الدرس الثامن :
قلنا بأن توضيح واقع هذه السنة القرآنية في سنن التاريخ يتطلب منا ان نحلل عناصر المجتمع ، ما هي عناصر المجتمع من زاوية نظر القرآن الكريم ، ما هي مقومات المركب الاجتماعي ، كيف يتم التنفيذ بين هذه العناصر والمقومات وضمن أي اطار وأي سنن ؟ هذه الاسئلة نحصل على جوابها في النص القرآني الشريف الذي تحدث عن خلق الانسان الاول « واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك » (1) . حينما نستعرض هذه الآية الكريمة نجد ان الله سبحانه وتعالى ينبأ الملائكة بأنه قرر انشاء مجتمع على الارض فما هي العناصر التي تتحدث عن هذه الحقيقة العظيمة ؟ هناك ثلاثة عناصر يمكن استخلاصها من العبارة القرآنية :
____________
(1) سورة البقرة : الآية (30) .
( 104 )

1 ـ الانسان .
2 ـ الارض أو الطبيعة على وجه عام « اني جاعل في الارض خليفة » فهناك ارض او طبيعة على وجه عام وهناك الانسان الذي يجعله الله سبحانه وتعالى على الارض .
3 ـ العلاقة المعنوية التي تربط الانسان بارض وبالطبيعة وتربط من ناحية اخرى الانسان بأخيه الانسان هذه العلاقة المعنوية التي سماها القرآن الكريم بالاستخلاف ، هذه هي عناصر المجتمع ، الانسان والطبيعة والعلاقة المعنوية التي تربط الانسان بالطبيعة من ناحية وتربط الانسان باخيه الانسان من ناحية اخرى وهي العلاقة التي سميت قرآنيا بالاستخلاف . ونحن حينما نلاحظ المجتمعات البشرية نجد انها جميعا تشترك بالعنصر الاول والعنصر الثاني ، فلا يوجد مجتمع بدون انسان يعيش مع أخيه الانسان ولا يوجد مجتمع بدون ارض او طبيعة يمارس الانسان عليها دوره الاجتماعي وفي هذين العنصرين تتفق المجتمعات التاريخية والبشرية . واما العنصر الثالث : ففي كل مجتمع علاقة كما ذكرنا ولكن المجتمعات تختلف طبيعة هذه العلاقة وفي كيفية صياغتها .
فالعنصر الثالث هو العنصر المرن والمتحرك من


( 105 )

عناصر المجتمع وكل مجتمع يبني هذه العلاقة بشكل قد يتفق وقد يختلف مع طريقة بناء المجتمع الاخر لها . وهذه العلاقة لها صيغتان احدهما صيغة رباعية وقد اطلق عليها اسم « الصيغة الرباعية » والاخرى صيغة ثلاثية .
الصيغة الرباعية : هي الصيغة التي ترتبط بموجبها الطبيعة والانسان مع الانسان ، هذه اطراف ثلاثة فالعلاقة اذن اتخذت صيغة تربط بموجبها بين هذه الاطراف وهي الطبيعة والانسان مع اخيه الانسان ولكن مع افتراض طرف رابع ايضا ، الصيغة الرباعية تربط بين هذه وهذا الطرف الرابع ليس داخلا في اطار المجتمع وانما خارج عن اطاره . ولكن الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية تعتبر هذا الطرف الرابع مقوما من المقومات الاساسية للعلاقة الاجتماعية على رغم خروجه خارج اطار المجتمع ، وهذه الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية ذات الابعاد الاربعة هي التي طرحها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف .
الاستخلاف اذن هو العلاقة الاجتماعية من زاوية نظر القرآن الكريم وعند تحليل الاستخلاف نجد انه ذو اربعة اطراف لانه يفترض مستخلفا ايضا . لا بد من مستخلف ومستخلف عليه ، ومستخلف . فهناك


( 106 )

اضافة الى الانسان واخيه الانسان والطبيعة يوجد طرف رابع في طبيعة وتكوين علاقة الاستخلاف وهو المستخلف اذ لا استخلاف بدون مستخلف ، فالمستخلف هو الله سبحانه وتعالى والمستخلف هو الانسان واخوه الانسان ، أي الانسانية ككل الجماعة البشرية والمستخلف عليه هو الارض وما عليها ومن عليها فالعلاقة الاجتماعية ضمن صيغة الاستخلاف تكون ذات اطراف اربعة وهذه الصيغة تنطبق بوجهة نظر معينة نحو الحياة والكون بوجهة نظر قائلة بانه لا سيد ولا اله للكون وللحياة الا الله سبحانه وتعالى وان دور الانسان في ممارسة حياته انما هو دور الاستخلاف والاستئمام وأي علاقة تنشأ بين الانسان والطبيعة فهي في جوهرها ليست علاقة مالك بمملوك وانما هي علاقة امين على امانة استؤمن عليها وأي علاقة تنشأ بين الانسان واخيه الانسان مهما كان المركز الاجماعي لهذا او لذاك فهي علاقة استخلاف وتفاعل بقدر ما يكون هذا الانسان مؤديا لواجبه بهذه الخلافة وليس علاقة سيادة أو الوهية او مالكية ، هذه الصيغة الاجتماعية الرباعية الاطراف التي صاغها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف ترتبط بوجهة النظر المعينة للحياة والكون . في مقابلها يوجد للعلاقة الاجتماعية صيغة ثلاثية الاطراف ، صيغة تربط بين


