اثنان منها في كتاب الطلاق ، والآخر في كتاب التفسير (1) .
وقد طعن الأئمّة في هذه الأحاديث . وأذعن أبن حجر بخطأ البخاري في إخراجها ، وهذا نصّ كلامه : « تعقّبه أبو مسعود الدمشقي فقال : ثبت هذا الحديث والذي قبله ـ يعني بهذا الإسناد سوى الحديث المتقدّم في التفسير ـ في تفسير ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عبّاس ، وابن جريج لم يسمع التفسير من عطاء الخراساني ، وإنّما أخذ الكتاب من ابنه عثمان ونظر فيه . قال أبو علي : وهذا تنبيه بليغ من أبي مسعود ... » .
قال ابن حجر : « وهذا عندي من المواضع العقيمة عن الجواب السديد ، ولابدّ للجواد من كبوة ، والله المستعان . وما ذكره أبو مسعود من التعقّب قد سبقه إليه الإسماعيلي ، ذكر ذلك الحميدي في الجمع عن البرقاني عنه ، قال : وحكاه عن علي بن المديني ، يشير إلى القصّة التي ساقها الغسّاني ، والله الموفق » (2) .
16 ـ أخرج البخاري في كتاب المغازي بسنده عن مسروق بن الأجدع قال : « حدّثتني أمّ رومان ـ وهي امّ عائشة ـ ... » (3) .
وقد غلّط كبار الأئمّة هذا الحديث من جهة أنّ مسروقاً لم يدرك أمّ رومان ..ومنهم :
الخطيب البغدادي (4) .
ابن عبدالبرّ القرطبي (5) .
____________
(1) صحيح البخاري 7 : 62 ـ 63 و 6 : 199 .
(2) هدى الساري ـ مقدمة فتح الباري 2 : 135 .
(3) صحيح البخاري 5 : 154 .
(4) انظر : فتح الباري 7 : 353 .
(5) الاستيعاب 4 : 1937 .

( 354 )

القاضي عياض في مشارق الأنوار (1) .
إبراهيم بن يوسف ، صاحب مطالع الأنوار (2) .
أبو القاسم السهيلي شارح السيرة (3) .
ابن سيّد الناس صاحب السيرة (4) .
الحافظ المزّي (5) .
الحافظ شمس الدين الذهبي (6) .
الحافظ صلاح الدين العلائي (7) .
17 ـ أخرج البخاري في كتاب المغازي بسنده عن علي : « إنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن أكل لحوم الحمر الإنسية » (8) .
وأخرجه مسلم بأسانيد متعدّدة (9) .
وقد غلّط هذا الحديث جماعة منهم :
الحافظ أبو بكر البيهقي .
الحافظ إبن عبدالبّر .
____________
(1) انظر : فتح الباري 7 : 353 .
(2) انظر : فتح الباري 7 : 353 .
(3) الروض الآنف 6 : 440 .
(4) عيون الأثر 2 : 101 .
(5) تهذيب الكمال
(6) اُنظر : فتح الباري 7 : 353 .
(7) اُنظر : فتح الباري 7 : 353 .
(8) صحيح البخاري 5 : 172 ، وانظر 123 و 9 : 31 .
(9) صحيح مسلم : 4 : 134 ـ 135 .

( 355 )

الحافظ أبو القاسم السهيلي .
الحافظ إبن قيّم الجوزية .
العلاّمة العيني .
شهاب الدين القسطلاني ...
قال السهيلي : « هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر أنّ المتعة حرّمت يوم خيبر ... » (1) .
وقال ابن القيّم : « لم تحّرم المتعة يوم خيبر وإنّما كان تحريمها عام الفتح ، هذا هو الصواب . وقد ظنّ طائفة من أهل العلم أنّه حرّمها يوم خيبر ، واحتجّوا بما في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... » (2) .
وقال العيني : « قال ابن عبد البرّ : وذكر النهي عن المتععة يوم خيبر غلط . وقال السهيلي ... » (3) .
وقال القسطلاني : « قال ابن عبدالبرّ : إنّ ذكر النهي يوم خيبر غلط ، وقال البيهقي : لا يعرفه أحد من أهل السير » (4) .
18 ـ أخرج البخاري : » ... عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاثاً ...
عن أبي هريرة : لم يكذب إبراهيم إلاّ ثلاث كذبات ، ثنتين منهنّ في ذات الله عزّو جلّ : إنّي سقيم . وقوله : بل فعله كبيرهم هذا .
وقال : بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتى على جبّار من الجبابرة فقيل له : إنّ
____________
(1) الروض الانف 6 : 557 .
(2) زاد المعاد 2 : 142 و 183 و 4 : 6 .
(3) عمدة القاري 17 : 246 ـ 247 .
(4) إرشاد الساري 6 : 536 و 8 : 41 .

