1 ـ ( ... فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون ) (1) . وصدر الآية نفي الحرج عن الأعمى ، والأعرج ، والمريض (2) ، وأرباب البيوت ، من دخولها والأكل منها ، وبيوت الآباء ، والأمهات ، والإخوة ، والأخوات ، والأعمام ، والعمات ، والأخوال ، والخالات ، ومالكي المفاتيح ، والأصدقاء ، أن يأكلوا جميعاً أو أشتاتاً ثم قال عزّ وجلّ : ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا ... ) .
ويريد تعالى من ( بيوتاً ) البيوت المذكورة في الآية بيوت الأهل ، والأرحام ، فعلى الداخل لكلٍ منهما السلام : تحية الله المباركة الطيبة سلام الاستئذان قبل الأكل منها ، سواء أكان أحد فيها أم لا ؛ فإن ملائكة الله في كل مكان موجودون ، وعلى الأقل الملكان الموكلان الكاتبان لأعمال الإنسان ، وقد سبق ذكر آي للملائكة الموكلة عليه منها : ( وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين ) (3) .

التفسير :
1 ـ روى الشيخ الصدوق بإسناده إلى أبي الصباح قال : « سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على
____________
1 ـ النور : 61 .
2 ـ كان أهل المدينة يتحرجون من أكل الطعام مع الأعمى والأعرج والمريض من ذوي قرباهم ، وجاء الإسلام يدفع عللهم للتحرج مع هؤلاء ... الدر المنثور 5 | 58 .
3 ـ الانفطار : 10 ـ 11 . والكاتبان أحدهما الملك المسمى بـ « الرقيب » ، والثاني « العتيد » .
قال ابن أبي الحديد المعتزلي : ( قيل : إن عمر كان يعسّ بالليل ، فسمع صوت رجل وامرأة في بيت ، فارتاب فتسور الحائط ، فوجد امرأة ورجلاً ، وعندهما زقّ خمر ، فقال : يا عدوّ الله ، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت على معصيته ! قال : يا أمير المؤمنين ، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث ، قال الله تعالى : ( ولا تجسسوا ) [ سورة الحجرات : 12 ] ، وقد تجسست . وقال : ( واتوا البيوت من أبوابها ) [ سورة البقرة : 189 ] ، وقد تسورت . وقال : ( وإذا دخلتم بيوتاً فسلموا ) [ سورة النور : 61 ] ، وما سلَّمت ) .
شرح النهج 1 | 182 .
ومن استدلال الرجل بالآية الأخيرة في النفس شيء ، والمناسبة آية ( غير بيوتكم ) [ النور : 27 ] .

(93)

أنفسكم ) (1) الآية ؟ قال : هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ، ثم يردّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم » (2) .
2 ـ الباقري الآخر : « إذا دخل منكم الرجل بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربنا ، يقول الله : تحية من عند الله مباركة طيبة ) (3) .
3 ـ قال القمي : وقيل : إذا لم ير الداخل بيتاً أحداً فيه يقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، يقصد به الملكين الذين عليه شهوداً (4) .
4 ـ النبوي : « إذا دخل أحدكم بيته فليسلم ؛ فإنه ينزله البركة وتونسه الملائكة » (5) .
5 ـ العلوي : « دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وهو في بعض حجراته ، فاستأذنت عليه ، فأذن لي ، فلما دخلت قال لي : ياعلي أما علمت أن بيتي بيتك ، فما لك تستأذن عليّ ؟ قال : فقلت : يا رسول الله أحببت أن أفعل ذلك . قال : يا علي أحببت ما أحب الله وأخذت بآداب الله ... » (6) .
6 ـ الصادقي : « إذا دخلت منزلك فقل : بسم الله وبالله ، وسلم على أهلك ، فإن لم يكن فيه أحد فقل : بسم الله وسلام على رسول الله وعلى أهل بيته ، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإذا قلت ذلك فرّ الشيطان من منزلك » (7) .
7 ـ الصادقي الآخر قال : « يسلّم الرجل إذا دخل على أهله ، وإذا
____________
1 ـ الأهل بمنزلة نفس الإنسان كما في آية : ( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ) النحل : 72 .
2 ـ معاني الأخبار 162 ـ 163 . وتفسير البرهان 3 | 153 ، البحار 76 | 5 .
3 ـ تفسير البرهان 3 | 153 ، البحار 76 | 3 .
4 ـ تفسير البرهان 3 | 153 ، تفسير القمي 2 | 109 .
5 ـ البحار 76 | 7 .
6 ـ البحار 76 | 14 ـ 15 .
7 ـ البحار 76 | 11 .