( 107 )

الانسان والانسان والطبيعة ولكنها تقطع صلة هذه الاطراف مع الطرف الرابع ، تجرد تركيب العلاقة الاجتماعية عن البعد الرابع ، عن الله سبحانه وتعالى . وبهذا تتحول نظرة كل جزء الى الجزء الاخر داخل هذا التركيب وداخل هذه الصيغة .
وجدت الالوان المختلفة للملكية والسيادة ، سيادة الانسان على أخيه الانسان باشكالها المختلفة التي استعرضها التاريخ بعد ان عطل البعد الرابع وبعد ان افترض ان البداية هي الانسان ، حينئذ تنوعت على مسرح الصيغة الثلاثية اشكال الملكية واشكال السيادة ، سيادة الانسان على اخيه الانسان .
وبالتدقيق في المقارنة بين الصيغتين ، الصيغة الرباعية والصيغة الثلاثية يتضح ان اضافة الطرف الرابع للصيغة الرباعية ليس مجرد اضافة عددية ، ليس مجرد طرف جديد يضاف الى الاطراف الاخرى بل ان هذه الاضافة تحدث تغييرا نوعيا في بنية العلاقة الاجتماعية وفي تركيب الاطراف الثلاثة الاخرى نفسها ، ليس هذا مجرد عملية جمع ثلاثة زائد واحد ، بل هذا الواحد الذي يضاف الى الثلاثة سوف يعطي للثلاثة روحا أخرى ومفهوما آخر ، سوف يحدث تغييرا اساسيا في كنية هذه العلاقة ذات الاطراف الاربعة كما رأينا ،


( 108 )

اذ يعود الانسان مع اخيه الانسان مجرد شركاء في محل هذه الامانة والاستخلاف وتعود الطبيعة بكل ما فيها من ثروات وبكل ما عليها ومن عليها مجرد امانة لابدّ من رعاية واجبها واداء حقها . هذا الطرف الرابع هو في الحقيقة مغير نوعي لتركيب العلاقة اذن امامنا للعلاقة الاجتماعية صيغتان صيغة رباعية وصيغة ثلاثية والقرآن الكريم آمن بالصيغة الرباعية كما رأينا في الآية الكريمة ، الاستخلاف هو الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية لكن القرآن الكريم اكثر من أنه آمن بالصيغة الرباعية في المقام أعتبر الصيغة الرباعية سنة من سنن التاريخ كما رأينا في الآية السابقة كيف اعتبر الدين سنة من سنن التاريخ كذلك اعتبر الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية التي هي صيغة الدين في الحياة . اعتبر هذه العلاقة بصيغتها الرباعية سنة من سنن التاريخ . كيف ؟
هذه الصيغة الرباعية عرضها القرآن الكريم على نحوين : عرضها تارة بوصفها فاعلية ربانية من زاوية دور الله سبحانه وتعالى في العطاء . وهذا هو العرض الذي قرأناه « إني جاعل في الارض خليفة » هذه العلاقة الرباعية معروضة في هذا النص الشريف باعتبارها عطاءا من الله ، جعلا من الله يمثل الدور


( 109 )

الايجابي والتكريمي من رب العالمين للانسان وعرض الصيغة الرباعية نفسها من زاوية اخرى . عرضها بوصفها وبنحو ارتباطها مع الانسان بما هي أمر يتقبله الانسان . عرضها من زاوية تقبل الانسان لهذه الخلافة وذلك في قوله سبحانه وتعالى « انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا » (1) . الامانة هي الوجه التقبلي للخلافة ، الخلافة هي الوجه الفاعلي والعطائي للامانة ، الامانة والخلافة عبارة عن الاستخلاف والاستئمان وتحمل الاعباء . عبارة عن الصيغة الرباعية وهذه تارة نلحظها من زاوية ربطها بالفاعل وهو الله سبحانه وتعالى بقوله « اني جاعل في الارض خليفة » واخرى نلحظها من زاوية القابل كما يقول الفلاسفة ، من ناحية دور الانسان في تقبل هذه الخلافة وتحمل هذه الامانة وذلك بقوله تعالى « وعرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال ... » وهذه الامانة التي تقبلها الانسان وتحملها حينما عرضت عليه بعض هذه الآية الكريمة ، هذه الامانة او هذه الخلافة او بالتفسير الذي قلناه هذه العلاقة الاجتماعية بصيغتها الرباعية . لم تعرض على الانسان بوصفها
____________
(1) سورة الاحزاب : الآية (72) .
( 110 )