( 356 )

هاهنا رجلاً معه امرأة م أحسن الناس ، فأرسل إيه فسأله عنها ، فقال : من هذه ؟ قال : اختي ... » (1) .
وأخرجه مسلم (2) .
وهذا الحديث كذّبه الفخر الرازي في تفسيره وقال : بأنّ نسبة الكذب إلى الراوي أولى من نسبته إلى الخليل عليه السلام (3) .
19 ـ أخرج مسلم عن عكرمة بن عمّار ، عن أبي زميل ، عن ابن عبّاس ، قال : « كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه ، فقال : يا نبي الله ثلاث أعطنيهنّ ، قال : نعم ، قال : أحسن العرب وأجملهم أمّ حبيبة ازوّجكها ، قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك ، قال : نعم ، قال : وتؤمّرني أن اقاتل الكفّار كما كنت اقاتل المسلمين ، قال : نعم ... » (4) .
وقد طعن فيه جماعة سنداً ومتناً منهم :
الذهبي في ترجمة عكرمة بن عمّار (5) .
الحافظ إبن حزم .
الحافظ النووي .
الحافظ إبن القيّم .
الحافظ إبن الجوزي .
قال إبن القيّم في ( زاد المعاد ) : « إنّ حديث عكرمة في الثلاث التي طلبها
____________
(1) صحيح البخاري 4 : 171 .
(2) صحيح مسلم 7 : 98 .
(3) تفسير الرازي 22 : 185 و 26 : 148 .
(4) صحيح مسلم 7 : 171 .
(5) ميزان الإعتدال 3 : 90 .

( 357 )

أبو سفيان من النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلم ـ غلط ظاهر لا خفاء به . قال أبو محمد ابن حزم : هو موضوع بلا شك ، كذبه عكرمة بن عمّار . قال ابن الجوزي : هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شكّ فيه ولا تردّد .
وقد اتّهموا به عكرمة بن عمّار ، لأنّ أهل التواريخ أجمعوا على أنّ أمّ حبيبة كانت تحت عبيدالله بن جحش ، ولدت له وهاجر بها إلى أرض الحبشة ، ثم تنصّر وثبتت أمّ حبيبة على إسلامها ، فبعث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلى النجاشي يخطبها فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ إلى النجاشي يخطبها فزوّجه إيّاها وأصدقها عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ صداقاً ، وذلك في سنة سبع من الهجرة . وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة ودخل عليها فثنت فراش رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حتى لا يجلس عليه . ولا خلاف في أنّ أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكّة سنة ثمان .
وأيضاً : في الحديث أنّه قال : وتؤمّرني حتى أقتل الكفّار كما كانت اقاتل المسلمين فقال : نعم ، ولا يعرف أنّه ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ أمّر أبا سفيان ألبتّة » .
وقال النووي : « إعلم أنّ هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالإشكال ... » (1) .
20 ـ أخرج مسلم حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وقد ضعّفه الطحاوي وغيره ... كما قد تقدّم في عبارة عبدالقادر القرشي .
____________
(1) شرح صحيح مسلم ـ هامش إرشاد الساري 11 : 360 .
( 358 )

خلاصة البحث
هذا بعض الكلام حول الصحيحين وأخبارهما على ضوء كلمات الأعلام .. وقد رأيت في الكتابين رجالاً كاذبين وأحاديث موضوعة وباطلة ...
وأحاديث نقصان القرآن .. من القبيل ... فلا يهولنّك الطعن فيها بعد ثبوت مخالفتها للإجماع والضرورة ومحكم التنزيل .. والله هو الهادي إلى سواء السبيل ...


