المرأة مع النبي « صلى الله عليه وآله » في حياته وشريعته ::: 106 ـ 115
(106)
أضعف من الرجل وأرق. وهي تتعرض في أدوار معينة من حياتها إلى أعراض طبيعية لها التأثير البالغ على قواها الجسمانية والفكرية خلافاً للرجل الذي هو في منأى عن أمثال هذه الأعراض وآثارها النفسانية والجسمانية. وقد أكد الطب القديم والحديث على هذه الناحية وعلى أن المرأة وفي معدل 74% تتعرض في أدوار معينة ونتيجة لتركيبها العضوي وكيانها الأنثوي الى أعراض من نتائجها تقليل قوة إمساك الحرارة في الجسم ، وإعاقة النبض عن السرعة وهبوط في ضغط الدم ، وتقليل عدد خلاياه. وتؤثر هذه الأعراض أيضاً على الغدد الصماء واللوزتين وعلى الغدد اللمفاوية وتقلل إخراج أملاح الفوسفات والكلوريد من الجسم ، ويختل فيها الهضم ويقل فيها التحام الشحم والأجزاء الهيولينية في المأكولات مع أجزاء الجسم. وفيها يبلد الحس وتتكاسل الأعضاء وتتخلف الفطنة والذكاء وقوة تركيز الأفكار إلى آخر هذه الأعراض التي تكون المرأة في معرض لتلقيها بين حين وحين. ووجود أمثال هذه الأعراض أو بعضها من حقه أن يؤثر على المرأة وعلى وجودها الاجتماعي. وهذا ضرورة من ضرورات المرأة ونتيجة من نتائج تقسيم الوظائف بين


(107)
البشر. ولذلك فهي تحتاج دائماً وأبداً إلى من يشدها في جميع الأحوال وإلى من يسندها في كل وقت وهي ستجد في الرجل وجودها الثاني الذي لا يطرأ عليه أي تغير أو تبديل.
    ولذلك جعل الإسلام للرجل درجة على المرأة وليس في هذا أي إجحاف لحق المرأة أو أي ظلم لها ، بل هو نتيجة طبيعية لما قدمناه. وكذلك في أوقات الحمل الذي يعد أقدس مهمة تنجزها المرأة في الحياة تصاب أكثر النساء بأعراض كثيرة تكون من مستلزمات الحمل وتوابعه وتستهلك هذه الأعراض من المرأة جهداً بدنياً شاملاً. وقد صرح كثير من الأخصائيين أن الشهر الأخير من أشهر الحمل لا يصح فيه أن تكلف المرأة جهداً بدنياً أو فكرياً وعند ذلك أيضاً يأتي دور الرجل الزوج لكي يسيِّر معها دفة الحياة. والمرأة بطبيعتها الناعمة تحتاج الى ركن قوي تستشعر في ظله الأمن والرضاء.
    ولو لم يكن للرجل على المرأة درجة لأصبح الرجل بالنسبة للمرأة كواحدة غيرها من النساء وعند ذلك تفقد هذا الشعور الذي تحتاجه كل أنثى وهو شعورها بأنها في حمى مكين وبأنها مسنودة إلى جبهة قوية.


(108)
    فالمرأة كما عرفنا لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتجرد عن أنوثتها التي هي ضرورة من ضرورات وجودها الإنساني. والأنوثة تعني الرقة والنعومة ، والرقة والنعومة لابد لها ممن يعوضها عن ضعفها بقوته وعن رقتها بصلابته.
    وإلاّ فإنَّ الإسلام هو أول نصير للزوجة بجميع أحكامه ومفاهيمه. وقد جاء في الروايات عن رسول الله (ص) أنه قال : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وجاء في الروايات أن النساء في عهد النبي كُن قد وجدن فيه لأنفسهن نصيراً مشفقاً وملجأً حتى أنهن كُن يشكين اليه أدنى اعتداء يصلهن من أزاجهن وكان أزواجهن يحذرون أن يبدر منهم إليهن ما يشكينه الى النبي.
    وجاء في الروايات عن الرسول (ص) أنه قال : خير متاع الدنيا المرأة الصالحة. وجاء عنه أيضاً : ليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة.
    وعلى هذا النحو جعل الإسلام من الزوجية نموذجاً جديداً وأسبغ عليها مفاهيم سامية لا لبس فيها ولا غموض. والزوجة في الشريعة الإسلامية لها من الحقوق الزوجية ما عليها ، وبهذا أوجد الإسلام من الزوجية رباطاً


