التحقيق في نفي التّحريف

عن القرآن الشريف


بقلم
السيّد علي الحسيني الميلاني

انتشارات الشريف الرّضي



( 3 )


( 4 )


( 5 )

كلمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين ، من الأوّلين والآخرين .
وبعد :

فإنّ الله عزّ وجلّ أرسل نبيّه العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم ( بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ) (1) وأنزل عليه القرآن « حجّة الله على خلقه ، أخذ عليه ميثاقهم ، وارتهن عليهم أنفسهم ، أتمّ نوره ، وأكمل به دينه » (2) .
وكما كتب سبحانه لدينه الخلود ، لكونه خير الأديان واتمّها وقال : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) (3) ، كذلك تعهّد بحفظ القرآن ـ الذي وصفه أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه « أثافي الإسلام
____________
(1) سورة التوبة 9 : 33 .
(2) نهج البلاغة ـ فهرسة صبحي الصالح : 265 | 183 .
(3) سورة آل عمران 3 : 85 .

( 6 )

وبنيانه » (1) ـ حيث قال ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (2) .
وكان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يعلّم الناس القرآن ، وينظّم امور المجتمع على ضوء تعاليمه ، فكان كلّما نزل عليه الوحي حفظ الآية الكريمة أو السورة المباركة ، وأمر الكتّاب بكتابتها ثمّ أبلغها الناس ، وأقرأها القرّاء واستحفظهم إيّاها ، وهم يقومون بدورهم بنشر ما حفظوه ووعوه ، وتعليمه لسائر المسلمين حتى النساء والصبيان .
وهكذا كانت الآيات تحفظ بألفاظها ومعانيها ، وكانت أحكام الإسلام وتعاليمه تنشر وتطبّق في المجتمع الإسلامي .
غير أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يلقي إلى سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام ـ إبتداءً أو كلّما سأله ـ تفسير الآيات وحقائقها ، والنسب الموجودة فيما بينها ، من المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، إلى غير ذلك ... يقول عليه السّلام :
« وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمّني عرفه ، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلّى الله عليه وآله وسلّم من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به .
____________
(1) نهج البلاغة : 315 | 198 .
(2) سورة التوبة 9 : 15 .

( 7 )

ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء ، فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت : يا رسول الله ما هذه الرنّة ؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أنّك لست بنبيّ ، ولكنّك لوزير ، وإنّك لعلى خير ... » (1) .
وبذلك توفّرت في شخصة ـ دون غيره ـ الأعلمية بالكتاب والسنّة ، التي هي من أولى الصفات المؤهّلة للإمامة وقيادة الأمّة بعد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم .
وتوفّي النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتقمّص الذين كان يلهيم الصفق بالأسواق عن تعلّم القرآن وأحكام الدين ـ حتى أبسط مسائله اليومية ـ الخلافة ، وآل أمرها إلى ما آل إليه ... فقام سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام مقام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حفظ الكتاب والسنّة وتعليمهما الناس ، والترغيب فيهما ، والحثّ عليهما ... فهو من جهة كان يبادر إلى جمع القرآن مضيفاً إليه ما سمعة من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حول آياته من التفسير والتأويل وغير ذلك ، ويدرّس جماعة من أهل بيته وأصحابه ومشاهير الصحابة ممّا وعاه عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من علوم الكتاب والسنّة ، حتى كان من أعلامهم الحسن والحسين عليهما السّلام ، وعبدالله بن العبّاس ، وعبدالله بن مسعود ، وأمثالهم ، وبواسطتهم كان انتشار علم القرآن في العالم الإسلامي .
ومن جهة اخرى يراقب ما يصدر عن الحكّام وغيرهم عن كثب ، كي ينفي
____________
(1) نهج البلاغة : 300 | 192
( 8 )

