الاستنتاج

ـــــــــ


ونظرة سريعة الى قانون العقوبات الاسلامي الخاص بالجرائم الخلقية ، تتبين لنا ملامح الصورة الدقيقة التي رسمها الاسلام لتنظيم الحياة الاجتماعية ضمن الاطار الاخلاقي الذي نادت به الشريعة وتبنته على امتداد تاريخها الحافل بالوقائع والاحداث . فمن ملامح نظام العقوبات الاسلامي الخاص بالجرائم الخلقية :
اولاً : التشديد في العقوبات الاخلاقية لردع المنحرفين ، فتتعين عقوبة القتل في الزنا بذات محرم نسباً ، وفي الاغتصاب الجنسي ونحوه ؛ والرجم في الزانية المحصنة والزاني المحصن ؛ والجلد على الزاني والزانية غير المحصنين ؛ والجلد والرجم معا في الشيخ والشيخة المحصنين الزانين ؛ والجلد والتغريب والجز في البكر الزاني الذي تزوج ولم يدخل . ويحد اللوطي بالقتل ضرباً بالسيف او حرقاً بالنار ، او الالقاء من شاهق ، او هدم الجدار عليه . وفي السحق مائة جلدة ، وفي القيادة خمسة وسبعين جلدة ، وفي القذف والسكر ثمانين جلدة . ولا شك ان هذا التشديد في التعامل مع المنحرفين اخلاقياً منسجم مع النظرية الاخلاقية الاسلامية . فلا بد ، من اجل بناء مجتمع متكامل نظيف يهتم بحقوق الاسرة والافراد الذين يشكلون تركيبتها البشرية وحقوق النظام الاجتماعي ، من انزال اقصى العقوبات الجسدية بالذين يحاولون تمزيق النظام الاسري والاجتماعي عن طريق الانزلاق في الشهوات المحرمة وخلط الانساب . وبطبيعة الحال ، فان الاسلام لم يغفل حاجة الفرد المتعلقة بالجنس ، بل اشبعها ضمن ضوابط الزواج الشرعية والعرفية ، وجعل


( 144 )

العقاب صارماً فيما وراء ذلك .
ثانياً : التشديد في الشهادة على الجرائم الخلقية ، وخصوصاً الزنا واللواط والسحق وهو اربعة شهود ، و في القيادة والقذف والسكر شاهدان . ففي ثبوت الزنا الموجب للحد رجماً او جلداً ينبغي شهادة اربعة عدول يتواردون على الشهادة برؤية الواقعة رؤية دقيقة ، ولا بد من اتفاقهم على المشهود به زماناً ومكاناً وفعلاً . واذا نقص عدد الشهود عن اربعة او اختلفوا في التفصيل حد الشهود على القذف ثمانين جلدة . ولا شك ان هذا التشديد في دقة الشهادة وعدالة الشهود ، له ناحيتان ايجابيتان . الاولى : ردع الافراد عن اتهام الآخرين بالزنا بمجرد الظن او الشك ، فلابد من اجتماع الأربعة على رؤية الواقعة بتفصيلاتها الدقيقة ، والا فستكون العقوبة من نصيبهم . الثانية : ان الذي يرتكب هذا الانحراف امام اربعة رجال دون ادنى حياء ، يستحق العقوبة
الجسدية لأنه عنصر افساد للنظام الاجتماعي ينبغي استئصاله دون رحمة .
ثالثاً : دقة نظام العقوبات الاسلامي في اقامة الحد . فلا يعاقب المنحرف مالم تتوفر كل الأدلة الشرعية التي تدين انحرافه الاخلاقي كالبلوغ ، والعقل ، والعلم بالحكم والموضوع ، والاختيار ، والتقاء الختانين . ولابد في اثبات الجريمة الموجبة للحد من عناصر واضحة تبين وقوع الانحراف ، كالاقرار اربع مرات ، او شهادة العدول ، او علم الحاكم الشرعي . وهذا النظام الدقيق لا يترك مجالاً للتأويل او التفسير الذي يناقض واقع الحكم الشرعي .
رابعاً : لا تتوقف معاقبة الانحراف على المنحرفين انفسهم ، بل تتعدى الى اولئك الذين يساهمون في ادارة ذلك الانحراف الاجتماعي والاستفادة منه


( 145 )

