مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 131 ـ 140
(131)
    ويسمّى هذا التساوي في منطق العلماء ب ـ « الإمكان ».
    ولكي ندرك بنحو أحسن معنى هذا التساوي ، ومعنى الإمكان المذكور لابد أن نشير إلى مثال مقنع في هذا المقام.
    إنّ للفلاسفة في تصوير « الإمكان » بياناً نشير إليه فيما يأتي :
    فهم يقولون :
    لنفترض دائرة ، ولنضع ما نتصوّره في ذهننا من الأشياء في وسط هذه الدائرة تماماً.
    ولنجعل على طرف من الدائرة : الوجود ، ونجعل في مقابله العدم.
    ثم يقولون :
    إنّ الشيء الممكن هو كهذا « الشيء المتصور الموضوع في وسط الدائرة » لا يقتضي بذاته أي واحد من الحالتين لا الوجود ولا العدم. بل هو بالنسبة إليهما سواء .. بمعنى أنّ الوجود أو العدم لا ينبع من ذات ذلك الشيء .. وإلاّ لكان ذلك الشيء « ممتنع الوجود » ان اقتضى العدم ذاتياً ، أو « واجب الوجود » ان اقتضى الوجود ذاتياً.
    ولأجل ذلك فإنّ كل الظواهر التي كانت معدومة ـ ذات يوم ـ ثم لبست حلة الوجود في يوم آخر ما هي ـ في الحقيقة ـ إلاّ سلسلة من « المفاهيم المجردة عن الوجود أو العدم » كالنقطة الموجودة في وسط الدائرة بين كفتي الوجود و العدم التي نسبتها إلى كل من الحالتين سواء .. ولو حدث أن خرجت هذه « المفاهيم المجردة » عن وسط الدائرة ومالت إلى إحدى الحالتين الوجود أو العدم فإنّ ذلك الخروج لم يتحقّق بالضرورة إلاّ بسبب « علة » ساقت تلكم الظاهرة إلى الحالة التي


(132)
تلبست بها.
    إنّ « العلة الموجدة » هي التي جرّت الظاهرة المذكورة إلى ناحية الوجود.
    كما أنّ « علة العدم » هي التي جرّتها إلى ناحية العدم.
    بناء على هذا فإنّ الوجود أو العدم لم يكن ولن يكون عيناً ولا جزءاً أصيلاً في ذات الشيء المجرد عن علة الوجود أو العدم ، بل جاذبية العامل الخارجي هي التي ساقت ذلكم الشيء إلى إحدى الناحيتين ..
    فإن كان هناك موجد غني ، جرّ الظاهرة قهراً إلى ناحية الوجود.
    وأمّا لو واجهت الظاهرة فقدان علة الوجود انجذبت قهراً إلى جانب العدم.
    على أنّ هناك فرقاً بين مسألة « وجود » الظاهرة و « عدم وجودها ».
    فلظهور ظاهرة ما ووجودها لابد من حضور علة موجدة ضمن ظروف وشروط خاصة لتعطي الوجود لتلك الظاهرة.
    بينما لا يحتاج فقدان الظاهرة إلى أي نوع من الفعل والانفعال ، بل يكفي لفقدان أية ظاهرة فقدان علتها فقط.
    إنّ الظواهر الحاضرة فعلاً ، والتي كانت قبل هذا معدومة ، ومختبئة خلف حجب العدم قروناً متمادية ، لم يكن فقدانها ـ في تلك الأزمنة ـ لأجل أنّها كانت ترفض الوجود ذاتياً .. إذ لو كان كذلك لامتنع وجودها بالمرة وإلى الأبد ، بل انّ فقدانها في تلك الأوقات إنّما هو لفقدان مقتضي وجودها ، ومجرد فقدان هذا المقتضي كان كافياً لأن تنجذب الظواهر الكونية المذكورة بسببه إلى ناحية العدم وأن لا تتجلّى على مسرح الوجود.


