عامل الفخر .
وبيان هذه المسالة هو انه يقال أحياناً لشخص : إن هذا البساط هو أمانة عندك . فهو موظف بأن يحافظ عليه وليس له حق الاستفادة منه . وإذا كان لهذا البساط قيمة فهي لصاحب البساط وليست للأمين . ولكن أحياناً يقال لشخص : أن هذا البساط لك . في هذه الحالة يكون له حق الاستفادة .
هذا من المسائل الظاهرية ، أما المسائل المعنوية والعلوم والمعارف فهي تتعلق بالإنسان ، أي تعطي الإنسان زينة ، لكن المنصب هو وظيفة وأمانة وليس مقاماً . لذا كتب أمير المؤمنين عليه السلام كتابالص إلى أحد عماله بهذا المضمون وهو : إن منصبك هذا هو أمانة في يدك والأمانة لا تدعو إلى الفخر .
فاتضح بشكل كامل أن الأعمال التنفيذية هي بمثابة أمانة ، المرجعية هي أمانة ولكن الفقاهة ملك ، الوزارة هي أمانة ، أما التقوى فهي ملك ، والمرأة والرجل متساويان في ما يتعلق بالنفس وكمال الروح . أما في حدود ما هي أمانة ووظيفة فالأعمال مقسمة .
لو كانت هناك جامعات خاصة بالمرأة ، فالأفضل ان تتولى المسؤولية التنفيذية في تلك الجامعات ، إلا أن لا يكون لدى المرأة صلاحية ، وهذه الشروط هي مشروط تحصيلية وليست حصولية ، أي يجب ان تكون هناك نساء يقمن بإدارة الأمور المتعلقة بالنساء والبنات حتى لا يكون لازماً ان يتصدى غير محرم لإدارة تلك الامور ، . واضح ان هذا الشكل من التدخل في الامور التنفيذية لا يتعلق بمسألة الولاية ، ولي أمر المسلمين يجب أن يكون رجلا طبعاً ؛ لان الولاية هي تتمة الأمامة ، ولأن الولي يأمر بالحرب والصلح ، ويلتقي مع الناس كثيراً ، ولديه عمل بدني صعب ، ويتطلب جهداً
(359)
اكثر .. ومن لوازم هذه الأمور الذكورة . بناء على هذا فإن كثيراً من المسائل في الاعمال التفيذية خاصة بالمرأة والرجل لا يحق له أن يتدخل ، ولكن الرجل يشترك لأن الضرورة تقتضي .
لعل شخصاً يقول : إذا كان القائد رجلاً يجب أن تكون المرأة بالنتيجة ، في تماس معه وهذه مشكلة من طرفين .
وجواب هذه المسألة واضح ، فعندما يكون الرجل قائداً له ارتباط بكل المجتمع ، والمرأة قد يكون لها ارتباط بالقائد أوالقاضي أو القائد العسكري ، وهم رجال ، وهذا الارتباط ليس عملها اليومي ، ولكن المراة إذا تولت إحدى المسؤوليات المهمة فإن عملها اليومي هو التعامل مع مئات الرجال ، في حالات شكوى ولقاء وأمثال ذلك وهناك هوة كبيرة بين هذين الموضعين . ولهذا قسمت الأعمال النتفيذية .
الفرق بين المرأة والرجل في المسائل التنفيذية :
من الممكن ان يتوهم شخص ، انه إذا يكن هناك فرق بين المرأة والرجل في الكمالات المعنوية ، فلماذا نرى في قسم مهم من المسائل الفقهية أنه يذكر : ( يشترط في أمور ) ثم تذكر من ضمن المسائل مسألة الذكورة ؟ أو يقال : إن الوالي أو مرجع التقليد يجب أن يكون رجلاً ولماذا لا تستطيع المرأة ان تتصدى للمسؤوليات المهمة ؟ .
جواب الشبهة هو ان الإنسان لديه حساب مع نفسه ، يعود إلى الكمالات النفسية ، ولديه علاقة مع الله ، تعود إلى الكمالات العبودية ، ولديه ارتباط مع عالم الطبيعة بل من مطلق الكون ، بعد إلى الربط العلمي ، ولديه ارتباط بالمجتمع يعود إلى الكمالات الاجتماعية . في هذه الكمالات ليس هناك أي تمايز بين هذين الصنفين وكل شخص موظف لأن يكرم نفسه
(360)
ويكون مهذباً ومتواضعاً ويقوم بتزكية النفس ويتخلص من الكبر والحسد ويكون منيع الطبع وقانعاً و ...