(109)
محكماً ثابت القواعد له شروطه وأحكامه وليس متعة لهوٍ عابرة.
    فالزوجة إذن ليست آلة مستخدمة للرجل وليست وسيلة لإنجاز مهامه وقضاء حوائجه ، وليس للرجل عليها أي حق في هذا الباب كما قد أجمعت عليه الروايات والأخبار وأجمع عليه أيضاً جميع الفقهاء. وقد ترك الإسلام التعاون القائم بين الزوجين الى رغبة الزوجين في هذا التعاون وأستعدادهم لذلك ولا ريب أن الحب المتبادل والمودة التي جعلها الله بينهما تدفعهما إلى التعاون وتحبب اليهما ذلك التعاون ، فهو تعاون متكافئ قائم على أساس الحب والرحمة والإخلاص. وعلى هذا فإن المرأة لا تشعر بأي غضاضة في ذلك فهي مخيرة لا مسيَّرة ومندفعة لا مدفوعة. وبما أن بيت الزوجية هو مملكة الزوجة الخاصة وعشُّها السعيد فلا ريب إذن من أن تكون المرأة أكثر اندفاعاً لتعمير هذا العش وتشييده من الرجل الذي يكون نطاقه أوسع من البيت وأعم. فالمرأة عندما تشعر أنها هي القائدة الواقعية للبيت وللمجتمع الصغير الذي تحسُّ فيه براحةٍ نفسية اذا أحسنت قيادته وحدها وأثبتت كفاءتها لتلك القيادة التي هي في الواقع بداية لقيادة المجتمع الواسع.


(110)

(111)
    الأمومة رسالةٌ مقدسة كُلفت المرأة بأدائها نظراً لكون دور الأمومة هو أدق أدوار الوظائف في الحياة. والمرأة ولكونها عاطفية بالطبع والفطرة يكون لها من عاطفتها الفياضة دافعً يشدها الى تحمل مهام هذا الدور ومشاكله. والأم وفي كل عصر من العصور كانت لها الأهمية القصوى في ذلك العصر وكانت الأمم المتقدمة تولي الأم اهتماماً خاصاً وتتخيرها وتنتقيها من بين مئات من النساء. فقد كان يتفق للرجل قبل الإسلام أن يقتني العديد من الجواري والزوجات ولكنه يحدد نسله في واحدة يكون على ثقة من عراقة أصلها وأصالة فرعها ولكن ذلك كله كان لحساب الولد لا لحساب الأم بما هي أم ، ولكن الإسلام فتح أمام الأم آفاقاً جديدة أخرى تخص شخصها وكيانها الخاص. فمكانة الأم قبل الإسلام مكانة آلة الإنتاج التي يحرص


(112)
على أن تكون سليمة مستحكمة لكي تنتج الإنتاج السليم. ومكانة الأم بعد الإسلام مكانة الواهبة للحياة بما يستلزم ذلك من حقوق والتزامات. ولذلك فقد خولها الإسلام إمكانيات واسعة وجعلها تحس بأنها تلد الولد لنفسها وللمجتمع وليس للمجتمع فحسب ، وجعل الولد يشعر بأنه مدين بحياته ونشأته للأم. وبذلك ارتفع بها من دائرتها الضيقة في الأمومة الى أفقٍ عال من الرفعة والمكانة. وأصدق دليل على ذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : الجنة تحت أقدام الأمهات.
    فهل هناك غاية في السمو أعلى من أن تكون الأم طريقاً للجنة ومن أن يكون رضاؤها باباً يلج منه المؤمن إلى جنات النعيم.
    نعم الجنة التي وعد المتقون بها والتي هي غاية كل مسلم وحصيلة عمر ينقضي بالخير والصلاح تكون تحت أقدام الأمهات ، وتكون الأم هي الطريق المؤدي اليها برضاها عن الولد وبإرضائه لها. فالإسلام يعلم أن الأم وبما تكابده لأجل وليدها من آلام ومحنٍ وأسقام جديرة بأن تكون وسيلة لولدها في دخول الجنة ، وأن يكون إرضاؤها