تكليفا او طلبا ليس المقصود من عرضها على الانسان هو العرض على مستوى التكليف والطلب وليس المقصود من تقبل هذه الامانة هو تقبل هذه الخلافة على مستوى الامتثال والطاعة ، ليس المفروض ان يكون هكذا العرض وان يكون هكذا التقبل بقرينة ان هذا العرض كان معروضا على الجبال ايضا ، على السماوات والارض ايضا فمن الواضح انه لا معنى لتكليف السماوات والجبال والارض . نعرف من ذلك ان هذا العرض ليس عرض تشريعي ، هذا العرض معناه ان هذه العطية الربانية كانت تفتش عن الموضع المنسجم معها بطبيعته ، بفطرته ، بتركيبه التاريخي والكوني ، الجبال لا تنسجم مع هذه الخلافة ، السماوات والارض لا تنسجم مع هذه العلاقة الاجتماعية الرباعية . الانسان هو الكائن الوحيد الذي بحكم تركيبه وبحكم بنيته وبحكم فطرة الله التي قرأناها في الآية السابقة كان منسجما مع هذه العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة والتي تصبح أمانة وخلافة . اذن العرض هنا عرض تكويني والقبول هنا قبول تكويني وهو معنى سنة التاريخ يعني ان هذه العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة داخلة في تكوينة الانسان وفي تركيب مسار الانسان الطبيعي والتاريخي ، ونلاحظ انه في


( 111 )

هذه الآية الكريمة ايضا جاءت الاشارة الى هذه السنة التاريخية وانها سنة من الشكل الثالث . سنة تقبل التحدي وتقبل العصيان . ليست من تلك السنن التي لا تقبل التحدي ابدا ولو للحظة ، لا .. هي سنة فطرة ولكن هذه الفطرة تقبل التحدي . كيف اشار القرآن الكريم الى ذلك بعد ان اوضح انها سنة من سنن التاريخ ؟ قال : « وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا » هذه العبارة الأخيرة « انه كان ظلوما جهولا » تأكيد على طابع هذه السنة وان هذه السنة على الرغم من انها سنة من سنن التاريخ ولكنها سنة تقبل التحدي ، تقبل ان يقف الانسان منها موقفا سلبيا . هذا التعبير يوازي تعبير « ولكن اكثر الناس لا يعلمون » في الآية السابقة اذن الآية السابقة استخلصنا منها ان الدين سنة من سنن الحياة ومن سنن التاريخ ومن هذه الآية نستخلص ان صيغة الدين للحياة التي هي عبارة عن العلاقة الاجتماعية الرباعية ، العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة التي يسميها القرآن بالخلافة والامانة والاستخلاف ، هذه العلاقة الاجتماعية هي ايضا بدورها سنة من سنن التاريخ بحسب مفهوم القرآن الكريم فالحقيقة ان الآية الاولى والآية الثانية متطابقتان تماما في مفادهما لانه في الآية الاولى قال « فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله


( 112 )

التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم » (1) التعبير بالدين القيم تأكيد على أن ما هو الفطرة وما هو داخل في تكوين الانسان وتركيبه وفي مسار تاريخه هو الدين القيم يعني ان يكون هذا الدين قيما على الحياة ان يكون مهيمنا على الحياة ، هذه القيمومة في الدين هي التعبير المجمل في تلك الآية عن العلاقة الاجتماعية الرباعية التي طرحت في الآيتين ، في آية « اني جاعل في الارض خليفة » وآية « انا عرضنا الامانة على السماوات والارض » فالدين سنة الحياة والتاريخ ، الدين يدخل فيها بعداً رابعا لكي يحدث تغييرا في كنية هذه العلاقة لا لكي تكون مجرد اضافة عددية .
هذه مفاهيم القرآن الكريم مستخلصة من هذه الآيات عن هذه السنة ، اما كيف نريد ان نتعرف بصورة اوضح وأوسع عن هذه السنة ، عن دور التاريخ كسنة ، عن دور الدين القيم ودور الخلافة والامانة ، عن دور العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة ، دور الطرف الرابع . ما هو دوره كسنة من سنن التاريخ ، وكيف كان سنة من سنن التاريخ ؟ ، وكيف كان مقوما اساسيا لمسار الانسان على الساحة التاريخية ؟ لكي نتعرف على
____________
(1) سورة الروم : الآية (30) .
( 113 )