(94)

دخل يضرب بنعليه ، ويتنحنح ويصنع ذلك حتى يؤذنهم أنه قد جاء ، حتى لا يرى شيئاً يكرهه » (1) .
ومن الكتاب العزيز أيضاً قوله تعالى :
2 ـ ( يأَيّها الَّذين ءامَنُوا لِيسْتَئْذِنكُمْ الَّذينَ مَلَكَتْ أَيْمنُكُمْ وَالَّذينَ لَمْ يَبْلُغُوا الحُلُم مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلوةِ الفَجْرِ وَحينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلوةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيّنُ اللهُ لَكُمُ الاياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكيمٌ * وَإِذا بَلَغَ الأَطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَليَسْتَئْذِنُوا كَمَا اسْتَئْذَنَ الّذين مِنْ قَبْلِهِمْ كذلِك يُبيّنُ اللهُ لَكُمْ ءايتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (2) .

التفسير :
1 ـ قال علي بن إبراهيم القمي : وأما قوله : ( يأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ـ إلى قوله : ثلاث عورات لكم ) قال : إن الله تبارك وتعالى نهى أن يدخل أحد في هذه الثلاثة الأوقات على أحد : لا أب ، ولا أخت ، ولا أم ، ولا خادم إلا بإذن . والأوقات : بعد طلوع الفجر ، ونصف النهار ، وبعد العشاء الآخرة ، ثم أطلق بعد هذه الثلاثة الأوقات فقال : ( ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن ) . يعني بعد هذه الثلاثة الأوقات (3) .
أقول : قوله : ( بعد طلوع الفجر ) ظاهره المنافاة مع قوله تعالى : ( من قبل صلوة الفجر ) ولعل النسخة الصحيحة ( قبل طلوع الفجر ) (4) . ويمكن
____________
1 ـ البحار 76 | 11 ـ 12 . في الصادقي الآخر : « إذا استأذن أحدكم فليبدأ بالسلام ، فإنه اسم من أسماء الله عزَّ وجلّ، فليستأذن من وراء الباب قبل أن ينظر إلى قعر البيت ، فإنما أُمرتم بالاستئذان من أجل العين » مستدرك الوسائل 8 | 376 ـ 377 .
2 ـ النور : 58 ـ 59 .
3 ـ تفسير القمي 2 | 108 .
4 ـ وقد راجعنا بعض المخطوطات من تفسير القمي فلم نجد فيه ما يدفع ذلك ، وفي كلها لفظة ( بعد طلوع الفجر ) طبق المطبوع موجودة .

(95)

أن يقال : بأن وقت نزول الآية لعل عادة الناس كانت على أداء فريضة الصبح بعد مضيّ شيء من الفجر ، لا مقارناً له ، وعليه لفظ ( بعد طلوع الفجر ) لا ينافي قوله تعالى : ( من قبل صلوة الفجر ) بل ينطبق عليه تماماً ، وإنما أضاف تعالى ( قبل ) إلى صلاة الفجر ، لا إلى الفجر ، حتى لا يكون منافياً لبعد طلوعه ، فتدبّره جيداً .
2 ـ قال الشيخ الكليني طاب ثراه : عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، جميعاً عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جرّاح المدايني ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ليستأذن ( الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلم منكم ثلاث مرّات ) كما أمركم الله عزّ وجلّ (1) ، ومن بلغ الحُلُم فلا يلج على أمه ، ولا على أخته ، ولا على خالته ، ولا على سوى ذلك إلا بإذن ، فلا تأذنوا حتى يسلم ، والسلام طاعة لله عزّ وجلّ » .
قال : وقال أبو عبد الله عليه السلام : « ليستأذن عليك خادمك إذا بلغ الحُلُم في ثلاث عورات ، إذا دخل في شيءٍ منهن ولو كان بيته في بيتك ؛ قال : وليستأذن عليك بعد العشاء التي تسمى العتمة ، وحين تصبح ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، إنما أمر الله عز وجل بذلك للخلوة ، فإنها ساعة غِرة وخلوة » (2) .
أقول : قوله عليه السلام : « فلا تأذنوا حتى يسلم ، والسلام طاعة لله عز وجل » يماثله قول الإمام الحسين عليه السلام في حديث تقدم ذكره (3) : « لا تأذنوا لأحد حتى يسلم » ، وقوله روحي فداه : « والسلام طاعة لله » لامتثال أمره جل جلاله : ( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ ) ومنه يعلم مدى الاهتمام بالسلام في الشريعة الإسلامية .
____________
1 ـ أي قال الله عز وجل : ( يأَيّها الَّذينَ ءامَنُوا لِيسْتَأذِنَكُم ... ) النور : 58 ـ 59 .
2 ـ الكافي 5 | 529 ، باب آخر من باب الدخول على النساء ، كتاب النكاح ، الحديث 1 .
3 ـ الحديث 6 من ( 5 ـ السلام قبل الكلام ) .

