إبراهيم بن محمد بن ميمون، وعباد بن يعقوب(1).
     و مع ذلك قال الذهبي: لا أعرفه، روى حديثاً موضوعاً فاسمعه: روى محمّد ابن عثمان بن أبي شيبة عنه، عن علي بن عابس، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس أن النبي صلّى اللّه عليه و آله قال لي: « أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين و سيد المسلمين، و قائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيين...» (2) فكان هذا الحديث سبباً في تضعيفه و عدم معرفة الذهبي له.
     2ـ جابر بن يزيد الجعفي
     قال سفيان: ما رأيت أورع منه في الحديث، و قال شعبة: جابر الجعفي صدوق في الحديث. و قال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابراً ثقة. و وصفه الذهبي بأنه أحد أوعية العلم (3). و روى له أبو داود والترمذي و ابن ماجة، و مع ذلك فقد ضعفوه، و تركوا حديثه (4) و نهوا عن كتابته، و اتهموه بالكذب في الحديث تارة، و بالرفض اُخرى(5).
     والسبب في ذلك لأنه كان إذا حدث عن الإمام الباقر عليه السلام يقول: حدثني

(1) لسان الميزان 1: 107 / 318.
(2) ميزان الاعتدال 1: 64 / 211.
(3) راجع : تاريخ الإسلام / الذهبي و فيات سنة 121 ـ 140: 59، تهذيب الكمال 4: 467 ـ 468 ، تهذيب التهذيب2: 47، ميزان الاعتدال 1: 379.
(4) راجع: صحيح مسلم 1: 25 من المقدمة.
(5) راجع: ضعفاء العقيلي 1: 192 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ 1404 هـ، تهذيب الكمال 4: 469 ، ميزان الاعتدال 1: 380، تاريخ الإسلام / الذهبي: 60 ، تهذيب التهذيب 2: 47 ـ 49.



(142)
وصي الأوصياء. قال ابن عيينة: سمعت من جابر ستين حديثاً، ما أستحلّ أن أروي عنه شيئاً، يقول حدثني وصي الأوصياء.
     و قال الحميدي : سمعت ابن أكثم الخراساني يسأل سفيان: أرأيت يا أبا محمّد الذي عابوا على جابر الجعفي؛ قوله: حدثني وصي الأوصياء...(1).
     3ـ خالد بن عبيد العتكي، أبو عاصم البصري
     قال الذهبي: كان ذا وقار و جلالة. و قال أحمد بن سيار: كان شيخاً نبيلاً، و كان العلماء يعظمونه، وكان ابن المبارك ربما سوّى عليه ثيابه إذا ركب. و قال العلاء بن عمران: كانوا لا ينكرون روايته عن أنس ، وقال ابن عدي: ليس في أحاديثه حديث منكر جداً. وروى له ابن ماجة.
     و مع ذلك فقد جعله ابن حبان في الضعفاء، و قال: يروي عن أنس نسخة موضوعة ما لها اُصول ... منها: عن أنس، عن سلمان، قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي: « هذا وصيي و موضع سري وخير من أترك بعدي» (2).
     4ـ عبدالغفار بن القاسم، أبو مريم الأنصاري
     و صفوه بالاعتناء بالعلم و بالرجال، و قال شعبة: لم أرَ أحفظ منه، و قال ابن عدي: سمعت ابن عقدة يثني علي أبي مريم و يطريه، وتجاوز الحدّ في مدحه حتى قال: لو ظُهر على أبي مريم ما اجتمع الناس الى شعبة(3).
     قال ابن كثير بعد إيراده حديث الدار: تفرّد به عبدالغفار بن القاسم، أبو

(1) ميزان الاعتدال 1: 383، تهذيب التهذيب 2: 43، ضعفاء العقيلي 1: 194، تهذيب الكمال 4: 470 ـ الهامش.
(2) ميزان الاعتدال 1: 634 / 2443، تهذيب التهذيب 3: 91 / 194.
(3) لسان الميزان 4: 42 / 123.



(143)
مريم، و هو كذّاب شيعي، اتهمه علي بن المديني و غيره بوضع الحديث، و ضعّفه الباقون.(1)
     و لو سلّمنا بقول ابن كثير، فإن حديث الدار روي من طرق اُخرى صحيحة ليس فيها عبدالغفار بن القاسم (2) ، لكنه أغمض عنها و ادّعى تفرّد أبي مريم برواية الحديث.
     5ـ علي بن هاشم بن البريد
     و صفه الذهبي: بالإمام الحافظ الصدوق، و وثّقه ابن معين، و يعقوب السدوسي، و علي بن المديني و طائفة. و قال أبو زرعة: صدوق، و جعله ابن حبان في الثقات. و أخرج له مسلم في صحيحه و الأربعة في سننهم، و البخاري في الأدب المفرد، و ذكره في تاريخه الكبير. و قال أحمد بن حنبل و النسائي: ليس به بأس(3).
     و مع ذلك فقد جعله العقيلي في الضعفاء. و نقل عن عيسى بن يونس، قال: هم أهل بيت تشيّع و ليس ثمّ كذب... ثم قال: روى عن سلمان: « إن أفضل الأنبياء نبينا، و إن أفضل الأوصياء وصينا، و إن أفضل الأسباط سبطانا» (4)