في هذه الأقسام ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل . كل الناس مكلفون بان يقووا علاقتهم العبادية مع الله ، رغم ان العبادة : ( الصلاة قربان كل تقي ) وردت بشان الصلاة خاصة ـ من حيث ان الصلاة عمود الدين ـ ولكن جميع الأعمال العبادية والقريبة هي قربان ( الصوم قربان كل تقي ـ الجهاد قربان كل تقي ـ الزكاة قربان كل تقي ) في هذه الناحية العبادية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل . وفي هذا التعزيز للارتباط بين العبد والخالق ، ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، ولكن الرجل له ارتباط بالرجل والمرأة لها ارتباط بالنساء ، كذلك في ( تعزيز الارتباط الاجتماعي ) بين الفرد والمجتمع ليس هناك فرق بين المرأة والرجل . ولكن الرجل له ارتباط بالرجال والمرأة لها ارتباط بالنساء كما قرر العلماء ، لأن ان يكون للرجال ارتباط بالمرأة لها والمرأة ارتباط بالرجل ، الأعمال المشتركة والاجتماعية لها حساب ، والأعمال الخاصة لها حساب آخر .
المرجعية منصب تنفيذي ، ولكن سند المرجعية ، جذر وقيمة المرجعية ، هي بالفقاهة والاجتهاد ، في الفقاهة والاجتهاد ، الذكورة والأنوثة ليست شرطاً ، سند المرجعية في الأساس هي الفقاهة والعدالة ، وهي تحسب من الكمالات وكمال الفقاهة لا هو مشروط بالذكورة ولا ممنوع عن الأنوثة . والعدالة هي أيضاً كذلك ، من الممكن ان تستطيع المرأة في ظل الفقاهة والعدالة ان تخرج تلاميذاً يصبحون مراجع تقليد ، ولكنها لا تتقبل عملاً تنفيذياً ، وليس معلوماً أن المرأة لا تستطيع ان تصبح مرجع تقليد للنساء ، كما أن المرأة تستطيع ان تكون إمام جماعة النساء ، فقط قيل : ان لا تتصدى للأعمال التنفيذية الموجودة بحضور غير المحرم . وإلا تستطيع ان تكتب
(361)
بمستوى صاحب الجواهر رضوان الله عليه .
المرأة ومسألة القضاء :
مسألة القضاء مثل مسألة الاجتهاد ، وبما أن القضاء يرافقه تنفيذ الحدود ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) (1) .
أو يأمر بشأن الفاسقين الآخرين :
( فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) (2) .
لذا قيل إن النساء يستطعن ان يقمن بالفقاهة ويخرجن قضاة ، ولكن لا يتولين القضاء فهو منصب تنفيذي . المرأة تستطيع استنباط جميع المسائل الحقوقية في الإسلام وتخرج طلبة يجلسون في منصب القضاء . المرأة تستطيع ان تصبح مثل صاحب الجواهر في مقام الاجتهاد وتخرج مرجع تقليد وقاضياً . تدرس في جمع طلبة جامعيين في كلية الحقوق لكنها لا تصبح مرجع تقليد وقاضياً .
حل شبهة :
السؤال المطروح هو أن تدريس الرجال هو عمل تنفيذي أم لا ؟ وإذا لم تستطع املأة ان تتصل بالرجال ، فكيف تستطيع ان تخرج قاضياً ، مجتهداً ومرجع تلقليد ؟ وثانياً : إن التعليم من المرأة ، هو إما واجب ، حيث إن إثبات وجوب تدريس الفقه والقضاء على المرأة ليس أمراً سهلاً . أو هو ليس واجباً ، ومع ملاحظة أن سماع صوت المرأة مكروه للرجل ، لذا فان هذه المرأة لا تصل إلى الكمالات بالتدريس ، بل تبتلي بمنقصة وحزازة .
____________
(1) سورة المائدة ، الآية : 38 .
(2) سورة النور ، الآية : 2 .
(362)
جواب هذه الشبهة هو ، أولاً : إن العمل التعلمي هو غير العمل التنفيذي اليومي ، لأن التدريس في جمع المحققين يختلف عن الاعمال التنفيذية اليومية التي يرافقها اعتراضات ومواجهات وشكاوى من مئات الأشخاص فهذه الأعمال العلمية العميقة لا تؤدي إلى محذور ، فالطالب عارف الوظيفة والاستاذ عارف بالوظيفة أيضاً . وثانياً : إذا استطاعت نساء ان يصلن إلى مقام الفقاهة الشمخ ، يصبح التعليم والتدريس واجباً عينياً ، في حالة أن المرأة تعلم مسألة من المسائل الإسلامية والرجل لا يعلم . وإذا كانت هناك علوم يعرفها الرجل والمرأة أيضاً فالتعليم والتدريس هو واجب كافئي فإثبات وجوب تعليم الجاهلين ـ على المرأة ـ ليس أمرأً صعباً ، ولكن للتعليم أشكال ، فأحياناً بالكتابة ، وأحياناً يحصل بالشريط ، وأحياناً بالترديس الحضوري من وراء حجاب ، وأحياناً من دون حجاب .
إذا وصل شخص إلى المقام العلمي بحيث يستطيع التدريس في مستوى عال في الحوزات العلمية والمراكز العلمية والجامعات ، وإذا كانت المرأة من ( والقواعد من النساء ) فسن الشيخوخة يقتضي أن تتمتع بتخفيف في مسألة الحجاب ، في حالة ان لا تكون ( متبرجات بزينة ) (1) ، فكيف بالصوت ، فصوت المرأة ليس عورة من ناحية إذا أرادت ان تتكلم و لا يعتبر مثل الوجه ، رغم ان رعاية الحجاب ( خير لهن ) . وحكم المسألة واضح .