( 359 )


الكلام حول الصحابة

إنّ المشهور بين أهل السنّة « عدالة الصحابة » أجمعين .. قال أبو إبراهيم المزني في معنى حديث أصحابي كالنجوم : « إن صحّ هذا الخبر فمعناه فيما نقلوا عنه وشهدوا به عليه ، فكلّهم ثقة مؤتمن على ما جاء به ، لا يجوز عندي غير هذا » (1) .
وقال ابن حزم : « الصحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً » (2) وقال الخطيب : « عدالة الصحابة ثابتة معلومة » (2) وقال النووي في التقريب : « الصحابة كلّهم عدول من لابس الفتنة وغيرهم » .
بل ادّعى بعضهم الإجماع على هذا المعنى صريحاً كابن حجر العسقلاني (4) وابن عبد البرّ القرطبي (5) .

1 ـ الصحابة عدالةً :
لكنّ دعوى الإجماع باطلة .. والمشهور لا أصل له ..
أمّا دعوى الإجماع فيكذّبها نسبة هذا القول إلى الأكقر في كلام جماعة من الأئمة .. قال ابن الحاجب : « الأكثر على عدالة الصحابة ، وقيل : كغيرهم ، وقيل :
____________
(1) انظر : جامع بيان العلم 2 : 8 ـ 90 .
(2) انظر : الإصابة 1 : 19 .
(3) انظر : الإصابة 1 : 17 ـ 18 .
(4) الإصابة 1 : 17 ـ 18 .
(5) الاستيعاب 1 : 8 .

( 360 )

إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون ، لأنّ الفاسق غير معيّن ، وقالت المعتزلة : عدول إلاّ من قاتل عليّاً ... » (1) .
وقال الغزّالي : « الذي عليه سلف الامّة وجماهير الخلف أنّ عدالتهم معلومة بتعديل الله عزّو جلّ أيّاهم وثنائه عليهم في كتابه ، فهو معتقدنا فيه إلاّ أن يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به ، وذلك ممّا لا يثبت ، فلا حاجة لهم إلى التعديل .. وقد زعم قوم أنّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث ، وقال قوم : حالهم العدالة في بدائة الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات ، ثم تغيّر الحال وسفكت الدماء فلابدّ من البحث ، وقال جماهير المعتزلة : عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فسّاق بقتال الإمام الحقّ ... » (2) .
وكذا في ( جمع الجوامع ) وشرحه حيث قال : « والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة ... » ثم نقل الأقوال الاخرى (3) .
وفي ( مسلم الثبوت ) وشرحه : « الأكثر قالوا : الأصل في الصحابة العدالة ، وقيل ... » (4) .
بل صرّح جماعة من أكابر القوم من المتقدّمين والمتأخرين كالسعد التفتازاني (5) ، والمازري ـ شارح البرهان ـ (6) ، وابن العماد الحنبلي (7)
____________
(1) المختصر في الأصول 2 : 67 .
(2) المستصفى 1 : 164 .
(3) انظر : النصائح الكافية : 160 .
(4) فواتح الرحموت بشرح مسلّم الثبوت 2 : 155 .
(5) إحقاق الحقّ ـ للتستري ـ 2 : 391 ـ 392 عن شرح القاصد .
(6) الإصابة 1 : 19 ، النصائح الكافية : 161 .
(7) النصائح الكافية : 162 عن الآلوسي .

( 361 )

والشوكاني (1) وأبي ريّة (2) ، ومحمد عبدة (3) ، ومحمد بن عقيل (4) ، ومحمد رشيد رضا (5) ، والمقبلي (6) ، والرافعي (7) ، وطه حسين ، وأحمد أمين ... وغيرهم بأنّ في الصحابة عدولاً وغير عدول ، وهذا هو رأي الشيعة الإثني عشرية (8) .
وأمّا أنّه مشهور لا أصل له ... فلأنّ هذا القول يناقض القرآن الكريم ... الذي تنصّ آيات كثيرة منه على أنّ كثيراً من الأصحاب حول النبي في حياته صلّى الله عليه وآله وسلم منافقون فسقة (9) حتى جاءت سورة منه بعنوان « المنافقين » .
ونصّت الآية الكريمة : ( ... أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ... ) (10) على ارتداد كثيرين منهم من بعده ...
وجاءت الأحاديث الصحيحة شارحةً هذه الآية المباركة ، ومن أشهرها وأصحّها حديث الحوض الوارد في الصحيحين وغيرهما بألفاظ وطرق مختلفة (11) ، بل عدّه بعضهم في الأحاديث المتواترة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله
____________
(1) إرشاد الفحول : 158 .
(2) شيخ المضيرة أبو هريرة : 101 .
(3) أضواء على السنّة المحمديّة : 322 .
(4) النصائج الكافية : 163 .
(5) شيخ المضيرة أبو هريرة : 101 .
(6) المصدر نفسه .
(7) إعجاز القرآن : 141 .
(8) انظر كتاب : « أصحابي كالنجوم « العدد الأول من سلسلة الأحاديث الموضوعة ، تأليف : علي الحسيني الميلاني ، وهو مطبوع أيضاً في كتابنا ( الإمامة ) .
(9) انظر الآيات في سورة آل عمران ، سورة التوبة ...
(10) آل عمران : 3 | 144 .
(11) صحيح البخاري ، باب في الحوض 4 : 87 ـ 88 .