(133)
    ثم إنّ قولنا : بأنّ الظواهر تنجذب إلى ناحية « الوجود » على أثر وجود عللها لا يعني أنّ هذه الظواهر بعد وجودها بسبب العلة تتخلص نهائياً من صفة « الفقر الذاتي » ومن خصلة « الإمكان الذاتي » فتنقلب إلى موجودات غنية ، لا تحتاج إلى علة.
    لا نقول ذلك ، لأنّه لا يمكن أن ينقلب ما هو « فقير بالذات » إلى « غني بالذات » (1) إنّما المقصود هو أنّ الظاهرة تلبس حلة الوجود مع كونها متصفة بالفقر والإمكان الذاتيين دون أن تفقد هذه الصفة حتى بعد ارتدائها حلة الوجود.
    ولأجل هذا « الإمكان والفقر الذاتيين » يكون الاحتياج إلى العلة احتياجاً أبدياً وحالة دائمية لا تفارق طبيعة الأشياء ، بحيث لو انقطع الارتباط بين « العلة والمعلول » لحظة واحدة لم يبق للظاهرة أي وجود .. بل عادت خبراً بعد أثر كما يقول المثل السائر.
    ولتوضيح هذه الحقيقة نشير إلى مثالين :
    1. لنتصور قصراً فخماً غارقاً في أضواء المصابيح المتعدّدة المتنوعة.
    فعند ما يرى الشخص السطحي التفكير هذا المشهد يظن أنّ هذا النور نابع من القصر نفسه .. أي انّ طبيعة المصابيح مضيئة بنفسها. بينما لو تفحص هذا جيداً لرأى أنّ هذا النور وهذه الأضواء تتعلّق ب ـ « مولد الكهرباء » بحيث لو انقطع الارتباط بين المصابيح والمولد الكهربائي لحظة واحدة لغرق القصر بأسره في
    1 ـ نعم غاية ما يحصل أنّ الظاهرة بعد انضمام العلّة إليها تصبح غنية بالعرض ـ حسب المصطلح الفلسفي ـ وهو يجتمع مع « الفقر الذاتي » ولا يناقضه ولا يعارضه.

(134)
الظلام ، ولهذا فلابد أن يستمر المولد الكهربائي في إمداد القصر بالطاقة والتيار الكهربائي حتى يبقى ذلك القصر مضاء سابحاً في الأنوار.
    2. لنتصوّر أرضاً مملحة تحت أشعة الشمس ، ونحن نريد أن تبقى رطبة .. ففي هذه الصورة لابد أن تتوالى قطرات الماء عليها فتسقط القطرة ثم تليها القطرة الثانية قبل أن تجف الأُولى .. وهكذا حتى نحافظ على رطوبتها ونحول دون جفافها .. إذ في غير هذه الصورة تجف الأرض تحت أشعة الشمس.
    هذان مثالان يوضحان لنا أنّ « الفقير ذاتياً » لابد من ارتباطه بعلة وجوده على الدوام وبصورة مستمرة ليحافظ على وجوده .. وذلك لأنّه ليس من طبيعته : الوجود ، وما ليس الوجود من طبيعته افتقر إلى علة موجدة واستمر افتقاره هذا ما دام « الفقر الذاتي » إلى الوجود ملازماً له ، وحاكماً فيه.
    من البيان السابق نستنتج الأُمور التالية :
    أوّلاً : أنّ احتياج الظواهر إلى العلة هو مقتضى ذاتي لتلك الظواهر ، وأمر ملازم لها ، بحيث لا ينفك هذا الاحتياج عنها لا في حال تلبسها بالعدم ، ولا في حال اتصافها بالوجود.
    ثانياً : أنّ حالة الشيء المحتاج الممكن لن تتغيّر ولن تتبدّل ما لم يساعده « الغني » في ذلك.
    ثالثاً : أنّ جميع البشر ، وجميع الظواهر الكونية فقيرة ومحتاجة ـ بطبيعتها ـ وأنّها كانت تبقى محكومة بالعدم ما لم يتوفر علتها .. ولو كان الوجود عيناً أو جزءاً من ذاتها وطبيعتها لما عدمت ولا لحظة واحدة. ولو أنّ غنياً بذاته غير مفتقر في وجوده إلى غيره ، لم يمد إليها يد العون ولم يفض عليها الوجود لبقيت خلف حجب