وإن لم تصل إلى حد ( والقواعد من النساء ) ، فإن التعليم إما واجب عيني أو كفائي ، وسماع صوت المرأة إذا كان مكروهاً للرجل ، ولكن كراهية سماع الصوت للمرأة بعيد ـ إلا بدليل خاص ـ لأن مثل هذه الأحكام ليست ملازمة لبعضها البعض ـ مثل أن يقال : إن ستر مقدار من الوجه واليد ليس
____________
(1) سورة النور ، الآية : 60 .
(363)
واجباً على المرأة ، ولكن هل يستطيع الرجل النظر أم لا ؟ فلهذا حكم منفصل ، وفي حالة أن يثبت أن الإسماغع مكروه ، فهذه الكراهة هي مثل الكراهة في العبادات بمعنى ( أقل ثواباً ) ، لا أن تكون من نوع الكراهات الحزازتية الابتدائية . بل هنا أهم ومهم وفي حالة التزاحم تعود كراهتها إلى ( اقل ثواباً ) .
بناء على هذا ، فالشخص الذي يتحمل هذه الكراهة ويدرس من أجل رضى الله ، سواء بصورة كتاب ، أو بصورة شريط ، وإذا لم يمكن ، فمن وراء حجاب ، أو بصورة حضورية . فهذا ليس فيه كراهة ، وإذا كان فيه كراهة فهي مثل الكراهة في باب العبادات .
وكمثال الخطبة المروية عن فاطمة الزهراء عليهم السلام في باب احتجاجات المعصومين عليهم السلام ، تتعلق بمسألة التعليم ، لم يكن واجباً ان تطرح الزهراء عليها السلام تلك الخطبة التوحيدية المفصلة من أجل استرداد فدك أو استحقاق خلافة زوجها . هذه الخطبة كانت تعادل جزء من القرآن الكريم تقريباً .
كان الذين حفظا ونقولا تلك الخطبة قليلين ، من الحافظين والرواة لتلك الخطبة النورانية زينب عليها السلام . فقد قهمت تلك المراة الصغيرة السن في ذلك الوقت الخطبة وروتها . ما هي الضرورة في قراءة الزهراء عليهم السلام لهذه الخطبة التوحيدية الرفيعة في ذلك الجمع ، كان للتعليم والتدريس وللمناظرة السياسية والمشاركة والحضور في الساحة لاسترداد الخلافة وفدك .
مقارنة خطبة الزهراء مع بعض خطب نهج البلاغة (1) :
ورد حديث معروف في عظمة الزهراء عليهم السلام وأنه لو لم يكن علي ابن
____________
(1) الإشارة لخطبة الزهراء عليهم السلام وتفصيل الكلام كان بمناسبة اقتران الدرس بذكرى شهادة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهم السلام .
(364)
أبي طالب ، لم يكن للزهراء كفؤ وزوج ( آدم ومن دونه ) لتوضيح هذا الحديث ، من الجيد ملاحظة كلام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة وكلام فاطمة الزهراء عليهم السلام حتى يشاهد التساوي بينهما . بيان هذه المسألة هو (1) :
ان العترة الطاهرة ليسوا منفصلين عن القرآن في أية مرحلة من المراحل العلمية لأنهم القرآن الناطق ، أي ليست هناك في القرآن مسألة لا يعرفها هؤلاء ، كما انه كل كمال لديهم ، موجود في القرآن . وإلا يأتي محذور انفكاك القرآن عن العترة أو انفكاك العترة عن القرآن . لذا كل وصف في القرآن الكريم موجود في العترة الطاهرة أيضاً . آيات القرآن الكريم ليست كلها بمستوى واحد ، رغم ان جميع السور معجزة ولكن الإعجاز له مراحل أيضاً . فمثلاً ان الى معراج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو معجزة ولكن العروج له درجات ، في بعض الدرجات كانت الملائكة عموماً وجبرائيل عليه السلام خصوصاً يرافقون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي بعض آخر حين يصل إلى بحر النور ، هناك يظل الملائكة عند الساحل ويعبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحر النور ، أو هناك حيث الكلام في :
( ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى ) (2) ..
هناك الكلام ليس في الفلك والملك . مع أن السير والعروج كله معجزة .
القرآن الكريم كله معجزة مثل معراج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن ( تبت ____________
(1) المصدر السابق .
(2) سورة النجم ، الآيتين : 8 ـ 9 .
(365)
يدا أبي لهب ) ليست مثل ( قل هو الله أحد ) والآيات الأخرى في القرآن ليست بدرجة ( شهد الله ) .
لذا أكد الحديث والسنة على أن نقرأ في الصلاة ( قل هو الله أحد ) ونقرأ ( شهد الله ) في التعقيبات ولم يذكر مثل ذكك الثواب لـ ( تبت يدا ) هذا من حيث المحتوى .