عن الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين .
فكان عليه السّلام المرجع الأعلى لعموم المسلمين في جميع أمورهم الدينية لا سيّما المعضلات ، حتى اضطرّ بعض أعلام الحفّاظ إلى الإعتراف بذلك وقال : « وسؤال كبار الصحابة له ، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله ، في المواطن الكثيرة ، والمسائل المعضلات ، مشهور » (1) .
وهكذا ... كان سعي أمير المؤمنين عليه السّلام في حفظ القرآن بجميع معاني الكلمة ، وهكذا كان غيره من أئمّة أهل البيت عليهم السلام .
وكان الإهتمام بالقرآن العظيم من أهمّ أسباب تقدّم الإسلام ورقيّ المسلمين ، كما كان التلاعب بالعهدين من أهم الامور التي أدّت إلى انحطاط اليهود والنصارى ، فأصبح الهجوم على القرآن نقطة التلاقي بين اليهود والنصارى وبين المناوئين للإسلام والمسلمين ، لأنّهم إن نجحوا في ذلك فقد طعنوا الإسلام في الصميم .
لكنّ الله سبحانه قد تعهّد القرآن وآن ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) (2) فاندحروا في جميع الميادين صاغرين ، والحمد لله ربّ العالمين .
لكنّ « شبهة تحريف القرآن » ما زالوا يردّدونها بين حين وآخر ، وعلى لسان بعض الكتّاب المتظاهرين باسم الإسلام ويا للأسف ، يستأجرونهم لتوجيه الضربة إلى القرآن والاسلام من الداخل ، ولإلقاء الفتنة فيما بين المسلمين ، ولذا تراهم ـ في الأغلب ـ أناساً حاقدين على آل البيت عليهم السّلام ومذهبهم وأتباعهم .
____________
(1) تهذيب الأسماء واللغات ، للحافظ النووي 1 : 346 .
(2) سورة فصلت 41 : 42 .

( 9 )

ونحن في هذا البحث ـ الذي لم نقصد به الدفاع عن أحدٍ أو الردّ على أحد ـ تعرّضنا لهذه « الشبهة » وكأنّها « مسألة » جديرة بالبحث والتعقيب والتحقيق ، ... فاستعرضنا في فصوله أهمّ ما يوهم التحريف قولاً وقائلاً ودليلاً ... لدى الشيعة وأهل السنّة ... ودرسنا كلّ ما قيل أو يمكن أن يقال في هذا الباب دراسةً موضوعيّة ... وحدّدنا ما يمكن أن يتمسك به للتحريف من الأخبار والآثار ، ومن يجوز أن ينسب إليه القول به من العلماء في الطائفتين ...
فوجدنا الأدلّة على عدم التحريف من الكتاب والسنة وغيرهما كثيرةً وقويمة ، وأنّ القول بصيانة القول عن التحريف هو مذهب المسلمين عامّةً إلاّ من شذّ ...
لكنّ هذا الشذوذ جاء اغتراراً بأحاديث مخرّجة في الكتب الموصوفة بالصحّة عند أهل السنّة ... مسندةً إلى جماعة من صحابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعلى رأسهم من اعترف منهم بأن « كلّ الناس أفقه منه حتى النساء في الخدور » ... وهذه هي المشكلة ... لكّن الحقّ عدم صحّة تلك الأحاديث أيضاً ، وأنّ تلك الكتب ـ كغيرها ـ تشتمل على أباطيل وأكاذيب ... والحقّ أحقّ أن يتّبع ...
وكان هذا البحث قد نشر في مجلّة « تراثنا » الموقّرة ـ التي تصدر عن ( مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ) العلمية التحقيقية المخلصة ـ على شكل حلقات ، ثم طلبت مؤسّسة ( دار القرآن الكريم ) ـ من مؤسسات سيدنا الاستاذ وزعيم الحوزة العلمية آية الله العظمى السيد الگلپايگاني طاب ثراه ـ نشرة في كتاب .
ولمّا نفدت نسخه وكثر الطلب عليه من مختلف البلدان ، بادرنا إلى نشره بعد


( 10 )

مراجعته وتنقيحه وإضافة مطالب اخرى إليه .
والله نسأل أن يجعلنا من خدّام القرآن الكريم والعترة الطاهرة ومن التابعين لهم ، وأن يجعل أعمالنا خالصة ، وأن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى ، إنه سميع مجيب .

علي الحسيني الميلاني
1 | رمضان المبارك | 1417





( 11 )

الباب الأوّل




الشيعة والتحريف

وفيه فصول :

كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف
أدلة الشيعة على نفي التحريف
أحاديث التحريف في كتب الشيعة
شبهات حول القرآن على ضوء أحاديث الشيعة
الرواة لأحاديث التحريف من الشيعة










( 12 )


( 13 )

الفصل الأول

كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف



( 14 )


( 15 )

