الرضي ـ قم ، ديوان الصاحب بن عباد: 96، 301 ـ مؤسسة قائم آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله ـ 1412 هـ، ديوان المفجع البصري: 134، شذرات الذهب/ ابن العماد 5: 328ـ حوادث سنة 668 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، شرح ابن أبي الحديد 1: 144 و 149 و 6: 54 ، شرح الهاشميات / أبو رياش القيسي: 33، الفتوح / ابن أعثم 3: 226 و 5: 129، القصائد الهاشميات: 18 ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، الكامل في اللغة والأدب / المبرد 2: 151 ـ 152، مصادر نهج البلاغة / عبد الزهراء الحسيني 1: 138 ـ 149، مقتل الحسين عليه السلام / الخوارزمي : 170، المناقب / ابن شهر آشوب 3: 62 ـ 64، وقعة صفين: 137 و 146 و 365و 382 و 416.


(113)
الفصل الرابع:
موقف الأُمة من الوصية

     لما كانت الوصية تعني ولاية العهد والقيام بالأمر بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله على ما بيّناه في الفصول المتقدّمة ، و خالفها جمهور الصّحابة ... فقد أصبحت الاُمّة متفرقةً بشأنها الى ثلاث فرق:
     فالفرقة الأولى: هم الذين آمنوا بالوصيّة و سلّموا لأمرها و دافعوا عنها، و حكموا بعدم شرعية السقيفة لتناسي رموزها تلك الوصية، و هؤلاء يمثلون خطاً أصيلاً يؤمن بمرجعية الكتاب و عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله الى قيام يوم الدين، تمسّكاً بوصية النبي صلّى اللّه عليه و آله في آخر حياته حيث قال: « ألا أيها الناس، إنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربّي فاُجيب، و أنا تار ك فيكم الثقلين: أولهما كتاب اللّه، فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به ... و أهل بيتي ، أُذكّركم اللّه في أهل بيتي، أُذكركم اللّه في أهل بيتي» (1).
     وفي لفظ آخر : « ... و لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما» (2) . و في آخر : « فلا تقدمو هما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهما فانهما أعلم منكم» (3).

(1) صحيح مسلم 4: 1873 / 2408، كتاب فضائل الصحابة ـ بعدة طرق.
(2) سنن الترمذي 5: 663 / 3786 و 3788، مستدرك الحاكم 3: 148 و صححه.
(3) المعجم الكبير / الطبراني 3: 66 / 3681 و 5: 167 / 4971، الصواعق



(114)

     و هو واضح الدلالة على إيجاب طاعة أهل البيت عليهم السلام و عدم التقصير عنهم أو التقدّم عليهم، و جعلهم مع القرآن في كفّة واحدة من حيث العصمة و العلم و بقاء المرجعية الى يوم الدين.
     و هؤلاء هم الشيعة الإمامية في تاريخهم الممتد منذ فجر الرسالة و الى اليوم، و تابعهم بعض أعلام العامة ممن عرفوا الحقّ و ساروا تحت لوائه و كل ما مرّ في الفصول السابقة من مثبتات الوصية، من القرآن و السنّة و العقل، و الأدب و التاريخ و غير ذلك يرسم الصورة الواضحة لهذا الاتجاه.
     و الفرقة الثانية: هم الذين اتّبعوا أهل السقيفة و جعلوا يبرّرون عملهم، و هؤلاء قد اختلفوا فيما بينهم في كيفيّة التبرير و رفع اليد عن أحاديث الوصيّة و التخلّي عن مضامينها المتواترة.
     فمنهم من لم يجد بدّاً من الاعتراف بصحّة الأحاديث و ثبوتها و بمفادها ، و هو العهد الى الإمام عليه السلام، فزعم أنه عهدٌ لا بالإمامة و الولاية، و يأتي على رأس هؤلاء غالب المعتزلة وبعض العامة الذين صحّت عندهم الطرق في رواية أحاديث الوصية، فاضطروا الى تأويلها على ما سيأتي بيانه.
     قال ابن أبي الحديد المعتزلي عند شرحه لقول أمير المؤمنين عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام : « و فيهم الوصية و الوارثة» قال: أما الوصية فلا ريب عندنا أن عليّاً عليه السلام كان وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و إن خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد، و لسنا نعني بالوصية النصّ و الخلافة، و لكن أُموراً أُخرى لعلّها إذا

المحرقة: 150 ـ باب 11 ـ فصل 1ـ ، الدر المنثور / السيوطي 2: 285 عند تفسير الآية 203.