(96)

3 ـ وقال رحمه الله أيضاً : عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضَّال ، عن أبي جميلة ، عن محمد الحلبي ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : ( الذين ملكت أيمانكم ) قال ؛ « هي خاصة في الرجال دون النساء ، قلت : فالنساء يستأذنّ في هذه الثلاث ساعات ؟ قال : لا ، ولكن يدخلن ويخرجن ، ( والّذين لم يَبْلُغُوا الحُلُم منكم ) قال : من أنفسكم (1) قال : عليكم استئذان كاستئذان من قد بلغ في هذه الثلاث ساعات » (2) .
4 ـ وقال : محمد بن يحيى عن أحمد ين محمد ؛ وعدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله ، جميعاً عن محمد بن عيسى ، عن يوسف بن عقيل ، عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ( ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحُلُم منكم ثلاث مرات من قبل ... ) ومن بلغ الحُلُم منكم فلا يلج على أمه ، ولا على أخته ، ولا على ابنته ، ولا على من سوى ذلك إلا بأذن ولا يأذن لأحد حتى يسلّم (3) ، فإن السلام طاعة الرحمن » (4) .

بيـان :
قوله عليه السلام : « ولا يأذن لأحد حتى يسلم ؛ فإن السلام طاعة الرحمن » ، هي الجملة المتقدمة الذكر مع تغيير غير مضر ، ولئن دلت على شيءٍ ، فإنها دالة على مزيد الاهتمام بالسلام والمنع المشدد عن تركه ، لأن السلام طاعة الله : طاعة الرحمن ، وما حال من ترك الطاعة ؟ وهل جزاؤه إلا الذل والهوان ؟ فترى أهل البيت عليهم السالم لإكبارهم أمر السلام ، وإن
____________
1 ـ قوله عليه السلام : « من أنفسكم » بيان ( منكم ) وتفسيره أي : من الأحرار . قوله عليه السلام : « عليكم » كذا في النسخ ، والظاهر « عليهم » ولعل المعنى كأنه تعالى وجه الخطاب إلى الأطفال هكذا ، أو أنهم لما كانوا غير مكلفين فعليكم أن تأمروهم بالاستئذان . مرآة العقول 20 | 366 .
2 ـ الكافي 5 | 529 ـ 530 .
3 ـ أي : لا يأذن صاحب البيت لأحد حتى يسلم . مرآة العقول 20 | 366 .
4 ـ الكافي 5 | 530 .

(97)

الرسول ، صلى الله عليه وآله ، من أعظمهم إكباراً له واهتماماً به عملاً وقولاً .
ولتتميم الفائدة نذكر رابع أحاديث الشيخ الكليني في هذا الصدد :
5 ـ عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد ، عن ربعي بن عبد الله ، عن الفضل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : « ( يأيّها الّذين ءامَنُوا ليستأذنكم... ) قيل : من هم ؟ فقال : هم المملوكون من الرجال ، والنساء (1) ، والصبيان الذين لم يبلغوا ، يستأذنون عليكم عند هذه الثلاث العورات من بعد صلاة العشاء وهي العتمة ، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ، ومن قبل صلاة الفجر ، ويدخل مملوككم [ غلمانكم ] من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن إن شاؤوا » (2) .

بـيـان :
هذه الأحاديث الأربعة مع كلام القمي المتقدم ، تنص على الاستئذان بمقتضى تفسيرها للآية ، وأن على المأذون في هذه الساعات الثلاث وغيرها السلام عند الدخول كائناً من كان ؛ لأن السلام طاعة الرحمن ، ولعل الإضافة إلى الرحمن إشارة إلى أن الرحمة اقتضت أن تسلموا كي تعيشوا حياة سالمة طيبة ومباركة كما في الآية : قال تعالى : ( تحية من عند الله مباركة طيبة ) وتكونون أبداً سالمين ، وإخوة متحابين ، متبادلين الوفاء بينكم ، يرحم بعضكم بعضاً ، كما قال عز وجل : ( مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ والّذينَ مَعهُ أَشِدّاءَ عَلى الكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) (3) .
وللشيخ المجلسي ، طاب ثراه ، حول آية الاستئذان تعليق مبسط يلي
____________
1 ـ قيل : ذكر النساء فيه لا ينافي حديث زرارة الدال على وجوب الاستئذان على الرجال فقط ، لأنه محمول على الاستحباب . هامش الكافي 5 | 530 .
2 ـ الكافي : 5 | 530 .
3 ـ الفتح : 29 .

