العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: 61 ـ 75
(61)
    ومهما يكن من أمر فان كل نوع من هذه الاعمال ينقسم الى أنواع متعددة ، والتعرض لذكرها قد يعد خروجاً عن الموضوع فلذا نكتفي بما ذكرناه من العرض الموجز لاصول أنواعها.

    ونحن حينما نناقش النظرية الماركسية والنظرية الرأسمالية لاننا نؤمن أن النظم الاقتصادية الاخرى كالمذاهب الاشتراكية غير الماركسية وغيرها من المناهج في الميدان الاقتصادي إنما تأخذ فلسفتها وخطوطها العامة من هاتين النظريتين واعني بهما الماركسية والرأسمالية فبعضها حاول أن يجلب أكثر خطوط الماركسية كالمذاهب الاشتراكية المعاصرة وبعضها حاول أخذ اكثر المناهج الرأسمالية كالآراء الحديثة في البلاد الرأسمالية.
    ذهب ماركس الى أن العمل هو مصدر الثروة الاجتماعية والمنبع المهم الذي يمد الأمة بالاشياء الضرورية التي تتوقف عليها الحياة ، وهذا المعنى هو الذي ذكره الاقتصاديون فلم يأت بشيء آخر غير ما هو مشهور عندهم إلا انه سلك طريقاً آخر فجعل


(62)
العمل أساساً للقيمة ، وقد استمد اصول هذه النظرية من الاقتصاديين الكلاسيكيين الانكليز فلم تكن من بنات أفكاره.
    وتعتبر هذه النظرية بمنزلة العمود الفقري لتعاليمه ومبادئه ولا بد لنا من التعرض لجهات توضح فكرة ماركس وبيان ما يترتب عليها من اللوازم ، والى القراء ذلك :

    وجعل ماركس العمل أساساً للقيمة وليس معناه أنه مقياس لها فحسب بل هو مادتها حقيقة وواقعاً ، فقال : « تحدد قيمة البضائع حسب كمية العمل الذي صرف في انتاجها » (1) فالعمل هو الذي يخلق القيمة فتدور مداره وتقدر بقدره ، فقيمة السلعة التي يتطلب انتاجها ساعة تساوي نصف قيمة السلعة التي ينفق عليها من العمل ساعتان ، وهذا موجز نظرية ماركس عن تحديد العمل للقيمة وسوف نذكر استدلاله عليها وايضاحه لها.

    ولم يخترع ماركس هذه النظرية ـ على وهنها ـ فقد سبقه اليها غيره من الاقتصاديين فقد ذكرها « دافيد ريكاردو »
1 ـ خلاصة الاقتصاد السياسي : 69.

(63)
الاقتصادي الانجليزي المعروف فقال : « تحدد قيمة السلعة بكمية العمل المبذول في انتاجها » (1) وسبق ريكاردو غيره من الاقتصاديين في التنويه عنها فقد ذهب اليها « جون لوك » في سنة 1689 فقال : ان العمل هو مقياس القيمة التبادلية (2) ثم شرح هذه الفكرة « آدم سميث » حيث قال في كتابه ( ثروة الأمم ) : اني اعتبر العمل مقياساً لقيمة الاشياء.
    وعلى أي حال فان ماركس لم يبتكر هذه النظرية كما يطبل بذلك الشيوعيون فقد سبقه غير واحد الى التصريح بها أو التنويه عنها.

    أشاد كارل ماركس بهذه النظرية وأدخل على جوانبها بعض الايضاحات واستدل عليها في أغلب مؤلفاته ، فمن جملة الأمثلة التي استدل بها على ذلك هي مبادلة الثوب بالسرير فان لكل واحد منهما منفعة تناقض المنفعة الأخرى ، وبالرغم من وجود التناقض بين منفعتيهما فانهما يشتركان في قيمة تبادلية واحدة بحيث يمكن استبدال كل منهما بالآخر.
1 ـ النظام الشيوعي : ص 62.
2 ـ اصول المذاهب الاقتصادية بين التجارين والتوجيه ص 63.