ذلك لا بد من ان نتعرف على الركنين الثابتين في العلاقة الاجتماعية ، هناك ركنان ثابتان في العلاقة الاجتماعية احدهما الانسان واخوه الانسان والاخر الطبيعة ، الكون والارض . هذان الركنان داخلان في الصيغة الثلاثية وداخلان في الصيغة الرباعية ، ومن هنا نسميهما بالركنين الثابتين في العلاقة الاجتماعية لكي نعرف دور الركن الجديد ودور هذا الركن الجديد ، دور هذا الطرف الرابع ، دور الله سبحانه وتعالى في تركيب العلاقة الاجتماعية ، يجب ان نعرف مقدمة لذلك دور الركنين الثابتين .
ما هو دور الانسان في عملية التاريخ من زاوية النظرة القرآنية ، من زاوية النظرة للقرآن والفهم الرباني من القرآن للتاريخ وسنن الحياة ؟ ما هو دور الانسان في العلاقة الاجتماعية ؟ وما هو دور الطبيعة في العلاقة الاجتماعية على ضوء تشخيص هذين الدورين وتحديد هذين الموقفين ، سوف يتضح حينئذ دور هذا الطرف الجديد ، دور الطرف الرابع الذي تتميز به الصيغة الرباعية عن الصيغة الثلاثية . ويتضح ان هذا الطرف الرابع عنصر ضروري بحكم سنة التاريخ وتركيب خلقة الانسان ولابدّ وان يندمج مع الاطراف الاخرى لتكوين علاقة


( 114 )

اجتماعية رباعية الاطراف . اذن ففهم هذه السنة التاريخية يتطلب منا ان نتحدث عن دور الانسان والطبيعة في عملية التاريخ من زاوية نظر القرآن الكريم وهذا ما سيأتي انشاء الله .



( 115 )

الدرس التاسع :
قلنا في ما سبق ان اكتشاف الابعاد الحقيقية لدور الدين في حركة التاريخ والمسيرة الاجتماعية للانسان تتوقف على تحقيق وتقييم دور العنصرين او الركنين الثابتين في الصيغة وهما الانسان والطبيعة .
الان نتحدث عن الانسان ودور الانسان في الحركة التاريخية من زاوية مفهوم القرآن الكريم .
من الواضح على ضوء المفاهمي التي قرأناها سابقا ان الانسان أو المحتوى الداخلي للانسان هو الاساس لحركة التاريخ واننا ذكرنا ان حركة التاريخ تتميز عن كل الحركات الاخرى بانها حركة غائية لا سببية فقط ، ليست مشدودة الى سببها ، الى ماضيها . بل هي مشدودة الى الغاية لانها حركة هادفة لها علة غائية متطلعة الى المستقبل . فالمستقبل هو المحرك لأي نشاط من النشاطات التاريخية . والمستقبل معدوم فعلا وانما


( 116 )

يحرك من خلال الوجود الذهني الذي يتمثل فيه هذا المستقبل . اذن ، فالوجود الذهني هو الحافز والمحرك والمدار لحركة التاريخ وهذا الوجود الذهني يجسد من ناحية جانبا فكريا وهو الجانب الذي يضم تصورات الهدف ، وايضا يمثل من جانب آخر الطاقة والارادة التي تحفز الانسان نحو هذا الهدف . اذن هذا الوجود الذهني الذي يجسد المستقبل المحرك يعبر بجانب منه عن الفكر وفي جانب آخر منه عن الارادة وبالأمتزاج بين الفكر والارادة تتحقق فاعلية المستقبل ومحركيته للنشاط التاريخي على الساحة الاجتماعية . وهذان الامران الفكر والارادة هما في الحقيقة المحتوى الداخلي الشعوري للانسان . انه يتمثل في هذين الركنين الاساسيين وهما الفكر والارادة . اذن المحتوى الداخلي للانسان هو الذي يصنع هذه الغايات ويجسد هذه الاهداف من خلال مزجه بين فكرة وارادة . وبهذا صح القول بأن المحتوى الداخلي للانسان هو الاساس لحركة التاريخ . والبناء الاجتماعي العلوي بكل ما يضم من علاقات ومن انظمة ومن افكار وتفاصيل هذا البناء العلوي في الحقيقة مرتبط بهذه القاعدة في المحتوى الداخلي للانسان ويكون تغيره وتطوره تابعا لتغير هذه القاعدة وتطورها فاذا تغير الاساس تغير


