الفصل الثاني

الرواة لأحاديث التحريف من أهل السنّة



( 196 )


( 167 )

ولقد روى أحاديث التحريف من أهل السنّة أكثر علمائهم ، من محدّثين ومفسّرين وفقهاء واصوليّين ومتكلّمين ... ونحن نكتفي بذكر من أوردنا الأحاديث السابقة عنه مباشرة أو بواسطة مع موجز تراجمهم (1) :
1 ـ مالك بن أنس ؛ أحد الأئمّة الأربعة ، روى عنه الشافعي وخلائق جمعهم الخطيب في مجلّد ، وهو شيخ الائمة وإمام دار الهجرة عندهم . (179) .
2 ـ عبد الرزاق بن همام الصنعاني : أحد الأعلام ، روى عنه أحمد وجماعة . (211 ) .
3 ـ الفريابي ، محمد بن يوسف بن واقد ؛ أحد الأئمة ، روى عنه أحمد والبخاري . (212) .
4 ـ أبو عبيد ، القاسم بن سلاّم ؛ أحد الأعلام ، وثّقه أبو داود وابن معين وأحمد وغير واحد .(224) .
5 ـ الطيالسي ، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الباهلي ؛ أحد الأعلام ، روى عنه أحمد والبخاري وأبو داود ، قال أحمد : « هو شيخ الإسلام اليوم ، ما أقدّم عليه أحداً من المحدّثين » . (227) .
6 ـ سعيد بن منصور ؛ الحافظ ، أحد الأعلام ، روى عنه أحمد ومسلم وأبو
____________
(1) استخرجناها من كتاب « طبقات الحفاظ » للحافظ السيوطي ، وكتاب « طبقات المفسّرين » لتلميذه الداودي ، وقد أعطى محقّق الكتابين في الهامش مصادر اخرى لكل ترجمة .
( 198 )

داود ، قال أحمد : « من أهل الفضل والصدق » ، وقال أبو حاتم : « من المتقنين الأثبات ، ممّن جمع وصنّف » . (227) .
7 ـ ابن أبي شيبة ، أبو بكر عبدالله بن محمد ؛ روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما . (235) .
8 ـ أحمد بن حنبل ؛ صاحب « المسند » ، أحد الأئمة الأربعة ، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم . (238) .
9 ـ إبن راهويه ، إسحاق بن إبراهيم ؛ أحد أئمة المسلمين وعلماء الدين ، إجتمع له الحديث والفقه والحفظ والصّدق والورع والزّهد ، روى عنه الجماعة سوى ابن ماجة . (238) .
10 ـ إبن منيع ، أحمد بن منيع البغوي ؛ روى عنه مسلم والجماعة . (244) .
11 ـ ابن الضريس ، الحافظ أبو عبد الله محمد بن أيوب ؛ وثّقه ابن أبي حاتم والخليلي . (249) .
12 ـ البخاري ، محمد بن إسماعيل ؛ صاحب الصحيح ، روى عنه مسلم والترمذي . (256) .
13 ـ مسلم بن الحجّاج النيسابوري ؛ صاحب الصحيح ، روي عنه أنّه قال : « صنّفت هذا السند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة » . (261) .
14 ـ الترمذي ، محمد بن عيسى ؛ صاحب « الجامع الصحيح » ، كان أحد الأئمة الّذين يقتدى بهم ـ عندهم ـ في علم الحديث . (279) .
15 ـ إبن ماجة القزويني ، أبو عبدالله محمد بن يزيد ؛ صاحب السنن ، قال الخليلي : « ثقة كبير ، متّفق عليه ، محتجّ به » . (283) .
16 ـ عبدالله بن أحمد بن حنبل ؛ الحافظ ابن الحافظ ، قال الخطيب : « كان


( 199 )