مالياً . فالقيادة ، وهو الجمع بين الذكور والاناث على الحرام ، عقوبتها الجلد خمسة وسبعين جلدة ، والنفي من البلد الذي يسكن فيه . وهذه عقوبة رادعة ، لان الجلد والنفي عقوبتان شديدتان احدهما جسدية والثانية اجتماعية ، وربما كانت العقوبة الاجتماعية اوجع من العقوبة الجسدية . ولا شك ان هذا الاسلوب يساهم في تنظيف النظام الاجتماعي من العناصر المنحرفة التي تحاول افساد المجتمع وتحطيم بنيته الاخلاقية .
خامساً : وقد جعل الاسلام الحد ، آخر الحلول لمعالجة الجريمة والانحراف . فقد امر الافراد بالستر والتوبة وسد الحاجات الغريزية بالطرق الشرعية . فاذا استتر المنحرف وتاب الى الله قبل قيام البينة فهو في ستر الله ولا يقام عليه الحد . ولكن اذا أقر على نفسه بالجرم او ثبت عليه الجرم بالبينة اقيم عليه الحد . وقد ورد في الروايات ان الامام (ع) مسؤول عن تزويج الزانية بحيث يعصمها عن ارتكاب هذا الانحراف . وهو دليل قوي على ان اهم اسباب انحراف المرأة هو الحاجة المالية او الغريزية التي لاتسد الا عن طريق الزواج الشرعي .
سادساً : معالجة الانحراف اللفظي كالقذف ونحوه . حيث ينفرد الاسلام من بين الاديان السماوية والانظمة الوضعية بمعاقبة القاذف معاقبة جسدية . وهو دليل آخر على مدى اهتمام الاسلام بنظافة المخاطبات اللفظية بين الافراد في النظام الاجتماعي .
سابعاً : مالجة مشكلة تناول الخمور من الاصل ، قطعاً لدابر الانحرافات الناتجة عن السكر والهذيان ، فيعاقب عليها المنحرف عقاباً جسدياً قدره ثمانون جلدة . ولا شك ان مشكلة الادمان على تناول الخمر من اكثر


( 146 )

المشاكل استهلاكاً لموارد النظام الاجتماعي الرأسمالي الاقتصادية . حيث تستنزف موارد الجهاز الصحي ، لان الادمان يسبب امراضاً داخلية مختلفة كتلف الكبد والدماغ والاعصاب . وتستنزف موارد النظام القضائي ، حيث تتطلب السيطرة الاجتماعية على المدمنين العديد من رجال الشرطة ومنظمي المرور ، لان اكثر الوفيات في المجتمع الصناعي الامريكي ناتجة عن قيادة المدمنين على تناول الخمور سياراتهم . ويسبب الادمان ايضاً انحلالاً اجتماعياً يسري تأثيره الى الاسرة والجيرة والعشيرة والنظام الاجتماعي كلياً . ولذلك .
فان تحريم تناوله ، بالاضافة الى كونه تعبدا فردياً وطاعة لله ، يعتبر قضية اجتماعية ايضاً .
ثامناً : والدليل على ان معالجة مشكلة تناول الخمور هي معالجة مشكلة اجتماعية ، هو عدم اقامة الحد على اهل الكتاب اذا شربوها في مساكنهم وكنائسهم ، الا ان يتجاهروا بها في بلاد المسلمين فيقام عليهم الحد . وفي هذا التشريع حفظ لحقوق النظام الاجتماعي الأسلامي واحترام لحرية عقائد الأفراد من الاديان والمذاهب الأخرى .


( 147 )

4 ـ جرائم ضد النظام الاجتماعي العام

ـــــــــ


ولما كان الاسلام يمثل جوهر العدالة الاجتماعية بين الافراد ، فان نظامه السياسي والقضائي والاقتصادي لابد وان يتحرك بكل قوة لمعاقبة المنحرفين الذين يحاولون العبث بمقدارات الافراد . ولذلك فان الانحرافات التي يقوم بها هؤلاء الافراد ، وتؤدي بقصد او دون قصد ال زعزعة النظام الاجتماعي ، كارهاب الناس واحتكار اقواتهم ، وظلمهم ، تعتبر جرائم تستحق نوعاً من العقوبات المنصوص عليها في الشريعة .

أ ـ المحاربة :
والمحارب هو الذي يجهز سلاحه لارعاب الناس وارادة الافساد في الارض ، ذكراً كان او انثى ، قوياً كان ام ضعيفاً ، لعموم الآية في قوله تعالى : ( إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ان يقتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او ينفوا من الارض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة عذاب عظيم ) (1) . وحده التخيير للحاكم الشرعي بين القتل ، والصلب ، والقطع مخالفاً وهو قطع اليد اليمنى ثم قطع القدم اليسرى ، والنفي . ويكون التخيير متناسباً مع حجم جناية المحارب . فاذا « قتل ولم يأخذ المال ، [ وجب ] ان يقتل على كل حال ، وليس لأولياء المقتول العفو عنه . فان عفوا عنه ، وجب على الامام قتله ، لانه محارب . وان قتل واخذ المال وجب عليه اولاً ان يرد المال ، ثم
____________
(1) المائدة : 33 .
( 148 )