( 117 )

البناء العلوي ، واذا بقي الاساس ثابتا ، بقي البناء العلوي ثابتا .
فالعلاقة بين المحتوى الداخلي للانسان والبناء الفوقي والتاريخي للمجتمع ، هذه العلاقة علاقة تبعية أي علاقة سبب بسبب . هذه العلاقة تمثل سنة تاريخية تقدم الكلام عنها في قوله سبحانه وتعالى « ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » (1) . هذه الآية واضحة جدا في المفهوم الذي اعطيناه وهو ان المحتوى الداخلي للإنسان هو القاعدة والأساس لبناء العلوي ، للحركة التاريخية لان الاية الكريمة تتحدث عن تغييرين احدهما تغيير القول « ان الله لا يغير ما بقوم » يعني تغيير اوضاع القوم ، شؤون القوم ، الابنية العلوية للقوم ، ظواهر القوم ، هذه لا تتغير حتى يتغير ما بأنفس القوم . اذن التغيير الاساس هو تغيير ما بنفس القوم والتغيير النابع المترتب على ذلك هو تغيير حالة القوم النوعية والتاريخية والاجتماعية ومن الواضح ان المقصود من تغيير ما بالانفس . تغيير ما بأنفس القوم بحيث يكون المحتوى الداخلي للقوم كقوم وكأمة وكشجرة مباركة تؤتي أكلها كل حين متغيرا . والا تغير الفرد الواحد او الفردين او الافراد الثلاثة
____________
(1) سورة الرعد : الآية (11) .
( 118 )

لا يشكل الاساس لتغير ما بالقوم ، وانما يكون تغير ما بالقوم تابعا لتغير ما بأنفسهم كقوم وكأمة وكشجرة مباركة تؤتي اكلها كل حين . فالمحتوى النفسي والداخلي للامة كأمة لا لهذا الفرد او لذلك الفرد هو الذي يعتبر أساسا وقاعدة للتغييرات في البناء العلوي للحركة التاريخية كلها .
والاسلام والقرآن الكريم يؤمن بأن العمليتين يجب ان تسيرا جنبا الى جنب في عملية صنع الانسان لمحتواه الداخلي وبناء الانسان لنفسه ولفكره ولارادته ولمطموحاته . هذا البناء الداخلي يجب ان يسير جنبا الى جنب مع البناء الخارجي ، مع الابنية العلوية ولا يمكن ان يفترض انفكاك البناء الداخلي عن البناء الخارجي الا اذا بقي البناء الخارجي بناءا مهزوزا متداعيا . ولهذا سمى الاسلام عملية بناء المحتوى الداخلي اذا اتجهت اتجاها صالحا بـ « الجهاد الاكبر » . وسمى عملية البناء الخارجي اذا اتجهت اتجاها صالحا بعملية « الجهاد الاصغر » وربط الجهاد الاصغر بالجهاد الاكبر واعتبر ان الجهاد الاصغر اذا فصل عن الجهاد الاكبر فقد محتواه ومضمونه ، بل فقد قدرته على التغيير الحقيقي على الساحة التاريخية والاجتماعية . اذن هاتان العمليتان يجب ان تسيرا جنبا الى جنب . فاذا


( 119 )

انفكت احداهما عن الاخرى فقدت حقيقتها ومحتواها وسمى الاسلام العملية الاولى عملية بناء المحتوى الداخلي بالجهاد الاكبر تأكيد على الصفة الاساسية للمحتوى الداخلي وتوضيحا لهذه الحقيقة ، حقيقة ان المحتوى الداخلي للانسان هو الاساس ولهذا سمي بالجهاد الاكبر . فاذا بقي الجهاد الاصغر منفصلا عن الجهاد الاكبر ، حينئذ لا يحقق ذلك في الحقيقة أي مضمون تغييري صالح . القرآن الكريم يعرض لحالة من حالات انفصال عملية البناء الخارجي عن عملية البناء الداخلي قال سبحانه وتعالى « ومن الناس من يعجبه قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الدّ الخصام . واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد » (1) يريد ان يقول بان الانسان اذا لم ينفذ بعملية التغيير الى قلبه والى اعماق روحه ، اذا لم يبن نفسه بناءا صالحا لا يمكنه ابدا ان يطرح الكلمات الصالحة . التي يمكن ان تتحول الى بناء صالح في المجتمع اذا نبعت عن قلب يعمر بالقيم التي تدل عليها تلك الكلمات والا فتبقى الكلمات مجرد الفاظ جوفاء دون ان يكون لها مضمون ومحتوى . فمسألة القلب هي التي
____________
(1) سورة البقرة : الآية (204 ـ 205) .
( 120 )

تعطي للكلمات معناها وللشعارات ابعادها ولعملية البناء الخارجي اهدافها ومسارها . الى هنا عرفنا ان الاساس في حركة التاريخ هو المحتوى الداخلي للانسان . وهذا المحتوى الداخلي للانسان يشكل القاعدة . الان نتساءل : ما هو الاساس في هذا المحتوى الداخلي نفسه ، ما هي نقطة البدء في بناء هذا المحتوى الداخلي للانسان ، وما هو المحور الذي يستقطب عملية بناء المحتوى الداخلي للانسان ؟ هو المثل الاعلى ، عرفنا ان المحتوى الداخلي للانسان يجسد الغايات التي تحرك التاريخ ، يجسدها من خلال وجودات ذهنية تمتزج فيها الارادة بالتفكير . وهذه الغايات التي تحرك التاريخ يحددها المثل الاعلى . فانها جميعا تنبثق عن وجهة نظر رئيسية الى مثل اعلى للانسان في حياته ، للجماعة البشرية في حياتها . وهذا المثل الاعلى هو الذي يحدد الغايات التفصيلية وينبثق عنه هذا الهدف الجزئي وذلك الهدف الجزئي فالغايات بنفسها محركة للتاريخ وهي بدورها نتاج لقاعدة اعمق منها في المحتوى الداخلي للانسان وهو المثل الاعلى الذي تتمحور فيه كل تلك الغايات وتعود اليه كل تلك الاهداف . فبقدر ما يكون المثل الاعلى للجماعة البشرية صالحا وعاليا وممتدا تكون الغايات صالحة وممتدة ،


( 121 )

وبقدر ما يكون هذا المثل الاعلى محدودا او منخفضا تكون الغايات المنبثقة عنه محدودة ومنخفضة ايضا . اذن المثل الاعلى هو نقطة البدء في بناء المحتوى الداخلي للجماعة البشرية . وهذا المثل الاعلى يرتبط في الحقيقة بوجهة نظر عامة الى الحياة والكون ، يتحدد من قبل كل جماعة بشرية على اساس وجهة نظرها العامة نحو الحياة والكون ، على ضوء ذلك تحدد مثلها الاعلى . ومن خلال الطاقة الروحية التي تتناسب مع ذلك المثل الاعلى ومع وجهة نظرها الى الحياة والكون تحقق ارادتها للسير نحو هذا المثل وفي طريق هذا المثل . اذن هذا المثل الاعلى هو في الحقيقة ايضا يتجسد من خلال رؤية فكرية ومن خلال طاقة روحية تزحف بالانسان في طريقة ، وكل جماعة اختارت مثلها الاعلى ، فقد اختارت في الحقيقة سبيلها وطريقها ومنعطفات هذا السبيل وهذا الطريق كما رأينا ان الحركة التاريخية تتميز عن أي حركة اخرى في الكون بانها حركة غائية وهادفة وكذلك تتميز وتتمايز الحركات التاريخية انفسها بعضها عن بعض بمثلها العليا . فلكل حركة تاريخية مثلها الاعلى ، وهذا المثل الاعلى هو الذي يحدد الغايات والاهداف وهذه الاهداف والغايات هي التي تحدد النشاطات والتحركات ضمن مسار ذلك المثل الاعلى . والقرآن الكريم والتعبير الديني يطلق على المثل الاعلى في


( 122 )

جملة من الحالات اسم الاله باعتبار ان المثل الاعلى هو القائد الآمر المطاع الموجه . هذه صفات يراها القرآن لاله ولهذا يعبر عن كل من يكون مثل اعلى ، كل ما يمثل مركز المثل الاعلى يعبر عنه بالاله لانه هو الذي يصنع مسار التاريخ ، حتى ورد في قوله سبحانه وتعالى ( أرأيت من اتخذ الهه هواه ) (1) عبر حتى عن الهوى حينما يتصاعد تصاعدا مصطنعا فيصبح هو المثل الاعلى وهو الغاية القصوى لهذا الفرد او لذاك ، عبر عنه بانه اله . فالمثل العليا بحسب التعبير القرآني والديني هي آلهة في الحقيقة لانها هي المعبودة حقا وهي الآمرة والناهية حقا وهي المحركة حقا ، فهي آلهة في المفهوم الديني والاجتماعي . وهذه المثل العليا التي تتبناها الجمعات البشرية على ثلاثة اقسام :
القسم الاول : المثل الاعلى الذي يستمد تصوره من الواقع نفسه ، ويكون منتزعا من واقع ما تعيشه الجماعة البشرية من ظروف وملابسات ، أي ان الوجود الذهني الذي صاغ المستقبل هنا لم يستطع يرتفع على هذا الواقع بل انتزع مثله الاعلى من هذا الواقع بحدوده وبقيوده وبشؤونه . وحينما يكون المثل الاعلى منتزعا عن واقع الجماعة بحدودها وقيودها
____________
(1) سورة الفرقان : الآية (43) .
( 123 )

وشؤونها تصبح حالة تكرارية ، تصبح بتعبير آخر محاولة لتجميد هذا الواقع وحمله الى المستقبل بدلا عن التطلع اليه فقط يكون في الحقيقة تجميدا لهذا الواقع وتحويله من حالة نسبية ومن امر محدود الى امر مطلق لان الانسان يعترضه هدفا ومثلا اعلى وحينما يتحول هذا الواقع من امر محدود الى هدف مطلق ، الى حقيقة مطلقة لا يتصور الانسان شيئا وراءها . حينما يتحول الى ذلك . سوف تكون حركة التاريخ حركة تكرارية لحالة سابقة ولهذا سوف يكون المستقبل تكرارا للواقع وللماضي .
هذا النوع من الآلهة يعتمد على تجميد الواقع وتحويل ظروفه النسبية الى ظروف مطلقة لكي لا تستطيع الجماعة البشرية ان تتجاوز الواقع وان ترتفع بطموحاتها عن هذا الواقع . تبني هذا النوع من المثل العليا له احد سببين : السبب الاول الالفة والعادة والخمول والضياع ، وهذا سبب نفسي ، واذا انتشرت هذه الحالة في مجتمع حينئذ يتجمد ذلك المجتمع لانه سوف يصنع الهة من واقعه ، سوف يحول هذا الواقع النسبي المحدود الذي يعيشه الى حقيقة مطلقة ، الى مثل اعلى الى هدف لا يرى وراءه شيئا ، وهذا في الحقيقة هو ما عرضه القرآن الكريم


( 124 )

في كثير من الآيات التي تحدثت عن المجتمعات التي واجهت الانبياء حينما جاؤها بمثل عليا حقيقية ترتفع عن الواقع وتريد ان تحرك هذا الواقع وتنتزعه من حدوده النسبية الى وضع آخر . واجه هؤلاء الانبياء مجتمعات سادتها حالة الالفة والعادة والتميع فكان هذا المجتمع يرد على دعوة الانبياء ويقول باننا وجدنا اباءنا على هذه السنة ، وجدنا آباءنا على هذه الطريقة ونحن متمسكون بمثلهم الاعلى ، سيطرة الواقع على اذهانهم وتغلغل الحس في طموحاتهم بلغ الى درجة تحول هذا من خلالها الى انسان حسي لا الى انسان مفكر ، الى الى انسان يكون ابن يومه دائما ، ابن واقعه دائما لا أبا يومه أبا واقعه . ولهذا لا يستطيع ان يرتفع على هذا الواقع .
لاحظوا القرآن الكريم وهو يقول » قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون » (1) .
» قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ، أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون » (2) . « قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الارض وما نحن لكما بمؤمنين » (3) .
____________
(1) سورة البقرة : الآية (170) .
(2) سورة المائدة : الآية (104) .
(3) سورة يونس : الآية (78) .

( 125 )

« أتنهانا ان نعبد ما يعبد آباؤنا واننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب » (1) ، « قالت رسلهم افي الله شك فاطر السموات والارض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم الى اجل مسمى ، قالوا ان انتم الا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين » (2) « بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون »(3) في كل هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم السبب الاول لتبني المجتمع هذا المثل الاعلى المنخفض . هؤلاء بحكم الالفة والعادة وبحكم التميع والفراغ وجدوا سنة قائمة . وجدوا وضعا قائما فلم يسمحوا لانفسهم بأن يتجاوزوه بل جسدوه كمثل اعلى وعارضوا به دعوات الانبياء على مر التاريخ ، هذا هو السبب الاول لتبني هذا المثل الاعلى المنخفض .
السبب الثاني لتبني هذا المثل الاعلى المنخفض هو التسلط الفرعوني على مر التاريخ ، الفراعنة حينما يحتلون مراكزهم يجدون في أي تطلع الى المستقبل وفي أي تجاوز للواقع الذي سيطروا
____________
(1) سورة نوح : الآية (62) .
(2) سورة إبراهيم : الآية (10) .
(3) سورة الزخرف : الآية (22) .

( 126 )

عليه ، يجدون في ذلك زعزعة لوجودهم وهزا لمراكزهم . من هنا كان من مصلحة فرعون على مر التاريخ ان يغمض عيون الناس على هذا الواقع ، ان يحول الواقع الذي يعيشه مع الناس الى مطلق ، الى اله ، الى مثل أعلى لا يمكن تجاوزه ، يحاول ان يحبس وان يضع كل الامة في اطار نظرته هو ، في اطار وجوده هو لكي لا يمكن لهذه الامة ان تفتش عن مثل اعلى ينقلها من الحاضر الى المستقبل من واقعه الى طموح آخر أو أكبر من هذا الواقع . هنا السبب اجتماعي لا نفسي ، السبب خارجي لا داخلي . وهذا ايضا ما عرضه القرآن الكريم « وقال فرعون يا أيها الملأ ما عرفت لكم من اله غيري » (1) « قال فرعون ما أريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد » (2) هنا فرعون يقول ما أريكم الا ما ارى يريد ان يضع الناس الذين يعبدونه كلهم في اطار رؤيته في اطار نظرته ، يحول هذه النظرة وهذا الواقع ، الى مطلق لا يمكن تجاوزه هنا الذي يجعل المجتمع يتبنى مثلا اعلى مستمد من الواقع هو التسلط الفرعوني الذي يرى في تجاوز هذا المثل الاعلى خطرا عليه وعلى وجوده . قال الله سبحانه وتعالى « ثم ارسلنا موسى
____________
(1) سورة القصص : الآية (38) .
(2) سورة غافر : الآية (29) .

( 127 )

واخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين . الى فرعون وملأه فاستكبروا وكانوا قوما عالين . فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون » (1) نحن غير مستعدين ان نؤمن بهذا المثل الاعلى الذي جاء به موسى لانه سوف يزعزع عبادة قوم موسى وهارون لنا . اذن هذا التجميد ضمن اطار الواقع الذي تعيشه الجماعة أي جماعة بشرية ينشأ من حرص أولئك الذين تسلطوا على هذه الجماعة على ان يضمنوا وجودهم ويضمنوا الواقع الذي هم فيه وهم بناته . هذا هو السبب الثاني الذي عرضه القرآن الكريم . والقرآن الكريم يسمى هذا النوع من القوى التي تحاول ان تحول هذا الواقع المحدود الى مطلق وتحصر الجماعة البشرية في اطار هذا المحدود ، يسمي هذا بالطاغوت . قال سبحانه وتعالى « والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا الى الله لهم البشرى فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك هم الذين هداهم الله وأولئك هم أولي الألباب » (2) . لاحظوا ذكر صفة اساسية مميزة لمن اجتنب عبادة الطاغوت ما هي ؟
____________
(1) سورة المؤمنون : الآية (45 ـ 47) .
(2) سورة الزمر : الآية (17 ـ 18) .

( 128 )

قال « فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه » (1) .
يعني لم يجعلوا هناك قيدا على ذهنهم ، لم يجعلوا أطارا محدودا لا يمكنهم ان يتجاوزوه ، جعلوا الحقيقة مدار همهم هدفهم ولهذا يستمعون القول فيتبعون أحسنه يعني هم في حالة تطلع وموضوعية تسمح لهم بان يجدوا الحقيقة يتبعوها . بينما لو كانوا يعبدون الطاغوت ، حينئذ يكونون في اطار هذا الواقع الذي يريده الطاغوت ، سوف لن يستطيعو أن يستمعوا الى القول فيتبعون احسنه وانما يتبعون فقط ما يراد لهم ان يتبعوه ، هذا هو السبب الثاني لاتباع وتبني هذه المثل ، اذن خلاصة ما مر بنا حتى الان : أن التاريخ يتحرك من خلال البناء الداخلي للانسان الذي يصنع للانسان غاياته هذه الغايات تبني على اساس المثل الاعلى الذي تنبثق عنه تلك الغايات لكل مجتمع مثل اعلى ولكن مثل اعلى مسار ومسيرة وهذا المثل الاعلى هو الذي يحدد في تلك المسيرة معالم الطريق وهو على ثلاثة أقسام حتى الان استعرضنا القسم الاول من المثل العليا وهو المثل الاعلى الذي ينبثق تصوره عن الواقع ويكون منتزعا
____________
(1) سورة الزمر : الآية (17 ـ 18) .
( 129 )

عن الواقع الذي تعيشه الجماعة وهذا مثل أعلى تكراري . وتكون الحركة التاريخية في ظل هذا المثل الاعلى حركة تكرارية ، أخذ الحاضر لكي يكون هو المستقبل وقلنا بان تبني هذا النوع من المثل الاعلى يقود الى احد سببين بحسب تصورات القرآن الكريم .
السبب الاول سبب نفسي وهو الالفة والعادة والضياع والسبب الاخر سبب خارجي وهو تسلط الفراعنة والطواغيت على مر التاريخ .