ثقة ثبتاً فهماً » . (290) .
17 ـ البزّار ، أبوبكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري ؛ الحافظ العلاّمة الشهير . (292) .
18 ـ النسائي ، أحمد بن شعيب ، الإمام ، الحافظ ، شيخ الإسلام ، أحد الأئمة المبرزين والحفّاظ المتقنين والأعلام المشهورين . قال الحاكم : « كان النسائي أفقه مشايخ مصرفي عصره » وقال الذهبي : « هو أحفظ من مسلم بن الحجاج » . (303) .
19 ـ أبو يعلى ، أحمد بن علي الموصلي ؛ الحافظ الثقة محدّث الجزيرة ، قال الحاكم : « كنت رأى أبا علي الحافظ معجباً بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه » . (307) .
20 ـ الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير ؛ قال الخطيب : « كان أحد الأئمة يحكم بقوله ويرجع إليه » . (310) .
21 ـ ابن المنذر ، أبو بكر محمد بن إبراهيم ؛ الحافظ العلاّمة الثقة الأوحد ، كان غاية في معرفة الإختلاف والدليل مجتهداً لا يقلّد أحداً . (318) .
22 ـ إبن أبي حاتم ، عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي ؛ الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام ، قال الخليلي : « أخذ علم أبيه وأبي زرعة ، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال ، ثقة حافظاً زاهداً ، يعدّ من الأبدل » . (327) .
23 ـ ابن الأنباري ، أبو بكر محمد بن القاسم المقرئ النحوي اللغوي ؛ وكان صدوقاً فاضلاً ديّناً من أهل السنّة ، وكان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً بأسانيدها . (228) .
24 ـ ابن أشته ، محمد بن عبدالله اللوذري أبوبكر الأصبهاني ؛ استاذ كبير


( 200 )

وإمام شهير ونحوي محقّق ، ثقة ، قال الدّاني : « ضابط مشهور مأمون ثقة ، عالم بالعربية ، بصير المعاني ، حسن التصنيف » . (360) .
25 ـ الطبراني : سليمان بن أحمد ؛ الإمام العلاّمة الحجّة ، بقيّة الحفّاظ ، مسند الدنيا ، وأحد فرسان هذا الشأن .(360) .
26 ـ أبو الشيخ ، عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان ؛ الإمام الحفاظ ، مسند زمانه ، وكان مع سعة علمه وغزارة حفظه صالحاً خيّراً ، قانتاً لله صدوقاً ، قال ابن مردويه : « ثقة مأمون » ، وقال الخطيب : « كان حافظاً ثبتاً متقناً » ، وقال أبو نعيم : « أحد الأعلام » . (369) .
27 ـ الدار قطني ، أبو الحسن علي بن عمر ؛ الإمام شيخ الإسلام ، حافظ الزمان ، حدّث عنه الحاكم وقال : « أوحد عصره في الفهم والحفظ والورع ، إمام في القرّاء والمحدّثين ، لم يخلف على أديم الأرض مثله » ، وقال القاضي أبو الطيّب : « الدار قطني أمير المؤمنين في الحديث » . (385) .
28 ـ الراغب الأصفهاني ، أبو القاسم المفضّل بن محمد ؛ صاحب المصنّفات ، ذكر الفخر الرازي أنّه من أئمّة السنّة وقرنه بالغزالي ، وكان في أوائل المائة الخامسة .
29 ـ الحاكم النيسابوري ، أبو عبدالله محمد بن عبدالله ؛ الحافظ الكبير ، إمام المحدّثين في عصره في الحديث والعارف به حق معرفته ، وكان صالحاً ثقة يميل إلى التشيّع . (405) .
30 ـ ابن مردويه ، أبوبكر أحمد بن موسى الأصبهاني ، الحافظ الكبير العلاّمة ، كان فهماً بهذا الشأن ، بصيراً بالرجال ، طويل الباع ، مليح التصانيف . (410) .


( 201 )