يقطع بالسرقة ثم يقتل بعد ذلك ويصلب . وان اخذ المال ، ولم يقتل ، ولم يجرح ، قطع ، ثم نفي عن البلد . وان جرح ولم يأخذ المال ولم يقتل ، وجب عليه ان يقتص منه ، ثم ينفى بعد ذلك من البلد الذي فعل فيه الى غيره . وكذلك ان لم يجرح ولم يأخذ المال .
وجب عليه ان ينفى من البلد الذي فعل فيه ذلك الفعل الى غيره ، ثم يكتب الى اهل ذلك المصر بانه منفي محارب ، فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تبايعوه ولا تجالسوه » (1) .
ولكن اذا تاب هذا المنحرف من تلقاء نفسه سقط عنه الحد والحق العام لقوله تعالى : ( إلا الذين تابوا من قبل ان تقدروا عليهم فاعلموا ان الله غفور رحيم ) (2) . وقد خرج حارثة بن زيد في عهد الامام علي (ع) محارباً ، ثم تاب ، فقبل الامام توبته . وسقوط الحق العام لا يوجب سقوط حقوق الناس الخاصة ، فعليه ارجاع ما سلبه منهم .
ولتكميل الصورة الذهنية عن المحاربة نورد الروايات التالية :
1 ـ سئل الامام ابو الحسن الرضا (ع) عن قول الله عز وجل : ( إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً ) (3) ، فما الذي اذا فعله استوجب واحدة من هذه [ العقوبات ] الاربع ؟ فقال : ( اذا حارب الله ورسوله وسعى في الارض فساداً فقتل ، قتل به . وان قتل واخذ المال قتل وصلب . وان اخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف . وان شهر
____________
(1) النهاية للشيخ الطوسي ص720 .
(2) المائدة : 34 .
(3) المائدة : 33 .

( 149 )

السيف وحارب الله ورسوله وسعى في الارض فساداً ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الارض ) (1) .
2 ـ عن الامام الباقر (ع) قال :: ( من شهر السلاح في مصر من الامصار فعقر ، اقتص منه ونفي من تلك البلاد . ومن شهر السلاح في مصر من الامصار وضرب وعقر واخذ المال ولم يقتل فهو محارب ، فجزاؤه جزاء المحارب وأمره الى الامام ان شاء قتله وصلبه ، وان شاء قطع يده ورجله ... وان ضرب وقتل واخذ المال فعلى الامام ان يقطع يده اليمنى بالسرقة ثم يدفعه الى اولياء المقتول فيتبعونه بالمال ثم يقتلونه ) (2) .
3 ـ وعن ابي جعفر (ع) قال : ( من حمل السلاح بالليل فهو محارب الا ان يكون رجلاً ليس من اهل الريبة ) (3) .

ب ـ الاحتكار :
وهو خزن المادة الغذائية الاساسية التي يحتاجها الناس وقت الاضطرار من اجل رفع سعرها او اضرار الافراد والدولة . وقد حرمه الاسلام « للقبح العقلي المستفاد من ترتب الضرر على المسلمين ، وكون منشأه الحرص المذموم عقلاً ، ومنافاته للمروءة ، ورقة القلب المأمور بهما » (4) . ويستند تحريم الاحتكار على قواعد فقهية ثلاث ، منها اولاً : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ، ثانياً : دفع المفسدة اولى من جلب المصلحة ،
____________
(1) الكافي ج7 ص246 .
(2) التهذيب ج10 ص132 .
(3) من لا يحضره الفقيه ج4 ص48 .
(4) الجواهر ج22 ص480 .

( 150 )