من الناحية الأدبية أيضاً ، ليست ( تبت يدا ) مثل :
( يا أرض ابلعي ماءك وياسماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي ) (1) .
إن ( تبت يدا ) ليست بمستوى ( يا أرض أبلعي ) من ناحية الاعجاز الأدبي والفصاحة والبلاغة ، ولا هي بمستوى ( قل هو الله أحد ) من حيث المحتوى ، والحال ان جميع الآيات هي اعجاز إلهي ، لذا روي عن الإمام السجاد عليه السلام في حديث معروف رواه الكليني في الكافي والمرحوم الصدوق ـ في كتاب التوحيد ـ أن الله أنزل سورة ( قل هو الله أحد ) وأوائل سورة الحديد حتى ( والله عليم بذات الصدور ) لأنه كان يعلم ان أقواماً متعمقين يأتاون في آخر الزمان ، وقال ( فمن رام وراء ذلك فقد هلك ) (2) .
هذا هو الارشاد بنفي الموضوع ، أي لا تذهبوا من بعد ذلك ، ليس هناك طريق ، . فتهلكون ، وليس ان هناك طريقاً وعليكم ان لا تتعمقوا ـ كما تصور البعض ـ
فأيات القرآن مع أنها معجزة ، لكنها ليست بمستوى واحد . كذلك نهج البلاغة ، قيل إن كلام الإمام إمام الكلام . وكلام الإمام ملك الكلام
____________
(1) سورة هود ، الآية : 44 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ، 91 .
(366)
وفوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، ولكن الخطب والكلمات القصار والرسائل في نهج البلاغة لس بمستوى واحد ، رغم انها أفضل من مستوى الفصاحة المتعارفة . في ذروة كلام الإمام عليه السلام في الخطبة التي تعتبر رغة الخطب بين سائر خطجب الإمام ، حيث يجب أن يقرأ الإنسان نهج البلاغة عدة مرات حتى يفهم هل ان هناك خطبة لهذه الخطبة أم لا ؟ هناك نرى أن الزهراء خطبت قبل ان يخطب علي مثل هذه الخطبة .
ان خطب أمير المؤمنين عليه السلام هي فوق الحد المتعارف ولكن لا يعني ذل كانه ليس بأتطاعة شخص ان يتكلم مثله .
عندما كان أمير المؤمنين عليه السلام يجهز جيشه للهجوم مرة ثانية على أهل صفين ، خطب خطبة رواها المرحوم الكليني قبل الرضي رحمة الله ـ لأن كثيراً مما ورد في نهج البلاغة رواه علماؤنا في جوامعهم الروائية في كتب كتبوها قبل نهج البلاغة بسنين وقبل ولادة المرحوم الرضي رحمه الله .
زمع أن المرحوم الكليني ألف كتابه بعنوا جامع الحديث ، لكن في بعض الأحيان كلاماً مثل ما قاله في آخر روايات صفات الذات وصفات الفعل ، لأن المرحوم الكليني لم يكن محدثاً فقط ، بل كان حكيماً متكلماً ، أصولياً أيضاً وكان له في المعارف حكم قوي ـ في آخر هذه الخطبة وضمن الإشارة إلى هذه الجملة الرفيعة :
( لا من شيء كان ولا من شيء خلق ما كان ) (1) .
قال : لو جمع الأنس والجن ، ولم يكن بينهم نبي ووصي وولي ، لا يستطيعون أبداً إيراد خطبة كخطبة علي عليه السلام . وهذا يشبه تحدي سورة الإسراء حيث قال الله بشأن القرآن :
____________
(1) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 136 .
(367)
( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (1) . وفي شرح ذلك القسم من أصول الكافي قال المرحوم صدر المتألهين : إن كلام الكليني هذا ليس مقبولاً باطلاق كان يجب أن يقول : لو جمع كل العماء فوق الأرض ولم يكن بينهم نبي من الأنبياء أولي العزم لا يستطيعون ان يتكلموا مثل علي ـ .
هذه الخطبة هي التي قال عنها المرحوم المحقق الداماد في تعليقه على شرح أصول الكافي ، إن رفعة هذه الخطبة في انها أجابت على كثير من الشبهات . لأن المفكر المادي الملحد يقول : إن الله تعالى ، إما خلق العالم الشبهات . لأن المفكر المادي الملحد يقول : إن الله تعالى ، إما خلق العالم ( من شيء ) أو ( من لا شيء ) ـ لأن الشيء واللاشيء نقيضان وكما ان جمع النقيضين محال فرفع النقيضين مستحيل أيضاً ـ وبناء على هذا غذا قلنا : إنه خلق العالم من شيء فذلك الشيء هو مادة وأزلي وليس مخلوقاً لله . وإذا خلق من لا شيء فاللاشيء هو عدم والعدم لا يمكن ان يكون مبدأ ومادة شيء .