من الواضح أنّه لا يجوز إسناد عقيدة أو قول إلى طائفة من الطوائف إلاّ على ضوء كلمات أكابر علماء تلك الطائفة ، وبالإعتماد على مصادرها المعتبرة .
ولقد تعرض علماء الشيعة منذ القرن الثالث إلى يومنا الحاضر لموضوع نفي التحريف في كتبهم في عدة من العلوم ، ففي كتب الإعتقادات يتطرقون إليه حيثما يذكرون الإعتقاد في القران الكريم ، وفي كتب الحديث حيث يعالجون الأحاديث الموهمة للتحريف بالنظر في أسانيدها ومداليلها ، وفي بحوث الصلاة من كتب الفقه في أحكام القراءة ، وفي مسألة وجوب قراءة سورة كاملة من القرآن في الصلاة بعد قراءة سورة الحمد ، وغيرها من المسائل ، وفي كتب اصول الفقه حيث يبحثون عن حجّيّة ظواهر الفاظ الكتاب .
وهم في جميع هذه المواضع ينصّون على عدم نقصان القرآن الكريم ، وفيهم من يصرح بأنّ من نسب إلى الشيعة أنّهم يقولون بأنّ القرآن أكثر من هذا الموجود بين الدفّتين فهو كاذب ، وفيهم من يقول بأنّ عليه إجماع علماء الشيعة بل المسلمين ، وفيهم من يستدلّ على النفي بوجوه من الكتاب والسنّة وغيرهما ، بل لقد أفرد بعضهم هذا المواضع بتأليف خاص .
وعلى الجملة ، فإنّ الشيعة الإمامية تعتقد بعدم تحريف القرآن ، وأنّ الكتاب الموجود بين أيدينا هو جميع ما أنزله الله عزّ وجلّ على نبيّنا محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من دون أيّ زيادة أو نقصان .
هذه عقيدة الشيعة في ماضيهم وحاضرهم ، كما جاء التصريح به في كلمات


( 16 )

كبار علمائها ومشاهير مؤلفيها ، منذ أكثر من ألف عام حتى العصر الأخير .
* يقول الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي ، الملقّب بالصدوق ـ المتوفّى سنة 381 ـ : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس باكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشر سورة ، وعندنا أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة ، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة . ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب . وما روي ـ من ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة والنهي عن القران بين سورتين في ركعة فريضة ـ تصديق لما في قلناه في أمر القرآن ، وأن مبلغه ما في أيدي الناس . وكذلك ما روي من النهي عن قراءة القرآن كله في ليلة واحدة ، وأنه لا يجوز أن يختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام تصديق لما قلناه أيضاً .
بل تقول : إنه قدر نزل من الوحي الذي ليس من القرآن ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، وذلك مثل ... كلّه وحي ليس بقرآن ، ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه كما قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لمّا جمعه ، فلما جاء به فقال لهم : هذه كتاب الله ربكم كما أنزل على نبيكم لم يزد فيه حرف ولم ينقص منه حرف فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول : فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون . وقال الصادق عليه السلام : القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، على نبي واحد ، وإنما الإختلاف من جهة الرواة ... » (1) .
____________
(1) رسالة الإعتقادات ، المطبوعة مع شرح الباب الحادي عشر ص 93 .
( 17 )

* ويقول الشيخ محمد بن محمد بن النعمان ، الملقّب بالمفيد ، البغدادي ـ المتوفّى سنة 413 ـ : « وقد قال جماعة من أهل الإمامة : إنه لم ينقص من كلمة ، ولا من آية ، ولا من سورة ، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أمير المؤمنين عليه السّلام من تأويله ، وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله ، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز .
وعندي أنّ هذا القول أشبه من مقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل ، وإليه أميل ، والله أسأل توفيقه للصواب » (1) .
* ويقول الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي ، الملقّب بعلم الهدى ـ المتوفّى سنة 436 ـ : « إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع الوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، واشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه في ما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة ، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد ؟! » .
وقال : « إنّ العلم بتفصيل القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته ، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورةً من الكتب المصنّفة ككتابي سيبويه والمزني ، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلها ما يعلمونه من جملتها ، حتى لو أنّ مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعرف وميزّ ، وعلم أنّه ملحق وليس في أصل الكتاب ، وكذلك القول في كتاب المزني ، ومعلوم
____________
(1) أوائل المقالات في المذاهب المختارات : 55 ـ 56 .
( 18 )

أن العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء » .
وقال : « إنّ القرآن كان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً على ما هو عليه الآن ... » .
« واستدلّ على ذلك بأنّ القرآن كان يدرّس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه كان يعرض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتلى عليه ، وأنّ جماعة من الصحابة مثل عبدالله بن مسعود واُبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم عدّة ختمات .
كل ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان مجموعاً مرتّباً غير مبتورٍ ولا مبثوت » .
« وذكر أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم ، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث ، نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا بصحّتها ، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته » (1) .
ولقد عرف واشتهر هذا الرأي عن الشريف المرتضى حتى ذكر ذلك عنه كبار علماء أهل السنّة ، وأضافوا أنّه كان يكفّر من قال بتحريف القرآن ، فقد نقل ابن حجر العسقلاني عن ابن حزم قوله فيه : « كان من كبار المعتزلة الدعاة ، وكان إمامياً ، لكنّه يكفّر من زعم أنّ القرآن بدّل أو زيد فيه ، أو نقص منه ، وكذا كان صاحباه أبو القاسم الرازي أبو يعلى الطوسي » (2) .
____________
(1) نقل هذا في مجمع البيان 1 : 15 ، عن المسائل الطرابلسيات للسيد المرتضى .
(2) لسان الميزان 4 : 224 ، ولا يخفى ما فيه الخلط والغلط .

( 19 )

* ويقول الشيخ محمد بن الحسن أبو جعفر الطوسي ، الملقّب بشيخ الطائفة ـ المتوفّى سنة 460 ـ في مقدّمة تفسيره : «والمقصود من هذا الكتاب علم معانيه وفنون أغراضه ، وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق به أيضاً ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ـ رحمة الله تعالى ـ وهو الظاهر من الروايات .
غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً ، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنّه يمكن تأويلها ، ولو صحّت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفّتين ، فإنّ ذلك معلوم صحّته لا يعترضه أحد من الامّة ولا يدفعه » (1) .
* ويقول الشيخ الفضل بن الحسن أبو علي الطبرسي ، الملقّب بامين الإسلام ـ المتوفّى سنة 548 ـ ما نصّة : « ... ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فإنّه لا يليق بالتفسير ، فأمّا الزيادة فمجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فقه روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية العامة : إنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً ...
والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى ـ قدّس الله روحه ـ واستوفي الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات » (2) .
____________
(1) التبيان في تفسير القرآن 1 : 3 .
(2) مجمع البيان 1 : 15 .

( 20 )

* وهو حاصل كلمات السيد أبي القاسم علي بن طاووس الحلّي المتوفى سنة 664 في مواضع من كتابه القيّم ( سعد السعود ) منها : أنّه ذكر عن الجبائي أنه قال في تفسيره : « محنة الرافضة على ضعفاء المسلمين أعظم من محنة الزنادقة » ثم شرع يدّعي بيان ذلك بأن الرافضة تدّعي نقصان القرآن وتبديله وتغييره ، قال السيد :
« فيقال له : كلّ ما ذكرته من طعن وقدح على من يذكر أنّ القرآن وقع فيه تبديل وتغيير فهو متوجّه على سيّدك عثمان ، لأن المسلمين أطبقوا أنه جمع الناس على هذا المصحف الشريف وحرّف وأحرق ما عداء من المصاحف . فلولا اعتراف عثمان بأنّه وقع تبديل وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف محرّف وكانت تكون متساوية .
ويقال له : أنت مقرّ بهؤلاء القرّاء السبعة ... فمن ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغييره ؟ أنتم وسلفكم ، لا الرافضة . ومن المعلوم من مذهب من تسمّيهم رافضة أن قولهم واحد في القرآن ... » (1) .
ونصّ السيد ابن طاووس في بحث له مع أبي القاسم البلخي حول أنّ البسملة أية من السورة أولا ـ حيث اختار البلخي العدم ـ على أن القرآن مصون من الزيادة والنقصان كما يقتضيه العقل والشرع (2) .
واستنكر ما روى أهل العامة عن عثمان وعائشة من أن في القرآن لحناً وخطأً قائلاً : « ألا تعجب من قوم يتركون مثل علي بن أبي طالب أفصح العرب بعد صاحب النبوة وأعلمهم بالقرآن والسنّة ويسألون عائشة ؟ أما يفهم أهل
____________
(1) سعد السعود : 144 .
(2) المصدر : 192 .

( 21 )

البصائر أنّ هذا المجرد الحسد أو لغرض يبعد من صواب الموارد والمصادر ... ولو ظفر اليهود والزنادقة بمسلم يعتقد في القرآن لحناً جعلوه حجة » (1) .
* ويقول العلاّمة الحلّي المتوفى سنة 726 في بعض أجوبته حيث سئل : « ما يقول سيدنا في الكتاب العزيز هل يصح عند أصحابنا أنّه نقص منه شيء أو زيد فيه أو غيّر ترتيبه أو لم يصح عندهم شيء من ذلك ؟ أفدنا أفادك الله من فضله ، وعاملك بما هو من أهله » فأجاب :
« الحق أنه لا تبديل ولا تأخير ولا تقديم فيه ، وأنّه لم يزد ولم ينقص ، ونعوذ بالله تعالى من أن يعتقد مثل ذلك وأمثال ذلك ، فإنه يوجب التطرق إلى معجزة الرسول عليه وآله السّلام المنقولة بالتواتر » (2) .
وسنذكر عبارته في ( نهاية الوصول ) أيضاً .
* ويقول الشيخ زين الدين البياضي العاملي المتوفى سنة 877 :
« علم بالضرورة تواتر القرآن بجملته وتفاصيله ، وكان التشديد في حفظه أتم ، حتى نازعوا في أسماء السّور والتفسيرات . وإنما اشتغل الأكثر عن حفظه بالتفكر في معانيه وأحكامه ، ولو زيد فيه أو نقص لعلمه كلّ عاقل وإن لم يحفظه ، لمخالفة فصاحته وأسلوبه » (3) .
* وألّف الشيخ علي بن عبدالعالي الكركي العاملي ، الملقّب بالمحقّق الثاني ـ المتوفّى سنة 940 ـ رسالة في نفي النقيصة في القرآن الكريم ، أورد السيد محسن الأعرجي البغدادي في كتابه ( شرح الوافية في علم الأصول ) كثيراً من عباراته
____________
(1) سعد السعود : 267 .
(2) أجوبة المسائل المهناوية : 121 .
(3) الصراط المستقيم 1 : 45 .

( 22 )

فيها .
واعترض في الرسالة على نفسه بما يدلّ على النقيصة من أخبار فأجاب : « بأنّ الحديث إذا جاء على خلاف الدليل والسنّة المتواترة أو الإجماع ، ولم يكن تأويله ولا حمله على بعض الوجوه ، وجب طرحه » (1) .
* وبه صرّح الشيخ فتح الله الكاشاني ـ المتوفّى سنة 988 ـ في مقدمة تفسيره « منهج الصادقين » ، وبتفسير الآية ( وإنّا له لحافظون ) .
* وهو صريح السيد نور الله التستري ، المعروف بالقاضي الشهيد ـ المستشهد سنة 1019 ـ في كتابه ( مصائب النواصب ) في الإمامة والكلام حيث قال : « ما نسب إلى الشيعة الامامية من القول بوقوع التغيير في القرآن ليس ممّا قال به جمهور الإماميّة ، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم » .
* ويقول الشيخ محمد بن الحسين ، الشهير ببهاء الدين العاملي ـ المتوفّى سنة 1030 ـ : « الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك ، زيادة كان أو نقصاناً ، ويدلّ عليه قوله تعالى : ( وإنّا له لحافظون ) . وما اشتهر بين الناس من إسقاط اسم أمير المؤمنين عليه السّلام منه في بعض المواضع مثل قوله تعالى : ( يا أيّها الرسول بلّغ ما انزل إليك ـ في علي ـ ) وغير ذلك فهو غير معتبر عند العلماء » (2) .
* ويقول العلاّمة التوني ـ المتوفّى سنة 1071 ـ صاحب كتاب ( الوافية في الاصول ) : « والمشهور أنّه محفوظ ومضبوط كما انزل ، لم يتبّدل ولم يتغيّر ، حفظه
____________
(1) مباحث في علوم القرآن ـ مخطوط .
(2) آلاء الرحمن : 26 .

( 23 )

الحكيم الخبير ، قال الله تعالى : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) » (1) .
* ويقول الشيخ محمد محسن الشهير بالفيض الكاشاني ـ المتوفّى سنة 1019 ـ بعد الحديث عن البزنطي ، قال : دفع إليّ أبو الحسن عليه السّلام مصحفاً وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : ( لم يكن الّذين كفروا ... ) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً ...
قال : « لعلّ المراد أنّه وجد تلك الأسماء مكتوبة في ذلك المصحف تفسيراً للّذين كفروا والمشركين مأخوذة من الوحي ، لا أنّها كانت من أجزاء القرآن ، وعليه يحمل ما في الخبرين السابقين ...
وكذلك كلّ ما ورد من هذا القبيل عنهم عليهم السّلام ، فإنّه كلّه محمول على ما قلناه ، لأنّه لو كان تطرّق التحريف والتغيير في ألفاظ القرآن لم يبق لنا اعتماد على شيء منه ، إذا على هذا يحتمل كل آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، وتكون على خلاف ما أنزله الله ، فلا يكون القرآن حجّة لنا ، وتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وعرض الأخبار المتعارضة عليه » .
ثم استشهد ـ رحمة الله تعالى ـ بكلام الشيخ الصدوق المتقدّم ، وبعض الأخبار (2) .
وقال بتفسير قوله تعالى : ( وإنّا له لحافظون ) : « من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان » (3) .
* ويقول الشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ـ المتوفّى سنة 1104 ـ ما
____________
(1) الوافية في الاصول : 148 .
(2) الوافي 1 : 273 ـ 274 .
(3) الأصفى في تفسير القرآن : 348 .