(135)
العدم إلى الأبد.
    وحيث إنّ الفقر والاحتياج من لوازم ذوات تلك الأشياء ـ لأجل ذلك ـ يجب أن تبقى محكومة بالفقر في كل الحالات ، حتى بعد وجودها.
    بناء على ذلك ، ومن ملاحظة حالة الموجودات الكونية ، وملاحظة فقرها واحتياجها الذاتي وكونها غير قادرة على تغيير حالتها ووضعها وانتقالها من عالم العدم إلى صفحة الوجود دون الاعتماد على ركن أصيل غني.
    أقول : من ملاحظة كل هذه الأُمور يمكن الاستدلال على وجود خالق غني أصيل هو الذي منح الوجود لهذه الأشياء ، وهو بالتالي واهب الكون والمكان والوجود والزمان لجميع الممكنات كما ويمكن ـ بهذا الدليل ـ إثبات احتياج الممكنات ـ بجملتها ـ إليه في كل الأزمنة واللحظات وفي جميع الأحوال والأوقات ، ابتداء من أول عمرها إلى آخره ، احتياجاً لازماً لا ينقطع ، وافتقاراً دائماً لا يزول ولا يرتفع.
    هذا هو ما صرح به القرآن الكريم في نداء يشمل جميع أبناء البشر إذ قال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) (1).
    ففي هذه الآية ركز القرآن الكريم على موضوع « الفقر الذاتي » في الإنسان واحتياجه إلى « العلة الموجدة » أي اللّه تعالى ، إذ قال : ( أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللّهِ ) وصرح بأنّ الموجود الوحيد الذي يمكنه رفع هذا الاحتياج والفقر الإنساني هو اللّه تعالى شأنه.
    فهو الوحيد الذي يقدر على مساعدة البشر ، وليس سواه بقادر على ذلك
    1 ـ فاطر : 15.

(136)
لاتصاف ما سواه بصفة الإمكان.
    وقد بيَّنت الآية هذه الحقيقة بقولها : ( إِلَى اللّهِ وَاللّهُ هُو [أي وحده ] الْغَنِيُّ ).
    على أنّ القرآن الكريم لا يعتبر الإنسان محتاجاً وفقيراً إلى اللّه قبل الخلق فحسب ، بل هو محكوم لهذا الفقر والحاجة حتى بعد أن يرتدي حلّة الوجود ..
    وهذا هو ما تفيده جملة : ( أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللّهِ )
    فهي كما نلاحظ لم يؤخذ فيها « قيد الزمان الماضي » فلم يقل مثلاً : كنتم الفقراء إلى اللّه ، بل بإطلاقها وعدم تقيدها بالزمان تشمل الماضي والحاضر والمستقبل ، وهذا يعني بكل وضوح أنّ الإنسان محتاج إلى اللّه سبحانه ، وجوداً وبقاءً.
    وينقل الحكماء والفلاسفة المسلمون في هذا الصدد حديثاً عن الرسول الأعظم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يقول فيه :
    « الفقر سواد الوجه في الدارين » (1).
    ويقال : إنّ مراد النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) من هذه العبارة هو : الإشارة إلى أنّ حاجة الإنسان إلى اللّه أمر ملازم له في الدنيا والآخرة.
    وقد ركز القرآن الكريم في مواضع متعددة على صفة « الغنى » في الذات الإلهية بحيث يمكن اعتبار ذلك إشارة ضمنية أو صريحة إلى هذا البرهان ، نعني : برهان الفقر والإمكان.
    وإليك فيما يلي بعض الآيات التي وصف اللّه فيها بالغنى :
    1 ـ تجد نصَّ هذا الحديث في الكتب الفلسفية والعرفانية وسفينة البحار : 2/378.

(137)
( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ) (1)
    وهذا هو موسى الكليم ( عليه السَّلام ) يعتبر نفسه محتاجاً إلى ما وهبه له ربّه وما أنزل وينزل علي هـ ومن ذلك وجود هـ إذ يقول : ( رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ ) (2).
    وقد وصف اللّه ذاته في تسعة عشر موضعاً (3) آخر بأنّه الغني إذ يقول ـ على غرار ما مر في الآية المبحوثة هنا ـ : ( وَاللّهُ الْغَنْيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) (4).
فقر الأشياء وبرهان الإمكان
    إنّ هذه الآية ، أعني قوله تعالى : ( وَاللّهُ الْغَنْيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) ، يمكن أن
    1 ـ النجم : 48.
    2 ـ القصص : 24.
    3 ـ نشير فيما يلي إلى هذه المواضع بذكر السورة والآية :
    البقرة : 263 و 267. آل عمران : 97.
    الأنعام : 133. يونس : 68.
    إبراهيم : 8. الحج : 64.
    النمل : 40. النساء : 131.
    العنكبوت : 6. لقمان : 12 و 26.
    فاطر : 15. الزمر : 7.
    محمد : 38. الحديد : 24.
    الممتحنة : 6. التغابن : 6.
    4 ـ محمد : 38.