قال المرحوم المحقق الداماد رحمه الله في تعليقه : إن هذا الخطبة العلوية أجابت على هذا التوهم وقال : أن نقيض ( من شيء ) ليس هو ، ( من لا شيء ) ، بل ان نقيض ( من شيء ) هو ( لا من شيء ) . إذا خلق الله سبحانه العالم ( من شيء ) فالمحذور هو نفسه . أما ( من لا شيء ) فهو ليس نقيض ( من شيء ) لأن نقيض كل شيء هو رفعه . ان نقيض ( من شيء ) هو ( من لا شيء ) وليس ( من لا شيء ) ، لأن ( من لا شيء ) هو عدم وملكة والعدم والملكة ليست سلباً وإيجاباً أبداً . وورد في الخطبة النورانية العلوية :
الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد الذي لا من شيء كان ولا من
____________
(1) سورة الإسراء ، الآية : 88 .
(368)
شيء خلق ما كان ) (1) .
عندما يمدح الميرداماد رحمه الله هذه الخطبة ، والكليني يتكلم ذلك الكلام ، وصدر المتألهين يعبر ذلك التعبير ، فهذا دليل على أن هذه الخطبة تعتبر من غرر خطب أمير المؤمنين عليه السلام ولكن حتى في هذه الخطبة ليست الكلمات والجمل بمستوى واحد ، كما ان آيات سورة الحديد المباركة ليست في مستوى واحد ، أي أن هناك فرقاً كثيراً بين الآيات الست الأولى وبين الآيات الأخرى ، ولهذا السبب ورد في الرواية التي وراها المرحوم الكليني والمرحوم الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام ان سورة ( قال هو الله أحد ) والآيات الست الأولى من سورة الحديد للمتعمقين .
في الخطب كلمات ليست في مستوى واحد لكن هذه الخطبة من غرر الخطب وهذه الجمل في هذه الخطبة تعد من غرر جمل الخطبة .
بعد توضيح هذ المسألة ، لو راجعنا خطبة الزهراء عليها السلام نرى ان هذا التعبير الرفيع موجود في تلك الخطبة . قالت الزهراء عليها السلام هذه الخطبة قبل علي عليه السلام بسنوات ، خطبة أمير المؤمنين كانت بعد حرب صفين والنهروان ، وفي أواخر فترة حكومته ، وبعد خمس وعشرين سنة من الجلوس في الدار ، ولكن فاطمة خطبت تلك الخطبة قبل حوالي ثلاثين سنة من هذه الخطبة وبينت تلك الجمل .
والآن وبعد هذا التفصيل يتضح لماذا لو لم يكن علي ، لما كان للزهراء زوج وكفؤ (2) .
____________
(1) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 138 .
(2) أصول الكافي ، ج 1 ، ص 461 .
(369)
نتيجة البحث :
بناء على هذا ، بالنظر لأن فاطمة الزهراء عليها السلام هي معصومة أولاً . وثانياً : ان المعصوم مطلق ـ سواء نبي أو غير نبي . فعله وقوله وتقريره ـ كلامه وسكوته وسلوكة وتعاملة ـ يعد سنة إسلامية ، ثالثاً : السنة هي حجة ، لذا فقول الزهراء وفعلها وتعاملها حجة ، وليس هناك فرق في حجية السنة بين الزهراء وعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة المعصومين عليهم السلام . إذا كان كلام علي بن أبي طالب وأبنائه الأحد عشر حجة ، بسبب عصمتهم ، فهذه الحجية والعصمة هي للزهراء عليها السلام أيضاً ، والسنة بهذا المعنى الواسع هي مصدر الفقه الإسلامي ، والفقه الإسلامي يتلقى أسسه من هذه المصادر ، ومعيار المصدرية هي العصمة أيضاً وفي النتيجة ان الزهراء عليها السلام هي إحدى مصادر الفقه الإسلامي .
بناء على هذا إذا كان الكلام في الكراهة فان تلك الكراهة تعود إلى ( أقل ثواباً ) ، علاوة على أنه عندما يصبح محور البحث ، هو العلوم الإسلامية ، فان المشاركين يأتون بحضور واخلاص ، وكذلك المدرسين بعفاف واخلاص ، وقطعاً يكون الجو ، جو عصمة وطهارة وإذا كانت هناك كراهة ، تضع حكمها تحت تصرف حكم الأهم ، حين التزاحم .
المرأة ومسألة الجهاد :
ان المرأة تستطيع ان تتولى قسماً مهماً من مسألة الجهاد ، لأن الجهاد ليس كله تواجداً في الخندق واطلاق رصاص . فرسم الخريطة وطرق المواصلات تعد من الاقسام المهمة للجهاد ، بالإضافة إلى المساعدات التموينية خلف الجبهة وفي الجبهة وهل ان المتواجدين في الجبهة يعملون كلهم عملاً عسكرياً ؟ ان قسماً منهم يتولى الأمور المتعلقة برسم الخرائط . والمعلومات الحربية وغيرها ، الأمور العسكرية الشاقة والصعبة قالوا بأن لا
(370)
تتصدى لها المرأة ، لا ان تكون محرومة من فيض الجهاد ، أو أن لا تدافع إذا كان البلد في حالة دفاع وحرب ومهدداً من قبل الأجانب . ومن لوازم الدفاع التدريب العسكري . طبعاً يجب أن يكون التدريب العسكري للنساء مفصولاً عن الرجال . كما هو التدريب في سائر الفنون ـ ولكن تحت قيادة واحدة ، تقوم بالجهاد في الجبهة وخلف الجبهة . إذن لم تحرم المرأة من أي من هذه الميادين ، بل إن المرأة بمستوى الرجل في أكثر المصاعب والامانات وفي كثير من المصائب والمشاكل .
