(1)
المرأة في ظلّ الإسلام


(2)


(3)
السَّـيدة

مريم نورالدّين فضل الله

المرأة في ظلّ الإسلام

دَار الزّهـرَاء
للطباعة وَ النشر وَ التوزيع
لبنان ـ بيروت
ص. ب .937


(4)


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    المقدمة
   والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله اشرف الخلق اجمعين .
   سنوات عديدة مضت من حياتي ، وانا اترقب الفرص لكي اكتب في موضوع « المرأة » خدمة لبنات جنسي الحائرات .
   لا اغالي ان قلت ان فكرة هذا الكتاب ، كانت تلمع في صدري التماع البرق في طيات السحاب ، وتغلي في ذهني غليان الغيرة في رؤوس الشباب ، وقد جهدت في تأليفه وتعبت في تصنيفه ، وما أرجو من عملي إلا الإصلاح ما استطعت اليه سبيلا ، سائلة المولى سبحانه أن يوفقني إلى كتابة معتدلة صادقة وان يظفر كتابي هذا بالقراء المنصفين .
   فالمرأة هي شريكة الرجل في هذا العالم ، المؤلف من ذكر وانثى ، فهل يمكن ان ننكر هذا النصف ونغالط الواقع في أهمية المرأة ومالها من دور فعال في اتصال التناسل وبناء المجتمع ، فهي أم الرجل ... وزوجته ... واخته ... وابنته ... ورفيقته في جميع مراحل حياته . وبما أنها تكوِّن نسبة معادلة للرجل بل تفوقه عدداً ، فهي جديرة بالدرس والتحقيق ، على ضوء العلم الحديث وهدى الإسلام .


(6)
    وعندما نتناول هذا الموضوع كبحث يجب ان نعالجه معالجة وافية سواء بدراسته في الازمنة القديمة ، أو في العصور الوسطى أو في العصر الحديث .
    و إنني حريصة علي ان تكون هذه المعالجة كاملة التفاصيل ، إلى حد ما بقدر ما يسمح به المجال .
   إن أي كاتب أو باحث يقف حائراً ، حينما يريد ان يتناول هذا الموضوع فالدراسات عن المرأة مفتقرة إلى المصادر التاريخية .
   ان المؤرخين سواء في البلاد العربية أو الإسلامية ، أو الشرقية أو الغربية ، لم يدونوا سوى تراجم الكتاب والرجال العظماء ، وسير الشعراء والأدباء ، ولم يعطوا العناية الكافية إلا لسرد حوادث الملوك والسلاطين والأبطال والأمراء . فتاريخنا الموجود بين أيدينا تاريخ أفراد لا تاريخ مجتمعات ، ولم يتعرضوا للمجتمعات حولهم ، اقتصادياً أو اجتماعياً أو فكرياً سعة وضيقاً ، إلا فيما يمس حياة هؤلاء الأفراد .
   ولما لم تمثل المرأة إلا البعض من هؤلاء الأفراد ، ظلت منحصرة ضمن هذه المجتمعات التي أهمل الباحثون دراسة أحوالها ، وأهملت المرأة تبعاً لهذا الإهمال عبر العصور ، وكانت نسياً منسياً .
   ذلك ان المجتمع في العصور القديمة وما يزال ، رغم تطور الحياة الفكرية لدى البشر ، لا ينظر اليها كعنصر فعال له اهميته في دفع عجلة التاريخ وله احترامه ، ومكانته ، بل ينظر اليها كانثى لها رقتها وجاذبيتها .
   واني بذلت الجهد ، وحاولت ان أقدم إلى القراء الاعزاء لمحة موجزة عن تطور حياة المرأة في الزمن القديم ، والحديث ، ومدى تقدمها في ميدان الثقافة والفكر في ظل الإسلام وذلك بقدر ما يسمح به مجال هذه الصفحات المحدودة .


(7)
    واني وأنا المسلمة ، اعترف بان المرأة في عصرنا الحاضر تواجه أعنف المشاكل ، وأكثرها صعوبة وتعقيداً .
   فما زلنا نسمع الأراجيف والأسئلة ، وكلها تخرصات وافتراء على الإسلام وتشريعه ، بانه ظلم المرأة ، وبخسها حقها ، وامتهن كرامتها ، وجعلها عبارة عن خادمة للرجل تؤدي حاجته ، وتلبي رغبته ، وتلد له الأطفال .
   وإذا مال به الهوى سئمها ... ونبذها نبذ النواة .
   هذه أصوات الاستنكار تتعالى ، وخصوصاً من الذين يدعون إلى الحرية ، ويتشدقون بالمدينة ... يصرخون قائلين ... حرروا المرأة ... اكسروا قيودها ... اطلقوا هذا المارد الجبار من عقاله ... ايقظوا المرأة من سباتها العميق ... انفضوا عن وجهها غبار السنين ... دعوها تفجر طاقاتها لتلحق باخواتها في الشرق والغرب من المتمدنين ... دعوها تنزع اسمال التأخر والانحطاط لتنهض وتتكامل فتواكب ركب الحضارة والمدنية ... دعوها تؤدي دورها في دفع عربة الانسانية الى الامام ، جنباً الى جنب مع الرجل ، قسيمها ورفيقها في هذه الدنيا ...
   انزعوا حجاب المرأة ... دعوها تظهر سافرة حرة ... دعوها تبدى زينتها ... اطلقوا لها الحرية ... اجعلوها اختا للرجل في جميع أعماله ... اخرجوها من قوقعتها ... ارحموها الخ ...
   صرخات ... وهتافات ... نسمعها تترد في كل حين ، من هنا ... وهناك ، تطلقها حناجر تزعم انها تريد الخير للمرأة ... تريد لها العزة والكرامة ... تريد رفع مستواها ... وتتمنى للأمة التقدم والازدهار .
   ان أصحاب القلوب الطيبة ، تركض لاهثة ، وراء هذه الصرخات والهتافات وهي تظن انها تريد الخير للمرأة ، وان الغاية شريفة . وهي ويا للاسف قد