ثالثاً : تقديم الاهم على المهم . واوجبت الشريعة اجبار المحتكر باخراج الطعام المحتكر ، و « ان كان المضطر الى الطعام قادراً على المحتكر قاتله ، فان قتل المضطر كان مظلوماً ، وان قتل صاحب الطعام فدمه هدر » (1) .
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) : ( ان جالب [ الطعام ] مرزوق ، والمحتكر ملعون ) (2) . وعن الامام محمد بن علي (ع) : ( ان رسول الله (ص) قال : ايما رجل اشترى طعاما ، فحبسه اربعين صباحاً ، يريد الغلاء ثم باعه ، وتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع ) (3) . وفي عهد الامام علي (ع) لمالك الاشتر : ( فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل به وعاقب في غير اسراف ) (4) .
وذهب بعض الفقهاء الى ان الاحتكار لا يشمل حبس الطعام الاساسي المشتمل على الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن فقط من البيع ، بل كل ما يحتاج اليه الناس من المأكل والمشرب والملبس من غير تقييد بزمان دون زمان ، بل وكل ما يحتاجه الناس من خدمات اساسية . فقد روي عن الشيخ الطوسي قوله « الاظهر ان تحريم الاحتكار [ متوافق ] مع حاجة الناس » (5) . وفي رواية عن الامام جعفر بن محمد (ع) قوله : ( ان الطعام نفذ في عهد رسول الله (ص) ، فاتاه المسلمون وقالوا : يا رسول الله قد نفذ الطعام ، ولم يبق منه الا شيء عند فلان ، فمره يبع الناس ، فصعد المنبر ،
____________
(1) المسالك ـ باب الاطعمة والاشربة
(2) التوحيد للشيخ الصدوق ص 399
(3) قرب الاسناد ص63
(4) نهج البلاغة ص615
(5) المكاسب للشيخ الانصاري

( 151 )

وحمد الله واثنى عليه ، ثم قال : يا فلان ان المسلمين ذكروا ان الطعام قد نفذ الا شيئاً عندك ، فاخرجه وبعه ) (1) .
وعليه ، فان للامام او لنائبه ، ولاية عامة تشمل جميع الافراد من اجل حماية مصالحهم في النظام الاجتماعي ، فاذا « كان بالناس حاجة شديدة الى شيء ، ولا يوجد في البلد غيره ... وضاق على الناس الطعام ، ولم يوجد الا عند من احتكره ، كان على السلطان ان يجبره على بيعه ، ويكرهه عليه » (2) . فالاحتكار ، اذن انحراف اقتصادي واخلاقي ، يتوجب فيه على الحاكم الشرعي او الدولة الاسلامية التدخل لمعالجته بالقوة ، اذا تطلب الامر ذلك .

ج ـ ظلم الحاكم
وهو من اعم الوان الانحرافات الاخلاقية والاجتماعية ، لأن الحاكم الظالم يهتك حرمات الناس في اموالهم وانفسهم واعراضهم ، مخالفاً بذلك أهم القواعد الاجتماعية في الاسلام . فقد اوجبت رسالة السماء تشكيل الحكومة العادلة التي تحكم بين الافراد بالحق ، وتهتم بتنظيم شؤون النظام الاجتماعي . وبلورت تلك الرسالة مفاهيمها السياسية بطرح فكرة الاستخلاف على الارض باعتباره الطريق الطبيعي لاقامة الحدود وتطبيق الشريعة . واوجبت ايضاً اطاعة القيادة السياسية المتمثلة بالرسول (ص) ، او ولي الأمر اماماً كان او فقيهاً عادلاً جامعاً للشرائط ، حيث ورد قوله تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول ، واولي الامر
____________
(1) الكافي ج1 ص375 .
(2) النهاية للشيخ الطوسي ص374 .

( 152 )

منكم ) (1) . ولا يعقل ابداً ان يكون تطبيق البناء التشريعي الاسلامي العظيم مقصوراً على عصر الرسول (ص) . بل ان الهدف المعلن للشريعة هو افساح المجال للبشرية بالتنعم باحكام الاسلام العادلة الى آخر يوم تحياه على هذه الارض ، حيث يعم السلام والامن الاجتماعي في ربوع الوطن الاسلامي بصورة تامة . ولا شك ان نظاماً سياسياً يمتلك هذه المهام العظيمة ، لابد وان يولي ولي الامر الفقيه الجامع للشرائط زمن الغيبة ، صلاحيات واسعة في ادارة أمور الحكومة واقامة الحق ودفع الباطل وقطع دابر الانحراف خصوصاً في الاحكام المالية كالزكاة والخمس والجزية والخراج والصدقة والكفارات وغيرها ، وفي احكام الدفاع حيث اوجب الاعداد والتأهب للدفاع عن الدولة ونظامها الاجتماعي ، كما ورد قوله تعالى : ( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) (2) ، وفي احكام الحدود والديات القصاص التي لا يمكن ان تقام الا تحت اشراف ونظر الحاكم الشرعي . كما ورد في خطبة بنت رسول الله (ص) فاطمة الزهراء ما يشير الى ذلك : ( .... وطاعتنا نظاماً للملة ، وامامتنا اماناً من الفرقة ) . وفي قول الامام علي بن ابي طالب (ع) ما يشير ايضاً الى ولاية الفقهاء العدول : ( اما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ، لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر ، وما اخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربلها ،
____________
(1) النساء : 59 .
(2) الانفال : 60 .

