سلسلة آثار المحقق الخواجوئي
(67)



الدُّرَرُ المُلتَقَطَةُ
في تفسير الآيات القرآنية

للعلامة المحقق
محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخواجوئي
المتوفى سنة 1173 هـ ق


جمعه ورتبه وحققه
السيد مهدي الرجائي

دار القرآن الكريم



بسم الله الرحمن الرحيم
انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً

الاحزاب : 33


( 4 )



( 5 )

حياة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة على خير خلقه وافضل بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين .
قد كتبنا حول حياة المؤلف رسالة مبسوطة جامعة ، وتكلمنا حول حياته الاجتماعية والثقافية ، وعن عصره الذي كان يعيش فيه ، ذلك العصر الذي جرت فيه على الشيعة وعاصمتها اصفهان اهوال من الاضطراب والخوف .
وكان العلماء والزعماء الدينية في عصره : اما من شريد ، او محبوس ، او شهيد ، او في زاوية من الخمول والوحدة .
ونرى كثيراً من العلماء بعدما كانوا مشهورين ومعروفين ، وكانت لهم رئاسة وزعامة دينية ، لما قدموا في هذا العصر ، خبا ذكرهم واسماؤهم ، فلا نرى لهم ذكراً ولا اثراً ، كأكثر البيوتات العلمية التي كانت في اصفهان عاصمة الشيعة انذاك .


( 6 )

ونجد بعضهم مع خمول ذكرهم وانزاوئهم عن الخلق ، خدموا الشيعة بآثارهم وكتبهم الممتعة ، وحفظوا الآثار عن الانمحاء والاندراس .
ونرى امتداد نشاطهم وحركتهم الفكرية الى كل ما كان هناك من علوم معروفة ومتداولة ، وشملت حركتهم الى جانب الفقه واصوله والكلام وعلوم القرآن واللغة والادب .
ونجد هذا النشاط بارزاً على مؤلفاتهم الكثيرة التي تعكس اتجاههم العلمي ونشاطهم الفكري .
ومن الواجب والانصاف علينا ان لاننسى لهم ما قاموا به من الادوار الكبيرة في الحركة الثقافية في الاحقاب الاسلامية الماضية ، وما ساهم به اتجاههم هذا الممعن بحثا ، الذي جاب مناطق الانسان والحياة في بناء الحضارة الاسلامية واقامة دعائمها على اسس قويمة منتجة .
ومن زعماء الشيعة الذين برزوا في هذه الميادين العلمية والعملية ، هو الشيخ الفقيه المحقق الحكيم المتأله العارف الموالي لاهل البيت ـ عليهم السلام ـ المولى محمد اسماعيل المازندراني الخواجوئي الاصفهاني اسكنه الله بحبوحات جنانه .
وها انا أذكر نبذة عن حياته الشريفة مما ذكرته مفصلا المطبوعة في اول المجموعة الاولى من الرسائل الاعتقادية للمؤلف قدس سره .
اسمه ونسبه
المولى محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا بن علاء الدين محمد المازندراني الاصفهاني المشهور بالخواجوئي .
المازندراني نسبة الى منطقة في شمال ايران ، لعل آباؤه واسلافه كانوا يسكنونها ، او كانت ولادته فيها ، كما يظهر من بعض آثاره .
والاصفهاني نسبة الى بلدة معروفة في ايران ، كان منشأ ترعرعه فيها الى


( 7 )

ان توفي ودفن فيها .
والخواجوئي نسبة الى محلة معروفة في اصفهان ، متصلة بالجسر العتيق على نهر زاينده رود المعروف بـ « جسر الخواجو » وقد انتقل اليها المترجم في فتنة الافاغنة ، وكانت المحلة في زمانه خارج بلدة اصفهان ، واخذها مسقط رأسه حتى اشتهر بالنسبة اليها .
اولاده واحفاده
له من الاولاد الملا محمد جعفر ، وكان من علماء وفضلاء عصره في اصفهان .
وللملا محمد جعفر ابن فاضل عالم محقق اسمه الملا محمد اسماعيل الثاني الخواجوئي ، وتوفي في اصفهان في ( 25 ) ربيع الاول سنة ( 1282 ) هـ ق .
الاطراء عليه
قد ذكر المؤلف في اكثر المعاجم والتراجم الرجالية مع التجليل والتبجيل التام ، واثنوا عليه كل الثناء والاطراء ، واليك نص عباراتهم :
قال الشيخ عبد النبي القزويني قدس سره من معاصريه في كتاب تتميم امل الآمل ص 67 : كان من العلماء الغائصين في الاغوار ، والمتعمقين في العلوم بالاسبار ، واشتهر بالفضل ، وعرفه كل ذكي وغبي ، وملك التحقيق الكامل ، حتى اعترف به كل فاضل زكي .
وكان من فرسان الكلام ، ومن فحول اهل العلم ، وكثرة فضله تزري بالبحور الزاخرة عند الهيجان والتلاطم ، والجبال الشاهقة والاطواد الباذخة ، اذا قيست الى علو فهمه كانت عنده كالنقط ، والدراري الثاقبة اذا نسبت الى نفوذ ذهنه كأنها حبط .
حكى عنه الثقات انه مر على كتاب الشفاء ثلاثين مرة : اما بالقراءة ، او بالتدريس ، او بالمطالعة .


( 8 )

واخبرني بعضهم انه كان سقط من كتاب الشفاء عنده اوراق ، فكتبها من ظهر قلبه ، فلما عورض بكتاب صحيح ما شذ منه الا حرفان او حرف .
وبالجملة الكتب المتداولة في الحكمة والكلام والاصول كانت عنده اسهل من نشر الجراد ، حتى يمكن للناس ان يقولوا : ان هذا الشيء عجاب ، ان هذا الشيء يراد .
وكان رحمه الله مع ذلك ذا بسطة كثيرة في الفقه والتفسير والحديث مع كمال التحقيق فيها .
وبالجملة كان آية عظيمة من آيات الله وحجة بالغة من حجج الله . وكان ذا عبادة كثيرة ، وزهادة خطيرة ، معتزلاً عن الناس ، مبغضا لمن كان يحصل العلم للدنيا ، عاملا بسنن النبي صلى الله عليه وآله ، وفي نهاية الاخلاص لأئمة الهدى ـ عليهم السلام ، وذا شدة عظيمة في تسديد العقائد الحقة وتشديدها ، وذا همة جسيمة في اجراء امور الدين مجراها وتأدييدها .
والميرزا محمد علي الكشميري ترجم عبارة تتميم الامل المتقدمة بالفارسية في كتابه نجوم السماء في تراجم الرجال ص 269 .
وقال المحقق الخوانساري في الروضات : 1 / 114 العلم العالم الجليل مولانا اسماعيل ... كان عالما بارعا ، وحكيما جامعاً ، وناقداً بصيراً ، ومحققاً نحريراً ، من المتكلمين الاجلاء ، والمتتبعين الادلاء ، والفقهاء الاذكياء ، والنبلاء الاصفياء .
طريف الفكرة ، شريف الفطرة ، سليم الجنبة ، عظيم الهيبة ، قوي النفس ، نقي القلب ، زكي الروح ، وفي العقل ، كثير الزهد ، حميد الخلق ، حسن السياق ، مستجاب الدعوة ، مسلوب الادعاء ، معظما في اعين الملوك والاعيان ، مفخما عند اولي الجلالة والسلطان .
حتى ان النادر شاه ـ مع سطوته المعروفة وصولته الموصوفة ـ كان لا يعتني من بين علماء زمانه الا به ، ولا يقوم الا بأدبه ، ولايقبل الا قوله ، ولا يمتثل الا امره ، ولا يحقق الا رجاه ، ولا يسمع الا دعاه .


( 9 )

وذلك لاستغنائه الجميل عما في ايدي الناس ، واكتفائه بالقليل من الاكل والشرب واللباس ، وقطعه النظر عما سوى الله ، وقصده القربة فيما تولاه .
ثم قال : غير ان هذا الشيخ الجليل لما كان في زمن فاسد عليل ، وعصر لم يبق لاحد فيه الى نصر العلم والدين سبيل ـ من جهة استيلاء الافغان على ممالك ايران ، واستحلالهم اعراض الشيعة ودمائهم واموالهم في كل مكان ، سيما محروسة اصبهان ـ لم يبق له ، مع كونه الفحل المحل العجب العجاب ، كثير ذكر بين الاصحاب ، ولا جدير اشتهار لما صنف من رسالة وكتاب .
بل لم يعرف من اجل ذلك له استاد معروف ، او اسناد متصل اليه او عنه على وجه مكشوف ، وكأن ذلك كان مفقودا فيه معوذا عليه ، والا لنقله ونقل عنه في مبادي كتاب اربعينه لا محالة ، كما هو ديدن مؤلفي الاربعينات ، ولم يكن يعتذر هناك عن تركه ذكر الاسناد منه الى المعصوم ـ عليه السلام ـ بأعذار غير سديدة .
أقول : سيأتي شهرته بين الاصحاب والاعلام المتأخرين عنه ، وله مشايخ وتلامذة ، وسلسلة اسناد يتصل اليه ومنه الى المعصوم ـ عليه السلام ، فانتظر .
ثم قال : وكان رحمه الله مرتفعا جدا في محبتهم ـ اي : في محبة السادة الفاطميين ـ والاخلاص لهم الوداد ، كما حكاه الثقات .
وكان رحمه الله ايضا صاحب مقامات فاخرة ، وكرامات باهرة ، يوجد نقل بعضها في بعض المواقف ، ويؤخذ بالسائر من الافواه ، وانما اعرضنا عن تفصيلها حذرا عن الاطناب الممل ، المخل بوضع هذه العجالة .
وخطه رحمه الله ايضا قد كان بقسميه المعهودين في قاصي درجة من الجودة والحسن والبهاء ، كما اطلعنا عليه من اكثر ارقامه ومصنفاته الموجودة لدينا بخطوطه المباركة انتهى .
والمحدث النوري في خاتمة المستدرك : 3 / 396 ذكر من الاطراء ما ذكره الشيخ القزويني في التتميم والمحقق الخوانساري في الروضات ، وذكر نص بعض


( 10 )

عبارتيهما .
وقال السيد العاملي في اعيان الشيعة : 3 / 402 عن بعض الكتب في حقه : عالم عارف حكيم متأله جامع ناقد بصير محقق نحرير عابد زاهد جليل معظم نبيل ، مكتف من الدنيا بالقليل ، قاطع نظره عما سوى الله تعالى ، مستجاب الدعوة ، معظم عند الملوك والسلاطين ، وكان نادر شاه مع سطوته يعظمه ويمتثل اوامره ، خطه في نهاية الجودة .
ثم ذكر عن كتاب تجربة الاحرار في علماء قزوين قال : المولى اسماعيل الخواجوئي الفاضل النبيل ، جامع مسائل الحكمة والفقاهة ، والعالم بأخبار الرواية والدراية ، من قدماء العلماء ومشاهير الفضلاء ، ممتاز بحدة الذهن ، فضائله لاتعد ، وله تعاليق كثيرة ، ولم يكن له نظير ، وقد كان في اصفهان التي كانت تفتخر به .
وذكر السيد الصفائي الخوانساري في كتابه كشف الاستار : 1 / 132 في مقام الاطراء عليه ما ذكره المحقق الخوانساري في الروضات ، فراجع .
وقال الميرزا المدرس الخياباني في ريحانة الادب : 2 / 105 ما هذا نص عبارة الكتاب باللغة الفارسية : عالمى است جامع ، وحكيمى است بارع ، متكلم زاهد عابد ، خبير بصير ، از اكابر فقهاء ومتكلمين اماميه عهد نادرى ، كه به حسن اخلاق وعزت نفس واخلاص ائمه هدى ، وعدم اعتناء به اكابر واغنياء ، وعمل بسنن نبويه موصوف ، ومستجاب الدعوه بود .
از كسانى كه علم را وسيله مقاصد دنيويه مى نموده اند بسيار تنفر داشت . داراى نفسى سليم ، واز خوراك وبوشاك به بسيار كمى قانع ، ودر اثر شهامت نفس از مال ومتاع مردم مستغنى بود ، به كسى اعتنا نمى كرد ، به همين جهت در نظر سلطان واكابر وقت بسيار احترام داشت ، حتى نادر شاه باآن صولت وسطوتى كه داشته به جز او كسى ديكر را وقعى نمى كذاشت ، فقط اوامر ودستورات اورا لازم العمل مى دانست ، ومتأدب به آداب وى بود .


( 11 )

وقال الشهيد التبريزي في كتاب مرآة الكتب : 1 / 46 كان عالما فاضلا محققا ، وكان مهابا معظما عند النادر شاه ، وكان لا يعتني الا به .
وقال المحدث القمي في الكنى والالقاب : 2 / 179 العالم الورع الحكيم المتأله الجليل القدر من اكابر علماء الامامية قالوا في حقه كان آية عظيمة من آيات الله وحجة بالغة من حجج الله ، وكان ذا عبادة كثيرة وزهادة خطيرة ، معتزلا عن الناس مبغضا لمن كان يحصل العلم للدنيا ، عاملا بسنن النبي ـ صلى الله عليه وآله .
وكان في نهاية الاخلاص لائمة الهدى ـ عليهم السلام ـ مستجاب الدعوة ، مسلوب الادعاء ، معظما في اعين الملوك والاعيان ، مفخماً عند اولى الجلالة والسلطان .
وقال الفاضل كحالة في معجم المؤلفين : 1 / 291 محدث متكلم ، مشارك في بعض العلوم .
وغيرهم ممن ذكره في تراجمهم الرجالية وغيرها .
الفتنة الهائلة الافغانية
لا بأس بالاشارة الى ابتلاء اهل هذا الزمان الذي كان يعيش فيه المترجم في محروسة اصفهان بجنود وافرة من الافغان ؛ ليكون عبرة للناظرين ، وغيرة للشاكرين ، وتنبيها للغافلين ، وتذكيرا للجاهلين ، وتسلية للاحزان ، وتعزية لاهل الايمان .
وكان هذا الرجل الجليل في عين هذه النائرة العظيمة ، ولذا لم يبق له كثير ذكر ، وكان هذا هو السبب لخمول ذكر اكثر علمائنا الذين كانوا يعيشون في هذا الفترة ، وضاع كثير من اساميهم وتآليفهم ، فنحن نذكر نص عبارات اصحاب التراجم وغيرهم :
قال المترجم نفسه في آخر كتابه الاربعين : جمعتها في زمان والفتها في


( 12 )

مكان كانت عيون البصائر والضمائر فيه كدرة ، ودماء المؤمنين المحرم سفكها بالكتاب والسنة فيه هدرة ، وفروج المؤمنات مغصوبة فيه مملوكة بايمان الكفرة الفجرة ، قاتلهم الله بنبيه وآله الكرام البررة .
وكانت الاموال والاولاد منهوبة فيه مسبية مأسورة ، وبحار انواع الظلم مواجة فيه متلاطمة ، وسحائب الهموم والغموم فيه متلاصقة متراكمة ، زمان هرج مرج مخرب الاثار ، مضطرب الاخبار ، محتوي الاخطار ، مشوش الافكار ، مختلف الليل ، متلون النهار ، لا يسير فيه ذهن ثاقب ، ولا يطير فيه فكر صائب .
نمقتها وهذه حالي وذلك قالي ، فان عثرتم فيه بخلل ، او وقفتم فيه على زلل فاصلحوه رحمكم الله ، ان الله لا يضيع اجر المصلحين .
وقال صاحب الروضات في ترجمة المؤلف : وقد تواتر اضعاف ذلك النقل من معمرينا الذين ادركوا ذلك الزمان ، وحسبك شاهدا عليه بقاء خراب اكثر محلات محروسة اصبهان من تلك الواقعة الكبرى والداهية العظمى الى الآن ، كما نراه بالعيان .
وممن اشار الى نبذة من تلك الوقعات ، وشرح عن جملة منها على وجوه الالواح والورقات ، سيدنا العالم الفاضل النسيب الحسيب ذي المجدين وصاحب الفخرين الامير محمد حسين بن الامير محمد صالح الحسيني الخاتون آبادي سبط العلامة المجلسي ( ره ) في اجازته التي كتبها للشيخ الفاضل الكامل زين الدين بن عين علي الخوانساري ، بقرية خاتون آباد من قرى اصبهان ، وسماها مناقب الفضلاء .
وكذا المولى الفاضل الاديب النجيب الآقا هادي بن مولانا محمد صالح المازندراني في بعض مجاميعه ، ونحن نذكرهما وان طال الكلام بعين ما عبرا عنه .
ثم قال فنقول : قال الاول منهما بعد جملة من مواعظه للمولى المستجيز ، وشرحه عن بعض ما جمع الله تعالى من خير الدارين للسلف الصالحين


(13)

المجتبين :
فتغير ذلك الزمان ، وتنزل عاماً فعاما ، الى ان فشى الظلم والفسوق والعصيان في اكثر بلاد ايران ، وظهرت الدواهي في جل الافاق والنواحي ، لا سيما عراق العجم والعرب ، فلم يزل ساكنوها في شدة وتعب ، ومحنة ونصب ، وانطمس العلم ، واندرست آثار العلماء ، وانعكست احوال الفضلاء ، وانقضت ايام الاتقياء .
حتى ادرك بعضهم الذل والخمول ، وادرك بعضهم الممات ، فثلم في الاسلام ثلمات ، وضعفت اركان الدولة ، ووهنت اساطين السلطنة ، حتى حوصر بلدة اصفهان ، واستولت على اطرافها جنود افغان ، فمنعوا منها الطعام ، وفشى القحط الشديد بين الانام ، وغلت الاسعار ، وبلغت قيمة لم يبلغ اليها منذ خلقت الدنيا ومن عليها .
وصارت سكنة اصل البلد : اما مقيمين فيه جائعين ، وعن المشي والقيام عاجزين ، مستلقين على اقفيتهم في فراشهم ، لا يقدرون على السعي في تحصيل معاشهم ، او مشرفين على الهلاك في مجلسهم ، يجودون للموت بأنفسهم ، حتى صاروا امواتا غير مدفونين في قبورهم ، وان اتفق دفن بعضهم ـ وقليل ما هم ـ ففي دورهم .
واما هاربين من داخل البلد الى الخارج ، فأرسل عليهم شواظ من نار مارج ، من صواعق نصال السهام والرماح من جيوش اعدائهم ، فاستحيوا مخدرات نسائهم ، وقتلوا رجالهم ، وذبحوا اطفالهم ، وغصبوا اموالهم ، ولم يبق منهم الا قليل نجاهم الاسر والاسترقاق ، فهم اسراء مشدودوا الوثاق ، فأكثر سكنة تلك الاقطار : اما مريض ، او مجروح ، او مذبوح على التراب مطروح .
ثم آل الامر الى ان استولوا على تلك الديار ، فدخلوا في اصل البلدة ، وتصرفوا في كل دار وعقار ، وجعلوا اعزة اهلها اذلة ، فحبسوا الملك ، وقتلوا اكثر الامراء مع بعض السكنة ، وباد بقية اهلها ، وخرب جبلها وسهلها ، ولم يبق من


( 14 )

اوطانها الا مقر يتيم ذي مقربة ، او مسكن مسكين ذي متربة .
فيا اسفاً على الديار واهلها ، ولا سيما الخلان والاصدقاء ، وواحزناه على تخريب المدارس والمعابد وفقدان الفضلاء والعلماء والصلحاء ،ووامصيبتاه على اندراس كتب الفقهاء وانمحاء اثارهم بين الاذكياء الطالبين للاهتداء . ولست افشي لديك مما قصصت عليك شكاية الدهر الغرار الفتون ، بل انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون .
ثم اني وان كنت في تلك الاحوال مبتلى بالضرب والحبس وغصب الاموال ، الا ان الله تعالى بمنه وطوله تفضل عليّ بحفظ العرض والحياة والايمان ، وبقاء بعض الاهل والاولاد والاخوان ، ونزر من الاقارب والخلان .
وكنت قد حمدت الله ربي في خلال تلك الاحيان راجيا من الله سهولة المخرج ، متمسكا بذيل الصبر ، فان الصبر مفتاح الفرج ، محتسبا من الله الاجر ، مفوضا اليه كل امر .
لكن لما تعسرت في اصل البلد اقامتي لكثرة الشدائد والدواهي ، ترحلت الى بعض القرى ـ يعني به خاتون آباد التي هي على فرسخين من اصبهان ـ في جمع من اخواني في الدين وخلاني المتقين ، خلد الله ظلالهم وكثر امثالهم .
ولما كانت تلك القرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان ، اطمأن فيها قلبي بعض الاطمينان ، فحمدت الله سبحانه ثانيا ، واقمت فيها متوكلا عليه ، لعل الله يحدث بعد ذلك امرا ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، ان الله بالغ امره ، قد جعل الله لكل شيء قدرا .
ثم قال : وقال الفاضل الآقا هادي في ذيل ما نقله عن بعض التواريخ المعتمدة من الاسعار غلت بمصر سنة ( 465 ) وكثر الموت ، وبلغ الغلاء الى ان امرأة تقّوم عليها رغيف بألف دينار ، وسبب ذلك انها باعت عروضا لها قيمتها الف الف دينار بثلاثمائة دينار ، واشترت عشرين رطلا حنطة ، فنبهت من ظهر الحمال ، فنبهت هي ايضا مع الناس ، فأصابها مما خبزته رغيفا واحدا .


( 15 )

وأقول : ان من حضر وقعة اصفهان من مخاذلة افغان ومحاصرة هذا العام ، وهو سنة اربع وثلاثين ومائة بعد الالف ، وشاهد ما جرى في ثمانية اشهر من شدة الغلاء ، حتى ان مناً من الحنطة ـ وهو ثمانية عشر رطلا بالعراقي ـ بيع بخمسة توامين ، وهو الف درهم ، ثم نفذت الحنطة والارز وسائر الحبوبات ، وانتهى الامر الى اللحوم ، فمن الغنم الى البقر ، ومنه الى الفرس والبغل ، ثم الحمير ثم الكلاب والسنور ، ثم لحوم الاموات ، ثم قتل بعضهم بعضا ابتغاء لحمه . وما وقع في طي ذلك من الموت والقتل ، حتى انه كان يموت في كل يوم الف الف نفس ، وكان يباع الضياع والفراش والاثاث بربع العشر ودونه ، لا يحصل منه شيء اصلا .
وبالجملة فورب البيت ما بولغ من ذلك فما كان جزافا ، اعاذنا الله من مثله . لم يتعجب مما في ذلك التاريخ ، بل يجزم بتا قطعا انه ما وقعت شدة عظيمة وبلية مرزية من يوم خلق السموات والارضون ، ولايقع مثلها الى الساعة ، ومع ذلك كان في خارج البلد في غاية الرخص والوفور ، نعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات اعمالنا انتهى .
ثم قال : فهذان ايضا اقوى شاهدين على صحة ما بيناه ، وبكلام نفس صاحب العنوان ايدناه ، فلولا انه ادرك برهة من الزمان بعد فتنة الافغان لما بقي منه اثر ، ولا بلغ من نحوه خبر .
وقال ايضا صاحب الروضات في ترجمة الفاضل الهندي : ان مرقده الشريف الواقع في شرقي بقعة تخت فولاد اصفهان بجنب معبر القوافل الى الديار الفارسية من ممالك محروسة ايران ليس على حد سائر مراقد علمائنا الاعيان ، المتوفين في ذلك الزمان ، بل خال عن القبة والعمارة والصحن والايوان ، وكل ما كان يضعه السلاطين الصفوية على مقابر العلماء الاثنا عشرية من رفيع البنيان .
وظاهر انه لم يكن ذلك الا من جهة وقوع هذه القضية الهائلة في عين


( 16 )

اشتغال نائرة غلبة جنود الافغان ، واستيصال سلسلة الصفوية بظلم اولئك النواصب في تلك البلدة فوق حد البيان .
فان تفصيل ذلك بناء على ما ذكره بعض المعتمدين الحاضرين في تلك المعارك ، ان بعد طول ازمنة محاصرتهم البلدة على النحو الذي اشير اليه في ذيل ترجمة مولانا اسماعيل الخواجوئي ، وسيدنا الامير محمد حسين الحسيني الخاتون آبادي رحمة الله عليهما .
وانتهاء الامر الى الجاء اهل البلدة الى التسليم والتمكين من اولئك الملاعين ، وفتح باب المدينة على وجوه تلك الكفرة بدون المضايقة بمقدار حين دخلها اميرهم المردود المسمى بسلطان محمود مع جميع الاتباع والجنود ، وجلس على سرير السلطنة فيها بمحض وروده الغير المسعود ، في حدود سنة ثلاث وثلاثين بعد المائة . وقيل : سنة ست وثلاثين بعد المائة .
ثم امر فيها باهلاك جماعة من عظماء تلك الدولة العلية ، وكبراء الفرقة الصفوية ، بعد حكمه بحبس سلطانهم الشهيد المظلوم الشاه سلطان حسين بن الشاه سليمان المبرور المرحوم ، وهم كانوا اربعة من اخوانه العظام ، واربعة وعشرين من اولاده المنتجبين الفخام ، وذلك في اواخر جمادي الاولى من شهور سنة السبع والثلاثين التي هي بعينها سنة وفاة مولانا الفاضل المعظم عليه الرحمة .
ثم امر بعد ذلك بقتل ستة افاخم من اركان الدولة وذروي اسمائهم الذين كانوا من ارباب الصولة ، وهم صائمون متعبدون في اليوم السابع والعشرين من شهر رمضان عين تلك السنة ، مصادفا لثالث يوم وفاة مولانا الفاضل عليه الرحمة ، وكان نفس السلطان الممتحن باقيا بعد ذلك في حبس اولئك الى زمن جلوس طاغيتهم الثاني الباني للبارة المرتفعة المشهورة في البلدة ، وهو الاشرف سلطان الذي كان اولا في زي الملازمين لركاب محمودهم المردود .
الى ان ابتلاه الله الملك القهار بعقوبة ما فعله بأولئك السادة الرفيعة المقدار


( 17 )

بعارضة شبه الجنون ، فحبسه بمقتضى مصلحة وقته هذا الملعون ، الى ان هلك او اهلك بعد ذلك في ظلمات السجون ، فجلس مجلسه المنحوس من غير مزاحم له في ذلك الجلوس ، عصيرة يوم الاحد الثامن من شعبان هذه السنة بعينها الى اخره فراجع .
وذكر نحوه العلامة السيد العاملي في اعيان الشيعة في ترجمة المترجم ، فراجع .
مشايخه في الدراية والرواية
لم يصل الينا تفصيل مشايخه العظام الذين تلمذ لديهم او روى عنهم ، نعم ورد في بعض المعاجم نبذة قليلة من مشايخه في الرواية والدراية وهم :
1 ـ العالم الجليل الشيخ حسين الماحوزي .
ذكره المحدث النوري في المستدرك : 3 / 396 ، راجع حول ترجمته تتميم امل الآمل واللؤلؤة ، وصرح في اللؤلؤة بأنه بلغ من العمر ما يقارب تسعين سنة ومع ذلك لم يتغير ذهنه ولا شيء من حواسه .
وقال في التتميم : كان الشيخ حسين رحمه الله في عصره مسلم الكل لا يخالف فيه احد من اهل العقد والحل الى آخره .
2 ـ المولى محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الاصفهاني صاحب كتاب الاكليل وغيره ولد سنة ثمانين والف .
قال في الروضات : 3 / 261 ، وظني ان قراءة مولانا اسماعيل الخواجوئي المتقدم ذكره ايضا كان عليه وخصوصا في فنون الدراية والرجال .
وعد في بعض التراجم مشايخه في العلوم النقلية والعقلية المحقق النحرير الفاضل الهندي صاحب كشف اللثام . وايضا الحكيم المتأله الملا محمد صادق الاردستاني . وايضا الحكيم المتأله الملا حمزة الكيلاني .


( 18 )

تلامذته ومن روى عنه
ايضا لم يصل الينا تفصيل تلامذته العظام الذين تلمذوا لديه او رووا عنه ، الا ما ورد في بعض التراجم الرجالية ، واليك نبذة مما وقفنا عليه في كتب التراجم وهم :
1 ـ العالم النحرير والمولى الخبير الملا مهدي النراقي صاحب كتاب اللوامع ومشكلات العلوم وجامع السعادات وغيرها من المؤلفات ، ذكره في المستدرك : 3 / 396 .
اقول : وكان اكثر تلمذه في العلوم لديه حتى قيل : انه كان في مدة ثلاثين سنة يتلمذ لديه لا يفارقه ليلا ولا نهارا حتى بلغ ما بلغ من العلم والعمل . وبعد الفراغ من التحصيل رجع من اصفهان وتوطن في بلدة كاشان وكان خاليا من العلماء ، وببركة انفاسه الشريفة صار مملواً من العلماء والفضلاء الكاملين ، وصار مرجعا ومحلا للمشتغلين ، وبرز من مجلسه جمع من العلماء الاعلام ، وتوفي سنة 1209 هـ .
2 ـ العالم العارف الآقا محمد بن المولى محمد رفيع الجيلاني المشهور بالبيد آبادي الاصفهاني ، كان من اعظم حكماء عصره ماهرا في العقليات توفي سنة سبع وتسعين ومائة بعد الالف من الهجرة .
3 ـ المولى محراب الجيلاني الحكيم العارف المشهور ، المتوفى سنة ( 1217 ) هـ ق .
4 ـ الميرزا ابو القاسم المدرس الاصفهاني الخاتون آبادي المتوفى سنة ( 1202 ) هـ ق .
تآليفه القيمة
كتب المترجم مؤلفات ورسائل وحواش كثيرة ، قد تجاوزت جهود الفرد الواحد ، تمثل اضطلاعه بجوانب المعرفة الشاملة ، وقد يعجب المرء من وفرة تأليفه ذات المواضيع المختلفة في شتى العلوم والمعارف المتعددة ، على الرغم كما عرفناه


( 19 )

من سيرة حياته من عدم استقراره وتفرغه للعلم ، للفتنة الهائلة الافغانية .
ولا ريب ان ذكاءه المفرط وذاكرته العجيبة ووعيه الشامل ، كان ذلك من الاسباب الرئيسية في تغلبه على تلك العقبات التي تحول دون تأليفه وتصنيفه ، وقد اشار اكثر ارباب التراجم الى وفرة تآليفه .
قال في تتميم الامل : وله رحمه الله تآليف كثيرة وحواش على كتب العلوم .
وقال في الروضات بعد عد جملة من تصانيفه : الى غير ذلك من الرسائل والمقالات الكثيرة التي تبلغ نحوا من مائة وخمسين مؤلفا متينا في فنون شتى من العلوم والحكم والمعارف .
وقال في موضع آخر : اكثرها لم يتجاوز نسخة الاصل الى زماننا هذا انتهى .
اقول : قد وفقني الله تبارك وتعالى لجمع اكثر مؤلفاته ورسائله ، وتحقيقها ونشرها ، وتطبع آثاره الممتعة تحت عنوان سلسلة آثار المحقق الخواجوئي ، وانا اذكر اولا ما طبع من آثاره تحت عنوان سلسلة آثار المحقق الخواجوئي :
1 ـ بشارات الشيعة .
وهو من احسن ما كتب في بابه مشحون بالتحقيقات وبيان النكات وانواع التنبيهات ، شرع فيه سنة ( 1155 ) وفرغ منه اواخر شوال من تلك السنة .
2 ـ ذريعة النجاة من مهالك تتوجه بعد الممات .
في ذكر فضائل الامام امير المؤمنين واولاده المعصومين ـ عليهم السلام ـ وانهم افضل من سائر الانبياء ـ عليهم السلام ـ غير نبينا ـ صلى الله عليه وآله ـ والاستدلال على ذلك بالآيات والروايات الواردة في ذلك .
3 ـ الفوائد في فضل تعظيم الفاطميين .
رسالة مبسوطة في فضل اكرام ذرية فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ وكون المنتسب اليها بالأم منهم ، ويستحق الخمس ، ويحرم عليه الصدقة .


( 20 )

4 ـ رسالة ميزة الفرقة الناجية عن غيرهم .
رسالة استدلالية اعتقادية في بعض احكام المخالفين للشيعة .
5 ـ رسالة في تحقيق وتفسير الناصبي .
تحقيق حول معنى الناصبي لغة واصطلاحا ، واي الفرق من الفرق الاسلامية محكوم به ، وان الناصبي على صنفين : صنف محكوم بأحكام الاسلام ، والآخر خارج عن ربقة الاسلام ومحكوم بالكفر .
6 ـ طريق الارشاد الى فساد امامة اهل الفساد .
في الادلة الدالة على جواز لعن الغاصبين لحقوق الائمة ـ عليهم السلام ـ وما جرى منهم على فاطمة البتول ـ عليها السلام ـ من الاذى والظلم .
7 ـ الرسالة الاينية .
رسالة تحقيقية حول نفي الاين عن الله جل ذكره ، وتأويل ما ورد من اثبات الاين له تعالى ذكره .
8 ـ رسالة في توجيه مناظرة الشيخ المفيد .
رسالة مختصرة حول مناظرة الشيخ المفيد قدس سره مع القاضي عبد الجبار المعتزلي في مسألة خلافة الامام امير المؤمنين ـ عليه السلام .
اقول : طبعت هذه الرسائل من الرقم الاول الى هنا في المجموعة الاولى من الرسائل الاعتقادية .
9 ـ تذكرة الوداد في حكم رفع اليدين حال القنوت .
رسالة استدلالية في استحباب رفع اليدين الى السماء في حال القنوت .
10 ـ رسالة في شرح حديث الطلاق بيد من اخذ بالساق .
رسالة استدلالية حول الرواية المذكورة عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وانه هل الوكيل والولي في الطلاق بمنزلة الزوج ام لا ؟ .
11 ـ رسالة في حرمة النظر الى وجه الاجنبية .
رسالة استدلالية متقنة في عدم جواز النظر الى وجه الاجنبية الا ما