(1) البداية و النهاية 3: 40.
(2) راجع: ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق 1: 99 / 137، تاريخ الطبري 2: 219، خصائص النسائي: 18، مسند أحمد 1: 159، شواهد التنزيل 1: 420 / 580 و غيرهم.
(3) سير أعلام النبلاء 8: 342 / 92، تهذيب التهذيب 7: 342 / 634، ضعفاء العقيلي 3: 255 ـ الهامش.
(4) ضعفاء العقيلي 3: 255 / 1260.



(144)
ومن هنا جاء تضعيفه.
     6ـ عمارة بن جوين، أبو هارون العبدي
     روى له البخاري في كتاب أفعال العباد، و كذلك الترمذي و ابن ماجة . و قد ضعفوه و اتهموه بالكذب لأنه كانت عنده صحيفة يقول: هذه صحيفة الوصي.(1)
     قال ابن عبد البر: قد تحامل بعضهم فنسبه الى الكذب، روي ذلك عن حماد ابن زيد ، وكان فيه تشيّع ، و أهل البصرة يفرطون فيمن يتشيّع بين أظهر هم لأنهم عثمانيون (2).
     7ـ محمّد بن الحسين الأزدي
     قال ابن حجر: محلّة الصدق. و نقل الخطيب عن محمّد بن جعفر بن علان أنه ذكره بالحفظ و حسن المعرفة بالحديث و أثنى عليه.
     و رموه بالضعف لما نُقِل في تاريخ حلب لابن العديم أنه قدم على سيف الدولة ابن حمدان، فأهدى له كتاباً في مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، قال ابن العديم: و فيه أحاديث منكرة ... منها: « يوشع وصي موسى، وعلي وصي محمّد، و محمّد أفضل من موسى، فوصيه أفضل من وصيه» (3).
     8ـ الحاكم أبو عبداللّه محمّد بن عبداللّه النيسابوري صاحب (المستدرك)
     وصفه علماء الجرح و التعديل بأنّه شيخ المحدّثين و صاحب التصانيف، و أنه

(1) تهذيب التهذيب 7: 361 / 671 ، ميزان الاعتدال 3: 174 / 6018، تهذيب الكمال 21: 234.
(2) تهذيب التهذيب 7: 362.
(3) لسان الميزان 5: 139 / 465.



(145)
إمام صدوق، ثقة في الحديث (1).
     و مع ذلك فقد اتّهموه بالتشيّع تارة وبالرفض اُخري لتصحيحه أحاديث في فضل أهل البيت عليهم السلام و إمامتهم. قال الذهبي : و من شقاشقه ... قوله: إن عليّاً وصي.(2)
     9ـ ناصح بن عبداللّه الكوفي
     قال الذهبي: و كان من العابدين ، ذكره الحسن بن صالح، فقال: رجل صالح ، نعم الرجل. و أخرج حديثه الترمذي وابن ماجة.
     و قد وصفوه بالضعف و عدم الثقة و تركوا حديثه لما رواه عن سماك بن حرب، عن أبي سعيد الخدري ، عن سلمان، قال: قلت: يا رسول اللّه لكل نبي وصيّ، فمن وصيك؟ فسكت عنّي، فلما كان بعدُ قال: « يا سلمان، إنّ وصيي، و موضع سرّي، و خير من أترك بعدي، ينجز موعدي، و يقتضي ديني؛ علي ابن أبي طالب» (3).
     5ـ اُسلوب إثارة الشبهات
     تعرّضنا في هذا الفصل لبعض الشبهات المثارة حول الوصية، و قد ذكرنا جوابها، و هناك شبهة قديمة ذكرها الخوارج و كثير من المتأخرين مفادها: لو كان علي عليه السلام وصياً لما حكّم الحكمين.
     روى الذهبي عن أبي عمرو الأوزاعي: أنه لما قدم عبداللّه بن علي على السفاح الشام و قتل بني اُمية، بعث إليّ و قال : و يحك، أو ليس الأمر لنا ديانةً؟

(1) راجع: سير أعلام النبلاء 17: 162.
(2) ميزان الاعتدال 3: 608.
(3) ميزان الاعتدال 4: 240 / 8988، تهذيب التهذيب 10: 258 / 721.



(146)
قلت : كيف ذاك؟ قال: أليس كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أوصى لعلي؟ قلت: لو أوصي إليه لما حكّم الحكمين، فسكت و قد اجتمع غضباً، فجعلت أتوقع رأسي يسقط بين يدي، فقال بيده هكذا: أو مأ أن أخرجوه، فخرجت.(1)
     و قبل الجواب يتّضح من هذا الخبر أن عبداللّه بن علي قائد العباسيين كغيره من رجال الأُمّة يفهم أن الوصيّ هو الذي يقوم بالأمر بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله ديانةً لا شورى ولا اختياراً. هذا مع أن الوصية لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام لا تصحّح شرعية الخلافة العباسية بأي شكل من الأشكال كما أراد عبداللّه بن علي، لأنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام لم يوصِ إليهم، ولا هم ورّاثه الشرعيون.
     أما الجواب فبا مكان الخوارج والأوزاعي أن يقولوا: لو كان وصياً لما بايع الشيخين و لما حضر الشورى، و لكل ذلك جواب يثبته واقع التاريخ الذي فرض على الوصي العمل بوصية أخيه وعهده إليه بالصبر عند خذلان الأمّة، فكان عليه السلام يقول: « و صبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم» (2)
و قال عليه السلام: « و طفقت أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذّاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، و يشيب فيها الصغير، و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ و في العين قذىً، و في الحلق شَجىً، أرى تراثي نهباً...» (3).
     و ذلك لأنه عليه السلام آثر بقاء الإسلام الذي نذر حياته و خاض الغمرات لأجله، فتراه في أحرج المواقف التي واجهته بعد البيعة يقول: « سلامة الدين

(1) تذكرة الحفّاظ / الذهبي 1: 181 ـ دار إحياء التراث العربي.
(2) نهج البلاغة / صبحي الصالح: 68 الخطبة 26.
(3) نهج البلاغة / صبحي الصالح: 48 الخطبة 3.



(147)
أحبّ إلينا من غيره» (1).
     و ثبت عنه عليه السلام بخصوص مسألة التحكيم أنه نصح أصحابه من الدخول في هذه الحكومة، و أمرهم بالمناجزة و الثبات في الحرب، و بيّن لهم أن رفع المصاحف خدعة و مناورة لجأ إليها معاوية حين بان في أصحابه الفشل و الوهن، و أحسّ فيهم الجزع من الحرب.
     قال عليه السلام: « عباد اللّه ، إني أحقّ من أجاب الى كتاب اللّه، و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة و ابن أبي سرح، ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن ، إني أعرفُ بهم منكم، صحبتهم أطفالاً و صحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال، إنها كلمة حقّ يُراد بها باطل، وما رفعوا لكم إلّا خديعة و مكيدة» (2).
     و لكن السواد الأعظم من أصحابه عليه السلام و كانوا زهاء عشرين ألفاً، أبوا إلّا التحكيم، و خرجوا عن الطاعة « و لا رأي لمن لا يطاع » (3) فوافقهم عليه السلام تسكيناً لشغبهم لا استصلاحاً لرأيهم، فالوصي عليه السلام لم يحكّم الحكمين، بل إن غالبية جيشه الذين صاروا خوارج فيما بعد، هم الذين أصروا على التحكيم.
     ثم أنّهم ندموا على خطل الرأي، ولكنّهم ارتكبوا حماقة أُخري حيث جعلوا التحكيم ذنباً اقترفه علي عليه السلام، فذكّرهم عليه السلام نهيه لهم عن قبول التحكيم قائلاً: « و قد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة، فأبيتم عليّ إباء المخالفين، حتى

(1) الأخبار الموفقيات: 581 عن محمّد بن إسحاق، شرح ابن أبي الحديد 6: 21.
(2) وقعة صفين: 489، راجع الهامش أيضاً.
(3) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 71 ـ الخطبة 27.



(148)
صرفت رأيي الى هواكم، و أنتم معاشر أخفّاء الهام، سُفهاء الأحام» (1).
     و لمّا أراد عليه السلام أن يبعث أبا موسى الى الحكومة، أتاه رجلان من الخوارج ، و هما زُرعة بن البُرج الطائي، و حُر قوص بن زهير السعدي، فدخلا عليه ، فقالا له: لا حكمُ الاّ للّه، فقال عليّ: لا حكم الّا للّه ، فقال له حُرْ قوص: تُبْ من خطيئتك، وارجع عن قضيّتك، و اخرج بنا الى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربّنا.
فقال لهم عليّ: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني، و قد كتبنا بيننا و بينهم كتاباً، و شرطنا شروطاً، و أعطينا عليها عهودَنا و مواثيقنا، و قد قال اللّه عزّوجلّ:
(وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَ لَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)(2). فقال له حُر قوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه؛ فقال عليّ: ما هو ذنب و لكنه عَجْز من الرأي، وضعفٌ من الفعل، وقد تقدّمت إليكم فيما كان منه، و نهيتُكم عنه (3).
     و بهذا يتبيّن مقدار ما يمتلكه الأوزاعي من علم بشأن التحكيم ، و من يدري فلعلّه كان على رأي الخوارج المارقين.
والحمدللّه ربّ العالمين و سلامٌ على عباده
الذين اصطفى محمّد و آله الميامين


(1) نهج البلاغة / صبحي الصالح: 80 / الخطبة 36.
(2) سورة النحل: 16 / 91.
(3) تاريخ الطبري 5 : 72.



(149)