( 24 )

تعريبه : « إنّ من تتبّع الأخبار وتفحّص التواريخ والآثار علم ـ علماً قطعيّاً ـ بأنّ القرآن قد بلغ أعلى درجات التواتر ، وأنّ آلاف الصحابة كانوا يحفطونه ويتلونه ، وأنّه كان على عهد رسول الله عليه وآله وسلّم مجموعاً مؤلّفاً » (1) .
* وأورد الشيخ محمد باقر المجلسي ـ المتوفّى سنة 1111 ـ بعد أن أخرج الأحاديث الدالّة على نقصان القرآن كلاماً للشيخ المفيد هذا نصه : « فإن قال قائل : كيف يصحّ القول بأن الذي بين الدفّتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة ولا نقصان وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السّلام أنّهم قرأوا : كنتم خير أئمّة أخرجت للناس ، وكذلك : جعلناكم أئمّة وسطاً ، وقرأوا : ويسئلونك الأنفال ، وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس ؟ .
قيل له : قد مضى الجواب عن هذه ، وهو : إنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها ، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر على ما امرنا به حسب ما بيّناه .
مع أنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلتين ، أحدهما ، ما تضمّنه المصحف ، والثاني : ما جاء به الخبر ، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على وجوه شتى ... » (2) .
* وهو ظاهر كلام السيد علي بن معصوم المدني الشيرازي ـ المتوفّى سنة 1118 ـ في « شرح الصحيفة السجادية » فليراجع (3) .
* وإليه ذهب السيد أبو القاسم جعفر الموسوي الخونساري ـ المتوفّى سنة
____________
(1) انظر : الفصول المهمة في تأليف الامّة : 166 .
(2) بحار الأنوار 89 : 75 .
(3) رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد العابدين ، الروضة 42 .

( 25 )

1157 ـ في كتاب ( مناهج المعارف ) فليراجع .
* وقال السيد محمد مهدي الطباطبائي ، الملقّب ببحر العلوم ـ المتوفّى سنة 1212 ـ ما نصّه : « الكتاب هو القرآن الكريم والفرقان العظيم والضياء والنور والمعجز الباقي على مرّ الدهور ، وهو الحقّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من لدن حكيم حميد ، أنزله بلسان عربيّ مبين هدىً للمتقين وبياناً للعالمين ... ـ ثم ذكر روايتي : القرآن أربعة أرباع ، و: القرآن ثلاثة أثلاث ، الآتيتين ، وقال ـ والوجه حمل الأثلاث والأرباع على مطلق الأقسام والأنواع وإن اختلف في المقدار ... » (1) .
* وقال الشيخ الأكبر الشيخ جعفر ، المعروف بكاشف الغطاء ـ المتوفّى سنة 1228 ـ ما نصّه : « لا ريب في أنّ القرآن محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيان ، كما دلّ عليه صريح الفرقان وإجماع العلماء في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر ، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها ، ولا سيّما ما فيه نقص ثلث القرآن أو كثير منه ، فإنه لو كان كذلك لتواتر نقله ، لتوفّر الدواعي عليه ، ولاتّخذه غير أهل الإسلام من أعظم المطاعن على الإسلام وأهله ، ثم كيف يكون ذلك وكانوا شديدي المحافظة على ضبط آياته وحروفه ؟ ... فلابد من تأويلها بأحد وجوه » ... (2) .
* وقال السيد محسن الأعرجي الكاظمي ـ المتوفّى سنة 1228 ـ ما ملخّصه :
« وإنّما الكلام في النقيصة ، وبالجملة ، فالخلاف إنّما يعرف صريحاً من علي
____________
(1) الفوائد في علم الاصول ، مبحث حجية الكتاب ـ مخطوط .
(2) كشف الغطاء في الفقه ، كتاب القرآن ، 299 .

( 26 )

ابن إبراهيم في تفسيره ، وتبعه على ذلك بعض المتأخرين تمسّكاً بأخبار آحاد رواها المحدّثون على غرّها ، كما رووا أخبار الجبر والتفويض والسهو والبقاء على الجناية ونحو ذلك » .
ثمّ ذكر أنّ القوم إنّما ردّوا مصحف علي عليه السّلام « لما اشتمل عليه من التأويل والتفسير ، وقد كان عادة منهم أن يكتبوا التأويل مع التنزيل ، والذي يدلّ على ذلك قوله عليه السّلام في جواب الثاني : ولقد جئت بالكتاب كملاً مشتملاُ على التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ . فإنّه صريح في أنً الذي جاءهم به ليس تنزيلاً كلّه » (1) .
* وقال السيد محمد الطباطبائي ـ المتوفّى سنة 1242 ـ ما ملخّصه : « لا خلاف أنّ كل ما هو من القرآن يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه ، وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه ، فكذلك عند محقّقي أهل السنّة ، للقطع بأنّ العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله ، لأنّ هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم والصراط المستقيم ممّا توفّر الدواعي على نقل جمله وتفاصيله ، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يقطع بأنّه ليس من القرآن قطعاً » (2) .
* وقال الشيخ إبراهيم الكلباسي الأصبهاني ـ المتوفّى سنة 1262 : « ...إن النقصان في الكتاب مما لا أصل له » (3) .
* وصرّح السيد محمد الشهشهاني ـ المتوفىّ سنة 1289 ـ بعدم تحريف القرآن الكريم في بحث القرآن من كتابه ( العروة الوثقى ) ونسب ذلك إلى جمهور
____________
(1) شرح الوافية في علم الاصول ـ مخطوط .
(2) مفاتيح الأصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب .
(3) إشارات الأصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب .

( 27 )

المجتهدين (1) .
* وصرّح السيد حسين الكوه كمري ـ المتوفّى سنة 1299 ـ بعدم تحريف القرآن ، واستدلّ على ذلك بامور نلخّصها فيما يلي :
1 ـ الأصل ، لكون التحريف حادثاً مشكوكاً فيه .
2 ـ الإجماع .
3 ـ مناقاة التحريف لكون القرآن معجزة .
4 ـ قوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) .
5 ـ أخبار الثقلين .
6 ـ الاخبار الناطقة بالأمر بالأخذ بهذا القرآن (2) .
* وإليه ذهب الشيخ موسى التبريزي ـ المتوفّى سنة 1307 ـ في ( شرح الرسائل في علم الاصول ) واستدل له بوجوه ، ثم ذكر وجوهاً لتأويل ما دلّ بظاهره على الخلاف .
* وأثبت عدم التحريف بالأدلّة الوافية السيد محمد حسين الشهرستاني الحائري ـ المتوفّى سنة 1315 ـ في رسالة اسمها ( رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف ) (3) .
* وقال الشيخ محمد حسن الآشتياني ـ المتوفّى سنة 1319 ـ : « المشهور بين المجتهدين والاصوليّين ـ بل أكثر المحدّثين ـ عدم وقوع التغيير مطلقاً ، بل ادّعى غير واحد الإجماع على ذلك » (4) .
____________
(1) انظر : البيان في تفسير القرآن : 200 .
(2) انظر : بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب .
(3) المعارف الجلية للسيد عبدالرضا الشهرستاني 1 : 21 .
(4) بحر الفوائد في حاشية الفرائد في الاصول ، مبحث حجية ظواهر الكتاب : 99 .

( 28 )

* وإليه ذهب الشيخ محمد حسن بن عبدالله المامقاني النجفي المتوفّى سنة 1323 ـ في كتابه ( بشرى الوصول إلى أسرار علم الاصول ) .
* وقال الشيخ عبدالله ابن الشيخ محمد حسن المامقاني ـ المتوفّى سنة 1351 ـ بترجمة ( الربيع بن خثيم ) بعد كلام له : « فتحصّل من ذلك كلّه أنّ ما صدر من المحدّث النوري رحمة الله من رمي الرجل بضعف الإيمان ونقص العقل جرأة عظيمة كجرأته على الإصرار على تحريف كتاب الله المجيد ... » (1) .
* وقال الشيخ محمد جواد البلاغي ـ المتوفّى سنة 1352 ـ ما نصّه : « ولئن سمعت من الروايات الشاذّة شيئاً في تحريف القرآن وضياع بعضه ، فلا تقم لتلك الروايات وزناً ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين ، وفيما جاءت به في رواياتها الواهية من الوهية من الوهن وما ألصقته بكرامة القرآن مما ليس له شبه به ... » (2) .
فهذه طائفة من كلمات أعلام الإمامية ـ في القرون المختلفة ـ الصريحة في نفي التحريف عن القرآن الشريف ...
وهو رأي آخرين منهم :
* كالشريف الرضي ـ المتوفّى سنة 406 .
* والشيخ ابن إدريس صاحب « السرائر في الفقه » ، المتوفّى سنة 598 .
* والفاضل الجواد ، من علماء القرن الحادي عشر ، في « شرح الزبدة في الاصول » .
* والشيخ أبي الحسن الخنيزي ، صاحب « الدعوة الإسلامية » المتوفّى
____________
(1) تنقيح المقال 1 : 426 .
(2) آلاء الرحمن في تفسير القرآن : 18 .