(138)
تكون ناظرة إلى « برهان الإمكان » (1) ، لأنّ التركيز في هذه الآية واقع ـ كما نرى ـ على مسألة « الفقر والاحتياج » الكائنين في أبناء البشر والملازمين للكيان الإنساني حتى بعد وجوده ، ملازمة الظل للشاخص.
    إنّ الفقر والاحتياج عين الإمكان أو ملازم له ، لأنّ الممكن يفقد ـ بطبيعت هـ الوجود ، والعدم ، إذا قيس ب ـ « واجب الوجود » و « ممتنع الوجود » ، ولذا فالممكن في حد ذاته مفتقر في اتصافه بإحدى الحالتين (أعني : الوجود والعدم) إلى العلة التي توجده ، أو تعدمه.
    فعندما نقول : الإنسان ممكن الوجود فكأنّنا نقول : الإنسان فاقد ـ في مقام التصور ـ للوجود ومحتاج للتلبّس بالوجود والاتصاف به إلى « غني » يأتي به ويهب له الوجود.
    لهذا يمكن القول بأنّ أساس الاستدلال في هذه الآية هو : « برهان الإمكان ».
    1 ـ المقصود من الإمكان في هذا الفصل هو : الإمكان الماهوي الذي هو صفة الماهية والمفاهيم الذهنية ، وليس الإمكان الوجودي الذي له معنى آخر و إجماله هو : « تعلّق الموجودات باللّه القائم بنفسه ».
    والحاصل أنّ الإمكان قد يقع صفة للماهية ومعناه حينئذ تساوي « الماهية » بالنسبة إلى الوجود والعدم.
    وقد يقع صفة لنفس « الوجود » ولا يصح حينئذ تفسيره بتساوي الوجود والعدم بالنسبة إليه ، إذ لا معنى لتساوي الوجود بالنسبة إلى الوجود ، لأنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري ، بل معناه عندئذ قيامه بالواجب القيوم واحتياجه إليه : (حدوثاً وبقاءً).


(139)
التوحيد الاستدلالي : البرهان الثاني
الأُفول والغروب يدلّ على وجود مسخّر
     ( وَكَذَلِكَ نُرِيَ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأى الْشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ * وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَاني وَلا أَخَافُ مَا تُشْ ـ رِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْء عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيْمَانَهُمْ بِظُلْم أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَات مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ). (1)
    1 ـ الأنعام : 75 ـ 83.

(140)
    قبل أن نبيّن هدف هذه الآيات لابد من الإشارة إلى عدّة نقاط تساعد على فهم مفاد هذه الآيات :
    1. « الملكوت » و « الملك » تهدفان إلى معنى واحد غير انّه أُضيف إلى الأوّل « الواو والتاء » لأجل المبالغة والتوكيد على غرار « جبروت » و « طاغوت » الذي يرجع أصلهما إلى جبر وطغيان.
    وحيث إنّ معنى الملك هو المالكية والحاكمية لذلك فمن الطبيعي أن يكون معنى الملكوت هو ذلك المعنى نفسه مع المبالغة والتأكيد.
    وسوف نوضح عند شرح استدلال إبراهيم ( عليه السَّلام ) كيف أبطل الخليل : حكومة الكواكب والشمس والقمر ومشاركتها في تدبير نظام الكون والحياة الإنسانية. وبالتالي أعلن عن اعتقاده بأنّه ليس للكون سوى « مدبّر » واقعي واحد تجري أُمور العالم تحت إرادته خاصّة.
    2. استفاد بعض المفسرين من العبارات التالية : « رأى كوكباً ، فلما رأى القمر » وما يماثلهما أنّ إبراهيم ( عليه السَّلام ) قال هذه العبارات عندما وقع نظر هـ لأوّل مرّة ـ على تلك الكواكب إذ أنّه لم يكن قد رآها قبل ذلك.
    وتؤيد بعض الروايات هذا الرأي حيث تقول : إنّ أُم إبراهيم ( عليه السَّلام ) أخفته منذ بدء طفولته في الغار ، خوفاً عليه من بطش طاغية زمانه « نمرود » ، وكان هذا أول خروجه من الغار ، والتحاقه بمجتمعه ، وقومه ، وأوّل خطوة له في مطالعة ما حوله والتحقيق فيما يراه.
    غير أنّ هاهنا احتمالاً آخر هو أنّ إبراهيم ( عليه السَّلام ) كان قد رأى الشمس والقمر والكواكب من قبل ، ولكنَّه لم ينظر إليها بنظرة الباحث المدقّق ، وكان هذا أوّل
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس