ولكنّ الواقع أنّ اولئك وهؤلاء لم يكونوا موفّقين كلّ التوفيق في عملهم ذاك ، ولم يكونوا معصومين من الخطأ ، بل لم يكن بعضهم مخلصاً في قيامة بتلك المهمّة ، إذ لم تخل الكتب التي وضعوها لجمع « الموضوعات » من الأحاديث الصحيحة ، كما لم تسلم الكتب التي سمّوها بـ « الصحاح » من الأحاديث الموضوعة . هذا حال الأحاديث لدى أهل السنّة باختصار .
وكذا الحال في أحاديث الإماميّة ، فما أكثر الأحاديث المدسوسة في كتبهم من قبل المخالفين وأصحاب المذاهب والآراء الفاسدة ، ولقد كان قد زمن كل إمام من الأئمة عليهم الصلاة والسلام من يضع الأحاديث عن لسانه وينسبها إليه ، وينشرها بي الشيعة ، ويضعها في متناول أيدي رواتهم ، حتى تسرّبت إلى مجاميعهم الحديثيّة .
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال : « إنّ لكلّ رجل منّا رجل يكذب عليه » (1) .
وقال : « إنا أهل البيت صادقون ، لا تحلو من كذّابٍ يكذب علينا » (2) .
وقال : « لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن ولسنة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدّمة ، فإن المغيرة بن سعيد دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث ... » (3) .
ولذا ، فإنّهم عليه السلام جعلوا الكتاب والسنة ميزاناً لأحدايثهم بعرض عليهما ما روي عنهم فما وافقهما اخذ به ، وما خالفهما ردّ على صاحبه .
____________
(1) المعتبر في شرح المختصر للمحقّق الحلّي : 2 .
(2) رجال الكشي : 593 .
(3) رجال الكشي : ترجمة المغيرة بن سعيد .

( 107 )

فالذي نريد أن نقوله هنا هو : إنّ إحتمال الدسّ والتزوير يدفع حجّيه كلّ خبر ، ويمنع من الإعتماد عليه ، ويفسد إعتباره « حتى ما كان منها صحيح الإسناد ، فإنّ صحّة السند وعدالة رجال الطريق انّما يدفع تعمّدهم الكذب دون دسّ غيرهم في أصولهم وجوامعهم ما لم يرووه » (1) .
وإذ انتهينا ممّا مهّدناه تقول : إنّ الذي أنتجه بحثنا الطويل وفحصنا الدقيق في كتب الشيعة الإمامية هو : أنّ المعروف والمشهور بينهم هو القول بعدم تحريف الكتاب ، فإنّه رأي أعلام هذه الطائفة ، منذ أكثر من ألف سنة حتى يومنا الحاضر ، بين مصرّخ بذلك ومؤلّف فيه ومؤوّل لما ينافيه بظاهره ، بل هو رأي من كتب في الإمامة ولم يتعرّض للتحريف .
نكات في كلام الشيخ الصّدوق
وإنّ من أهمّ الكلمات في هذا الباب قولاً وقائلاً كلمة الشيخ محمد بن علي ابن بايوية الملقّب بالصدوق المتوفّى سنة ( 381 ) المتقدّمة في ( الفصل الأول ) وذلك :
أولاً : لقرب عهده بزمن الأئمة عليهم السّلام وأصحابهم ، فلو كان الأئمة وتلامذتهم قائلين بالتحريف لما قال ذلك .
وثانياً : لكونه من علماء الحديث بل رئيس المحدّثين ، فلو كانت الأحاديث الظاهرة في التحريف مقبولة لدى الطائفة لما قال ذلك .
وثالثاً : لأنّها كلمة صريحة وقاطعة جاءت في رسالة اعتقادية كتبها على ضوء الأدلّة المتينة من الكتاب والسنّة ، في حال أنّه بنفسه يروي بعض أخبار
____________
(1) الميزان في تفسير القرآن 12 : 115 .
( 108 )

التحريف في كتبه الحديثيّة مثل ( ثواب الأعمال ) و ( عقاب الأعمال ) .
ورابعاً : لموافقة الأعلام المتأخرين عنه إيّاه في هذا الإعتقاد ، لا سيمّا الشيخ المفيد الذي كتب شرحاً على عقائد الصدوق وخالفة في كثير من المسائل .
ذكر من وافقه من الأعلام
وكيف ينسب إلى الشيعة قول يتّفق على خلافة :
أبو جعفر الصدوق (381) .
والشريف الرضي (406) .
والمفيد البغدادي (413) .
والشريف المرتضى (436) .
وأبو جعفر الطوسي (460) .
وأبو علي الطبرسي (548) .
وابن شهر آشوب (588) .
وابن إدريس الحلّي (598) .
والعلاّمة الحلّي (726) .
والزين البياضي (877) .
والمحقّق الكركي (940) .
والشيخ فتح الله الكاشاني (988) .
والشيخ بهاء الدين العاملي (1030) .
والعلاّمة التوني (1071) .
والفاضل الجواد . ( من أعلام القرن الحادي عشر ) .


( 109 )

والسيد نور الله التستري (1019) .
والفيض الكاشاني (1094) .
والشيخ الحر العاملي (1104) .
والشيخ محمد باقر المجلسي (1111) .
والسيد علي خان المدني (1118) .
والسيد الموسوي الخونساري (1157) .
والسيد بحر العلوم (1212) .
والشيخ كاشف الغطاء (1228) .
والسيد الأعرجي الكاظمي ، شارح الوافية (1228) .
والسيد محمد الطباطبائي (1242) .
والكرباسي ، صاحب الإشارات (1262) .
والسيد حسين التبريزي (1299) .
والسيد مهدي صاحب منهاج الشريعة في الرد على ابن تيميّة (1300) ؟
وإليه ذهب المتأخرين أمثال :
المحقّق التبريزي صاحب « أوثق الوسائل في شرح الرسائل » .
والسيد محمد حسين الشهرستاني صاحب « رسالة في حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف » .
والشيخ محمد النهاوندي الخراساني صاحب التفسير .
والشيخ محمد حسن الآشتياني صاحب حاشية الرسائل .
والشيخ محمود بن أبي القاسم صاحب « كشف الإرتياب في عدم تحريف الكتاب » .


( 110 )

والسيد محمد الشهشهاني صاحب « العروة الوثقى » .
والشيخ محمد حسن المامقاني صاحب « بشرى الوصول » .
والشيخ عبدالله المالقاني صاحب « تنتيح المقال » .
والشيخ أبي الحسن الخنيزي صاحب « الدعوة الإسلامية إلى وحدة أهل السنة والإمامية » .
والشيخ محمد جواد البلاغي صاحب «آلاء الرحمن في تفسير القرآن » .
والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء صاحب « أصل الشيعة واصولها » .
والشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي صاحب « كشف الإشتباه في الرد على موسى جارالله » .
والسيد محسن الأمين العاملي صاحب « نقض الوشيعة في الرد على موسى جار الله » .
والسيد عبد الحسين شرف الدين صاحب «أجوبة مسائل جار الله » .
والشيخ عبد الحسين الأميني صاحب « الغدير » .
والشيخ آقا بزرك الطهراني صاحب « تفنيد قول العوام » .
والسيد هبة الدين الشهرستاني صاحب « تنزيه التنزيل » .
والسيد محمد هادي الميلاني جدّنا الراحل في فتوى له .
والشيخ محمد علي الاوردبادي الغروي صاحب « بحوث في علوم القرآن » .
والشيخ أبي الحسن الشعراني صاحب « الحاشية على الوافي » .
والشيخ محمد رضا المظفر صاحب « عقائد الإمامية » .
والسيد محمد حسين الطباطبائي صاحب « الميزان في تفسير القرآن » .


( 111 )

والسيد روح الله الخميني كما في « تهذيب الاصول » .
والسيد أبي القاسم الخوئي صاحب « البيان في تفسير القرآن » .
المحدّثون وأخبار التحريف
نعم ، هناك في بعض الكلمات نسبته إلى « المحدّثين » من علماء الشيعة ، وقد بذلنا الجهد في التحقيق حول مدى صحة هذه النسبة ، وراجعنا ما توفّر لدينا من الكتب والكلمات بإمعان وإنصاف ، فلم نجد دليلاً على ذلك ولا وجهاً مبرّراً له ، بل هو حدس وتخمين أو ذهول عن الواقع إن لم يكن تعصّب .
والتحقيق : إنّ « المحدّثين » من الشيعة الإمامية الرواة لأخبار التحريف على ثلاث طوائف :
فطائفة يروون من الأخبار الظاهرة في التحريف في كتبهم الحديثية ولا يعتقدون بمضامينها ، بل يؤولونها أو يجمعون بينها وبين ما يدلّ على النفي ببعض الوجوه ، ومنهم من ينصّ على اعتقاده ، بخلافها أو بما يستلزم هذا الاعتقاد ، وعلى رأسهم الشيخ الصدوق .
وطائفة يروونها ولا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم إلاّ أنّهم يروونها ، وعلى رأسهم الشيخ الكليني ، إن لم نقل بأنّه من الطائفة الاولى .
وطائفة يروونها وينصّون على اعتقادهم بمداليها وإيمانهم بمضامينها ، وعلى رأسهم الشيخ علي بن إبراهيم القمي ، إن تمت النسبة إليه .
وبهذا يتبيّن أنّه لا يجوز نسبة القول بالتحريف إلاّ إلى هذه الطائفة الثالثة من « المحدّثين » من الإمامية ، وقد وافقهم من شذّ من « الاصوليين » على تفصيل ، وهو الشيخ النواقي .


( 112 )

فهذا مجمل ما توصّلنا إليه واعتقدنا به ، وإليك تفصيله وإقامة البرهان عليه :
1 ـ الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفّي سنة 381 .
ترجمة الشيخ الصّدوق
وقد أجمعت الطائفة على تقدّمه وجلالته ، ووصفه الشيخ أبو العباس النجاشي بـ « شيخنا وفقيهنا ، وجه الطائفة بخراسان ، وكان ورد بغداد وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن » (1) وعنونه الشيخ الطوسي قائلاً : « كان جليلاً حافظاً للأحاديث ، بصيراً بالرجال ، ناقداً للأخبار ، لم يرفي القمّيين مثله في حفظه وكثرة علمه » (2) وذكره شيخنا الجدّ الماقاني بقوله : « شيخ من مشايخ الشيعة وركن من أركان الشريعة ، رئيس المحدّثين ، والصدوق فيما يرويه عن الأئمة عليهم السّلام » (3) .
ولد بدعاء الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه ، كما نصّ عليه أعلام الطائفة « وصدر في حقه من الناحية المقدّسة بأنه فقيه خير مبارك ، فعمّت بركته ببركة الإمام عليه السّلام وانتفع به الخاصّ والعام ، وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام ، وعمّ الإنتفاع بفقهه وحديثه الفقهاء الأعلام » (4) .
____________
(1) رجال النجاشي : 276 .
(2) فهرست الطوسي : 184 .
(3) تنقيح المقال 3 : 154 .
(4) تنقيح المقال 3 : 154 .

( 113 )

رحل في طلب العلم ونشره إلى البلاد القريبة والبعيدة كبلاد خراسان وما وراء النهر والعراق والحجاز ، وألّف نحواً من ثلاثمائة كتاب .
عبارته في اعتقاداته
وأحد هذه المصنّفات ( كتاب الإعتقادات ) ، الذي قال فيه بكلّ وضوح وصراحة : « إعتقادنا في القرآن أنه كلام الله ووحيه وتنزيله وقوله وكتابه ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم ، وأنّه القصص الحقّ ، وأنّه لقول فصل وما هو بالهزل ، وأنّ الله تبارك وتعالى محدثه ومنزله وربّه وحافظه والمتكلّم به .
إعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ، وعندنا أنّ ( الضحى ) و ( ألم نشرح ) سورة واحدة ، و ( لايلاف ) و ( ألم تركيف ) سورة واحدة » (1) .
يعني رحمة الله : إن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه ، أي : أن كل ما أوحي إليه بعنوان « القرآن » هو « ما بين الدفّتين » لا أنّ هذا الموجود « ما بين الدفّتين » بعضه ، وهو ما في أيدي الناس ، فما ضاع عنهم شيء منه ، فالقرآن عند الشيعة وسائر « الناس » واحد ، غير أنّ القرآن الموجود عند المهدي عليه السّلام ـ وهو ما كتبه علي عليه السلام ـ يشتمل على علم كثير .
ثم يقول : « ومن نسب إلينا أنّا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب » (2) .
____________
(1) الإعتقادات ـ مطبوع مع النافع يوم الحشر ، للمقداد السيوري ـ : 92 .
(2) الإعتقادات : 93 .

( 114 )

ومنه يظهر أنّ هذه النسبة « إلينا » أي : إلى الطائفة الشيعية قديمة جدّاً ، وأنّ ما تلهج به أفواه بعض المعاصرين من الكتّاب المأجورين أو القاصرين ليس بجديد ، فهو « كاذب » وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
إذن ، يحرم نسبة هذا القول إلى « الطائفة » سواء كان الناسب منها أو من غيرها .
ثم قال رحمة الله : «وما روي من ثواب قراءة كل سورة من القرآن ، وثواب من ختم القرآن كلّه ، وجواز قراءة سورتين في ركعة نافلة ، والنهي عن القران بين السورتين في ركعة فريضة ، تصديق لما قلناه في أمر القرآن ، وأن مبلغه ما في أيدي الناس ، وكذلك ما ورد من النهي عن قراءة كلّه في ليلة واحدة وأن لا يجوز أن يختم في أقل من ثلاثة أيام ، تصديق لما قلناه أيضاً ، بل نقوى أنّه قد نزل الوحي الذي ليس بقرآن ، ما لو جمع إلى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية ، ومثل هذا كثير ، وكلّه وحي وليس بقرآن . ولو كان قرآناً لكان مقروناً به وموصولاً إليه غير مفصول عنه ، كما كان أمير المؤمنين جمعه فلما جاء به قال : هذا كتاب ربكم كما انزل على نبيّكم لم يزد فيه حرف ولا ينقص منه حرف ، فقالوا : لا حاجة لنا فيه ، عندنا مثل الذي عندك ، فانصرف وهو يقول : ( فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون ) (1) » (2) .
ومع هذا كلّه نرى الشيخ الصدوق يروي في بعض كتبه مثل ( ثواب الأعمال ) ما هو ظاهر في التحريف ، بل يروي في كتابه ( من لا يحضره الفقيه ) الذي يعدّ أحد الكتب الحديثية الأربعة التي عليها مدار البحوث في الأوساط
____________
(1) سورة آل عمران : 187 .
(2) الإعتقادات : 93 .

( 115 )

العلمية واستنباط الأحكام الشرعية في جميع الأعصار ، وقال في مقدّمته : « لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما افتي به وأحكم بصحّته وأعتقد فيه أنه حجة فيما بيني وبين ربي » من ذلك ما لا يقبله ولا يفتي به أحد من الطائفة ، وهو ما رواه عن سليمان بن خالد ، قال : « قلت لأبي عبدالله عليه السلام : في القرآن رجم ؟ قال : نعم ، قلت : كيف ؟ قال : الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة » (1) .
ورواه الشيخان الكليني والطوسي أيضاً عن عبدالله بن سنان بسند صحيح بحسب الإصطلاح ، كما ستعرف .
والخبران يدلان على ثبوت الرجم على الشيخ والشيخة مع عدم الإحصان أيضاً ، ولا قائل بذلك منا كما في ( مباني تكملة المنهاج ) الذي أجاب عن الخبرين قائلاً : « ولا شك في أنهما وردا مورد التقية ، فإن الأصل في هذا الكلام هو عمر بن الخطاب .
فإنّه ادّعى أن الرجم مذكور في القرآن وقد وردت آية بذلك ، وقد تعرّضنا لذلك في كتابنا ( البيان ) في البحث حول التحريف وأن القرآن لم يقع فيه تحريف » (2) .
ولهذا ونظائره أعضل الأمر على العلماء حتى حكى في ( المستمسك ) (3) عن بعض العلماء الكبار أنه قال بعدول الصدوق في أثناء الكتاب عما ذكره في أوله ، وأشكل عليه بأنه لو كان كذلك لنوّه به من حيث عدل ، وإلاّ لزم التدليس ولا
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 4 : 26 .
(2) مباني تكملة المنهاج 1 : 196 ، وسيأتي البحث حول هذه الآية المزعومة في الباب الثاني ( السنّة والتحريف ) بالتفضيل فانتظر .
(3) مستمسك العروة الوثقى 1 : 303 حكاه عن المجلسي رحمة الله .

( 116 )

يليق بشأنه ، وللتفصيل في هذا الموضوع مجال آخر .
وكيف كان ، فإنّ كلام الشيخ الصدوق رحمة الله في ( الإعتقادات ) مع العلم بروايته لأخبار التحريف في كتبه وحتى في ( من لا يحضره الفقيه ) لخير مانع من التسرع في نسبة قولٍ أو عقيدةٍ إلى شخصٍ أن طائفةٍ مطلقاً ، بل لابدّ من التثبّت والتحقيق حتى حصول الجزم واليقين .
كما أن موقفه الحازم من القول بالتحريف ونفيه القاطع له ـ مع العلم بما ذكر ـ لخير دليل على صحة ما ذهبنا إليه فيما مهّدناه وقدّمناه قبل الورود في البحث حول معرفة آراء الرواة لأخبار تحريف القرآن ، وستظهر قيمة تلك الامور الممهدة وثمرتها ـ لا سيما بعد تشييدها بما ذكرناه حول رأي الشيخ الصدوق ـ في البحث حول رأي الطائفة الثالثة وعلى رأسهم الشيخ الكليني .
ترجمة الشيخ الطوسي
2 ـ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى سنة 460 .
قال عنه العلاّمة الحلّي في ( الخلاصة ) : « شيخ الإمامية ، ورئيس الطائفة ، جليل القدر ، عظيم المنزلة ، ثقة ، عين ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والاصول والكلام والأدب ، وجميع الفضائل تنسب إليه ، صنّف في كلّ فنون الإسلام ، وهو المهذّب للعقائد في الاصول والفروع ، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل » (1) . وقال السيد بحر العلوم في ( رجاله ) : « شيخ الطائفة الحقة ، ورافع أعلام الشريعة الحقة ، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين عليهم السلام ،
____________
(1) خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال : 148 .
( 117 )

وعماد الشيعة الإمامية في كلّ ما يتعلق بالمذهب والدين ، محقّق الاصول والفروع ، ومهذّب فنون المعقول والمسموع ، شيخ الطائفة على الإطلاق ، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق ، صنّف في جميع علوم الإسلام ، وكان القدوة في ذلك والإمام » (1) .
نفيه للتحريف مع روايته له :
فإنّه ـ رحمة الله ـ مؤلّف كتابين من « الكتب الأربعة » وهو من أكبر أساطين الإمامية النافين لتحريف القرآن الشريف حيث يقول : « أمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمها لا يليق به ، لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، وأمّا النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات ، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجد علماً ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها » (2) .
فالكلام في نقصان القرآن مما لا يليق بالقرآن ، فيجب تنزيهه عنه .
والقول بعدم النقصان هو الأليق بالصحيح من مذهبنا .
وما روي في نقصانه آحاد لا توجب علماً ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها .
وهذه الكلمات تؤكد ما ذكرناه من أن الرواية شيء والأخذ بها شيء آخر ،
____________
(1) الفوائد الرجالية 3 : 227 .
(2) التبيان في تفسير القرآن للشيخ الطوسي 1 : 3 .

( 118 )

لأن الشيخ الطوسي الذي يقول بأن أخبار النقصان لا توجب علماً فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها ، يروي بعضها في كتابه ( إختيار معرفة الرجال ) (1) بل يروي في ( تهذيب الأحكام ) ـ وهو أحد الكتب الأربعة ـ قضية رجم الشيخ والشيخة بسند صحيح (2) .
أمّا في كتابه ( الخلاف ) فالظاهر أن استدلاله الرّجم من باب الإلزام ، لأنّه ـ بعد أن حكم بوجوب الرجم على الثيب الزانية ـ حكى عن الخوارج أنّهم قالوا : لا رجم في شرعنا ، لأنّه ليس في ظاهر القرآن ولا في السنّة المتواترة ، فأجاب بقوله : « دليلنا إجماع الفرقة ، وروي عن عمر أنه قال : لولا أنني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن لكتبت آية الرجم في حاشية المصحف » (3) .
إذن ، الطوسي ينفي التحريف ، ورواية الحديث ونقله لا يعني الإعتماد عليه والقول بمضمونه والإلتزام بمدلوله .
ترجمة الفيض الكاشاني
3 ـ الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى سنة 1091 .
قال عنه الشيخ الحر العاملي في ( أمل الآمل ) : « كان فاضلاً عالماً ماهراً حكيماً متكلماً محدّثاً محققاً شاعراً أديباً حسن التصنيف » (4) ووصفه الأردبيلي
____________
(1) انظر : الفائدة الثامنة من الفوائد المذكورة في خاتمة الجزء الثالث من تنقيح المقال في علم الرجال ، لمعرفة أن الكتاب المعروف برجال الكشي الموجود الآن هو للشيخ الطوسي .
(2) التهذيب 10 : 3 .
(3) الخلاف 2 : 438 .
(4) أمل الآمل 2 : 305 .

( 119 )

في ( جامع الرواة ) بـ « العلاّمة المحقق المدقق ، جليل القدر عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، فاضل كامل أديب متبحّر في جميع العلوم » (1) وقال المحدّث البحراني في ( لؤلؤة البحرين ) : « كان فاضلاً محدثاً أخبارياً صلباً » (2) وترجم له الخونساري في ( روضات الجنات ) فقال : « وأمره في الفضل والفهم والنبالة في الفروع والاصول والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول وكثرة التأليف والتصنيف مع جودة التعبير والترصيف أشهر من أن يخفى في هذه الطائفة على أحد إلى منتهى الأبد » (3) .
نفيه للتحريف مع روايته له :
وقد روى الفيض الكاشاني أحاديث نقصان القرآن في كتابيه ( الصافي في تفسير القرآن ) و ( الوافي ) عن كتب المحدّثين المتقدّمين كالعياشي والقمي والكليني ، فقال في ( الصافي ) بعد أن نقل وطرفاً منها : «المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السّلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل على محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم » (4) .
لكن هذا المحدّث الأخباري الصّلب ـ كما عبّر الفقيه الأخباري الشيخ يوسف البحراني ـ لم يأخذ بظواهر تلك الأحاديث ولم يسكت عنها ، بل جعل يؤوّلها في كتابيه ـ كما تقدّم نقل بعض كلماته ـ فقال في ( الوافي ) في نهاية البحث :
____________
(1) جامع الرواة 2 : 42 .
(2) لؤلؤة البحرين : 121 .
(3) روضات الجنات : 542 .
(4) الصافي في تفسير القرآن 1 : 44 ط لبنان .

( 120 )

« وقد استوفينا الكلام في هذا المعنى وفيما يتعلق بالقرآن في كتابنا الموسوم بـ ( علم اليقين ) فمن أراده فليرجع إليه » (1) .
وفي هذا الكتاب ذكر أن المستفاد من كثير من الروايات أنّ القرآن بين أظهرنا ليس بتمامه كما انزل ، ثم ذكر كلام الشيخ علي بن إبراهيم ، وروايتي الكليني عن ابن أبي نصر وسالم بن سلمة ، ثم قال : « أقول : يرد على هذا كلّه إشكال وهو أنه على ذلك التقدير لم يبق لنا اعتماد على شيء من القرآن ، إذ على هذا يحتمل كلّ آية منه أن تكون محرّفة ومغيّرة ، ويكون على خلاف ما أنزله الله ، فلم يبق في القرآن لنا حجّة أصلاً ، فتنتفي فائدته وفائدة الأمر باتّباعه والوصية به ، وأيضاً قال الله عزّ وجلّ ( وإنّه لكتاب عزيز ) وأيضاً قال الله عزّ وجلّ : ( إنّا نحن نزّلنا الذكر ) وأيضاً ، قد استفاض عن النبي والأئمة حديث عرض الخبر المروي عنهم على كتاب الله » .
ثمّ قال : « ويخطر بالبال في دفع هذا الإشكال ـ والعلم عنه الله ـ أن مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنما هو من حيث دون اللّفظ أي : حرّفوه وغيروه في تفسيره ، وتأويله ، أي : حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الأمر ، فمعنى قولهم ، كذا انزلت ، أنّ المراد به ذلك لا ما يفهمه الناس من ظاهره ، وليس مرادهم أنها نزلت كذلك في اللّفظ ، فحذف ذلك إخفاءً للحق ، وإطفاءً لنور الله .
ومما يدلّ على هذا ما رواه في الكافي بإسناده عن أبي جعفر أنه كتب في رسالته إلى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده » .
ثمّ أجاب عن الروايتين وقال : « ويزيد ما قلناه تأكيداً ما رواه علي بن
____________
(1) الوافي 2 : 478 .
( 121 )

إبراهيم في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة » .
ثمّ ذكر كلام الشيخ الصدوق في ( الإعتقادات ) بطوله ثم قال : « وأما تأويل أهل البيت أكثر الآيات القرآنية بفضائلهم ومثالب أعدائهم فلا إشكال فيه ، إذ التأويل لا ينافي التفسير ، وإرادة معنى لا تنافي إرادة معنى آخر ، وسبب النزول لا يخصّص » (1) .
ثمّ استشهد لذلك بخبر في الكافي عن الصادق عليه السّلام . ولعلّنا نورد محل الحاجة من عبارته كاملة فيما بعد .
ترجمة العاملي
4 ـ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي ، المتوفى في سنة 1104 .
قال الشيخ يوسف البحراني عنه : « كان عالماً فاضلاَ محدّثاً أخبارياً » (2) . وقال الخونساري « شيخنا الحر العاملي الأخباري ، هو صاحب كتاب وسائل الشيعة ، وأحد المحمّدين الثلاثة المتأخرين الجامعين لأحاديث هذه الشريعة » (3) . وقال المامقاني : « هو من أجلّة المحدّثين ومتّقي الأخباريّين » (4) .
روى بعض أخبار تحريف القرآن في كتابيه ( إثبات الهداة بالنصوص
____________
(1) علم اليقين 1 : 562 ـ 569 .
(2) لؤلؤة البحرين : 76 .
(3) روضات الجنات : 466 .
(4) مقباس الهداية : 120 .

( 122 )

والمعجزات ) و ( وسائل الشيعة ) عن الكتب الأربعة وغيرها .
لكنه ـ رحمه الله ـ من المحدّثين النافين للتحريف بصراحة كما تقدّم في الفصل الأول .
ترجمة المجلسي
5 ـ الشيخ محمد باقر المجلسي ، المثوفّى سنة 1111 .
قال الحرّ العاملي عنه : « مولانا الجليل محمد باقر بن مولانا محمد تقي المجلسي ، عالم ، فاضل ، ماهر ، محقّق ، مدقّق ، علاّمة ، فهّامة ، فقيه ، متكلّم ، محدّث ، ثقة ثقة ، جامع للمحاسن والفضائل ، جليل القدر ، عظيم الشأن » (1) ، وقال البحراني : « العلاّمة الفهّامة ، غوّاص بحار الأنوار ، ومستخرج لآليء الأخبار وكنوز الآثار ، الذي لم يوجد له في عصره ولا قبله ولا بعده قرين في ترويج الدين واحياء شريعة سيد المرسلين ، بالتصنيف والتأليف والأمر والنهي وقمع المعتدين والمخالفين ... وكان إماماً في وقته في علم الحديث وسائر العلوم وشيخ الإسلام بدار السلطنة إصفهان » (2) .
روى المجلسي في كتابه ( بحار الأنوار ) أحاديث نقصان القرآن الكريم عن الكافي للكليني وغيره ، بل لعلّة استقصى كافة أحاديث التحريف بمختلف معانيه .
لكنّنا نعلم بأنّ كتابه ( بحار الأنوار ) على جلالته وعظمته موسوعة قصد منها جمع الأخبار المرويّة عن أهل البيت عليهم السلام وحصرها في كتاب واحد ، صوناً لها من التشتّت والضياع والتبعثر ، ولذا نرى أنّه لم يصنع فيه ما صنع
____________
(1) أمل الآمل 2 : 248 .
(2) لؤلؤة البحرين : 55 .

( 123 )

في كتابه ( مرآة العقول ) في شرح كتاب الكافي للكليني ، حيث نظر في الأسانيد والمتون نظرة علميّة تدلّ على طول باعه وسعة اطلاعه وعظمة شأنه في الفقه والحديث والرجال وغيرها من العلوم .
هذا ، مضافاً إلى أنّه ـ رحمة الله ـ بعد رواية تلك الأخبار على ما تقدّم نقله ، نقل كلام الشيخ المفيد وفيه النص على الإعتقاد بأنّ القرآن المنزل من عند الله هو مجموع ما بين الدفّتين من دون زيادة أو نقصان .
حول عبارة القمّي في مقدّمة تفسيره
1 ـ الشيخ على بن إبراهيم القمي ، صاحب التفسير المعروف باسمه ، الثقة في الحديث والثبت المعتمد في الرواية عند علماء الرجال (1) ومن أعلام القرن الرابع .
فقد جاء في مقدمة التفسير ما هذا لفظه : « وأما ما هو محرّف منه فهو قوله : ( لكن الله يشهد بما انزل اليك ـ في علي ـ انزله بعلمه والملائكة يشهدون ) وقوله : ( يا ايها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك ـ في علي ـ فإن لم تفعل فما بلّغت رسالته ) وقوله : ( إنّ الذين كفروا ـ وظلموا آل محمد حقهم ـ لم يكن الله ليغفر لهم ) وقوله : ( وسيعلم الذين ظلموا ـ آل محمد حقهم ـ أي منقلب ينقلبون ) وقوله : ( ولو ترى ـ الذين ظلموا آل محمد حقهم ـ في غمرات الموت ) ومثله كثير نذكره في مواضعه » (2) .
وذكر الشيخ الفيض الكاشاني عبارة القمي في ( علم اليقين ) ، وعلى هذا الأساس نسب إليه الإعتقاد بالتحريف في كتاب ( الصافي في تفسير القرآن ) .
____________
(1) انظر ترجمته في تنقيح المقال 2 : 260 .
(2) تفسير القمّي 1 : 10 .

( 124 )

لكنّ هذا يبتني على أن يكون مراد القمي من « ما هو محرّف منه » هو الحذف والإسقاط للفظ ، ... وأمّا إذا كان مراده ما ذكره الفيض نفسه من « أنّ مرادهم بالتحريف والتغيير والحذف إنّما هو من حيث المعنى دون اللفظ ، أي حرّفوه وغيّروه في تفسيره وتأويله ، أي حملوه على خلاف ما هو عليه في نفس الامر » فلا وجه لنسبة القول بالتحريف ـ بمعنى النقصان ـ إلى القمي بعد عدم وجود تصريح منه بالإعتقاد بمضامين الأخبار الواردة في تفسيرة والقول بما دلّت عليه ظواهرها ، بل يحتمل إرادته المعنى الذي ذكره الفيض كما يدّل عليه ما جاء في رسالة الإمام إلى سعد الخير فيما رواه الكليني .
مضافاً الى أنّ القمي نفسه روى في تفسيره بإسناده عن مولانا الصادق عليه السلام قال : « إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال لعلي عليه السّلام : القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس ، فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّع اليهود التوراة » (1) .
ويؤكّد هذا الإحتمال كلام الشيخ الصدوق ، ودعوى الإجماع من بعض الأكابر على القول بعدم التحريف .
ثم إن الأخبار الواردة في تفسير القمي ليست كلّها للقمي رحمة الله بل جلّها لغيره ، فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني أنّ القمي اعتمد في تفسيره على خصوص ما رواه عن الصادق عليه السّلام ، وكان جلّه ممّا رواه عن والده إبراهيم بن هاشم عن مشايخه البالغين إلى الستين رجلاً ...
قال : « ولخلو تفسيره هذا عن روايات سائر الأئمة عليهم السّلام ، عمد تلميذه الآتي ذكره والراوي لهذا التفسير عنه ، على إدخال بعض روايات الإمام
____________
(1) تفسير القمي 1 : 562 ـ 569 وقد تقدّمت عبارته .
( 125 )
الباقر عليه السلام التي أملاها على أبي الجارود في أثناء التفسير ، وذلك التصرف وقع منه من أوائل سورة آل عمران إلى آخر القرآن » (1) .
وهذه جهة أخرى تستوجب النظر في أسانيد الأخبار الواردة فيه ، لا سيمّا ما يتعلق منها بالمسائل الإعتقادية المهمّة كمسألتنا .
ترجمة السيد الجزائري ورأيه
2 ـ السيد نعمة الله التستري الشهير المحدّث الجزائري ، المترجم له في كتب التراجم والرجال مع الإطراء والثناء .
قال الحرّ العاملي : « فاضل عالم محقّق علاّمة ، جليل القدر ، مدرّس » (2) ، وقال المحديث البحراني : « كان هذا السيد فاضلاً محدّثاً مدققاً ، واسع الدائرة في الإطلاع على أخبار الإمامية وتتبع الآثار المعصومية » (3) وكذا قال غيرهما .
وقد ذهب هذا المحدّث إلى القول بنقصان القرآن عملاً بالأخبار الظاهرة فيه ، مدّعياً تواترها بين العلماء ، وقد تقدّم نصّ كلامه والجواب عنه في فصل ( الشبهات ) .
ولا يخفى أنّ الأساس في هذا الإعتقاد كون الرّجل من العلماء الأخباريين ، ولذا استغرب منه المحّدث النوري اعتماده على تقسيم الأخبار وتنويعها في شرحه لتهذيب الأحكام ، وإذا تمت المناقشة في الأساس إنهدم كلّ ما بني عليه .
____________
(1) الذريعة 4 : 303 .
(2) أمل الآمل 2 : 336 .
(3) لؤلؤة البحرين : 111 .

( 126 )

ترجمة الشيخ النراقي ورأيه
3 ـ الشيخ أحمد بن محمد مهدي النراقي ، المتوفّى سنة 1244 ، وهو من كبار الفقهاء الاصوليين ، وله مصنّفات ومؤلفات كثيرة ، من أشهرها : مناهج الأحكام ـ في الأصول ـ ، ومستند الشيعة ـ في الفقه ـ ، ومعراج السعادة ـ في الأخلاق ـ .
قال الشيخ النراقي بعد أن ذكر أدلّة المثبتين والنافين : « والتحقيق : إنّ النقص واقع في القرآن ، بمعنى أنّه قد اسقط منه شيء وإن لم يعلم موضعه بخصوصه ، لدلالة الأخبار الكثيرة ، والقرائن المذكورة عليه من غير معارض ، وأما النقص في خصوص المواضع وإن ورد في بعض الأخبار إلاّ أنذه لا يحصل منها سوى الظن ، فهو مظنون ، وأمّا غير المواضع المنصوصة فلا علم بالنقص فيها ولا ظن ، وأمّا الإحتمال فلا دافع له ولا مانع ، وإن كان مرجوحاً في بعض المواضع .
وأمّا الزيادة فلا علم بوقوعها بل ولا ظن ، بل يمكن دعوى العلم على عدم زيادة مثل آية أو آيتين فصاعداً ، وأمّا التغيير والتحريف في بعض الكلمات عمداً أو سهواً فلا يمكن نفيه وإن لم يمكن إثباته علماً كالإختلاف في الترتيب » (1) .
وكأنّ هذا الذي ذكره وجعله هو التحقيق ، جمع بين مقتضى القواعد الاصولية وبين الأخبار والواردة في لمسألة ، لكن ما ورد من الأخبار دالاً على وقوع النقص في القرآن من غير تعيين لموضعه بخصوصه قليل جدّاً . وما دلّ على وقوعه في خصوص المواضع بعد تماميته سنداً وجواز الأخذ بظاهره لا يحصل منه سوى الظن ـ كما قال ـ وهو لا يغني من الحق شيئاً في مثل مسألتنا ، وحينئذٍ يبقى
____________
(1) مناهج الأحكام . مبحث حجيّة ظواهر الكتاب .
( 127 )
إلاّ الإحتمال ، وهو مندفع بالأدلّة المذكورة على نفي التحريف ، ومع التنزّل عنها يدفعه أصالة العدم .
ترجمة السيد شبر ورأيه
4 ـ السيد عبدالله ابن السيد محمد رضا الشبّر الحسيني الكاظمي ، المتوفّى سنة 1242 ، المترجم له في كتب الرجال بالثناء والاطراء ، قال الشيخ القمي : « الفاضل النبيل والمحدّث الجليل ، والفقيه المتبحّر الخبير ، العالم الرباني والمشتهر في عصره بالمجلسي الثاني ، صاحب شرح المفاتيح في مجلدات ، وكتاب جامع المعارف والأحكام ـ في الأخبار شبه بحار الأنوار ـ وكتب كثيرة في التفسير والحديث والفقه واصول الدين وغيرها » (1) .
وقد يذكر هذا السيد في الطائفة الثانية لكلام له جاء في كتاب ( مصابيح الأنوار ) ثم لا حظنا أنّه في ( تفسيره ) يفسّر الآيات المستدلّ بها على نفي التحريف بمعنى آخر ، ولم يشر إلى عدم التحريف في بحثه حول القرآن ووجوه إعجازه في كتابه ( حق اليقين في معرفة اصول الدين ) .
وأمّا عبارته في كتابه ( مصابيح الأنوار ) فهذا نصّها :
« الحديث 153 : ما رويناه عن ثقة الإسلام في ( الكافي ) والعياشي في تفيسره بإسنادهما عن أبي جعفر عليه السّلام قال : نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام . وزاد العياشي : ولنا كرائم القرآن .
____________
(1) الكنى والألقاب 2 : 323 .