( سورة فاطر )

* اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه .[ الآية : 10 ]
الضمير في « يرفعه » : اما ان يعود الى العمل الصالح ، اي : يتقبله . واما الى الكلم الطيب ، اي : العمل الصالح يرفع الكلم الطيب .
وقيل : هو من القلب ، اي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح .
والظاهر من هذا الحديث هو الاول ، فالضمير المستكن في « يرفعه » وهو الضمير الفاعل يعود الى الكلم الطيب ، والبارز الى العمل الصالح ، اي : العمل الصالح يرفعه الكلم الطيب ، وهو ولايتنا اهل البيت ، فلا حاجة فيه الى القول بالقلب ، فافهم .
روى الكليني باسناده عن عمار الاسدي عن ابي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله عز وجل « اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه » ولايتنا اهل البيت ، واهوى بيده الى صدره ، فمن لم يتولنا لم يرفع الله له عملاً (1) .
قيل : الظاهر ان قوله « ولايتنا » تفسير لعمل الصالح ، فالمستتر في قوله « يرفعه » راجع اليه والبارز الى الكلم ، والمراد به كلمة الاخلاص والدعاء والاذكار كلها ، وبصعوده بلوغه الى محل الاعلى والقبول ، اي : العمل الصالح وهو الولاية يرفع الكلم الطيب ويبلغه حد القبول ، والاظهر ما ذكرناه ، فتأمل .
____________
(1) اصول الكافي : 1 / 430 ح 85 .
( 202 )

* وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج . . . [ الآية : 12 ]
العذب : الطيب الذي لا ملوحة فيه .
وفي القاموس : العذب من الطعام والشراب كل مستساغ (1) .
والاجاج : بالضم الماء الملح الشديد الملوحة .
والماء اذا كان لطيفاً خفيفاً وزنه لقلة ما يخالطه من الارضية ، وعدم ما يمازجه من الاوساخ المدنية ، والكيفيات المعدنية الموجبة لفسادها ، جارياً على تربة نقية غير قابلة للعفونة ، وخاصة الماء الجاري الى المشرق ؛ لان الرياح المشرقية معتدلة بين الحرارة والبرودة مائلة الى اليبوسة ، فتكون مصلحة له ، ولا سيما الماء المنحدر الى الاسفل ، فان حركته اسرع ، فيزيده لطافة ، وخاصة اذا بعد المنبع ؛ لانه حينئذ يكون الطف لكثرة حركته بطول المسافة .
يرقق (2) لرقته ولطافته رطوبة الفم ، ويسيلها وينفذها في جرم اللسان وهو خال عن الطعوم ، وبذلك تحصل العذوبة ؛ لان طعم هذه الرطوبة مائل الى العذوبة ، كالبلغم الطبيعي .
والعذوبة او درجات الحلاوة ، ولذلك يخيل لشاربه انه حلو ، والا فالماء البسيط لا طعم له ولا رائحة ، بل ولا لون ، كما ثبت في محله .
____________
(1) القاموس المحيط : 1 / 101 .
(2) خبر لقوله « والماء » ، « منه » .

( 203 )

* انما يخشى الله من عباده العلماء [ الآية : 28 ]
دل بمنطوقه على ان العلماء يخشون الله لعلمهم ، لان تعليق الحكم على الوصف يشعر بعليته ، وبمفهومه على ان غير العلماء لا يخشون الله لجهلهم .
والمراد من العلم في الآية هو علم الشريعة لشرفه ، ولانه هو العلم النافع ، فكأن العلم منحصر فيه ، كما دلت عليه الظواهر .
وأما تخصيصه بعلم الفروع ، فهو اصطلاح مستحدث حدث بعد الصحابة والتابعين ، وليس في كلام الاسلاف منه عين ولا اثر .
وهذا الاصطلاح المستحدث لم يثبت في العلم ، كما ثبت في الفقه ، وكأن الوجه فيه ان الفقه لما اعتبر في مفهومه لغة ثم عرفاً تدقيق النظر واستعمال الفطنة ، خص بعلم الفروع بتلك المناسبة ، لاحتياجه الى مزيد تدقيق واستعمال فطنة ، بخلاف العلم ، فانه لم يعتبر ذلك في مفهومه لا لغة ولا عرفاً .
وانت خبير بأن في الآية جعل العلم موجباً للخشية ، ومعناه كما قيل : ان الخشية لا توجد بدون العلم ، لا كلما وجد العلم وجدت الخشية ، ليلزم ان ما لا خشية فيه لا يكون علماً .
وقال الطبرسي رحمه الله : ومتى قيل قد نرى من العلماء من لا يخاف الله ويركب المعاصي ، فالجواب انه لا بد من ان يخافه مع العلم به ، وان كان ربما يؤثر المعصية عند غلبة الشهوة لعاجل اللذة (1) .
والظاهر من كلامه هذا ان العلم بالله لا ينفك عن الخشية له ، كما ان الخشية له لا تنفك عن العلم به ، فهما متلازمان ، فكل ما تحقق احدهما تحقق الاخر ، كما اشار اليه الغزالي .
____________
(1) مجمع البيان : 4 / 407 .
( 204 )

ولما كان مدار الخشية على معرفة المخشى ، كانت الخشية له تعالى على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله ، فمن كان اعلم به كان اخشى له .
وفي الحديث : اعلمكم بالله اشدكم خشية له (1) .
وقال بعض الفضلاء : المراد بالعلم قريب مما يراد من الفقه ، لا المعاني المصطلحة المستحدثة ، كحصول الصورة ، او الصورة الحاصلة عند العقل ، او ملكة تقتدر بها على ادراكات جزئية وما اشبه ذلك ، فان العلماء ورثة الانبياء ، وليس شيء من هذه المعاني ميراث الانبياء .
اقول : قد روي عن الصادق ـ عليه السلام ـ انه قال : ان الانبياء انما اورثوا الاحاديث من احاديثهم ، فمن اخذ بشيء منها فقد اخذ حظاً وافراً (2) .
وعلى هذا فالمراد بالعلماء هم المحدثون العاملون بها ، لقوله ـ عليه السلام ـ في حديث آخر : يعني بالعلماء من صدق فعله قوله ، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم (3) .
ثم قال هذا الفاضل : وقد قال الله تعالى : « انما يخشى الله من عباده العلماء » فقد جعل العلم موجباً للخشية والخوف ، لتعليق الحكم على الوصف ، فجميع ما ارتسم في ذهنك من التصورات والتصديقات التي لا توجب لك الخشية والخوف ، وان كانت في كمال الدقة والغموض ، فليست من العلم في شيء بمقتضى الآية الكريمة ، بل هي جهل محض ، بل الجهل خير منها . انتهى كلامه .
وفيه ان العلم عبارة عن انكشاف المعلوم على العالم : اما بذاته ، او بصورته من غير ان يعتبر فيه افادة الخشية وعدمها . نعم لو كان المعلوم مما له هيبة ، فربما
____________
(1) نفس المصدر .
(2) اصول الكافي : 1 / 32 ح 2 .
(3) اصول الكافي : 1 / 36 ح 2 .

( 205 )

يوجب العلم به خشية وخوفاً اذا تصور من تلك الجهة .
والآية لا تدل على ان العلم بغير الله ايضا يوحب الخشية ، حتى يلزم من انتفائها انتفاؤه ، وانما تدل على ان العلم بالله وبصفاته يوجب ذلك ، وهو كذلك ، كما اشار اليه علي بن الحسين صلوات الله عليهما « سبحانك اخشى خلقك لك اعلمهم بك » .


( 206 )



( 207 )

( سورة يس )

* ألم يروا كم اهلكنا قبلهم من القرون انهم اليهم لا يرجعون . [ الآية : 31 ]
استدل صاحب الكشاف بهذه الآية الكريمة على انكار الرجعة وقال : وهذا مما يرد قول اهل الرجعة (1) .
واراد بهم اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم ، فان القول بالرجعة والايمان بها مما تفردوا به ، ونقلوا فيه اخباراً كثيرة .
منها : ان الله سيعيد قوماً عند قيام المهدي ـ عليه السلام ـ ممن تقدم مودتهم من اوليائه وشيعته ممن محض الايمان محضاً ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ويبتهجوا بظهور دولته ، ويعيد ايضا قوما من اعدائه ممن محض الكفر محضا لينتقم منهم ، وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب في القتل على ايدي شيعته ، او الذل والخزي بما يشاهدونه من علو كلمته (2) .
وهذا ـ اي : تفردهم بذلك ـ هو المشهور بين اصحابنا .
ولكن يظهر من ابن الاثير في نهايته ان القول بالرجعة ليس من متفرداتهم ، حيث قال : ان الرجعة مذهب قوم من العرب في الجاهلية معروف عندهم ، ومذهب طائفة من فرق المسلمين من اولي البدع والاهواء ، يقولون : ان الميت يرجع الى الدنيا ويكون فيها حياً كما كان .
____________
(1) الكشاف : 3 / 321 .
(2) بحار الانوار : 53 / 126 ـ 127 .

( 208 )

ومن جملتهم طائفة من الرافظة يقولون : ان علي بن ابي طالب مستقر في السحاب ، فلا يخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء اخرج مع فلان ، ويشهد لهذا المذهب السوء قوله تعالى : « حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحاً » يريد الكفار ، نحمد الله على الهداية والايمان (1) انتهى .
وهذا منهم افتراء وبهتان عظيم على الرافضة ، فانهم وان قالوا برجعته ـ عليه السلام ـ ولكن لم يقل به احد منهم بحياته واستقراره في السحاب ، بل القول بحياته قول طائفة من الغلاة ليس الا .
اقول : وفيما ذكره الكشاف نظر ؛ اذ غاية ما دلت عليه الآية ان القرون الهالكة الخالية لا يرجعون بصورهم الاصلية الى العباد المستهزئين للرسل مدة حياتهم .
وأما أنهم لا يرجعون ابداً لا اليهم ولا الى غيرهم ، او ان غير هؤلاء الهالكين لا يرجع قبل يوم القيامة الى الدنيا بصورته التي كان عليها ، فلا دلالة لها عليه بشيء من الدلالات .
ثم أية منافاة بين رجوع علي ـ عليه السلام ـ الى الدنيا ، وبين نكاح نسائه وقسمة ميراثه ؛ اذا كان ذلك جائزاً في الشرع .
فما حكاه عن ابن عباس انه قيل له : ان قوماً يزعمون ان علياً ـ عليه السلام ـ مبعوث قبل يوم القيامة ، فقال : بئس القوم نحن ، ان نكحنا نساؤه وقسمنا ميراثه (2) .
فمع انه فرية لا مرية فيها لا يدل على عدم الجواز ، فان كثيرا من القرون الماضية وغيرهم ماتوا ونكح نساؤهم وقسم اموالهم ، ثم رجعوا الى الدنيا وعاشوا
____________
(1) نهاية ابن الاثير : 2 / 202 .
(2) الكشاف : 3 / 321 .

( 209 )

فيها ما شاء الله ، ثم ماتوا بآجالهم .
ثم كيف يصير قول ابن عباس ـ على فرض ثبوته وصحته ـ دافعاً لقول امير المؤمنين سلام الله عليه في حديث ابي الطفيل في الرجعة :
هذا علم يسع (1) الامة جهله ورد علمه الى الله . قال : وقرأ علي بذلك قراءة كثيرة ، وفسره تفسيراً شافياً ، حتى صرت ما انا بيوم القيامة اشد يقيناً مني بالرجعة الحديث (2) .
وكان عامر بن واثلة الكناني ابو الطفيل هذا آخر من مات ممن رأى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ كما في الاستيعاب ، قال : وقد روى عنه ـ صلى الله عليه وآله ـ نحو اربعة احاديث ، وكان محبا في علي ـ عليه السلام ـ وكان من اصحابه في مشاهده ، وكان ثقة مأموناً ، يعترف بفضل الشيخين ، الا انه كان يقدم علياً ـ عليه السلام (3) .
ويقال (4) : انه ادرك من حياة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ثمان سنين ، وكان مولده في يوم احد ، ومات سنة مائة او نحوها انتهى .
وفي مختصر الذهبي : وكان ابو الطفيل من محبي علي ، وبه ختم الصحابة في الدنيا ، مات سنة عشر ومائة (5) انتهى .
وهذان الكتابان ، وهما الاستيعاب والمختصر من كتب رجال العامة .
وفي الكشي في ترجمة عامر بن واثلة ابي الطفيل هذا باسناده الى شهاب
____________
(1) في البحار : هذا علم خاص لا يسع .
(2) بحار الانوار : 53 / 69 .
(3) الاستيعاب : 3 / 15 ، المطبوع على هامش الاصابة .
(4) والقائل هو ابن الاثير في جامع الاصول ، راجع التعليقة على اختيار معرفة الرجال : 1 / 309 والشيخ في رجاله : 47 .
(5) راجع تهذيب التهذيب لابن حجر : 5 / 82 .

( 210 )

ابن عبد ربه ، قال قلت لابي عبد الله ـ عليه السلام : كيف اصبحت جعلت فداك ؟ قال : اصبحت اقول كما قال ابو الطفيل يقول :

وان لاهل الحق لابد دولة * على الناس اياها أرجى وأرقب

ثم قال : انا والله ممن يرجي ويرقب ، وكان يقول : ما بقي من السبعين غيري (1) .
واراد بهم الذين قتلوا مع الحسين ـ عليه السلام ـ ويظهر منه انه كان من اصحابه ـ عليه السلام ـ ايضا . ومن كلامه :

وبقيت سهماً من النكاية واحداً * سترمي به او يكسر السهم كاسرة (2)

وكان يحفظ الاحاديث على ما يكون ، ولا يخلي دخول الغلط فيها .
ثم من العجب ان هذا الرجل المعتزلي الاصول حنفي الفروع صاحب التفسير يفّوه بكل ما خطر بباله من غير مبالاة .
ولعله ذهب عنه ما نقلوه في كتبهم انه اذا خرج المهدي ـ عليه السلام ـ نزل عيسى بن مريم فصلى خلفه ، ونزوله الى الارض رجوعه الى الدنيا بعد موته ، لقوله تعالى فيه « اني متوفيك ورافعك الي » (3) .
الا يرى الى قوله تعالى : « الم تر الى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم » (4) فهؤلاء ماتوا ورجعوا الى الدنيا .
وقال تعالى في قصة عزير اوارميا على اختلاف القولين « فأماته الله مائة عام ثم بعثه » (5) قال هذا الرجل المنكر للرجعة في تفسيره : انه كان كافراً
____________
(1) اختيار معرفة الرجال : 1 / 308 ـ 309 .
(2) نفس المصدر .
(3) آل عمران : 55 .
(4) البقرة : 243 .
(5) البقرة : 259 .

( 211 )

بالبعث ، وهو الظاهر ، لانتظامه مع نمرود في سلك ، ثم قال وقيل : هو عزير او الخضر (1) .
اقول : وعلى اي الاقوال فهذا مات مائة عام ، ثم رجع الى الدنيا وبقي فيها ، ثم مات بأجله .
قال هذا المنكر بعد قوله تعالى : « ولنجعلك آية للناس » قيل : اتى قومه راكب حماره ، وقال : انا عزير ، فكذبوه ، فقال : هاتوا التوراة ، فأخذها يهذها هذا عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب ، فما خرم حرفا ، فقالوا : هو ابن الله ، ولم يقرأ التوراة ظاهراً احد قبل عزير ، فذلك كونه آية . وقيل : رجع الى منزله ، فرأى اولاده شيوخاً وهو شاب ، فاذا حدثهم بحديث قالوا : حديث مائة سنة (2) انتهى .
وفي قصة المختارين من قوم موسى لميقات ربه « ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون »(3) فأحياهم فرجعوا الى الدنيا ، فأكلوا وشربوا ونكحوا وولد لهم الاولاد وبقوا فيها ، ثم ماتوا بآجالهم .
وكذلك جميع الموتى الذين احياهم الله لعيسى ـ عليه السلام ـ رجعوا الى الدنيا وبقوا فيها ثم ماتوا . وقصة اصحاب الكهف معروفة .
والرواية النبوية : كل ما كان في الامم السالفة يكون في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة . (4) مشهورة وسائر الاقاصيص في محالها مسطورة .
وليس ينبغي ان يعجب من ذلك ، فضلا عن ان ينكر ، فان الامور المجهولة
____________
(1) الكشاف : 1 / 389 .
(2) الكشاف : 1 / 390 ـ 391 .
(3) البقرة : 56 .
(4) مسند احمد بن حنبل : 2 / 325 و 327 و 336 وغيرها .

( 212 )

العلل لا يعجب منها . الا يرى الى قول سيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقد سبق : هذا علم يسع الناس جهله ورد علمه الى الله (1) .
على ان بعض علله ، كفوز الاولياء بثواب النصرة والمعونة وبهجتهم بظهور الدولة والسلطنة ، والانتقام من الاعداء ، ونيلهم بعض ما يستحقونه من العقاب والعذاب في الدنيا ، الى غير ذلك من البواعث في الحكمة في الاخبار مذكور وفي الاثار مسطور . وقد سبق في الخبر الاول ، وله نظائر لا يسع ذكرها المقام .
والصلاة على محمد وآله خير البرية والانام .
____________
(1) بحار الانوار : 53 / 129 .
( 213 )

( سورة الصافات )

* وان من شيعته لابراهيم . [ الآية : 83 ]
الشيعة : بالكسر الاتباع والاعوان والانصار ، مأخوذ من الشياع ، وهو الحطب الصغار التي تشعل بالنار ، وتعين الحطب الكبار على ايقاد النار ، وكل قوم اجتمعوا على امر فهم شيعة ، ثم صارت الشيعة اسما لجماعة مخصوصة .
وفي القاموس : شيعة الرجل بالكسر اتباعه وانصاره ، والفرقة على حدة ، وتقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته ، حتى صار اسماً لهم خاصاً(1) .
وفي نهاية أبن الأثير : أصل الشيعة الفرقة من الناس ، وتقع على الواحد والأثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد ، وغلب هذا الأسم على من يزعم أنه يوالي علياً وأهل بيته ، حتى صار لهم إسما خاصا ، فاذا قيل : فلان من الشيعة عرف انه منهم ، من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة (2) انتهى كلامه .
وفي مجمع البيان في فصل اللغة : الشيعة الجماعة التابعة لرئيس لهم ، وصار بالعرف عبارة عن شيعة علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ الذين كانوا معه على اعدائه ، وبعده مع من قام مقامه من ابنائه ـ عليهم السلام .
وفي موثقة ابي بصير عن ابي جعفر ـ عليه السلام ـ انه قال : ليهنئكم الاسم ، قلت : وما هو جعلت فداك ؟ قال : « وان من شيعته لابراهيم » وقوله
____________
(1) القاموس المحيط : 3 / 47 .
(2) نهاية ابن الاثير : 2 / 519 ـ 520 .

( 214 )

عز وجل : « فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه » فليهنئكم الاسم .
هكذا وجد في ثلاث نسخ معتبرة من تفسير علي بن ابي ابراهيم (1) ، والظاهر انه سقط هنا منه شيء .
والصحيح ما في مجمع البيان : روى ابو بصير عن ابي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : ليهنئكم الاسم ، قلت : وما هو ؟ قال : الشيعة ، قلت : الناس يعيروننا بذلك ، قال : اما تسمع قول الله سبحانه « وان من شيعته لابراهيم » وقوله « فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه » (2) انتهى ما في مجمع البيان .
أقول : ويستفاد من بعض الاخبار ان تسمية الشيعة بهذا الاسم باعتبار ان نور نبينا وروحه هو الذي تشعبت منه انوار اوصيائه المعصومين ـ عليهم السلام ـ ثم خلقت من شعاعها ارواح شيعتهم من الاولين والاخرين ، فلذلك سموا بهذا الاسم .
واليه يشير ما روي عن المفضل بن عمر ، قال قلت لمولانا الصادق ـ عليه السلام ـ ما كنتم قبل ان يخلق الله السموات والارض ؟ قال : كنا انواراً حول العرش نسبح الله ونقدسه حتى خلق الله الملائكة ، فقال لهم الله : سبحوا ، فقالوا : اي رب لا علم لا ، فقال لنا : سبحوا فسبحنا ، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ، الا انا خلقنا انواراً (3) ، وخلقت شيعتنا من شعاع تلك الانوار ، فلذلك سميت شيعة ، فاذا كان يوم القيامة التحقت السفلى بالعليا ، ثم قرب ما بين اصبعيه (4) .
وفيه من بشارة الشيعة والدلالة على جلالة قدرهم ما لا يخفى .
____________
(1) تفسير القمي : 2 / 223 . أقول : والرواية في تفسير القمي المطبوع تطابق ما في مجمع البيان من دون سقط شيء .
(2) مجمع البيان : 3 / 448 ـ 449 .
(3) في البحار : خلقنا من نور الله .
(4) بحار الانوار : 25 / 21 ح 34 .

( 215 )

فان قلت : ما معنى قول ابي بصير الناس يعيروننا بذلك ؟
قلت : هو اشارة الى قول المخالفين ان اصل التشيع اليهودية .
قال الكشي في كتاب الرجال : ذكر بعض اهل العلم ان عبد الله بن سبأ كان يهودياً ، فأسلم ووالى علياً ـ عليه السلام ـ وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى على نبينا وآله وعليه السلام بالغلو ، فقال في اسلامه بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في علي ـ عليه السلام ـ مثل ذلك .
وكان اول من شهر بالقول بفرض امامة علي ـ عليه السلام ـ واظهر البراءة من اعدائه ، وكاشف مخالفيه وكفرهم ، فمن هاهنا قال من خالف الشيعة : ان اصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية (1) انتهى .
اقول : وكان في زمن نوح النبي على نبينا وآله وعليه السلام طائفة من قومه قد آمنوا به يقال لهم : الشيعة ، وقوم آخرون في مقابلهم قد كفروا به يقال لهم : العامة .
وقد نالت الشيعة منهم شدة شديدة ، واشتدت عليهم البلوى ، وعظمت فيهم الرزية ، وكانوا منتظرين للفرج مدة مديدة وازمنة طويلة ، الى ان اهلك الله اعداءهم بالطوفان . وقريب منه ما يجري في هذه الازمان .
روى الصدوق رحمه الله في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى عبد الله بن الفضل الهاشمي ، قال قال الصادق جعفر بن محمد ـ عليهما السلام : لما اظهر الله تبارك وتعالى نبوة نوح ـ عليه السلام ـ وايقن الشيعة بالفرج ، اشتدت البلوى وعظمت الرزية (2) ، الى ان آل الامر الى شدة شديدة نالت الشيعة ، والوثوب الى نوح (3) بالضرب المبرح .
____________
(1) اختيار معرفة الرجال : 1 / 324 .
(2) في المصدر : الفرية .
(3) في المصدر : على نوح .

( 216 )

حتى مكث ـ عليه السلام ـ في بعض الاوقات مغشيا عليه ثلاثة ايام يجري الدم من اذنه ، ثم افاق ، وذلك بعد ثلاثمائة سنة من مبعثه ، وهو في خلال ذلك يدعوهم ليلاً ونهاراً فيهربون ، ويدعوهم سراً فلا يجيبون ، ويدعوهم علانية فيولون .
فهم بعد ثلاثمائة سنة بالدعاء عليهم ، وجلس بعد صلاة الفجر للدعاء ، فهبط اليه وفد من السماء السابعة وهم املاك فسلموا عليه ، ثم قالوا : يا نبي الله لنا حاجة ، قال : وما هي ؟ قالوا : تؤخر الدعاء على قومك ، فانها اول سطوة الله عز وجل في الارض ، قال : قد اخرت الدعاء عليهم ثلاثمائة سنة اخرى .
وعاد اليهم فصنع ما كان يصنع ، ويفعلون ما كانوا يفعلون ، حتى انقضت ثلاثمائة سنة اخرى ، ويئس من ايمانهم ، جلس في وقت ضحى النهار للدعاء ، فهبط عليه وفد من السماء السادسة وهم ثلاثة املاك فسلموا عليه ، وقالوا : نحن وفد من السماء السادسة خرجنا بكرة وجئناك ضحوة ، ثم سألوه مثل ما سأله وفد السماء السابعة ، فأجابهم الى مثل ما اجاب اولئك اليه .
وعاد الى قومه يدعوهم ، فلا يزيدهم دعاؤه الا فراراً ، حتى انقضت ثلاثمائة اخرى تتمة تسعمائة سنة ، فصارت الشيعة اليه وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت ، وسألوه الدعاء بالفرج .
فأجابهم الى ذلك وصلى ودعا ، فهبط عليه جبرئيل ـ عليه السلام ـ فقال له : ان الله تبارك وتعالى قد اجاب دعوتك ، فقل للشيعة يأكلون (1) التمر ويغرسون (2) النوى ، ويراعونه (3) حتى يثمر ، فاذا اثمرت فرجت عنهم .
فحمد الله واثنا عليه ، وعرفهم ذلك فاستبشروا به ، فأكلوا التمر وغرسوا
____________
(1) في المصدر : يأكلوا .
(2) في المصدر : ويغرسوا .
(3) في المصدر : ويراعوه .

( 217 )

النوى ، وراعوه حتى اثمر ، ثم صاروا الى نوح ـ عليه السلام ـ بالثمرة (1) ، وسألوه ان ينجز لهم بالوعد .
فسأل الله عز وجل في ذلك ، فأوحى الله اليه قل لهم كلوا هذا التمر واغرسوا النوى ، فاذا اثمر فرجت عنكم ، فلما ظنوا ان الخلف قد وقع عليهم ارتد منهم الثلث وثبت الثلثان .
فأكلوا التمر وغرسوا النوى ، حتى اذا اثمر اتوا به نوحاً ـ عليه السلام ـ فأخبروه وسألوه ان ينجز لهم الوعد ، فسأل الله عز وجل في ذلك ، فأوحى الله اليه قل لهم : كلوا هذا التمر واغرسوا النوى ، فاذا اثمر فرجت عنكم ، فارتد الثلث الاخر وبقي الثلث .
فأكلوا التمر وغرسوا النوى ، فلما اثمر اتوا به نوحاً ـ عليه السلام ـ فقالوا له : لم يبق منا الا القليل ، ونحن نتخوف على انفسنا بتأخير الفرج ان نهلك .
فصلى نوح ـ عليه السلام ـ فقال : يا رب لم يبق من اصحابي الا هذه العصابة ، واني اخاف عليهم الهلاك ان تأخر عنهم الفرج ، فأوحى الله عز وجل اليه قد اجبت دعاءك فاصنع الفلك ، وكان بين اجابة الدعاء وبين الطوفان خمسون سنة (2) .
فظهر مما نقلناه ان هذا الاسم وهو الشيعة ، كان شايعاً في زمن نوح النبي ـ عليه السلام ـ وكان يطلق على كل من اتبعه في طريق الحق .
ولذلك قال الله تبارك وتعالى « وان من شيعته لابراهيم » اي : وان من شيعة نوح ابراهيم ـ عليهما السلام ـ يعني : انه كان على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق .
____________
(1) في المصدر : بالتمر .
(2) كمال الدين : 133 ـ 134 .

( 218 )



( 219 )

( سورة فصلت )

* وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالاخرة هم كافرون . [ الايتان : 6 ـ 7 ]
قال الفاضل الاردبيلي قدس سره بعد نقله في آيات الاحكام كريمة « وويل للمشركين » الآية : فيها دلالة على وجوب الزكاة على الكفار ؛ لانه يفهم منها ان للوصف بعدم ايتاء الزكاة دخلاً في ثبوت الويل لهم ، ولكن علم من الاجماع وغيره عدم الصحة منهم الا بعد الاسلام (1) ، الى هنا كلامه طاب منامه .
فان قلت : « الذين لا يؤتون الزكاة » صفة كاشفة على طريقة الالمعي الذي يظن بك الظن ، فيدل على ان المراد بالمشركين من لا يؤتي الزكاة ، واطلاقه عليه من باب المبالغة ، كاطلاق الكافر على تارك الحج في قوله « ومن كفر » وكذلك حصر الكافرين بالاخرة فيهم ، للمبالغة والاشارة الى غاية اهتمامه تعالى بشأن الزكاة ووجوب اخراجها .
ويدل عليه بعض الروايات ، كرواية ابي بصير عن ابي عبد الله ـ عليه السلام : من منع قيراطاً من الزكاة ، فليس بمؤمن ولا مسلم (2) .
وقوله « وهم بالاخرة هم كافرون » جملة حالية تعليلية ، اي : عدم ايتائهم الزكاة ، لانهم غير مؤمنين بالاخرة ، اذ الايمان بها يقتضي ايتائها ، فعدمه دليل على عدمه .
____________
(1) زبدة البيان : 180 .
(2) من لا يحضره الفقيه : 2 / 12 .

( 220 )

فدلت الآية على شرك الموصوفين بعدم الايتاء المعلل بعدم الايمان بالاخرة ، ولا دلالة فيها على وجوب الزكاة على الكفار ، ليثبت به تكليفهم بالفروع .
قلت : فيها دلالة على ان ترك الزكاة من صفات الكفار ، وفي تعليق الويل على الوصف بعدم الايتاء اشعار بعليته لثبوتها لهم ، فتدل على وجوبها عليهم ، ويلزم منه كونهم مكلفين بها .
قال القاساني قدس سره في الصافي بعد نقله ما رواه القمي عن ابان بن تغلب ، قال : قال ابو عبد الله ـ عليه السلام : يا ابان اترى ان الله طلب من المشركين زكاة اموالهم وهم يشركون به ، حيث يقول « وويل للمشركين » الآية ، قلت له : جعلت فداك فسره لي ، فقال : ويل للمشركين الذين اشركوا بالامام الاول وهم بالائمة كافرون : يا ابان انما دعا الله العباد الى الايمان ، فاذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض .
هذا الحديث يدل على ما هو التحقيق عندي من ان الكفار غير مكلفين بالاحكام الشرعية ما داموا على الكفر (1) .
وفيه ان هذا الحديث بظاهره لما كان مخالفاً للمذهب المشهور المنصور ، ولظاهره هذه الآية وظواهر كثير من الايات ، وجب تأويله على تقدير امكانه ، اورده على تقدير عدمه .
لما ورد عن الصادقين ـ عليهم السلام ـ في كثير من الاخبار : اذا جاءكم عنا حديث ، فاعرضوه على كتاب الله ، فاذا وافقه فخذوه ، وان خالفه فردوه واضربوا به عرض الحائط (2) .
وفي الكافي بسند صحيح عن الصادق ـ عليه السلام : ان الحديث الذي لا
____________
(1) تفسير الصافي : 4 / 353 .
(2) تهذيب الاحكام : 6 / 302 ، مضمون الحديث ، واصول الكافي : 1 / 69 ح 2 .

( 221 )

يوافق القرآن فهو زخرف (1) .
وعنه صلى الله عليه وآله : ستكثر من بعدي الاحاديث ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فانبذوه . (2) الى غير ذلك من الاخبار .
وبالجملة مدار الاستدلال بالايات والروايات على الاحكام الشرعية من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر ، لما تقرر في الاصول من امتناع ان يخاطب اله بشيء يريد خلاف ظاهره من دون البيان .
والا لزم الاغراء بالجهل ، لان اطلاق اللفظ الظاهر الدلالة على معنى يوجب اعتقاد سامعه العالم بوضعه ارادة لافظه منه ذلك المعنى ، فاذا لم يكن ذلك المعنى مراداً للافظ كان اعتقاد السامع ارادته له جهلاً ، فاطلاقه مع عدم ارادته معناه الظاهر اغراء للسامع بذلك الاعتقاد الجهل ، ولانه بالنسبة الى غير ظاهره مهمل ، فتأمل .
____________
(1) اصول الكافي : 1 / 69 ح 3 .
(2) اصول الكافي : 1 / 69 ح 5 و 1 .