(113)
شرطاً أساسياً من شروط الإيمان الكامل والإسلام الحقيقي ، سواء أكانت الأم أرفع من الولد أصلاً أو دونه في الأصل والنسب فهي أم وكفى.
    هذه هي حكمة الإسلام ورحمته تجاه الأم ، فالإسلام لا يقر لولد مهما كان شريف الحسب والنسب أن يتطاول على أمه وإن كانت جارية. فحق الأمومة في شريعة الإسلام حق مقدس لا يتغير ولا يتبدل مهما اختلفت الظروف والأحوال. والواقع أن العقل والمنطق يؤيدان هذا ويؤكدانه. فإن الولد لا يمكن له أن ينال الحياة إلاّ بعد أن تغذيه الأم من دمها وبعد أن تحمله معها في أحشائها وتحميه في كل جارحة من جوارحها. ولا يمكن له أن يعيش أيضاً إلاّ إذا كفلته أمه في رعايتها وغذته من لبنها وأحلته في أحضانها.
    وعلى هذا فإن الولد في الواقع قطعة من الأم قد انفصلت عنها وتكونت الى جنين ، فهل يمكن لبعض الشيء أن يعلو على بعضه ؟ وهل يمكن للثمرة أن تسمو على الشجرة ؟ وهل يمكن للوردة أن تباهي الغصن ؟ ولولا الغصن لما كان هناك زهرة على وجه الأِض. والإسلام لاحظ هذا ولاحظ المشاكل التي تحدث من جراء هذا


(114)
الشعور الذي كان الأولاد يشعرون به قبل الإسلام تجاه الأم التي هي دونهم في الأصل والنسب ، فأراد أن يخول الأم وأي امّ مكانها الذي يمكنها من حفظ كيانها في كل المجالات والظروف ، وتلزم أولادها الطاعة لها مهما اختلفت عنهم في الأصل والنسب. وقد كان رسول الله (ص) يكرر في أكثر من مناسبة قوله : ( وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد ) مع أن أم الرسول (ص) كانت من أعرق أسر قريش وأطهرها نسباً وحسباً ، وقد جاء في الروايات أيضاً أن رجلاً سأل رسول الله (ص) عن حق الوالدين فأجابه الرسول قائلاً : أمك ثمّ أمك ، ثمّ أمك ثمّ أبوك.
    فالأم بطبيعتها الأنثوية ورقتها الطبيعية تهب لوليدها من حنانها وعطفها أكثر مما يعطي الأب بل أكثر مما يتمكن أن يعطيه الأب ، نظراً لتكوينه الخاص الذي لا يمكنه من الاندفاع وراء عواطفه في الوقت الذي تكون فيه الأم سريعة الاندفاع وراء عواطفها قليلة التمكن من التحكم في مشاعرها. فعلى هذا فإنَّ الولد يستهلك من عطف الأم وحناهها اكثر مما يستهلك من عطف الأب وحنانه ، وإن كان الحب الواقعي عند الوالدين في حد سواء.


(115)
    وهذا هو السبب في تأكيد رسول الله على حق الأم ثلاث مرات. ونحن لا ننكر أن للولد حقاً عند أمه وأن على الأم أيضاً أن تحسن تربية الولد وتغذي روحياته وتحميه من مهاوي الانزلاق بالمقدار الذي تمكنها منه قابلياتها ومعارفها. وعلى الأم أن تشعر بخطر مسؤولياتها وهي تضطلع بدور الأمومة. وعليها أيضاً أن تعرف أنها مسؤولة عن النشء الذي تنشئه أمام الله وأمام المجتمع. ولذلك فإن من ضرورات الأمومة الصالحة أن لا تكون الأم جاهلة لكي تتمكن من معرفة الطرق السليمة في التربية. وأنا لا أريد أن أقول أن على كل أم أن تأخذ دبلوماً من معاهد التربية مثلاً.
    ولا أقصد مثل هذا من قريب أو بعيد ولكني أعني أن الأم يجب أن تكون بصيرةً بأمور دينها ومجتمعها ، تتمكن من تفهم المشاكل الاجتماعية بسهولة وتتمكن من معرفة الأخطار التي تترتب من جراء تلك المشاكل بسرعة لكي تجنب وليدها تلك المشاكل.
    وعلى العموم فالأم يجب أن تكون واعية وعياً إسلامياً كاملاً لكي تتمكن من أن تنشيء وليدها على أسس الإسلام ومفاهيمه الواقعية.
المرأة مع النبي « صلى الله عليه وآله » في حياته وشريعته ::: فهرس