(64)
    ثم يأخذ بالاستدلال على أن الخصائص الطبيعية لا تدخل في حساب القيمة ، فلا بد من طرحها وبعد طرحها لا يبقى عندنا سوى العمل وهو الصفة الوحيدة التي تشترك فيها السلعتان ولما كانت كمية العمل المنفقة على السرير والثوب واحدة من حيث الزمان نتج تساويهما في القيمة (1) وبهذا الاستدلال أثبت ان العمل هو جوهر القيمة.
    وأضاف في بعض مؤلفاته يقول في الاستدلال على ذلك ما نصه :
    ان أول سؤال يجب علينا أن نطرحه على أنفسنا هو التالي : ما هي قيمة بضاعة ما ، وكيف يمكن تحديدها ؟
    يبدو لأول نظرة ، ان قيمة بضاعة من البضائع هي شيء نسبي تماماً ، ولا يمكن تحديدها إلا اذا نظرنا الى بضاعة ما في علاقاتها مع بضائع أخرى. وفعلا عندما نتكلم عن القيمة المتبادلة لبضاعة من البضائع فانما نتصور في ذهننا الكميات النسبية التي يمكن بها مبادلة هذه البضاعة مع كل البضائع الأخرى. ولكن هنا يبرز هذا السؤال : كيف هي منضمة الى هذه العلاقات التي تجري وفقاً لها مبادلة البضائع بعضها مع بعض ؟
1 ـ رأس المال ج 1 ق 1 ف 1 ص 44 ـ 49.

(65)
    اننا نعرف بالتجربة ان هذه العلاقات متنوعة تنوعاً لا نهاية له لنأخذ بضاعة واحدة ولتكن قمحاً على سبيل المثال. فنجد ان كوارتر (1) من القمح يبادل مقابل بضائع مختلفة بنسب لا نهاية لها تقريباً. ومع ذلك ما دامت قيمته تبقى هي نفسها دائماً سواه كان التعبير عنها بالحرير أم بالذهب أم باية بضاعة أخرى فان قيمته هذه يجب أن تكون إذن شيئاً متميزاً ومستقلاً عن مختلف النسب التي يبادل وفقها مقابل مواد أخرى ينبغي أن يكون من الممكن التعبير عن كل هذه المعادلات بين بضائع مختلفة بصيغة أخرى مختلفة تماماً.
    وعلاوة على ذلك عندما أقول ان كوارتر من القمح يعبر عنها بكمية معينة من الحديد ، فانما أقول بهذا ان قيمة القمح ومعادلها من الحديد يساويان شيئاً ثالثاً ليس هو بالقمح ولا بالحديد ما دمت أقبل ـ كما ترون ـ انهما يعبران عن وحدة بذاتها بشكلين مختلفين. ان كلاً منهما سواء القمح أو الحديد يجب أن يكون إذن من الممكن إرجاعه الى هذا الشيء الثالث الذي يؤلف قياسهما المشترك (2).
1 ـ الكوارتر مكيال للحبوب مستعمل في انكلترا.
2 ـ الاجور والاسعار والارباح : ص 3 ـ 4.


(66)
    وأراد ماركس بالشيء الثالث الذي يؤلف بينهما ويندرجان تحته هو العمل الذي هو جوهر القيمة التبادلية عنده والذي تدور القيمة مداره وجوداً وعدماً.

    لقد أثبتت الأدلة العلمية خطأ ما ذهب اليه ماركس من تحديد العمل للقيمة ، فقد تناول ذلك علماء الاقتصاد بالنقد ، حتى صارت الفكرة من الوهن باقصى مكان وعادت من الفكر الهزيلة التي لا يعضدها الدليل في جميع أحوالها ، حتى هجرت عند أغلب الماركسيين واتخذت بدلها نظرية المنفعة النهائية ونظرية التعاون الاقتصادي. وعلى أي حال فانا نذكر بعض النقود العلمية التي ترد على هذه الفكرة كما نتبين معنى القيمة وفساد ما يترتب على الفكرة الماركسية من اللوازم والى القراء ذلك :
    1 ـ اغفال الندرة
    إن هذه النظرية قد أغفلت عامل الندرة ، ولم تفطن لأثره الكبير في تحديد القيمة ، فالندرة ليست عاملاً بارزاً في تحديد القيمة بالنسبة للمعادن النفيسة ، وأعمال الفنون البارزة فحسب بل وفي الأرض قبل ذلك وفي غيرها من عوامل


