و قد ادّعت تلك المرأة الحاقدة على وصيّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في خبر (الصحيحين)! أمرين:
     أحدهما: أنها آخر الناس عهداً برسول اللّه، و قد أكّدته بأخبار أخرى تفرّدت بها، منها قولها: مات النبي صلّى اللّه عليه و آله و إنه لبين حاقنتي و ذاقنتي (1)، و قولها: توفّي النبي صلّى اللّه عليه و آله في بيتي و في يومي و بين سحري و نحري(2).
     و هذا الادعاء معارض بعدّة أحاديث عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، و الإمام علي بن الحسين عليه السلام، و اُمّ سلمة، و ابن عباس، و عمر بن الخطاب، و عائشة نفسها، و عبداللّه بن عمرو، و حذيفة بن اليمان ، والشعبي و غيرهم ، و كلّها تصرّح بأن عليّاً عليه السلام هو آخر الناس عهداً برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنه صلّى اللّه عليه و آله قال: « ادعوا لي حبيبي» أو « أخي » فدعوا عليّاً عليه السلام، فجعل يسارّه و يناجيه و هو مسنده الى صدره، و قال عليه السلام:(( علّمني ألف باب من العلم، يفتح لي كل باب الف باب ))و لم يزل يحتضنه حتى قُبض في حجره، و هو الذي تولّى غسله و كفنه و دفنه.(3)
     قال أمير المؤمنين عليه السلام: « و لقد قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و إن رأسه لعلى صدري، و لقد سالت نفسه في كفّي ، فأمررتها على وجهي، و لقد وليت

(1) صحيح البخاري 5: 33/ 433 ـ كتاب المغازي ـ باب مرض النبي صلّى اللّه عليه و آله و وفاته.
(2) صحيح البخاري 5: 36 / 438 ـ نفس الكتاب و الباب المتقدم.
(3) راجع: الطبقات الكبرى / ابن سعد 2: 262 ذكر من قال توفي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في حجر علي بن أبي طالب عليه السلام، البداية والنهاية/ ابن كثير 7 : 359، ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق 2: 484 / 1012 و 3: 17 / 1036 ـ 1040، ذخائر العقبى: 72، كنز العمال 7: 252 و 253 و 255 و 16 : 228.



(122)
غسله و الملائكة أعواني» (1).
     و في الصحيح عن اُمّ سلمة، قالت: و الذي أحلف به، إن كان علي رضي اللّه عنه لأقرب الناس عهداً برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، عدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله غداةً، و هو يقول: « جاء علي، جاء علي؟» مراراً، فقالت فاطمة رضي اللّه عنها: « كأنك بعثته في حاجة؟» قالت: فجاء بعدُ ، قالت اُم سلمة: فظننت أن له إليه حاجة، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب، وكنت من أدناهم الى الباب، فأكبّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جعل يسارّه و يناجيه، ثمّ قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من يومه ذلك ، فكان علي أقرب الناس به عهداً(2).
     قال سبط ابن الجوزي: هذا الحديث رواه أحمد بن حنبل في (الفضائل)(3) و لم يطعن فيه أحد، و هو حديث صحيح، و لو كان معلولاً لتكلموا فيه ...
     ثم قال: : قول اُمّ سلمة مثبت، و قول عائشة نا في، و متي اجتمع المثبت و النافي قدّم المثبت باجماع الأُمّة (4). مضافاً الىأن حديث أُمّ سلمة رضي اللّه عنها مقدّم علي حديث عائشة عند التعارض، لما ثبت عن أُمّ سلمة من وفور العقل وصواب الرأي و سموّ المقام والفضيلة (5). بينما ثبت عن عائشة أنها أحدثت بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، فقد قيل لها: ندفنك مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ فقالت : إني قد أحدثت

(1) نهج البلاغة : 311 / خ 197.
(2) المستدرك / الحاكم 3: 39 و قال: هذا حديث صحيح الاسناد و لم يخرجاه. و قال الذهبي في التلخيص: صحيح. و راجع أيضاً: مسند أحمد 6: 300، ترجمة علي عليه السلام من تاريخ دمشق 3: 18/ 1038، مجمع الزوائد 9: 115 و صححه.
(3) فضائل الصحابة 3: 686 / 1171.
(4) تذكرة الخواص: 48.
(5) راجع: المراجعات / عبدالحسين شرف الدين: المراجعة (75 ـ 78).



(123)
بعده، فادفنوني مع أخواتي، فدفنت بالبقيع.(1)
     والآخر: أن النبي صلّى اللّه عليه و آله لم يوصِ لأمير المؤمنين علي عليه السلام و فيه:
     1ـ إن الذين ذكروا عند عائشة أن علياً عليه السلام وصيّ، لابدّ أنهم من جيل الصحابة أو من الذين أدركوهم، و أنهم سمعوا بهذا الأمر، فجاءوا متسائلين، ربما للاحتجاج عليها بسبب خروجها على أمير المؤمنين عليه السلام، و لم يبيّن الراوي ظروف صدور الحديث، المهم إن التساؤل بهذا الموضوع يدلّ على كون الوصية أمراً متداولاً منذ عصر الرسالة، و هو جزء لا يتجزّأ من الثقافة الإسلامية و الفكر النبوي الأصيل.
     2ـ إن الوصية المسؤول عنها في هذا الخبر هي الخلافة، لهذا جابهت السؤال بالرفض والانكار الشديدين؛ لأن الجواب بالايجاب يفضي الىالقول بخلافة أهل البيت عليهم السلام، و التي كانت عائشة في صدد التصدّي لها، ولو كانت الوصية عامة، أو في اُمور شخصية كالأهل و الديون والأولاد ـ كما يقال ـ لما أنكرتها عائشة.
     و يدلّ على ذلك ما نقله ابن حجر عن الزهري فيما رواه جماعة منهم عروة بن الزبير قال: كأنّ عائشة أشارت الى ما أشاعته الرافضة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله أوصى الى علي بالخلافة.(2)
     3ـ إن هذه الدعوى معارضة بالأحاديث والأخبار الصحيحة المصرحة بالوصية لأمير المؤمنين عليه السلام، و قد ذكرناها في الفصلّىن المتقدمين، ولو صحّ خبرها هذا فهو يعني نفي الوصية حال الوفاة، ولا يمنع ذلك من أن تكون قبل

(1) المعارف / ابن قتيبة: 134 ـ نشر الشريف الرضي ـ قم ـ 1415.
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري / ابن حجر 8: 122.



(124)
الوفاة.
     قال سبط ابن الجوزي: إن قول عائشة « ما قبض إلّا بين سحري و نحري» لا ينافي الوصية؛ لأن في تلك الحالة لا يقدر الإنسان على الكلام ، و إنما يكون قبيل ذلك، فيحمل على أنه أوصى إليه في ذلك الوقت، فلما ثقل قبض بين سحرها و نحرها توفيقاً بين الأقوال.(1)
     و علّق الإمام السندي على الحديث في حاشيته على سنن النسائي بالقول:
لا يخفى أن هذا لا يمنع الوصية قبل ذلك، ولا يقتضي أنه مات فجأة بحيث لا تمكن منه الوصية و لا تتصور، فكيف و قد عُلِم أنه صلّى اللّه عليه و آله عَلِم بقرب أجله قبل المرض، ثمّ مرض أياماً..(2)
     4ـ و تتساءل عائشة: (متي أوصى إليه؟) فنقول لها: منذ تباشير الدعوة الإسلامية في حديث الدار حيث لم تكوني بعد نطفة في رحم اُمّك يا عائشة، و حتى مرض موته صلّى اللّه عليه و آله حيث أراد أن يكتب الوصية، ليؤكّد عهده اللفظي بكتاب لا تضلّ الأمّة بعده، فمنع عمر بن الخطاب ذلك الكتاب بزعم أن النبي صلّى اللّه عليه و آله يهجر أو غلبه الوجع.(3)
     و قد أكّد عمر أنه صلّى اللّه عليه و آله أراد أن يوصي الى علي عليه السلام بالخلافة في حواره مع ابن عباس وفيه: قال عمر لا بن عباس: هل بقي في نفس علي شيء من أمر الخلافة؟ فقال ابن عباس: نعم. فقال عمر: ... و لقد أراد رسول اللّه في مرضه أن يصرّح

(1) تذكرة الخواص: 48.
(2) سنن النسائي 6: هامش ص 241 ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت.
(3) راجع : صحيح البخاري 7: 219 / 30 ـ كتاب المرضي ، صحيح مسلم 3: 1257 و 1259 ـ كتاب الوصية ، مسند أحمد 1: 222 , 324.



(125)
باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقاً وحيطةً على الإسلام ... (1)
     و من سخرية الأقدار أن يكون ابن الخطاب أشفق من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أكثر حيطة منه على الإسلام !!
     5ـ إن المنقول عن عائشة في إنكار الوصية لعلي عليه السلام لا يمكن الوثوق به، لما ثبت من أنها حاربت علياً عليه السلام لما بويع بالخلافة، و شهرت في وجهه السيف بالبصرة، فكيف إذن تذكر ما يثبت خلافته و هي أشدّ الأُمّة تأليباً عليه.
     قال ابن عباس: إن عائشة لا تطيب له نفساً بخير.(2)
     و في الخبر المشهور: أنه لما جاءها نعي أمير المؤمنين عليه السلام استبشرت و تمثّلت بقول الشاعر:
فإن يكُ نائياً فلقد نعاه غلام ليس في فيه الترابُ
     فقالت لها زينب بنت اُمّ سلمة: ألعليّ تقولين هذا؟ فقالت: إن أنسى!! فإذا نسيت فذكّروني، ثم خرّت ساجدة شكراً على ما بلغها من قتله عليه السلام و رفعت رأسها و هي تقول:
فألقت عصاها استقر بها النوى كما قرّ عيناً بالإياب المسافرُ(3)
     هذا فضلاً عن ثبوت تلوّنها و تقلّبها فمرّة تقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر، و مرّة تصيح يا لثارات عثمان! ، ولعلّ هذا و نظائره من سيرتها هو الّذي حمل زياد بن

(1) شرح ابن أبي الحديد 12: 20 ـ 21.
(2) الطبقات / ابن سعد 2: 232.
(3) الجمل / المفيد: 159، الشافي 4: 355 ـ مؤسسة الصادق ـ طهران ، تلخيص الشافي 4: 157، و راجع: تاريخ الطبري 5: 150، مقاتل الطالبيين: 26 ـ النجف ـ 1385 هـ، الطبقات الكبري 3: 40، تذكرة الخواص: 165.



(126)
لبيد الأنصاري على اتّهامها بالكذب كما مرّ في أبياته في الوصية، فراجع.
     2ـ اسلوب إبعاد الوصية عن العهد النبوي
     رغم اُسلوب التكتم الذي اتبعه أصحاب هذا الاتجاه، فقد ترشحت بعض الأخبار و الأشعار المصرحة بالوصية، فتصدّوا لها بالانكار ، وشادوا إنكارهم على أساس كون الوصية أمراً محدثاً و مفهوماً طارئاً لا ينتمي الى زمان النبوة، ولا يمت بصلة الى الفكر الإسلامي، و ذلك من خلال ادّعاءين باطلين:
     الادعاء الأوّل: أن الوصية من إبدعات عبداللّه بن سبأ.
     و أقدم من نقل هذا الادعاء علي ما وجدنا هو الطبري في تاريخه، و قد رواه عن السري؛ عن شعيب، عن سيف بن عمر، عن عطية، عن يزيد الفقعسي، و ذكر فيه أنّ ابن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء، فأسلم أيام عثمان، ثم تنقل في حواضر الإسلام يحاول إضلالهم، فبثّ عقيدة الرجعة و الوصية ، و كان من جملة أقواله في الوصية: إنه كان ألف نبي، و لكلّ نبي وصي، و كان علي وصي محمّد ، ومحمّد خاتم الأنبياء، و علي خاتم الأوصياء، .. الخ.(1)
     و جاء بعد الطبري أقوام و كأنهم وجدوا في هذه الرواية خير وسيلةٍ لتبرير عمل أهل السقيفة و أقوى ذريعة للتنصّل عمّا أراده اللّه و حكم به و أعلن عنه رسوله و أوصي به ...!!! منهم: ابن كثير، و ابن الأثير، و ابن خلدون، والمقريزي(2)،

(1) تاريخ الطبري 4: 340 ـ حوادث سنة 35 هـ.
(2) البداية و النهاية 7: 167، الكامل في التاريخ 3: 46، تاريخ ابن خلدون 3: 215 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1408 هـ، الخطط / المقريزي 2: 352 ـ دار صادر ـ بيروت.



(127)
و كثير من المتأخرين (1) ، الذين ربطوا بين الفكر الإمامي الأصيل والمزاعم اليهودية، و زادوا على من تقدّم أنّ الوصية من صنع اليهود، ومنهم انتقلت الى المسلمين!! و غير ذلك من الترهّات بل السخافات التي روّجتها النفوس المريضة و حاولت بشتّى الطرق الملتوية صرف الناس عن مبدأ الوصية وجديّتها .
و خلاصة القول في هذا الهراء:
     1ـ إن رواية الطبري التي يستند إليها المروّجون لهذا الادعاء لا قيمة لها من الناحية العلمية؛ لأنها موضوعة لا أصل لها، و تخالف الواقع التاريخي و مسلّمات التاريخ، فضلاً عن أنّ الطبري قد تفرّد بنقلها.
     و قد رواها الطبري عن السري، و هو إما السري بن إسماعيل، وهو كذّاب متروك ليس بشيء، أو السري بن عاصم، و هو كذاب وضّاع يسرق الحديث (2) ، ورواها السري عن شعيب بن إبراهيم، و هو

(1) منهم: د. حسن إبراهيم حسن في (تاريخ الإسلام السياسي: 347 ـ مكتبة النهضة المصرية ـ 1964 م) ، و (تاريخ الدولة الفاطمية : 22 و 25) ، ود سليمان العودة في ) عبد الله بن سأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الاسرم: 232) ، ود. عبدالعزيز محمد نور ولي في (أثر التشيع علي الروايات التاريخية: 19 ـ دار الخضيري ـ المدينة ـ 1417 هـ)، و علي مصطفي الغرابي في (تاريخ الفرق الإسلامية : 17 ـ القاهرة ـ 1378 هـ) ، و محمّد أبو زهرة في (تاريخ المذاهب الإسلامية: 46 ـ دار الفكر العربي ـ 1976 م) ، الشيخ محمّد الخضري في (تاريخ الدولة الأموية : 359 ـ دار القلم ـ بيروت ـ 1406 هـ)، و محمّد رشيد رضا في (السنة و الشيعة: في عدة صفحات) و محمّد فريد و جدي في (دائرة معارف القرن العشرين 5: 18 ـ 19 ـ دار الفكر ـ بيروت ) ود. مصطفى حلمي في (نظام الخلافة بين أهل السنة و الشيعة: 157 ـ دار الدعوة ـ ط 1ـ 1408هـ) وغيرهم كثير.
(2) ميزان الاعتدال 2: 117 ، لسان الميزان / ابن حجر 3: 12 ـ مؤسسة الأعلمي



(128)
مجهول (1)، و رواها شعيب عن سيف بن عمر، و هو ضعيف ، ليس بشيء، متروك الحديث ، متهم بالزندقة، عامة أحاديثه منكرة لا يتابع عليها، وضّاع ، و ساقط الرواية (2)، ورواها سيف عن عطية، عن يزيد الفقعسي، وكلاهما مجهولان.
     تري فهل رأيت حياتك كلّها مثل هذا الاسناد المضحك، بل التحفة في التفاهة؟!
     2ـ إن هذه الرواية هي من مبتدعات المتزلفين الى سلاطين بني اُمية، دسّوها في التاريخ لخدمة أغراض السياسة الاموية في تشييد السقيفة و مواجهة فكر أهل البيت عليهم السلام الأصيل.
     قال د. طه حسين: إن خصوم الشيعة أيام الأُمويين و العباسيين قد بالغوا في أمر عبد اللّه بن سبأ هذا، ليشكّكوا في بعض ما نسب من ألاحداث الى عثمان و ولاته من ناحية، و ليشنّعوا على علي و شيعته من ناحية اُخرى، فيردّوا بعض أُمور الشيعة الى يهودي أسلم كيداً للمسلمين ، و ما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة!(3)
     و ذكر في موضع آخر أن ابن سبأ قد اختُرع بأَخَرةَ حين كان الجدال بين الشيعة و غيرهم من الفرق الإسلامية، فأراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في اُصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم.

ـ بيروت ـ 1406 هـ.
(1) ميزان الاعتدال 2 : 275، السان الميزان 3: 145.
(2) ميزان الاعتدال 2: 256، تهذيب التهذيب 4: 259 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1404 هـ.
(3) الفتنة الكبرى / طه حسين: 134.



(129)

     ثم استنتج من خلال عدّة أدلة أن ابن سبأ مجرد و هم لا حقيقة له، و أنه شخص أدخره خصوم الشيعة للشيعة، و لا وجود له في الخارج (1)، و قد تابعه غير واحد من المستشرقين والباحثين (2) ممن شككوا في شخصية ابن سبأ، و اعتبروا قصته خرافة لا وجود لها في التاريخ الإسلامي، ولا يصلح علي إثباتها دليل علمي قاطع، و قد أفرد السيد مرتضى العسكري دراسة موسعة خاصة بهذا الموضوع تحت عنوان (عبداللّه بن سبأ و أساطير اُخرى) انتهى فيها الى القول بأسطورة هذه الشخصية و اختلاقها!
     3ـ إن إنكار وجود ابن سبأ و إن كان غير صحيح كما تريى، الا أن الدور الذي أعطي له دور خيالي، في حين أنه من رؤوس الغلاة الذين ادعوا ألاأُ لوهية لعلي عليه السلام، وادعى هو النبوة لنفسه، وقد استتابه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يتب، فقتله و أصحابه حرقاً بالنار، و قد لعنه أهل البيت عليهم السلام و شيعتهم (3) ، و قد ذكر بعض المؤرخين ما يؤيد هذا أيضاً(4).
     و الادعاء الثاني: إن الوصية من صنع متكلمي الشيعة في القرن الثاني.
     قالوا: أول من ابتدعها هشام بن الحكم (191 هـ) و لم تكن معروفة قبله لا من ابن سبأ و لا من غيره، و إن كلمة الوصي الواردة في قوله صلّى اللّه عليه و آله : « أنت أخي

(1) عليّ وبنوه: المجموعة الكاملة / طه حسين 4: 518 ـ 519.
(2) راجع : نظرية الإمامة لدي الشيعة الاثني عشرية / د. أحمد محمود صبحي: 37 ـ دار المعارف ـ مصر.
(3) لا حظ: رجال الكشي: 106 / 170 ـ 174 ـ كلية الإلهيات ـ جامعة مشهد.
(4) راجع : البدء و التاريخ / المقدسي 5: 125/ المعارف / ابن قتيبة: 622، الفصل في الملل و النحل / ابن حزم 4: 186 ـ مكتبة المثنى ـ بغداد.



(130)
و وصيي » في حديث الدار ، هي من صنع الشيعة الذين وضعوها بدلاً من كلمة وزيري.(1)
     و هو إيغال في التجنّي على التاريخ الذي حفظ لنا الوصية منذ فجر الرسالة، بل و حتى علي أُولئك الذين ادعوا أن التشيع ينتمي الى عبداللّه بن سبأ.
     ثمّ إن الرواية العامية للحديث جاءت بلفظ « أنت أخي و وصيي» من مصادر معتبرة و أسانيد لا غبار عليها.(2)
     و لم يكن هذا الادعاء و ليد اليوم، كما يتبين من ردّ الشوكاني (1250 هـ) عليه بقوله: اعلم أن جماعة من المبغضين للشيعة عدّوا قولهم أنّ علياً وصي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من خرافاتهم، و هذا إفراط و تعنّت يأباه الإنصاف، و كيف يكون الأمر كذلك و قد قال بذلك جماعة من الصحابة، كما ثبت في الصحيحين أن جماعة ذكروا عند عائشة أن علياً وصيّ، و كما في غيرهما.(3)
     و تلقّف هذا الادعاء المتهافت بعض المتأثّرين بفُتات الفكر السلفي فردّدوه

(1) الخلافة و نشأة الأحزاب الإسلامية / د. محمّد عمارة : 155 ـ 158 ـ المؤسسة العربية للدراسات و النشر ـ ط 1 ـ 1977 م.
(2) راجع: تاريخ الطبري 2: 217، معالم التنزيل /البغوي 4: 278، شرح ابن أبي الحديد 13: 210 و 244، الكامل في التاريخ 1: 586 ـ 587، تفسير الخازن 3: 371 ـ 372، و صححه الشيخ أبو جعفر الاسكافي في نقض العثمانية: 303، وشهاب الدين الخفاجي في نسيم الرياض في شرح الشفا للقاضي عياض 3: 35، و حكى السيوطي في جمع الجوامع ، كما في ترتيبه (6/ 396) تصحيح ابن جريرله. راجع: الغدير 2: 395 ـ 396.
(3) العقد الثمين في إثبات وصاية أمير المؤمنين عليه السلام: 45.



(131)