(8)
استغلتها نفوس أثيمة غيرت مسيرتها الرائعة ، وزينت لها طريقاً مدلهما في ظلام دامس .
   لقد ظنت هذه القلوب بطيبتها انه الطريق الصحيح ، الذين يوصلها الى الأهداف السامية . فأخذت تطالب بحقوقها ، فاندفعت بكل قواها من غير وعي أو تؤدة ، أو تفكير ، غير عالمة بما ستؤول اليه حالتها ، وسارت شوطاً بعيداً ضمن هذا الخط الذي رسموه لها ، ولكن الى أين وصلت ؟؟ وأين حطت رحلها ؟؟ وماذا جنت ؟؟
   وصلت الى متاهات ... وضياع ... فوقفت لا تدري أين هي البقعة الصلبة التي يمكنها أن تضع عليها قدمها ، لئلا تنزلق فتصل الى مهاوٍ لا تحمد عقباها .
   ضياع ... ومتاهات ... وحيرة ... وارتباك ... ومحنة أليمة ، تتقاذف المرأة فتجعلها في دوامة .
   ومن قلب هذا الضياع الذي نعيشه ، تطلعت فوجدت ان الوقت قد حان لتناول هذا الموضوع الجليل (المرأة في ظل الاسلام ) ولأني رأيته حافلا ، جديراً بالبحث والدرس والتحقيق ، وتجربة نادرة فذة ، ليس من السهل أن انصرف عنها بعد أن اتجهت اليها .
   واني اذ أكتب في هذا الموضوع ، أو اعطه اهتماماً من التأمل والتنقيب ، قدر الامكان ، ذلك لأني رأيت أن أغلب الذين كتبوا قبلي عن المرأة ، مال بهم الهوى عن الحق ، فمنهم من تنكب الطريق فجعلها شيطاناً مريداً ، ومنهم من زين له ايمانه فنزها وجعلها ملاكا رحيما .
   ولكن ماذا أقول : وقد أصبحنا في زمن طغت فيه المادة على الروح واجتاحت التيارات الالحادية التعاليم السماوية .


(9)
    ألا ليت شعري ما يتخرص المتخرصون ! ؟ ويتقول أهل الالحاد على قدسية الاسلام ، من نفث سمومهم في أذهان الناس وافترائهم على النظم الاسلامية ، بالكذب ـ والزور ـ والبهتان .
   فمن قائل ان الاسلام ظلم المرأة ... ومن متبجح ـ لقد أجحفت القوانين الاسلامية بحق المرأة وغالت بحرمانها .
   وكم من مرة التقيت بكثيرات من اللواتي يركضن وراء المدنية الزائفة ، وكلهن بلسان واحد وعلى وتيرة واحدة .
   لماذا تظلم المرأة المسلمة دون غيرها من النساء ؟
   لماذا انقصها الشرع ميراثها ؟
   لماذا فرض عليها الحجاب ؟
   لماذا جعلها في سجن أبدي وجعل مفتاح السجن بيد الرجل ؟
   لماذا لا تذهب إلى الحرب وتدافع عن وطنها لماذا ... لماذا ... لماذا ... الخ تمهِّلن رويداً أيها المسلمات ، هل عرفتن عن الإسلام إلا أسمه ؟ ... أو ماشوهت وجهه الاكاذيب ، وتناقلته الألسن .
   فمهلاً ... ممهلاً ... يا أخواتي لا تنظرن إلى الإسلام من غير وعي لمبادئه البناءة ، وأهدافه الخيرة .
   ويا اخواتي المسلمات لنقف من منعطف التاريخ ، ونلقي نظرة عبر القرون الغابرة ، والأجيال السالفة ، ونسأل بلا تذمر أو تأفف أو شكوى ، ثم نعود القهقرى حتى نرى ـ هل ان المرأة في الحضارات القديمة كانت أحسن من المسلمة ؟ وهل ان المرأة في تلك الحقبة من الزمن كانت ترتع بحرية زائدة ... حتى


(10)
جاء الإسلام وحرمها هذه الحرية ـ ؟
   هل ان الإسلام ضيق على المرأة الخناق وحبسها في سجن ... وهل ... وهل ... الخ .
   ولابد لنا من استطلاع صفحات التاريخ ليحدثنا عما كانت عليه المرأة قبل الإسلام ، وكيف كانت تعامل عند الامم السابقة المتحضرة في العصور القديمة ـ والوسطى ، وكيف كانت حالتها ومدى ما اعطيت من الحقوق ـ والمنزلة ـ والكرامة ونجعل من التاريخ حكماً نسد به أفواه المتشدقين .
   وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه انيب وهو حسبي ونعم الوكيل .
مريم نور الدين فضل الله