( 153 )

وسقيت اخرها بكأس اولها ) (1) . ويدلل قول الامام الرضا (ع) عندما سئل عن علة جعل اولي الامر وامره بطاعتهم ، الى دور الدين في حفظ النظام الاجتماعي ، فقال : ( ... لعلل كثيرة ، منها : ان الخلق لما وقفوا على حد محدود ، وامروا ان لا يتعدوا تلك الحدود ، لما فيه من فسادهم ، لم يكن يثبت ذلك ، لا يقوم الا بان يجعل عليهم فيها اميناً يأخذ بالوقف عندما ابيح لهم ويمنعهم عن التعدي ما حظر عليهم ، لانه لو لم يكن ذلك لما كان احد يترك لذته ... ) (2) .
وفي خطبة امير المؤمنين (ع) في مسجد الرسول (ص) بعد بيعة الناس له ، ما يشير ايضاً الى اصول النظام السياسي الاسلامي ، قال : ( اللهم اني اول من اناب وسمع واجاب ، لم يسبقني الا رسول الله (ص) بالصلاة . وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج ، والدماء ، والمغانم ، والاحكام ، وامامة المسلمين ، البخيل فتكون في اموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله ، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ، ولا الخائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف دون المقاطع ، ولا المعطل للسنة فيهلك الامة ) .
ولكن اذا تولى الحاكم الظالم شؤون الامة ، فان الشريعة الاسلامية توجب على المكلفين وجباً عينياً محاربته باي شكل من الاشكال ، فقد ورد في القرآن الكريم ان الله سبحانه وتعالى امر نبيه موسى (ع) بالتصدي لفرعون ، الحاكم الظالم : ( واذا نادى ربك موسى ان انت القوم الضالمين .
____________
(1) نهج البلاغة ج1 ص41 .
(2) علل الشرائع ج1 ص183 .

( 154 )

قوم فرعون الا يتقون ) (1) . وورد ايضاً ما يشير الى وجوب الكفر بالحكومة التي لا تقضي بما انزل الله وتعمل في الناس بالجور والظلم والعدوان وسماها بالطاغوت ، فقال عز وجل : ( الم تر الى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما انزل إليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا ان يكفروا به ... ) (2) . وجاء في وصية الامام عي بن ابي طالب (ع) لولديه الحسن والحسين (ع) : ( .... وكونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً ) . وفي مقبولة عمر بن حنظلة تهجم صريح على الحاكم الظالم ودعوة للرجوع الى ولي الامر الشرعي ، وهو الامام المعصوم في زمن الحضور والفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة : ( قال [ عمر بن حنظلة ] : سألت ابا عبد الله (ع) عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة في دين او ميراث ، فتحاكما الى السلطان والى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم اليهم في حق او باطل فانما تحاكم الى الطاغوت ، ما يحكم له فانما يأخذه سحتاً وان كان حقاً ثابتاً له لانه اخذه بحكم الطاغوت وما امر الله ان يكفر به ، قال الله تعالى : ( يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به ) قلت : كيف يصنعان ؟ قال : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا .. فليرضوا به حكماً فاني قد جعلته عليكم حاكماً ) (3) .
وفي خطبة الامام الحسين بن علي (ع) في الناس في ( منى ) تأكيد آخر
____________
(1) الشعراء : 10 ـ 11 .
(2) النساء : 60 .
(3) من لا يحضره الفقيه ج3 ص5 .

( 155 )

على ما ذهبنا اليه ، فقال : (ع) : ( اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به اولياءه من سوء ثنائه على الاحبار اذ يقول : ( لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الاثم واكلهم السحت ولبس ماكانوا يصنعون ) (1) . وقال : ( لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا نعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ماكانوا يفعلون ) . وانما عاب الله ذلك عليهم لانهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين اظهرهم المنكر والفساد فلا ينهوهم عن ذلك رهبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله يقول : ( فلا تخشوا الناس واخشون ) (3) ، وقال : « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) (4) . فبدأ الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بانها اذا اديت واقيمت استقامت الفرائض كلها هيناها وصعبها ، وذلك ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء الى الاسلام مع رد المظالم ، ومخالفة الظالم ، وقسمة الفيء والغنائم ، واخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها ) (5) .
وخلاصة القول ان المجتمع الانساني لما ان بحاجة الى نظام اجتماعي مستقر ، وبحاجة ماسة الى مدير يدير هذا النظام ويرعى شؤونه المالية والقضائية والدفاعية والسياسية ، ولما كان الرجوع الى القيادة السياسية
____________
(1) المائدة : 63 .
(2) المائدة : 78 ـ 79 .
(3) المائدة : 44 .
(4) التوبة : 71 .
(5) تحف العقول ص237 .