( 362 )

وسلّم ، فقد ذكر العلاّمة الزبيدي في كتابه في ( الأحاديث المتواترة ) : « الحديث السبعون حديث الحوض . رواه من الصحابة خمسون نفساً » فذكر أسماءهم .
فالقول المذكور يناقص الكتاب والسنة .. ويناقص السير والتواريخ وأحوال الصحابة .
وبالجملة .. فإنّ الصحابة ما كانوا يرون في أنفسهم لأنفسهم وفيما بينهم ما قيل في حقّهم ووضع في شأنهم .. فلقد تباغضوا وتسابّوا وتضاربوا وتقاتلوا ..
وإنّ الآثار المنقولة عنهم الحاكية لارتكابهم الكبائر واقترافهم السيئات من الزنا ، وشرب الخمر ، والربا ... وغير ذلك .. كثيرة لا تحصى (1) .
فهذا هوالقول بعدالة الصحابة أجمعين .. فهو مشهور .. لكن لا أصل له .
نعم .. يستدلّون له بأدلّة .. عمدتها ما رووا بأسانيدهم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » لكنّه حديث يعارض الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح .. فلا اعتبار به .. مضافاً إلى أنّ جمعاً كبيراً من أعيان القوم ينصّون على أنّه حديث باطل موضوع ، ومنهم :
أحمد بن حنبل (2) .
أبو إبراهيم المزني (3) .
أبو بكر البزّار (4) .
____________
(1) انظر : أصحابي كالنجوم : 73 ـ 81 .
(2) نقل ذلك عنه في : التقرير والتحبير ـ لابن أمير الحاج ـ ، المنتخب ـ لابن قدامة ـ التيسير في شرح التحرير 3 : 243 ، مسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 : 79 .
(3) جامع بيان العلم ـ لابن عبدالبرّ ـ 2 : 89 ـ 90 .
(4) جامع بيان العلم 2 : 90 ، أعلام المؤقّعين 2 : 223 ، البحر المحيط 5 : 528 .

( 363 )

ابن القطّان (1) .
الحافظ الدار قطني (2) .
الحافظ ابن حزم (3) .
الحافظ البيهقي (4) .
الحافظ إبن عبدالبرّ (5) .
الحافظ إبن عساكر (6) .
الحافظ إبن الجوزي (7) .
الحافظ إبن دحية (8) .
الحافظ أبو حيّان الأندلسي (9) .
الحافظ الذهبي (10) .
الحافظ إبن القيّم (11) .
____________
(1) الكامل | ترجمة جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي وحمزة النصيبي .
(2) غرائب مالك ، تخريج أحاديث الكشّاف 2 : 628 .
(3) البحر المحيط 5 : 528 ، سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1 : 78 .
(4) المدخل ، وعنه في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف ـ المطبوع على هامش الكشّاف ـ 2 :628 .
(5) جامع بيان العلم 2 : 90 ـ 91 .
(6) التاريخ ، وعنه في فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 : 76 .
(7) العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، وانظر : فيض القدير 4 : 76 .
(8) تعليق تخريج أحاديث منهاج البيضاوي .
(9) البحر المحيط 5 : 527 ـ 528 .
(10) ميزان الاعتدال 1 : 413 و 2 : 102 .
(11) أعلام الموقّعين 2 : 223 .

( 364 )

الحافظ إبن حجر العسقلاني (1) .
الحافظ السخاوي (2) .
الحافظ السيوطي (3) .
الحافظ الشوكاني (4) .