(67)
الأنتاج الأخرى.
    إن عامل الندرة النسبية هو الذي يتيح أحياناً للمصانع والمؤسسات أن تحظى بميزة استقلال هذا العمل عندما يزداد الطلب على السلع فتنعم بارباح وفيرة في الفترة اللازمة لانشاء مصانع جديدة تواجه الطلب المتزايد ، وهكذا نجد ان لعامل الندرة اكبر الاثر في تحديد القيمة.
    إن عامل الندرة له الأثر التام في رفع القيمة ، ولا يمكن بأي حال أن يمنع بيع شيء نادر الحصول بقيمة هي اكثر باضعاف من قيمة الشيء المبذول الذي تكلف انتاجه مدة من الزمن ، وبذلت عليه جهود كثيرة هي اكثر من ذلك الشيء النادر فكيف يكون العمل بعد هذا مقياساً لتحديد القيمة ؟ كما زعمه ماركس.
2 ـ تغيير القيمة
    إن العمل اذا كان أساساً لتحديد القيمة فلا بد أن تبقى ثابتة لا تتغير لانها بدل من العمل وهو أمر مستقر ثابت مع أن قيمة الاشياء كثيرة التغيير فتارة ترتفع وأخرى تهبط ولا يمكن أن تكون هذه التغييرات ناتجة عن العمل ، وبذلك يتضح بطلان تحديد العمل للقيمة.


(68)
    3 ـ المياه المعدنية
    إن العمل اذا كان مقياساً لتحديد القيمة فلا بد أن تكون الاشياء التي لم تحتج الى عمل عديمة القيمة كالمياه المعدنية النابعة أو بئر البترول الذي يتفجر منه الزيت من دون أي تدخل للانسان فيه على سبيل الفرض فعلى نظرية ماركس من تحديد العمل للقيمة أن تصبح هذه الاشياء عديمة القيمة مع أن الواقع يثبت عكس ذلك فانها من أعظم المواد التي تعتمد عليها البلاد في ثروتها الاقتصادية.
4 ـ الابداع والفن
    ولا شبهة أن للفن دخلاً في رفع القيمة فلو قام نحاتان أحدهما فنان قدير والآخر مبتدئ بصنع تمثالين وأنفق كل منهما شهراً في صنع تمثاله فبرز التمثال الذي صنعه الفنان بصورة رائعة من الفن ولم يكن الآخر بتلك الصورة فانه لا شبهة في زيادة قيمة الأول على الثاني مع أن وقت العمل واحد ، وعلى النظرية الماركسية يقتضي أن لا يكون للروعة والفن أثر في زيادة القيمة ما داما متساويين في زمان العمل وهو يناقض الحقيقة ويصادم الوجدان.
    ان العبرة في تحديد القيمة ليس بكمية العمل الذي تحتويه


(69)
السلعة ولكن بالنتائج التي تنحسر عنها جهود الفن والابداع ، فالغاء ذلك وعدم دخالته في زيادة القيمة لا يلتزم به أي انسان فيما نحسب.
5 ـ انخفاض الرغبة
    ان شدة الرغبة الى السلعة تؤدي الى زيادة قيمتها كما ان انخفاضها يؤدي الى نقص القيمة مع احتفاظ السلعة بكمية العمل وبقاء ظروف انتاجها وهو دليل على أن للرغبة أثراً في تكوين القيمة التبادلية ومن الخطأ أن تناط القيمة بكمية العمل المبذول في ايجادها.
6 ـ لغوية التحديد
    اذا كان العمل أساساً لتحديد القيمة فما الداعي إذن لتحديد قيمة العمل فانه لا شبهة أن العمل في حد ذاته قيمة لانه يباع ويشترى أي بعبارة أخرى انه يستاجر بأجور محدودة ، ومن السهل تحديد قيمة العمل بنسبة قيمة ما ينتجه العامل وتحديد قيمة الاراضي الزراعية حسب قيمة ما تنتجه من المحصول ، وإذا أردنا تحديد قيمة هذه المحاصيل حسب ما احتاجت اليه من العمل فانا نقع في الدائرة الفاسدة (1).
1 ـ خلاصة الاقتصاد السياسي : ص 71.