ان القول بأن الحرب والجهاد ليست وظيفة المرأة بتعلق بالجهاد الابتدائي حيث قالوا انه يتعلق بالإمام المعصوم عليه السلام ، وبعض فقهائنا رضوان الله عليهم قالوا : إنه لا يختص بالإمام المعصوم . أما إذا أصبحت المرأة قائدة فرقة في الحروب الدفاعية ورد كيد الأجانب فان ذلك ليس جائزاً فقط بل أحياناً يكون واجباً ، لأن الدفاع لا يختص بالمرأة والرجل . أينما كان دفاع فالمرأة مثل الرجل وتتواجد في جميع الميادين الحربية وغير الحربية ، لذا يجب أن تتعلم الفنون العسكرية حتى تكون مدافعة حين الدفاع او الشعور بالخطر تكون فائدة فرقة نساء ، وتدفع خطر العدو إلى جانب الرجال ، وهم منفصلون عن بعضهم على أساس تقسيم العمل .
المرأة والهجرة :
الهجرة التي هي حمل ثقيل في الكفاح ، واجبة على المرأة والرجل أيضاً ، والهجرة تذكر تذكر دائماً مع الجهاد إلى جانب بعضهما . وكان في صدر الإسلام مهاجرون ومهاجرات . والآن الهجرة ليست خاصة بالرجل بل هي واجبة على الفئتين .
في الهجرة إلى الحبشة كانت المرأة مع الرجل في السفر ، وفي الهجرة
(371)
إلى المدينة كانت المرأة مثل الرجل ، وبعد ان قال تعالى :
( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فان علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هنّ حلّ لهم ولا هم يحلون لهن ) (1) .
هذه الهجرة للجميع ، وفي النتيجة ليس ان كل عمل سهل يكون للمرأة وكل الأعمال الصعبة تكون متعلقة بالرجل ، بل ان المرأة والرجل متساويان في بعض الأعمال الشاقة مثل الهجرة والدفاع ، لأن الحمل الأساس تحمله إنسانية الإنسان ، وفي الإنسانية ليس هناك فرق بين المرأة والرجل .
التعيين في الأعمال التنفيذية والعبادات :
هناك شبهة في بعض الأذهان وهي ان تقسيم الأعمال التنفيذية يمنع حصول النساء على الفضائل ، هذه الشبهة هي من أثر عدم الالتفات إلى نظام الفضيلة في الإسلام ، ان نظام الفضيلة في الإسلام يغاير معايير المدارس الأخرى . فنحن لدينا تعبد ، وهذا التعبد هو عامل تقربنا . يجب أن نعبد الله وكل من كان أكثر تعبداً فهو أقرب . ولكن عبادة الله في أي شيء ؟ هل العبادة في ان نعمل وفق آرائنا واقتراحاتنا أو نسلك طبقاً لأمر الله ؟ .
إذا كان شخص يطمح في التكامل والفضيلة ، فان معيار التكامل والفضيلة يجب ان يضمنه الوحي الإلهي ، والوحي الإلهي قسم ووزع البرامج . ان المرأة لا تستطيع ان تقول أبداً : نظراً لأنني محرومة من بعض وظائف الرجل ، فانني محرومة من فضائل تلك الوظائف . لأن هناك ثواباً لكل عمل تنفيذي ويعطي كل شخص ثواباً بمقدار الاخلاص ، إذا كانت الأعمال التنفيذية مشخصة للرجل والثواب معيناً فكذلك الأعمال التنفيذية
____________
(1) سورة الممتحنة ، الآية : 10 .
(372)
والثواب مشخصة للمرأة ، فمع أنها حرمت من الصلاة على أساس ( دع الصلاة أيام أقرائك ) ، لكنها تستطيع ان تحصل على ثواب الصلاة بأن تتوضاً وتجلس في مصلاها باتجاه القبلة وتذكر بمقدار الصلاة . ولا يمكن القول : ثواب هذا العمل أقل ، أو أن القيام به صعب . الطريق مفتوح وإذا لم يرد الشخص ان يجاهد فهذا على عاتقه ، ولو كان في هذا المقدار حرج لما أمر به الدين . بعض الأوامر يقوم الدين بتبديلها إلى أمر آخر بشكل مؤقت للسهولة ، مثلاً يقول للمسافر أن يصلي بدل أربعة ركعات ركعتين ، ولكن لتعويض ثواب تينك الركعتين الناقصتين يقول له ان يأتي بالتسبيحات الأربع ثلاثين أو أربعين مرة بعد الصلاة . هذه طريقة ترميم ، وفي مجال المراة هكذا أيضاً ولا يمكن القول إن هذا حرج ، وإذا كان الوضوء حرجاً لها أو صعباً يتبدل الوضوء ليس إلى تيمم كما في الحال العادي ، هنا يتبدل الوضوء إلى تيمم ، والوضوء ليس رافع حدث في المسألة ، بل هو من أجل أن يكون للإنسان هذا التأدب ، ويستطيع ان يستفيد بصورة أصح من ذلك الذكر . بناء على هذا فان القرآن ما لم يفتح طريقاً ، لا يسد طريقاً .
سؤال ممثلة النساء للنبي :
هذه الشبهة طرحت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجاب عليها بجملة قصيرة ، وهذا السؤال والجواب ذكره الأستاذ العلامة الطاطبائي ـ رضوان الله عليه ـ في تفسير الميزان نقلاً عن كتاب ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) خلال ( البحث الروائي ) لبعض آيات سورة النساء (1) .
يتبين أن هذا النوع من الأسئلة والاشكالات كان مطروحاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
____________
(1) تفسير الميزان ، ج 4 ، ص 37 .
(373)
روي عن البيهقي في الدر المنثور ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالساً بين أصحابه فجاءت اسماء بنت يزيد الانصارية وقالت : بأبي أنت وأمي اني وافدة النساء إليك واعلم نفسي لك الفداء انه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأي . أن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء . فآمنا بك وبالهك الذي ارسلك ، وانا معشر النساء محصورات مقسورات ، قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم . وحاملات أولادكم ، وانكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج . وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وان الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم . وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أموالكم . فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ، ما ظننا ان امرأة تهتدي إلى مثل هذا فالتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة واعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها . وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ، فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً .
رؤيا آمنة ( عليها الرحمة ) أم النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
روي ان هذه المرأة نظرت إلى طفلها محمد صلى الله عليه وآله وسلم أيام مرضها وقالت : إن تلك الرؤيا التي رأيتها في عالم النوم إذا هي حق فأنت تبعث إلى الأنام .
فأنـت مبعـوث إلى الأنـام
*
تبعـت فـي الحـل وفـي الحرام
(374)
تبعث بالتوحيــد والإســلام
*
ديــن أبيـك البر إبــراهـام (1)
نظمت شعراً في حالة المرض وقرأته على طفلها الصغير ، ورحلت .
وآمنة هذه استطاعت ان تربي هذا النبي ، لأنه رغم ان آمنة كانت تعيش في جو الجاهلية ولكن كان لديها نهج إبراهيمي . مثل هذه المرأة تربي مرجعاً . مفسراً ، حكيماً ، عرافاً ، فقيهاً ، أديباً هذه المرأة تستطيع ان تربي مجاهداً وأخيراً هذه المرأة تستطيع ان تربي ولي المسلمين وقائد المسلمين .
ان ما قاله إمام الأمة ـ رضوان الله تعالى عليه : ( من حضن المرأة ، يذهب الرجل إلى معراج ) (2) هي حقيقة أخذت من الروايات ، يجب ان لا يتخيل شخص ان المرأة محرومة من فضيلة لأنها لا تذهب إلى الجبهة ، تستطيع المرأة بحسن التعامل ، بالإدارة الصحيحة لشؤون المنزل ، بالقناعة ، بالتربية الرقيقة للأبناء ، بالسلوك المؤدب ، وحفظ العفاف واللباس أمام الأولاد ، وتربية أولاد نجباء ومئات الوظائف المطروحة في إدارة المنزل ، ان تجبر نقص تلك الفضائل ، حيث ان هذه تعادل جميع الفضائل التي وردت للرجال .
من الشبهات الأخرى التي تطرح بسبب عدم ملاحظة معايير القيم في القرآن الكريم ، ويؤكد عليها بسبب رسوخ الثقافة الجاهلية والغريبة في الأذهان ، مسألة ديه الوارث بين المرأة والرجل .
معيار قيمة الإنسان ومسألة الدية :
إن ما يطرح كمعيار تقييم هو هل ان المرأة تستطيع ان تتكلم مع الملائكة وتسمع دعوة الله ، أم لا ؟ أما في ما يتعلق بمسألة الدية ، وهو لماذا
____________
(1) الدر المنثور ، ص 1 ـ 17 .
(2) صحيفة النور ، ج ، ص 194 .
(375)
كانت دية المرآة أقل من دية الرجل ؟ يجب القول في الجواب : هل ان قيمة الإنسان هي بقيمة بدنه حتى نقيم الامتياز في الديات ؟
هل يجب الذهاب وراء الدية لتقييم الإنسان في الإسلام ، حتى نبحث عن الفارق بين المرأة والرجل في الدية ؟ أم أنه يجب معرفة القيمة الحقيقة للإنسان هناك حيث الكلام في الارتباط مع الملك والوحي وأمثال ذلك ؟ حتى يرى في النهاية هل ان المرأة لها سهم هناك أم لا ؟
إن مسألة الدية هي أمر اقتصادي صرف ، وليست هي معيار تقييم الإنسان ، فكما ان في الشريعة تعينت للكلب دية ـ إذا لم يكن من الكلاب العقورة ، كذلك جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط جعل لجسم الإنسان دية أيضاً ، الدية هي حساب فقهي وليس لها ارتباط بقواعد الدين ، فأهم الشخصيات الإسلامية يتساوى مع أبسط الأشخاص من حيث الدية ، دية مرجع تقليد ، دية إنسان متخصص ، دية إنسان مبتكر ، مع دية عامل بسيط هي واحدة في الإسلام ، بسبب ان الدية ليست عاملاً في تعيين القيمة وهي أداة فقط . إن معيار القيمة هو الذي جاء في القرآن ( ان أكرمكم عند الله أتقاكم ) (1) .
خلاصة الكلام : أولاً : ان البدن ليس أكثر من أداة ، ولهذا البدن ديته مشتركة سواء كان هيكل مرجع تقليد ، أو فقيه ، أو طبيب أو مهندس ، أو مبتكر أو هيكل عامل بسيط .
ثانياً : ان التقييم يتعلق بروح الإنسان ، وروح الإنسان لا تتلاشى ولا تصبح مقتولاً حقيقياً حتى يدفع عنها دية . بل ان الذي يتضرر هو البدن ، والبدن يقيم باداة مادية كما تبين ، بناء على هذا فالمرأة والرجل بنفس المستوى من حيث الوحي ، ورغم ان الوحي التشريعي ينزل على الرجال لأنه
____________
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(376)
يتبعة عمل تنفيذي ، ولكن الوحي التكويني والتأييدي وأمثال ذلك والذي لا ترافقه أعمال تنفيذية فالمرأة بمستوى الرجل في هذه الناحية .
ثالثاً : إذا حصل اعتراض وانتقاد من قبل المسيحية وهاجموا الإسلام . يتضح ان ذلك المهاجم ليس نصرانياً صادقاً ، حيث انه ليس هناك في النصرانية فرق بين المرأة والرجل أيضاً ، وإذا ورد نقد من اليهود ، يتضح أن الناقد ليس يهودياً أصيلاً ، لأن المرأة لها مقام في قاموس الوحي بحيث تستطيع ان تصبح بمستوى أم النبي إسحاق وتتكلم مع الملائكة مباشرة .
لو ان هذه المسائل تستنبط جيداً من القرآن الكريم ويبين ويوضح بشكل كامل ان عظمة ومقام وقيمة الإنسان الحقيقية تتعلق بروحه بحيث تستقبله الملائكة وتتكلم معه وتعرض دعوة الله وتتلقى روح الإنسان بشارة الملائكة وفي هذا التلقي ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، عند ذلك لا يحصل نقد ونقص في المسائل التنفيذية أبداً .
سر اختلاف دية المرأة والرجل في الإسلام :
رغم ان مسألة الدية وسائر المسائل الفقهية تتطلب فصلاً مستقلاً ، ولكن في هذا القسم من البحث نطرح بحثاً قصيراً في هذا المجال بمناسبة الطرح الإجمالي لمسألة الدية .
هناك مجموعة من التقييمات في القرآن الكريم ترجع إلى البدن ، ولك بدن يكون منشأ اقتصادياً أكثر وأقوى ، تنظم مسألة الدية بذلك التناسب في ما يتعلق به ، كما ان مسائل الإرث هي هكذا .
أما ما يعود إلى التعليم والتربية ، فلأن مثل هذه الأمور لا تتعلق بالبدن ، لذا كانت المرأة والرجل في تلك الأمور موضع خطاب مشترك في القرآن .
(377)
القرآن الكريم خاطب المرأة والرجل معاً في الفضائل الروحية والأخلاقية وتجنب الرذائل الأخلاقية ، وكذلك خاطب المرأة والرجل معاً في مسائل اتباع نظام الحكومة وسائر الأقسام في مسائل الحكومة وقال :
( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً ان يكون لهم الخيرة من أمرهم ) (1) .
في المسائل الاخلاقية جاء في القرآن الكريم أيضاً :
( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ) (2) .
لأن الخير ليس من المدركات البصرية التي يأتي بالعين ، الخير يتعلق بالروح والروح مستورة أيضاً ، ولعل الشخص الذين يسخر منه أفضل من الشخص الذي يسخر . بناء على هذا فلا الرجل يحق له السخرية ولا المرأة مسموح لها بهذا العمل . لأنه يقول :
( عسى أن يكونوا خير منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ) .
ورد في رواية ان هناك عدة أشياء مستورة بين عدة أشياء ، أحداها ليلة القدرة المستورة بين ليال وأولياء الله المهجولون والمستورون بين الأشخاص العاديين ، وقد يكون الشخص الذي يتعرض للسخرية من أولياء الله .
إن الاحتقار محتمل بأربع حالات : أحياناً من الممكن ان يحقر رجل رجلاً ، أو يحقر رجل امرأة . كما ان من الممكن ان من الممكن ان تحقر امرأة امرأة أخرى .
____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 36 .
(2) سورة الحجرات ، الآية : 11 .