2 ـ الصحابة علماً :
وأمّا جهل الأصحاب بالقرآن الكريم والأحكام الشرعية .. فالشواهد عليه كثيرة جدّاً ، بل يمتنع أن تحصي له عدداً وتبلغ به حدّاً .. ونحن نكتفي هنا بكلام لإبن حزم .. وللتفصيل فيه مجال آخر .
قال الحافظ ابن حزم : « ووجدنا الصحاب من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يبلغه الحديث فيتأوّل فيه تأويلاً يخرجه به عن ظاهره ، ووجدناهم ـ رضي الله عنهم ـ يقرّون ويعترفون بأنّه لم يبلغهم كثير من السنن ، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة : إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإنّ إخواني من الأنصار كان يشغلم القيام على أموالهم ، وهكذا قال البراء .. قال : ما كلّ ما نحدّثكموه سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه [ آله ] وسلّم [ و ] لكن حدّثنا أصحابنا ، وكانت تشغلنا رعية الإبل .
وهكذا [ وهذا ] أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ لم يعرف فرض ميراث الجدّة وعرفه محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة ، وقد سأل أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ
____________
(1) الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف .
(2) المقاصد الحسنة 26 : 27 .
(3) الجامع الصغير ـ بشرح المناوي ـ 4 : 76 .
(4) إرشاد الفحول : 83 .

( 365 )

عائشة في كم رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ؟
وهذا عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول في حديث الإستئذان : اخفي عليّ هذا من أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم . ألهاني الصفق في الأسواق !
وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة وعرفه غيره ، وغضب على عيينة بن حصن ، حتى ذكّره الحرّ بن قيس بن حصن بقوله تعالى : ( وأعرض عن الجاهلين ) .
وخفي عليه أمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب إلى آخر خلافته ، وخفي على أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قبله أيضاً طول مدّة خلافته ، فلمّا بلغ عمر أمر بإجلائهم فلم يترك بها منهم أحداً .
وخفي على عمر أيضاً امره عليه السّلام بترك الإقدام على الوباء ، وعرف ذلك عبد الرحمن بن عوف .
وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في صلاتي الفطر والأضحى ، هذا ، وقد صلاّهما رسول الله [ صلّى الله عليه وآله وسلّم ] أعواماً كثيرة .
ولم يدر ما يصنع بالمجوس حتى ذكّره عبدالرحمن بأمر رسول الله صلّى الله عليه [ وآل ] وسلّم فيهم .
ونسي قبوله عليه السّلام الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور ، ولعلّه ـ رضي الله عنه ـ قد أخذ من ذلك المال حظّاً كما أخذ غيره منه .
ونسي أمره عليه السّلام بتيمّم الجنب فقال : لا يتيمّم أبداً ولا يصلّي ما لم يجد الماء ، وذكّره بذلك عمّار .


( 366 )

وأراد قسمة مال الكعبة حتى احتجّ عليه اُبيّ بن كعب بأنّ النبي عليه السّلام لم يفعل ذلك ، فأمسك .
وكان يردّ النساء اللواتي حضن ونفرن قبل أن يودّعن البيت ، حتى أخبر بأنّ رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أذن في ذلك . فأمسك عن ردّهن .
وكان يفاضل بين ديات الأصابع حتى بلغه عن النبي ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ أمره بالمساواة بينها ، فترك قوله وأخذ المساواة .
وكان يرى الدية للعصبة فقط حتى أخبره الضحّاك بن سفيان بأنّ النبي ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ ورّث المرأة من الدية ، فانصرف عمر إلى ذلك .
ونهى عن المغالاة في مهور النساء استدلالاً بمهور النبي صلّى الله [ وآله ] وسلم ، حتى ذكّرته امرأة بقول الله عزّو جلّ : ( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً ) فرجع عن نهيه .
وأراد رجم مجنونة حتى اعلم بقول رسول الله ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ : رفع القلم عن ثلاثة ، فأمر أن لا ترجم .
وأمر برجم مولاة حاطب حتى ذكّره عثمان بأنّ الجاهل لا حدّ عليه ، فأمسك عن رجمها .
وأنكر على حسّان الإنشاد في المسجد ، فأخبر هو وأبو هريرة أنّه قد أنشد فيه بحضرة رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ، فسكت عمر .
وقد نهى عمر أن يسمّى بأسماء الأنبياء ، وهو يرى محمد بن مسلمة يغدو عليه ويروح وهو أحد الصحابة الجلّة منهم ، ويرى أبا أيّوب الأنصاري وأبا موسى الأشعري ، وهما لا يعرفان إلاّ بكناهما من الصحابة ، ويرى محمد بن أبي بكر الصدّيق وقد ولد بحضرة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في حجّة