(70)
    7 ـ تعسر ضبط العناصر
    إن العمل وان أمكن ضبطه كما بالساعات والدقائق إلا أنه من العسير ضبط عناصره الذاتية وأوصافه ونوعيته وما فيه ممن روعة الابداع والفن ، فانه كيف يمكن أن تحصى ساعات العمل لتأليف كتاب فني أو لرسم لوحة فنية ، فاذا تعذر تحديد الزمان في صنع ذلك فيصبح العمل محفوفاً بالجهالة ومعه كيف يجعل حداً للقيمة ؟!
    8 ـ التفاوت في العمل
    ومما يرد على هذه النظرية ان كثيراً ما نصادف وحدتين من سلعة معينة قد كلف انتاج أحدهما كمية من العمل اكثر من الأخرى ومع ذلك فان قيمة كل منهما تساوي قيمة الاخرى وما سبب ذلك إلا لأن العمل ليس هو المقياس في تحديد القيمة (1).
    9 ـ اختلافه
    إن العمل المنتج للسلعة قد يضم جهوداً مختلفة وأنواعاً من العمل متفاوتة كالعمل الفني والاداري ، وعمل اليد ، وكيف يتسنّى في مثل هذه الحالة تمييز كل واحد منهما ليجعل حداً للقيمة ؟
1 ـ دروس في الاقتصاد السياسي لاسماعيل صبري ص 215.

(71)
    هذه بعض الاشكالات التي تواجه الفكرة الماركسية ، وإن حاول ماركس وأنصاره الاجابة عن بعضها إلا أن أجوبتهم لم تكن مشفوعة بالدليل العلمي وظلت الفكرة هزيلة ينقصها الدليل والبرهان.
    ومهما يكن من أمر فلا بد لنا من إعطاء صورة ـ ولو إجمالية ـ عن تحديد القيمة عند الاقتصاديين.

    تطلق القيمة على معان لا علاقة لها بالنشاط الاقتصادي ، ولا بعلم الاقتصاد كاطلاقها على ظاهرة من ظواهر الشيء كما في قولنا « القيمة الفنية » لهذه اللوحة تجعلها في مستوى لوحات الفنانين العظام فاطلاقها على هذه الظاهرة لا علاقة له بعلم الاقتصاد كما تطلق ويراد بها المنفعة كقولنا ان لهذا الكتاب قيمة ـ أي منفعة ـ فاطلاقها على مثل هذه الظواهر لا علاقة له بعلم الاقتصاد ايضاً.
    والقيمة في العرف الاقتصادي ( نسبة مبادلة سلعة بسلعة أخرى ) (1) وقد عرفها بعضهم بأنها صفة للشيء النافع تتعين بنتيجة ما يدور في ذهن المتبادلين من المقارنة بين الاشياء حين
1 ـ دروس في الاقتصاد السياسي : ص 218.

(72)
مبادلة بعضها ببعض (1) وهذا التعريف لا يخلو من مسامحة لأن القيمة ليست صفة للسلعة وانما من أوصافها المنفعة ، فالقيمة تتقوم بالمبادلة ، وانما تتقوم بها فيما اذا تجرد طرفاها من كل علاقة شخصية ، اما اذا استندت الى ذلك فانها لا تصلح قيمة للاموال لانها لا تقوم على فكرة المساواة في القيمة بين الشيئين ، وانما تخضع لاعتبارات أخرى فالشخص الذي يقوم بمبادلة سلعة بأخرى مع ولده أو قريبه لا يسعى ـ على الاكثر ـ في الحصول على مال يساوي قيمته قيمة ما قدمه لولده فانه قد تكون قيمة أحد المالين المتبادلين أضعاف قيمة المال الآخر ، فلا تكون مطلق المبادلة كاشفة عن القيمة إلا اذا أعربت عن جميع العلائق الشخصية.
    أما الأمور التي تتوقف عليها القيمة فقد ذكروا عدة أسباب ، ونحن نشير الى بعضها.
    (أ) المفعة الحدية
    قال بعض الاقتصادين : « ان قيمة السلعة تتوقف على منفعتها للانسان ، أي على مدى اشباعها لحاجاته » (2) ويقولون
1 ـ علم الاقتصاد 1 ـ 130.
2 ـ دروس في الاقتصاد السياسي : ص 218.


(73)
( مارشال ) تحدد قيمة الاشياء حسب منفعتها الأخيرة ، وما تحتاج اليه من تكاليف الانتاج (1) ولكن القائلين بأن العمل محدد للقيمة قد اشكلوا على ذلك فقالوا : ان هناك أشياء عظيمة المنفعة ومع ذلك ليس لها قيمة مطلقة وذلك مثل الهواء الذي تتوقف عليه حياة الانسان ومع ذلك فليس له أي قيمة في المبادلات ، وأشكلوا على ذلك أيضاً بان هناك بعض الاشياء ذات نفع كبير ومع ذلك فان قيمتها أقل من قيمة بعض الأشياء التي لها منفعة محدودة ، فالذهب والاحجار الثمنية ذات نفع محدود ومع ذلك فانها اكثر قيمة من الخبز ـ مثلاً ـ الذي هو ذو منفعة عامة لجميع الناس (2).
    (ب) الندرة
    من الاسباب التي تحدد القيمة وترفع مستواها ندرة الشيء فقد ذهب بعض الاقتصاديين الى أن قيمة السلعة تتوقف على ندرتها فالاشياء النادرة كحجر « الماس » ترتفع قيمته في حين ان الاشياء التي تتوفر فيها كميات كبيرة من العمل تكون منخفضة القيمة ـ كالخبز ـ والسبب في ذلك عدم ندرته ، وقد
1 ـ خلاصة الاقتصاد السياسي : 71.
2 ـ دروس في الاقتصاد السياسي : ص 218.


(74)
نوقشت هذه النظرية بان الندرة ليست أساساً للقيمة فهناك أشياء نادرة ولكن ليس لها قيمة عالية.
    (ج) النظرية الذاتية
    وظهرت في المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر ( النظرية الذاتية الحديثة ) للقيمة وهي تجمع بين فكرتي المنفعة والندرة فقد ذهب أصحابها الى أن العمل لا يصلح أساساً للقيمة لان العمل الذي لا ينتج شيئاً نافعاً لا يمكن أن يؤدي الى خلق أي قيمة. كذلك لا يصلح العمل مقياساً سليماً للقيمة لانه ليس مصدراً لها بل ان هناك أشياء لها قيمة من دون أن يتدخل العمل في ايجادها مثل الاشياء الموجودة في الطبيعة ، أما المنفعة فهي ولا شك ـ على حسب هذه النظرية ـ أساس للقيمة فالشيء الذي لا منفعة له لا يمكن أن تكون له قيمة. والمنفعة أمر ذاتي ، فمنفعة مال معين بالنسبة لشخص معين تختلف عن منفعته بالنسبة لشخص آخر. مثال ذلك ان منفعة الطعام لشخص جائع اكبر بكثير من منفعته بالنسبة لشخص غير جائع ، والشخص الأمي لا يجد أي منفعة لمؤلف في الفلسفة بخلاف الشخص الذي له اطلاع في هذا العلم فان له منفعة في اقتناء مثل هذا الكتاب ، ونظراً لتأسيس هذه النظرية على المنفعة أطلق عليها


(75)
اسم « النظرية الذاتية » (1).
    (د) الرغبة
    وذهب بعض الاقتصاديين الى ان القيمة تستند الى الرغبة فقال « شارل جيد » قيمة الاشياء حسب رغبتنا في الحصول عليها وتختلف هذه الرغبة حسب قلة الكمية ، وتكون هذه الكمية الضرورية لنا عسيرة المنال ، صعب انتاجها (2).
    فالرغبة تحدد القيمة ، وهي تختلف شدة وضعفاً بالنسبة الى الاشخاص الذين لهم رغبة في اقتنائها.
    (ه‍) العمل والطلب
    وذهب « رسكين » الى أن القيمة تحدد حسب العمل والطلب (3) أما العمل فقد تقدم الكلام في بيانه ، وأما الطلب فقد ذكر الاقتصاديون حقيقته وشروطه ومدى مدخليته هو والعرض في تحديد الثمن ، ولولا خوف الاطالة لذكرنا ذلك بالتفصيل.
    ومهما يكن من أمر فقد تبين مما ذكرناه من تحديد القيمة
1 ـ دروس في الاقتصاد السياسي : ص 219.
2 ـ مبادئ في الاقتصاد السياسي : ص 66.
3 ـ خلاصة الاقتصاد السياسي : ص 71.
العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: فهرس