31 ـ البيهقي ، أبو بكر أحمد بن الحسين ؛ الإمام الحافظ العلاّمة ، شيخ خراسان ، إنفرد بالإتقان والضبط والحفظ ، وعمل كتباً لم يسبق إليها وبورك له في علمه . (458) .
32 ـ ابن عساكر ، أبو القاسم علي بن الحسن ؛ الإمام الكبير حافظ الشام بل حافظ الدنيا ، الثقة الثبت الحجّة ، سمع منه الكبار ، وكان من كبار الحفّاظ المتقنين . (571) .
33 ـ ابن الأثير ، المبارك محمد بن محمد ؛ من مشاهير العلماء وأكابر النبلاء وأوحد الفضلاء (606) .
34 ـ الضياء المقدسي ، أبو عبدالله محمّد بن عبدالواحد ؛ الإمام العالم الحافظ الحجّة ، محدّث الشام شيخ السنّة ، رحل وصنّف ، وصحّح وليّن ، وجرّح وعدّل ، وكان المرجوع إليه في الشأن ، جبلاً ثقة ديّناً زاهداً ورعاً . (643) .
35 ـ القرطبي ، محمد بن أحمد الأنصاري ؛ مصنّف التفسير المشهور الذي سارت به الركبان ، كان من عباد الله الصالحين والعلماء العارفين الورعين الزاهدين في الدنيا ، قال الذهبي : « إمام متقن متبحّر في العلم ، له تصانيف مفيدة تدلّ على إمامته وكثيرة اطّلاعه ووفور فضله » . (671) .
36 ـ إبن كثير ، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر ؛ الإمام المحدّث الحافظ ، وصفه الذهبي بالإمام المفتي المحدّث البارع ، ثقة متفنّن محدّث متقن . (774) .
37 ـ إبن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي المصري ؛ شيخ الإسلام ، وإمام الحفّاظ في زمانه ، وحافظ الديار المصرية ، بل حافظ الدنيا مطلقاً ، قاضي القضاة ، صنّف التصانيف التي عمّ النفع بها . (852) .


( 202 )

38 ـ السيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ؛ الحافظ الشهير صاحب المؤلفات الكثيرة في العلوم المختلفة ، أثنى عليه مترجموه كالشوكاني في ( البدر الطالع ) والسخاوي في ( الضوء اللامع ) وابن العماد في ( شذرات الذهب ) وغيرهم . (911) .
39 ـ المتّقي ، نور الدين علي بن حسام الهندي ؛ كان فقيهاً محدّثاً صاحب مؤلفات ، أشهرها : كنز العمّال ، أثنى عليه ابن العماد في ( شذرات الذهب ) والعيدروسي في ( النور السافر في أعيان القرن العاشر ) . (975) .
40 ـ الآلوسي ، شهاب الدين محمود بن عبدالله البغدادي ؛ المفسّر المحدّث الفقيه اللغوي النحوي ، صاحب « روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني » . وغيره من المؤلفات (1270) .
هؤلاء جملة ممّن روى أحاديث التحريف ...

من تجوز نسبة التحريف إليه منهم
فهل تجوز نسبة القول بالتحريف إليهم جميعاً ؟
لقد علم ممّا سبق في غضون الكتاب : أنّ مجرّد رواية الحديث وثقله لا يكون دليلاً على التزام الناقل والراوي بمضمونه ، وعلى هذا الأساس لا يمكننا أن ننسب إليهم هذا القول الباطل ...
نعم ، فيهم جماعة التزموا بنقل الصحاح ، فلم يخرجوا في كتبهم إلاّ ما قطعوا بصدوره من النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وصحابته ، حسب شروطهم التي اشترطوها في الراوي والرواية ، فهم ـ وكل من تبعهم في الإعتقاد بصحّة جميع أخبار كتبهم ـ ملزمون بظواهر ما أخرجوا فيها من أحاديث التحريف ، مالم


( 203 )

يذكروا لها محملاً وجيهاً أو تأويلاً مقبولاً ...
وممّن التزم بنقل الصحاح من هؤلاء :

1 ـ مالك بن أنس
لقد اشترط مالك في كتابه ( المؤطّأ ) الصحّة ، ولذلك استشكل بعض الأئمة إطلاق أصحيّة كتاب البخاري مع اشترك البخاري ومالك في اشتراط الصحّة والمبالغة في التحرّي والتثبّت (1) .
وقال الشافعي : « ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب مالك » (2) .
وقال الحافظ مغلطاي : « أول من صنّف الصحيح مالك » (3) .
وقال الحافظ ابن حجر : « كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلّده على ما اقتضاء نظره من الإحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما » (4) .

2 ـ أحمد بن حنبل
قال أحمد في وصف مسنده :
« إنّ هذا كتاب قد جمعته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألف ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فارجعوا إليه ، فإن كان
____________
(1) هدى الساري 1: 21 .
(2) مقدّمة ابن الصلاح : 14 وغيره .
(3) تنوير الحوالك : 8 .
(4) تنوير الحوالك : 8 .