( 367 )

الوداع ، واستفتته امّه إذ ولدته ماذا تصنع في إحرامها وهي نفساء ، وقد علم يقيناً أنّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم علم بأسماء من ذكرنا وبكناهم بلا شكّ وأقرّهم عليها ودعاهم بها ولم يغيّر شيئاً من ذلك ، فلمّا أخبره طلحة وصهيب عن النبي ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ بإباحة ذلك أمسك عن النهي عنه .
وهمّ بترك الرمي في الحجّ ، ثم ذكّر أنّ النبي ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ فعله فقال : لا يجب لنا أن نتركه .
وهذا عثمان ـ رضي الله عنه ـ ، فقد رووا عن أنّه بعث إلى الفريعة اخت أبي سعيد الخدري يسألها عمّا أفتاها به رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في أمر عدّتها ، وأنّه أخذ بذلك .
وأمر برجم امرأة قد ولدت لستّة أشهر ، فذكّره علي بالقرآن وأنّ الحمل قد يكون ستّة أشهر ، فرجع عن الأمر برجمها .
وهذه عائشة وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ خفي عليهما المسح على الخفّين وعلى ابن عمر معهما ، وعلّمه جرير ولم يسلم إلاّ قبل موت النبي ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ بأشهر ، وأقرّت عائشة أنّها لا علم لها به وأمرت بسؤال من يرجى عنده علم ذلك وهو علي رضي الله عنه .
هذه حفصة أمّ المؤمنين سئلت عن الوطء ، يجنب فيه الواطئ أفيه غسل أم لا ؟ فقالت : لا علم لي ؟!
وهذا ابن عمر توقّع أن يكون وحديث نهي عن النبي ـ صلّى الله عليه [ وآل ] وسلّم ـ عن كراء الأرض بعد أزيد من أربعين سنة من موت النبي ـ صلّى الله عليه [ و آله ] وسلّم ـ فأمسك عنها وأقرّ أنّهم كانوا يكرونها على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ، ولم يقل : إنّه لا يمكن أن يخفى على هؤلاء ما يعرف رافع وجابر وأبو


( 368 )

هريرة ، وهؤلاء إخواننا يقولون فيما اشتهوا : لو كان هذا حقّاً ما خفي على عمر !
وقد خفي على زيد بن ثابت وابن عمر وجمهور أهل المدينة إباحة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم للحائض أن تنفر ، حتى أعلمهم بذلك ابن عبّاس وامّ سليم ، فرجعوا عن قولهم .
وخفي على ابن عمر الإقامة حتى يدفن الميّت ، حتى أخبره بذلك أبو هريرة وعائشة فقال : لقد فرّطنا في فراريط كثيرة .
وقيل لابن عمر في اختياره متعة الحجّ على الإفراد : إنّك تخالف أباك فقال : أكتاب الله أحقّ أن يتّبع أم عمر ؟! روينا ذلك عنه من طريق عبدالرزّاق ، عنه معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر .
وخفي على عبدالله بن عمر الوضوء من مسّ الذكر ، حتى أمرته بذلك عن النبي صّلى الله عليه وآله وسلّم بسرة بنت صفوان ، فأخذ بذلك .
وقد تجد الرجل يحفظ الحديث ولا يحضره ذكره حتى يفتي بخلافه وقد يعرض هذا في آي القرآن ، وقد أمر عمر على المنبر بأن لا يزاد في مهور النساء على عدد ذكره ، فذكّرته أمرأة بقول الله تعالى : ( وآتيتم إحداهنّ قنطاراً ) فترك قوله وقال : كلّ أحد أفقه منك يا عمر ، وقال : أمرأة أصابت وأمير المؤمنين أخطأ !
وأمر برجم امرأة ولدت لستّة أشهر ، فذكّره علي بقول الله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) مع قول تعالى : ( والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين ) فرجع عن الأمر برجمها .
وهمّ أن يسطو بعيينة بن حصن إذا قال له : يا عمر ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل ، فذكّره الحرّ بن قيس بن حصن بن حذيفة بقول الله تعالى :