(115)
لمحث أشرف و أجلّ.(1)
     و ممّا لا شكّ فيه أنه ليس ثمة معنى أشرف و أجلّ من العهد بالمرجعية السياسية و الفكرية و الروحية له عليه السلام، و لو وُجد لذكره ابن أبي الحديد في معرض شرحه.
     و منهم جماعة حاولوا تحريف معنى « الوصية » عن « العهد » ثمّ تحيّروا في تأويلها بما يتناسب و عقيدتهم في الخلافة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
     لقد اضطرّ هذا الصنف من الناس الى التمحّل في التأويل و صرف معنى الوصية الى غير العهد و الإمرة و الخلافة، و ذلك حين خانتهم محاولات التضعيف والتشكيك التي اعتمدها آخرون كما سيأتي، حتى و لو كان التأويل باهتاً و مخالفاً لاعتبارات اللغة و التاريخ و الواقع، و فيما يلي نذكر بعض تأويلاتهم:
     1ـ في تأويل المعنى اللغوي للوصي، فحينما وجد اللغويون أن عليّاً عليه السلام موصوفٌ بالوصي، راحوا يتأولون هذا اللفظ بعيداً عن معنى العهد، حيث قالوا:
والوصي كغني، لقب علي رضي اللّه عنه ، سمّي به لا تصال سببه و نسبه و سمته بنسب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سببه و سمته (2)، و ذلك أمر معلوم لا يحتاج معه الى أن، يلقب بالوصي بسبب ذلك الاتصال.
     هذا مع أن الصحابة لم يفهموا من معني الوصي إلّا العهد بالخلافة و الإمامة بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله ، حيث قال حجر بن عدي رضي اللّه عنه .
يا ربّنا سلّم لنا عليّا فانه كان له وليا سلّم لنا المهذّب النقيا ثم ارتضاه بعده وصيا(3)


(1) شرح ابن أبي الحديد 1: 139 ـ 140.
(2) تاج العروس 10 : 392 مادة ـ وصى ـ ، لسان العرب 15 : 394 مادة ـ وصى ـ.
(3) وقعة صفين : 381، الفتوح / ابن أعثم 3: 145، شرح ابن أبي الحديد 1: 145.



(116)

     2ـ أوّل الطبراني مفهوم الوصية في حديث سلمان الذي رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و فيه: « فإن وصيي و موضع سري و خير من أترك بعدي و ينجز عدتي و يقتضي ديني علي بن أبي طالب» .
     قال الطبراني: قوله « وصيي» يعني أنه أوصاه في أهله لا بالخلافة، و قوله « خير من أترك بعدي » يعني من أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله .(1)
     و لا دليل في الحديث على اختصاص الوصية في أهله، بل إن كونه موضع سرّه و خير من يترك بعده صلّى اللّه عليه و آله من الدلالات الالتزامة على أن الوصية بالإمامة و الخلافة.
     و لا دليل أيضاً علي اختصاص أفضليته علي أهل بيته دون سواهم من الأُمّة، و قد ثبت أنه عليه السلام أفضل البرية بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أحاديث صحيحة لا مجال للشك و الترديد فيها، منها حديث المنزلة و حديث الطير و قوله صلّى اللّه عليه و آله: علي خير البرية» (2) و قوله صلّى اللّه عليه و آله «علي خير البشر» (3) فضلاً عن آية المباهلة في قوله تعالى: (وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَكُمْ)(4) حيث دعا النبي صلّى اللّه عليه و آله علياً عليه السلام فحكم له بأنه نفسه (5) ، و غير ذلك كثير.(6)
     على أنه لو قلنا ـ كما زعموا ـ باختصاص افضليته عليه السلام في أهل البيت عليهم السلام فسيكون فضل أمير المؤمنين على سائر الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوضح و أتمّ،

(1) المعجم الكبير 6: 221 / 6063.
(2) ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 443 / 959، مناقب الخوارزمي: 62.
(3) ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 444 / 962 ـ 966، تاريخ بغداد 7: 421.
(4) سورة آل عمران: 3 / 61.
(5) راجع: صحيح مسلم 4: 1871 / 32، سنن الترمذي 5: 638 / 3724، مسند أحمد 1: 185، مستدرك الحاكم 3: 150 و غيرها.
(6) راجع: رسالة (التفضيل) للشيخ المفيد، ضمن الجزء السابع من سلسلة مؤلفاته.



(117)
بلحاظ أفضلية أهل البيت عليهم السلام على الناس أجمعين ، ولو لم يكن فيهم إلّا حديث الثقلين، و السقيفة، و باب حطّة، لكفى.
     و خلاصة ما نقوله بشأن الطبراني و غيره ممن سيأتي: اننا نقبل منكم روايتكم، ولا كرامة بتأويلكم.
     3ـ أوّل المحب الطبري حديث بريدة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله : « لكل نبي وصي ووارث، و إن علياً وصيي ووارثي» قال: أخرجه الحافظ أبوالقاسم البغوي في معجم الصحابة، و إن صحّ هذا الحديث ، فالتوريث محمول علي ما رواه معاذ بن جبل رضي اللّه عنه قال: قال علي رضي اللّه عنه : « يا رسول اللّه : و ما أرث منك؟» قال:
« ما يرث النبيون بعضهم من بعض؛ كتاب اللّه و سنة نبيه» حملاً للمطلق علي المقيد، و هذا توريث غير التوريث المتعارف، فيحمل الايصاء على نحوٍ من ذلك؛ كالنظر في مصالح المسلمين على أي حال كان خليفة أو غير خليفة، و مساعدة اُولي الأمر، و ذَكَر أحاديث أخرى حمل عليها معنى الوصية.(1)
     و لا شك أن وراثة الكتاب والسنة هما من أهم لوازم الخلافة و الإمامة، فكيف يمكن أن يكونا دليلاً على عدم وراثتها؟ و قد كان علي عليه السلام يقول: « ... و اللّه إني لأخوه ووليه و ابن عمّه ووارث علمه، فمن أحق به منّي» (2) أي في خلافته، حيث جعل الارث العلمي واحداً من لوازم الخلافة.
     أما حمل الوصية على النظر في مصالح المسلمين ومساعدة اُولي الأمر، فان الأول لا يتمكن منه إلّا إذا كان مطلق اليد، والثاني أمر يشترك فيه كافة المسلمين.

(1) ذخائر العقبي: 71، الرياض النضرة 3: 119.
(2) المتسدرك / الحاكم 3: 126.



(118)

     على أن القول بمساعدته عليه السلام أولي الأمر بموجب الوصية باطل بالضرورة إذ الثابت أن عليّاً عليه السلام هو ولي الأمر بحديث الغدير المتواتر ، و حاشا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من هذا التناقض، إذ كيف ينصبه وليّاً و خليفة على أبي بكر وعمر و سائر المسلمين ثمّ يوصّيه بمساعدة من بيعتهم فلتة الى أبد الآبدين؟!
     قال الشوكاني في معرض ردّه على تأويل المحب الطبري: والحامل له على هذا الحمل حديث عائشة السابق، والواجب علينا الايمان بأن علياً عليه السلام وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ولا يلزمنا التعرض للتفاصيل الموصى بها، فقد ثبت أنه أمره بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين، وعينّ له علاماتهم، و أودعه جملاً من العلوم، و أمره باُمور خاصة، فجَعْل الموصى بها فرداً منها ليس من دأب المنصفين.(1)
     4ـ و حذا المتأخرون حذو المتقدمين في التأويل، ففي رواية الطبري لحديث الدار في (تهذيب الآثار):(( فأيكم يؤازرني على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم)) ثم قوله صلّى اللّه عليه و آله لعلي عليه السلام: « إن هذا أخي ووصيي و خليفتي فيكم ... » .
     قال محقق الكتاب: و لفظ الوصي في هذه الأخبار بمعزل عمّا تقوله الشيعة من أن علياً هو الوصي، بمعنى وصايته على المؤمنين بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، بل هو بالمعني العام في الوصية المعروفة عند المسلمين ، وسياق كلام أبي جعفر دال علي ذلك في فقه هذه الأخبار ، فمن أخرجه من معناه الى معنى ما تقوله الشيعة فقد أعظم الفرية.(2)

(1) العقد الثمين : 42.
(2) تهذيب الآثار : هامش صفحة 63 مسند علي عليه السلام.



(119)

     و لقد خانه التضعيف و التشكيك بالحديث، و تصورّ أنه أحسن صنعاً حينما فسّر الوصية بالمعنى العام، ناسياً أن وصي النبي العام هو خليفته، ولا فصل في المقام بين الأمرين، إذ ليس في تاريخ الأنبياء عليهم السلام وصي عام و وصي خاص، و نبينا صلّى اللّه عليه و آله ليس بدعاً من الرسل. الأمر الذي يتّضح معه مَن أعظم الفرية حقاً حقاَ.
     و الفرقة الثالثة: هم الذين كذبوا بأحاديث الوصية من الأساس، لأنّهم علموا أنَّ شيئاً من تلك التأويلات لا يجدي نفعاً، و لأن التصديق بها أو تصحيح طرقها يزلزل شرعية الخلافة، و يضع مزيداً من علامات الاستفهام أمام مشروعية جميع الحكومات التي تلت عصر الرسالة سواء أكانت سقيفيّة أم أُموية أم عباسية، ومن هنا فقد اجتمع هؤلاء على الإنكار و الكتمان والتضعيف و غيرها من الأساليب.
     روي الطبري في حوادث سنة 169 من تاريخه بالاسناد عن أبي الخطاب قال: لما حضرت القاسم بن مجاشع التميمي (1) الوفاة، أوصى الى المهدي، فكتب (شَهِدَ آللّهُ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ) إلى آخر الآيتين 18و 19 من سورة آل عمران، ثم كتب: والقاسم بن مجاشع يشهد بذلك، و يشهد أن محمّداً عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و أن علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ووارث الإمامة بعده.
     قال: فعرضت الوصية على المهدي، فلما بلغ هذا الموضع رمى بها و لم ينظر

(1) قائد عباسي معروف، كان من النقباء الذين اختارهم محمّد بن علي صاحب الثورة في أول الدعوة العباسية، و نصبه أبو مسلم قاضياً و إماماً للصلاة منذ سنة 100 هـ و شارك في حروب بني العباس سنة 129 و ما بعدها، وكان على ميسرة أبي مسلم في فتوحاته، و بقي و فياً لهم حتى وفاته سنة 169. راجع : تاريخ الطبري ـ حوادث سنة 100 و 129 و ما بعدها.


(120)
فيها (1). و ذلك لأن التسليم بها يعني تسليم العرش الذي يجلس عليه، هذا مع أن العباسين قد جاءوا بشعارات علوية، كان على رأسها: الرضا من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله، فكيف بغيرهم؟
     و يميل أصحاب هذا الاتجاه الى رفض الوصية بالكلية، و إثارة المزيد من الشبهات حولها، و استخدام مختلف أساليب الكتمان و التحريف و التأويل ، و تكذيب الأحاديث والأخبار الواردة فيها، و نسبة رواتها الى الضعف والكذب و الرفض، لإسقاطها من الاعتبار، إيغالاً منهم في تكذيب الصحيح الثابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و كذباً علي الأُمّة بتزييف أقوال الرسول صلّى اللّه عليه و آله و نسبة أشياء موضوعة إليه في الوقت الذي يعلمون فيه قوله صلّى اللّه عليه و آله المتواتر: « من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار» و فيما يلي نذكر بعض أساليبهم:
أساليب هذا الاتجاه:
     1ـ أسلوب التكتّم و الإنكار
     و يأتي على رأس الذين تبنّوا هذا الاتجاه و حرّكوا عجلته عائشة في حديث رواه البخاري و غيره مفاده إنكار الوصية لعلي عليه السلام، و هذا نصّه:
     عن الأسود ، قال: ذكروا عند عائشة أن عليّاً رضي اللّه عنه كان وصياً، فقالت : متى أوصى إليه، و قد كنت مسندته الى صدري؟ أو قالت: حجري، فدعا بالطست، فلقد انخنث في حجري، فما شعرتُ أنه قدمات ، فمتى أوصى إليه؟(2)

(1) تاريخ الطبري 4: 176.
(2) صحيح البخاري 4: 47 / 4 ـ الباب الأول من كتاب الوصايا، و 5: 37/ 442 ـ كتاب المغازلي ـ باب مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و وفاته. و أخرجه مسلم في الصحيح 3 1257 / 1636ـ كتاب الوصية ـ باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه.



(121)