( 204 )

فيه وإلاّ ليس بحجّة » (1) .
وعنه : إنّ شرط في مسنده الصحيح (2) .
وقال السبكي : « ألّف مسنده وهو أصل من اصول هذه الامّة » (3) .
وقال الحافظ المديني : هذا الكتاب أصل الكبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ، انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة ، فجعل إماماً ومعتمداً وعند التنازع ملجأ ومستنداً » (4) .
هذا ... وقد ألّف الحافظ ابن حجر كتاباً في شأن « المسند » سماّه « القول المسدّد في الذبّ عن المسند » ردّ به على قول من قال بوجود أحاديث ضعيفة في مسند أحمد .
وقد أتمّه الحافظ السيوطي بذيل سماّه « الذيل الممهّد » (5) .

3 ـ محمد بن إسماعيل البخاري
وقد شرط البخاري في كتابه : أن يخرج الحديث المتّفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات ، ويكون إسناده متّصلاً غير مقطوع ، وإن كان للصحابي راويان فصاعداً فحسن ، وإن لم يكن إلاّ راو واحد وصحّ الطريق إليه كفى (6) .
____________
(1) تدريب الراوي 1 : 172 وغيره .
(2) تدريب الراوي وغيره .
(3) طبقات الشافعية ، ترجمة أحمد .
(4) طبقات الشافعية . ترجمة أحمد .
(5) تدريب الراوي 1 : 172 .
(6) هدى الساري : 2 : 261 .

( 205 )

وعن البخاري أنّه قال : « ما وضعت في كتاب الصحيح حديثاً إلاّ اغتسلت قبل ذلك وصلّيت ركعتين » (1) .
وعنه أيضاً : « صنّفت كتابي الصحيح في المسجد الحرام وما أدخلت فيه حديثاً حتّى استخرت الله تعالى وصلّيت ركعتين وتيقّنت صحّته » (2) .
وعنه : « صنّفت الجامع من ستمائة ألف حديث في ستّ عشرة سنة وجعلته حجّة فيما بيني وبين الله » (3) .
وعنه أيضاً : « رأيت النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وكأنّني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذبّ بها عنه ، فسألت بعض المعبّرين فقال لي : أنت تذبّ عنه الكذب .
فهذا الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح » (4) .
وعنه أنّه قال : « لم اخرج في هذا الكتاب إلاّ صحيحاً وما تركت من الصحيح أكثر ... » (5) .
وقال الحافظ ابن حجر :
« تقرّر أنّه التزم فيه الصحّة ، وأنّه لا يورد فيه إلاّ حديثاً صحيحاً ، هاذ أصل موضوعه ، وهو مستفاد من تسميته إيّاه الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم وأيّامه ، وممّا نقلناه عنه من رواية الأئمة
____________
(1) هدى الساري 2 : 261 .
(2) هدى الساري 2 : 261 .
(3) هدى الساري 2 : 261 .
(4) هدى الساري 1 : 18 .
(5) هدى الساري 1 : 18 .

( 206 )

عنه صريحاً ... » (1) .
وقال ابن الصلاح : « أول من صنّف في الصحيح : البخاري أبو عبدالله محمد بن إسماعيل ، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري ، ومسلم مع أنّه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنّه يشارك البخاري في كثير من شيوخه ، وكتاباهما أصحّ الكتب بعد كتاب الله العزيز ... ثمّ إنّ كتاب البخاري أصحّ الكتابين صحيحاً وأكثرهما فوائد ... » (2) .
وقد نقل هذا الحافظ ابن حجر وأثبت اصحيّة كتاب البخاري من كتاب مسلم ، وذكر أنّ هذا ممّا اتّفق عليه العلماء ، واستشهد بكلمات الأئمّة على ذلك (3) .
وكذا الحافظ النووي في التقريب ، ووافقه الحافظ السيوطي في شرحه وقال : « وعليه الجمهور ، لأنّه أشدّ اتصالاً وأتقن رجالاً ... » (4) .

4 ـ مسلم بن الحجّاج النيسابوري
وقال مسلم : « ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا ، إنّما وضعت ما أجمعوا عليه » (5) .
وقال : « لو أنّ أهل الحديث يكتبون مائتي سنة الحديث فمدارهم على هذا المسند ـ يعني صحيحة ـ » (6) .
____________
(1) هدى الساري 1 : 19 .
(2) مقدّمة ابن الصلاح : 13 ـ 14 .
(3) هدى الساري 1 : 21 .
(4) تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1 : 88 ـ 91 .
(5) مقدّمة ابن الصلاح : 16 ، تدريب الراوي 1 : 98 .
(6) المنهاج في شرح مسلم 1 : 22 هامش إرشاد الساري .

( 207 )

وقال أيضاً : « عرضت كتابي هذا على أبي زرعة الرازي فكلّ ما أشار أنّ له علّة تركته ، وكلّ قال أنّه صحيح وليس له علّة أخرجته » (1) .
وقال : « صنّفت هذا السند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة » (2) .
هذا ، وقد قالوا : إنّ أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان ، ثمّ اختلفوا في أنّ أيّهما أفضل وأصحّ ، فذهب جمهورهم إلى أنّ البخاري أصحّ ، وقال الحافظ أبو علي النيسابوري : ما تحت أديم السماء كتاب أصحّ من كتاب مسلم ، وتبعه بعض شيوخ المغرب (3) .

5 ـ أبو عيسى الترمذي
قال الترمذي : « صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به ، وعرضته على علماء العراق فرضوا به ، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به .
ومن كان بيته هذا الكتاب فكأنّما في بيته نبي يتكلّم » (4) .
وقال في كتاب العلل الذي في آخر جامعه :
« جميع ما في هذا الكتاب ـ يعني جامعه ـ من الحديث هو معمول به ، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين : حديث عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنه : إنّ النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة ، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ولا سفر ، وحديث النبي صلّى الله عليه
____________
(1) المنهاج في شرح مسلم 1 : 22 .
(2) المنهاج في شرح مسلم 1 : 22 .
(3) تدريب الراوي 1 : 93 وغيره .
(4) تذكرة الحفّاظ ـ ترجمته .

( 208 )

[ وآله ] وسلّم أنّه قال : من شرب الخمر فاجلدوه ، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه .
قال : وقد بيّنّا علّة الحديثين جميعاً في الكتاب » .
قال المباركفوري : « قلت : قد تعقّب الملاّ معين في كتابه ( دراسات اللبيب ) على كلام الترمذي هذا ، وقد أثبت أنّ هذين الحديثين كليهما معمول به ، والحقّ مع الملاّ معين عندي والله تعالى أعلم » (1) .
هذا ، وقد جاء في مقدّمة تحفة الأحوذي فصل « في بيان أنّه ليس في جامع الترمذي حديث موضوع » (2) .
وجامع الترمذي من الكتب الستّة الصحاح عند أهل السنّة بلا خلاف بينهم ، غير أنّهم اختلفوا في رتبته هل هو بعد الصحيحين أو بعد سنن أبي داود أبو بعد سنن النسائي ؟ (3) .

6 ـ أحمد بن شعيب النسائي
وكتاب النسائي أحد الصحاح الستّة بلا خلاف .
قالوا : وقد صنّف النسائي في أول أمره كتاباً يقال له : « السنن الكبير » ثمّ اختصره وسماّه « المجتبى » وسبب اختصاره : أنّ أحداً من أمراء زمانه سأله أنّ جميع أحاديث كتابك صحيح ؟
قال : لا .
فأمره الأمير بتجريد الصحاح وكتابة صحيح مجرّد .
____________
(1) مقدّمة تحفة الاحوذي : 367 .
(2) مقدّمة تحفة الاحوذي : 365 ـ 367 .
(3) مقدّمة تحفة الاحوذي : 364 .

( 209 )

فانتخب منه « المجتنى » وأسقط منه كل حديث تكلّم في إسناده (1) .
فإذا أطلق المحدّثون بقولهم : رواه النسائي ، فمرادهم هذا المختصر المسمّى بالمجتنى لا السنن الكبير (2) .
وعن الحاكم وأبي علي الحافظ والخطيب : للنسائي شرط في الرجال أشدّ من شرط مسلم (3) .

7 ـ ابن ماجة القزويني
قال ابن ماجة : عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال : أظنّ إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذا الجوامع أو أكثرها ... » (4) .
وقال المباركفوري : « وأمّا سنن ابن ماجة فهو سادس الصحاح الستّة ... » (5) .
وفي كشف الظنون : « إنّه سادس الصحاح الستّة عند بعض الأئمة » (6) .
قلت : وممّن بذلك الحافظان ابن طاهر وعبد الغني المقدسيان .

8 ـ الحاكم النيسابوري
وألّف أبو عبدالله الحاكم النيسابوري كتاب « المستدرك على الصحيحين » ،
____________
(1) جامع الاصول 1 : 66 وغيره .
(2) مقدّمة تحفة الاحوذي : 131 .
(3) مقدّمة تحفةالاحوذي : 131 .
(4) تذكرة الحفّاظ 2 : 636 .
(5) مقدّمة تحفة الاحوذي : 134 .
(6) كشف الظنون : 1004 .

( 210 )

ذكر فيه ما فات البخاري ومسلماً ممّا على شرطهما أو شرط أحدهما أو هو صحيح ... (1) .
فالمستدرك من الكتب التي التزم فيها بالصحّة ، ولذا يعبّر عنه بالصحيح المستدرك (2) .
ولقد أثنى على الجاكم كلّ من جاء بعده من الحفّاظ ، ونسبه بعضهم إلى التشيّع وقالوا : إنّه قد تساهل في ما استدر على شكرط الصحيح .
قلت : لا يبعد أن يكون من أسباب رميه بالتشيّع والتساهل إخراجه أحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، بل قد صرّح بذلك الخطيب ... (3) .

9 ـ أبو جعفر الطبّري
وقد التزم أبو جعفر محمد بن جرير الطبّري الصحّة في كتابه ( تهذيب الآثار ) الّذي أورد فيه بعض الأحاديث المذكورة ... كما أورد منها في ( تفسيره ) ...

10 ـ الضياء المقدسي
وقد التزم الحافظ الضياء المقدسي الصحّة في كتابه « المختارة » .
قال الحافظ العراقي : « وممّن صحّح أيضاً من المتأخّرين الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي ، فجمع كتاباً سماّه ( المختارة ) التزم فيه
____________
(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 1 : 26 .
(2) تدريب الراوي 1 : 108 ، مقدّمة تحفة الاحوذي : 155 .
(3) مقدّمة تحفة الاحوذي : 156 .

( 211 )

الصحّة ... » (1) .
وقال الحافظ السيوطي : « ومنهم الحافظ ضياء الدين محمد بن عبدالواحد المقدسي ، فجمع كتاباً سماّه ( المختارة ) التزم فيه الصحّه وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها » (2) .
وفي « كشف الظنون » بعد أن صرّح بما تقدّم : « قال ابن كثير : وهذا الكتاب لم يتمّ ، وكان بعض الحفّاظ من مشايخنا يرجّحه على مستدرك الحاكم » (3) .
هذا ، وقد أثنى عليه كل من ترجم له ، قال الحافظ الذهبي ما ملخّصه : « الإمام العالم الحافظ الحجّة ، محدّث الشام ، شيخ السنّة ، صاحب التصانيف النافعة ، نسخ وصنّف ، وصحّح وليّن ، وجرّح وعدّل ، وكان المرجع إليه في هذا الشأن ، قال تلميذه عمر بن الحاجب : شيخنا أبو عبدالله شيخ وقته ونسيج وحده علماً وحفظاً وثقة وديناً ، من العلماء الربّانيّين ، وهو أكبر من أن يدلّ عليه مثلي .
رأيت جماعة من المحدّثين ذكروه فأطنبوا في حقّه ومدحوه بالحفظ والزهد .
سألت الزكيّ البرزالي عنه فقال : ثقة ، جبل ، حافظ ، ديّن .
قال ابن النجّار : حافظ متقن حجّة ، عالم بالرجال ، ورع تقي .
وقال الشرف ابن النابلسي : ما رأيت مثل شيخنا الضياء » (4) .
____________
(1) التقييد والإيضاح لما اطلق أو اغلق من كتاب ابن الصلاح .
(2) تدريب الراوي 1 : 144 .
(3) كشف الظنون .
(4) تذكرة الحفّاظ : 4 : 1406 .