( 369 )

( وأعرض عن الجاهلين ) وقال له : يا أمير المؤمنين هذا من الجاهلين ، فأمسك عمر .
وقال يوم مات رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم : والله ما مات رسول الله ولا يموت حتى يكون آخرنا ، أو كلاماً هذا معناه ، حتى قرئت عليه : ( إنّك ميّت وإنّهم ميّتون ) ، فسقط السيف من يده وخرّ إلى الأرض وقال : كأنّي والله لم أكن قرأتها قطّ !
قال الحافظ ابن حزم : فإذا أمكن هذا في القرآن فهو في الحديث أمكن ، وقد ينساه ألبتّة ، وقد لا ينساه بل يذكره ولكن يتأوّل فيه نأويلاً ، فيظنّ فيه خصوصاً أو نسخاً أو معنًى مّا ، وكلّ هذا لا يجوز اتّباعه إلاّ بنصّ أو إجماع ، لأنّه رأي من رأى ذلك ولا يحلّ تقليد أحد ولا قبول رأيه ... » (1) .
هذا ، ولقد ذكر هذه القضايا يا وغيرها ابن القيّم في ( أعلام الموقّعين ) وقال : « وهذا باب واسع لو تتبّعناه لجاء سفراً كبيراً » .

إيقاظ
أقول : لا يخفى أنّه ليس في هذه الموارد التي ذكرها من جهل الصحابة ونسيانهم للأحكام الشرعية ولا مورد واحد منقول عن أمير المؤمنين عليه السّلام ، ولو كان عند ابن حزم شيء من ذلك بالنسبة اليه ولو كذباً لذكره لوجود الدواعي لذلك عنده . وهذا من أدلّة أعلميّة الامام عليه السّلام وافضليّته بعد النبي مطلقاً .
____________
(1) الإحكام في اصول الأحكام 2 : 12 .
( 370 )

خاتمة الباب الثاني

لقد استعرضنا في الباب الثاني كلّ ما يتعلّق بـ ( أهل السنّة والتحريف ) حيث ذكرنا أن المشهور بينهم هو تنزيه القرآن عن الخطأ والنقصان ، وتعرّضنا للأحاديث الموهمة لذلك عن أهمّ أسفارهم .. فما أمكن حمله على بعض الوجوه المقبولة حملناه ، وما لم يمكن نظرنا في سنده فما ضعف رددناه وما صحّ على اصولهم كذّبناه ، لتكذيب الكتاب والسنّة والإجمال إيّاه ...
لكنّ هذا الردّ والتكذيب .. أثار سؤالاً عمّا إذا كان الحديث صحيحاً وصريحاً في اعتقاد بعض الأصحاب لتحريف الكتاب .. فكيف يكذّب وتكذيبه طعن في الصحيحين وعدالة الأصحاب ؟! وهذا ما دعانا إلى الدخول في بحث موجز حول كتابي البخاري ومسلم ، وعدالة أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ...
وتلخّص أنّ مذهب أهل السنّة نفي تحريف القرآن .. إلاّ القائلين منهم بصحّة جميع ما أخرج في الكتابين ، وبعدالة الصحابة أجمعين .. وهؤلاء هم « الحشوية » الّذين نسب إليهم هذا القول الطبرسي (1) وغيره . وأنّه لا قيمة لإنكار ذلك من الآلوسي (2) وغيره .
____________
(1) مجمع البيان 1 : 15 .
(2) روح المعاني 1 : 21 .

( 371 )

خاتمة البحث

فيا أهل الإسلام !! الله الله في القرآن .. في حفظه والعمل به والسعي في تطبيقه في المجتمعات الإسلامية ... ولا يسبقنّكم بالعمل به غيركم ..
ولا ينسبّن أحد منكم القول بتحريفه والتلاعب به إلى أخيه ... فإنّه لم يثبت القول بذلك من أحد من الشيعة إلاّ من شذّ ، ولم يقل به من السنّة إلاّ الحشوية ... لأحاديث لا يستبعد محقّقوا الفريقين دسّها بين المسلمين من قبل الملاحدة والزنادقة .. دسّوها ليتسنّى لهم الطعن في القرآن المجيد . هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .. فعوا وكونوا على حذر من المشاغبين ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

قم | علي الحسيني الميلاني