( 156 )

الظالمة غير مقبول على الصعيدين الشرعي والعقلي ، وجب انحصار القيادة السياسية للامة الاسلامية في هذا العصر بعدول الفقهاء . بمعنى ان الامة اليوم مكلفة اكثر من اي وقت آأخر ، بقطع دابر الفساد ، واجتثاث جذوره ، وذلك بالتمرد على حكام الجور والظلم ، والعمل جدياً للاطاحة بهم وتثبيت حكم الله في ربوع الارض الطاهرة . فاذا استخدمت السلطة السلاح بوجه الناس ، قال الفقهاء يجب حينئذ محاربتها بكل الوسائل الممكنة ، باعتبارها فئة باغية ينبغي قتالها حتى تفيء الى امر الله .



( 157 )

الاستنتاج

ـــــــــ


وبطبيعة الحال ، فان قراءة الوريقات السابقة حول العقوبات الاسلامية للجرائم المرتكبة ضد النظام الاجتماعي العام ، تقودنا الى وضع بعض المؤشرات التي تميز النظام الاسلامي عن غيره من الانظمة الاجتماعية والدينية :
اولاً : استتباب الامن والسلام الاجتماعي في المجتمع الاسلامي ، بسبب العقوبات الجسدية الرادعة ضد المنحرفين ، خصوصاً في المحاربة . فليس لاولياء المقتول عن طريق المحاربة العفو عن المحارب ، بل ان على الامام قتله باي شكل من الاشكال ، الا اذا تاب من تلقاء نفسه . وهذا الامن الاجتماعي الذي ينعم به المجتمع الاسلامي يعتبر من أهم مصادر استقرار النظام وتنشيط طاقات افراده الانتاجية .
ثانياً : الامان الاقتصادي المتمثل بمحاربة الاحتكار ، خصوصاً ، اذا كانت حاجة الناس للمادة الغذائية الاساسية حاجة ماسة . فيجبر المحتكر حينئذ على بيع المادة المحتكرة . وهذا التشريع ، يجنب الافراد الفوضى الاقتصادية والمعيشية ، وهو منجسم تماماً مع تطلعات الاسلام نحو العدالة الاجتماعية بين الافراد .
ثالثاً : رفض الاسلام للنظام السياسي الظالم مهما كان اللون المتلون به ، والرداء المتستر وراءه . فما معنى انزال نظام اجتماعي متكامل يسعد البشرية وينظم حياتها ، ثم لا يخضع ذلك النظام للتجربة العملية ؟ واذا كان الاسلام دين العدالة الاجتماعية حقاً ، فلا شك ان اول عدو يسعى لمحاربته ، هو نظام


( 158 )

الظلم الاجتماعي . ولذلك ، فان قاعدة العدالة الاجتماعية المتمثلة باطار الحكم الاسلامي والدولة الاسلامية يجب ان تستمر حتماً حتى قيام الساعة ، ان كانت تحت امر النبي (ص) او الامام المعصوم (ع) او نائبه الفقيه . لان النظام الاجتماعي الاسلامي قد تكامل بالنزول عن طريق الوحي ، ولا يحتاج في تطبيقه اليوم الا الى منفذ يأمر فيطاع ، وهو الفقيه الجامع للشرائط ، حتى قيام الحجة عليه السلام .




( 159 )

الاسلام والتأثيرات الاجتماعية للانحراف

ـــــــــ


ولا شك ان دعاة النظام القضائي الرأسمالي يتساءلون عن موجب الشدة في نظام العقوبات الاسلامي . ويزعمون ان القصاص في القتل والجرح والقطع والجلد ، عقوبات في غاية العنف والقسوة مقارنة بنظام السجون الذي اقره القضاء الرأسمالي كعقوبة عادلة لجرائم القتل والسرعة والاعتداء والاغتصاب . ولكن فشل القضاء الرأسمالي في تصحيح الاحراف وابعاد الجريمة عن النظام الاجتماعي ، وضع الكثير من المفكرين والمقننين على حافة السقوط في احضان الفكرة القائلة بان اجتثاث جذور الجرمية من المجتمع الانساني لا يتم الا عن طريق استخذدام اقسى العقوبات الجسدية بالمنحرفين . ولكنهم عادوا وقالوا بان قسوة العقوبات في الاحكام الجنائية ، تتنافى مع تطلعات العالم المتحضر في النظر للانسان باعتباره كائناً متميزاً يحق له العيش في ا لحياة الطبيعية ، حتى لو كان مجرماً منحرفاً عن الخط الاجتماعي العام . وهذه النظرة الرحيمة تجاه الاجرام تعتبر ظلماً للضحية واجحافاً بحقها في الاقتصاص والمماثلة والتعويض . فاذا كان القضاء الرأسمالي ينظر بعين العطف والرحمة الى الجاني دون المجنى عليه ، فاين العدالة التي ينبغي تحقيقها بين المعتدي والمعتدى عليه ؟ واذا كان التحاكم الى القضاء يعني الفصل بين الحق الباطل ، فاين العدالة المزعومة في مساواة الحق بالباطل والمغصوب بالغاصب ؟
ومع ان الاسلام ينظر الى الانحراف باعتباره اعوجاجاً يتوجب علاجه وتعديله ، ويوجب على الحاكم الشرعي استرداد الحق وارجاعه الى


( 160 )

اهله وذويه ، الا ان التشريع الاسلامي يريد بالقصاص والحدود ودفع الديات ، تثبيت النظام الاجتماعي ونشر فكرة العدالة والامان في ربوع الوطن الاسلامي . لان تأثيرات انحراف السلبية على المجتمع وافراده ، تسبب نخراً مستمراً ، وتهديماً اساسياً للاصول النظام الاجتماعي . وحتى نفهم الصورة الحقيقية للانحراف الاجتماعي وتأثيره المستمر على المجتمع الانساني لابد من ادراج هذه السلبيات المتمثلة بالحقائق التالية :
الحقيقة الاولى : ان من سلبيات الانحراف ارباك النظام الاجتماعي . فانتشار القتل والسرقة والغصب والاعتداء على اعراض الناس يجعل الحياة الاجتماعية الرغيدة امراً صعب المنال ، ويحمل الحياة اليومية الكثير من المفاجآت . فكما ان العامل المشاغب في مصنع آلي يستطيع ارباك الانتاج ، والطبيب المجنون في مستشفى للاطفال يستطيع خلخلة النظام الطبي ، والمعلم المستهتر بقيم العلم يستطيع ارباك اذهان الطلبة ، كذلك يفعل الانحراف في المجتمع الانساني من خلال ارباكه لتوجه الافراد وتطلعهم نحو حياة مستقرة هادئة .
الحقيقة الثانية : ومن سلبياته ارباك النظام الاخلاقي . فان انتشار الانحراف وانعدام السيطرة الاجتماعية عليه بنظام او قانون ، يفتح الباب امام الافراد بتجاوز الخط الذي يفصل بين الحق الباطل ، خصوصاً اذا كان نظام العقوبات متساهلاً مع المنحرفين . فاذا كان الانحراف يمثل حصيلة شريحة اجتماعية صغيرة العدد اليوم مع قانون متساهل ، فان الغد سيجلب منحرفين جدد ، الى ان يعم ذلك الانحراف جميع اطراف النظام الاجتماعي .
الحقيقة الثالثة : ان من سلبيات الانحراف استهلاك مصادر وطاقات بشرية


( 161 )

نافعة لو لم تستخدم للسيطرة على الجريمة ، لا ستخدمت في مجال آخر لمنفعة الافراد . فاذا علمنا ان النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة اليوم يصرف يومياً مبالغ مالية على اطعام ورعاية ثلاثة ملايين سجين ارتكبوا جرائم مختلفة لعزلهم عن الاختلاط بالمجتمع ، تبين لنا حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها ذلك النظام الرأسمالي . ومع ان هؤلاء السجناء قد اخرجوا عن ساحة العمل والانتاج ، الا ان الدولة مكلفة باعشتهم ومراقبتهم وتقديم العلاج الطبي لهم ، وهذا يكلفها كمية هائلة من الطاقات الانتاجية والبشرية .
الحقيقة الرابعة : ومن سلبيات الانحراف زوال الثقة بين الافراد . والتعامل التجاري والتعليمي والثقافي عموماً مبني على اساس الثقة . فالفرد يستأجر سيارة للانتقال من مكان الى آخر باعتقاد ان السائق سيوصله الى المكان المعين لقاء اجرة معينة ، فاذا تبين ان السائق مجرم محترف هدفه سرقة المستأجر ، انهدمت الثقة بين المستأجرين المؤجرين . ومثال آخر ان الافراد يودعون اموالهم في المصارف فاذا تبين ان اصحاب المصارف لا يأتمنون على اموال الناس انعدمت الثقة بين المودعين والبنوك التجارية . ويضع الناس كذلك ثقتهم بالنظام السياسي فاذا تبين خيانة افراد النظام لحقوق الناس زالت الثقة بين الحاكم والمحكوم . وانعدام الثقة هذا يكلف النظام الاجتماعي الاقتصادي اموالاً طائلة ، بل ان انعدام الثقة بين المتعاقدين من افراد المجتمع يؤدي في النهاية الى تخريب النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للمجتمع الانساني .
ولذلك فان النظام الاسلامي للعقوبات كان سيبقى حاداً وقاطعاً


( 162 )

فورياً في تعالمه مع الانحراف والمنحرفين حتى يستطيع النظام الاجتماعي المحافظة على كيانه من الانحلال والتمزق . ونستطيع الآن ادراج ايجابيات النظام الاسلامي بالنقاط التالية :
اولاً : فعلى صعيد استقرار النظام الاجتماعي فان فورية التعامل مع الانحراف يبعد الحياة الاجتماعية عن المفاجآت المحزنة التي تجلبها جرائم الاعتداء والقتل والسرقة ، فيستطيع الفرد ان يعيش ويحيا في مجتمع تضلله شمس الامان والحرية والسلام .
ثانياً : وعلى صعيد نظافة النظام الاجتماعي ، فان الاسلام يحاول اجتثاث الامراض الاجتماعية من الجذور ، فيرجم المنحرف خلقياً كالزاني المحصن ، ويجلد الزاني الاعزب ، والقاذف والسكران ، فيتأدب افراد المجتمع بآداب الاسلام الى حدانه يأمرهم بان لا يخرجوا من افواهم كلمات نابية ، او يتهموا انساناً بريئاً ، او ان يجرحوا شعور فرد ما . فيكون من نتائج تطبيق هذا النظام على المجتمع الشعور بالطمأنينة والامان ، وازدياد المحبة والتعاون بين الناس ، وارتفاع الطاقة الانتاجية لافراد المجتمع كلياً .
ثالثاً : وعلى صعيد المصادر والطاقات البشرية فان الاسلام يستثمرها باكمل الوجوه . فلا يحتاج المجتمع الاسلامي الا لعدد ضئيل من افراد الشرطة ، وعدد اقل من السجون . لان العقوبة رادعة والنتيجة مضمونة . فلو سرق فرد وقطعت يده علنا امام الناس ، ترى من يتجرأ على ارتكاب نفس الانحراف مرة أخرى ؟ هذا اذا علمنا ان من مسؤولية الدولة اشباع حاجات الناس الاساسية ، وان لها الحق في التدخل بما يضمن ذلك . حتى ان المنحرف المعاقب باحكام الشريعة الاسلامية يعتبر اكثر انتاجاً من المنحرف المعاقب


( 163 )

في السجون الرأسمالية . فالسارق المحدود بحد السرقة يستطيع ان يعمل وينتج ويحيا حياته الطبيعية ويتوب الى الله ويرجع الى الحياة الاجتماعية كفرد طاهر من ذنوب الانحراف ، الذي كان لابد من معالجته . اما المنحرف المسجون في النظام الرأسمالي فهو مصدر من مصادر الاجرام والشقاء ، لان السجن لا يؤدب المنحرف بل يزيده حقداً وغضباً على النظام الاجتماعي .
رابعاً : وعلى صعيد الثقة بين افراد المجتمع ، فان النظام الاسلامي بتشريعاته الصارمة عل الثقة محور كل النشاطات الاجتماعية . فالثقة المتبادلة بين افراد العائلة والجيران والقرابه وابناء الحي وابناء المدينة وابناء الدين الواحد والدولة الواحدة ، يرجع فضلها بالاصل الى نظام العقوبات . فاطمئنان الفرد في المجتمع الاسلامي يرجع بالاساس الى اطمئنانه على نفسه وماله وعرضه . فالمسلم يعلم ان العقوبة في النفس والمال والعرض صارمة الى حد انها تردع الآخرين عن مجرد التفكير بالقيام بالانحراف . وهذه الثقة المتبادلة بين الافراد تجعل المجتمع الاسلامي من اكثر المجتمعات البشرية انتاجاً واكثرها ثراءا . وان الحرية التي يزعم النظام الرأسمالي منحها لافراده لا تنهض بمستوى الحرية التي يمنحها الاسلام لافراد الدولة الاسلامية . فاية حرية اعظم من اطمئنان الفرد على نفسه وماله وعرضه ينتقل متى شاء ، ويتحدث بما شاء ضمن حدود الادب الاسلامي ، ويستثمر ماله انى شاء ، وهو يعلم انه لا يخاف على مال يسرق او نفس تقتل او عرض يهتك ، فلية حرية اعظم من هذه ؟ ولا يشك عاقل ان الاسلام لو حكم البشرية جميعاً بكل الوانها واشكالها ، لما جاع فقير ، وما هدر حق ، وما انتصر باطل ، لانه دين الاعتدال والمساواة ، ونظام الحق والعدالة الاجتماعية .