( 29 )

سنة 1363 .
* والشيخ محمد النهاوندي ، صاحب التفسير ، المتوفّى 1371 .
* والسيد محسن الأمين العاملي ، المتوفى سنة 1371 ، في كتابه « الشيعة والمنار » .
* والشيخ عبدالحسين الرشتي النجفي ، المتوفّى سنة 1373 ، في « كشف الإشتباه في مسائل جارالله » .
* والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، المتوفى سنة 1373 ، في « أصل الشيعة واصولها » .
* والسيد محمّد الكوه كمري المعروف بالحجّة ، التوفّى سنة 1372 في فتوىً له .
* والسيد عبدالحسين شرف الدين العاملي ، المتوفّى سنة 1381 ، في « أجوبة مسائل جار الله » .
* والشيخ آغا بزرك الطهراني ، المتوفّى سنة 1389 ، في رسالته «تفنيد قول العوام بقدم الكلام » .
* وسيدنا الجدّ السيد محمد هادي الميلاني ، المتوفّى سنة 1395 ، في فتوىً له .
* والسيد محمد حسين طباطبائي ، المتوفّى سنة 1402 ، في تفسيره الشهير « الميزان في تفسير القرآن » .
* والسيّد روح الله الموسوي الخميني ـ قائد الثورة الإسلاميّة ـ في بحثه الاصولي « تهذيب الاصول » في مبحث حجّية ظواهر القرآن .
* والسيد أبوالقاسم الخوئي في كتابه « البيان في تفسير القرآن » حيث


( 30 )

بحث عن هذا الموضوع من جيمع جانبه وشيّد أركانه .
* وسيدنا الاستاذ السيد محمد رضا الگلپايگاني في فتوىً له .
* والسيد شهاب الدين النجفي المرعشي في فتوىً له .
ولو أردنا أن ننقل كلمات هؤلاء الأعاظم من علماء الشيعة في هذا المضمار لطال بنا المقام ، فمثلاً يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء :
« وإنّ الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي ولتعليم الأحكام وتمييز الحلال من الحرام ، وإنّه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم .
ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى موجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ يردّه نصّ الكتاب العظيم ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) .
والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصه أو تحريفه ضعيفة شاذّة ، وأخبار آحاد لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإمّا أن تؤوّل بنحو من الإعتبار أو يضرب بها الجدار » (1) .
ويقول السيد شرف الدين : « المسألة الرابعة : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ...
فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السّلام لا يرتاب في ذلك إلاّ
____________
(1) أصل الشيعة وأًصولها 101 ـ 102 ، ط 15 .
( 31 )

معتوه ، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن الله تعالى ، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه .
وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح ـ المخالفة للقرآن ـ عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمّتهم عليهم السّلام .
وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير .
وصلاة الإماميّة بمجرّدها دليل على ذلك ، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الاولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور ، ولا يجوز عندهم التبعيض فيها ولا القران بين سورتين على الأحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول ، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل .
أجل ، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة ، ومؤلّفاً على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وتلوه عليه من أوّله إلى آخره ، وكان جبرائيل عليه السّلام يعارضه صلّى الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين ، وهذا كلّه من الامور


( 32 )

الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجامدين منهم ، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السنّة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لا يفقهون .
نعم ، لا تخلو كتب الشيعة وكتب السنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً ، وهذه لا تقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط » (1) .
وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه :
« بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وسلام على عباده الّذين اصطفى ، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم ، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في ألفاظه ، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة ، لا تغيير ألفاظه وعباراته .
وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية ، بل إنّ تلك الآيات السور المزعومة ـ كالسورتين اللتين رواهما في ( الإتقان ) أو تلك السورة التي رويت في ( دبستان المذاهب ) ، وكذا ما جاء في غيرهما من الكتاب ـ هي وحدها تكشف عن حقيقتها ، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلفة باطلة .
هذا ، على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة ، والقول بنقصانه ـ كما توهّمه بعضهم ـ لا
____________
(1) أجوبة مسائل جار الله : 28 ـ 37 ، وانظر له : الفصول المهمة .
( 33 )

يمكن الركون إليه ، لا سيمّا بعد الإلتفات إلى قوله تعالى ( إنّ علينا جمعه وقرآنه ) وقوله تعالى ( وإنّا له لحافظون ) وقول تعالى ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) إلى غيرها من الآيات .
وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطبرسي ، وهم جميعاً يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب ( الإعتقادات ) الذي ألّفه قبل أكثر من ألف سنة حيث قال : إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ـ إلى أن قال ـ ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب .
والحاصل : إنّ من تأمّل في الآدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع بأنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال .
ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً » .
والسيد أبو القاسم الخوئي بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإماميّة قال : « والحقّ بعد هذا كلّه ، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية ... » (1) ثم بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسنّة وغيرهما .
وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في « أنّ القرآن مصون عن
____________
(1) البيان في تفسير القرآن : 207 .
( 34 )

التحريف » في فصول ، أورده في تفسيره القيّم ، في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ) (1) .
____________
(1) الميزان في تفسير القرآن 12 : 106 .