(98)

قسم منه : وفي اللباب عن ابن عباس : يعنى الإماء ، لأن على العبيد أن يستأذنوا في هذه الأوقات وغيرها ، ( والذين لم يبلغوا الحُلُم منكم ) قال المحقق الاسترابادي أي : من الأحرار، وكأنه أريد بهم الأطفال المميزون بين العورة وغيرها .
قيل : وعبر عن البلوغ بالاحتلام ، لأنه أقوى دلائله ( ثلاث مرات ) في اليوم والليلة ، وقيل : ( ثلاث مرات ) كل مرة في وقت ، والظاهر أن المراد بها ثلاثة أوقات ، كما بينه بقوله ـ تعالى ـ ( من قبل صلوة الفجر ) لأنه وقت القيام من المضاجع ، وطرح الثياب من النوم ، ولبس ثياب اليقظة ؛ ( وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ) ، لأنها وقت وضع الثياب للقيلولة ؛ ( ومن بَعد صلوة العشاء ) ، لأنه وقت التجرد من ثياب اليقظة والاستخلاف بثياب النوم ؛ ( ثلاث عورات لكم ) ... وفي الكشاف سمى كل واحدة من هذه الأحوال عورة ؛ لأن الناس يختل تسترهم وتحفظهم فيها ، والعورة : الخلل (1) .
وفي مجمع البيان : لأن الإنسان يضع في هذه الأوقات ثيابه فتبدو عورته (2) . وعن السدّي أن أناساً من الصحابة كان يعجبهم أن يواقعوا نساءهم في هذه الأوقات ، ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله سبحانه أن يأمروا الغلمان والمملوكين أن يستأذنوا في هذه الساعات (3) ...
وفي مجمع البيان : أراد به الصبي الذي يميز بين العورة وغيرها وهو ظاهر الأكثر ، وأيضاً : ظاهره كما تقدم أن حكم غير الأوقات الثلاثة حكمها إذا كانت مشتملة على ما اشتملت تلك ؛ فإن المقصود مراعاة التستر في مظان الخلاء .
وأيضاً : الظاهر أن المراد بـ ( بعد صلوة العشاء ) وقت النوم تمام الليل ، فالظاهر وجوب الاستئذان عند الدخول على من في مظنة حالة
____________
1 ـ تفسير الكشاف 3 | 253 .
2 ـ تفسير مجمع البيان 7 | 154 .
3 ـ تفسير مجمع البيان 7 | 154 .

(99)

يستقبح الدخول عليه فيها بغير إذن ، وأن المراد بالاستئذان كل ما يحسن ويتحقق الإعلام بأنه يريد الدخول ويريد الإذن فيه (1) .
ثم إن الله سبحانه نادى كبار المؤمنين ولم يأمرهم بالأمر لهؤلاء ؛ لأنهم أولياؤهم وهم في طاعتهم ، فكأنه منهم فعل غيرهم ، فالظاهر أنه أوجب عليهم ذلك ، وجعل تمشيته وإتمامه في عهدتهم ، فكأنه آكد من الأمر بالأمر .
ومما ينبه عليه قوله تعالى : ( ليس عليكم ولا جناح بعدهن ) . فإن الظاهر أنه لا يجب على السادات أمرهم وتخويفهم من الترك ، وزجرهم عنه ، والسعي في إتمام ذلك بكل ما أحتيج إليه في ذلك حسن والله أعلم . فهذا الأمر للوجوب نظراً إلى السادة قطعاً، وإلى البالغ من العبيد والإماء ظاهر ؛ لأن ظاهر الأمر للوجوب ، ولا مانع منه في حقهم . وإن قيل بالتخلف لمانع في حق من يشاركهم فيه ، وأما بالنسبة إلى من لم يبلغ فيحتمل أن يكون متوجهاً إلى الأولياء ، ويختص بهم وجوبه ، ولكن حيث كان الكلام في المميز قال شيخنا هو خلاف الظاهر . . .
وفي الكشاف :
ثم أعذرهم في ترك الاستئذان وراء هذه المرات ، وبين وجه العذر في قوله : ( طوافون عليكم بعضكم . . ) يعني أن بكم وبهم حاجة إلى المخالطة والمداخلة ، يطوفون عليكم للخدمة ، وتطوفون عليهم للاستخدام ؛ فلو جزم الأمر بالاستئذان في كل وقت لأدى إلى الحرج ، وهو استئناف لبيان العذر وهو كثرة المخالطة والمداخلة ، وفيه دليل على تعليل الأحكام . وكذا في الفرق بين الأوقات الثلاثة وبين غيرها بأنها عورات . . . أي : هن ثلاث عورات مخصوصة بالاستئذان في تلك الأحوال خاصة (2) .
واعلم أنه يجوز أن يراد بـ ( طوافون عليكم ) الخدمة وبـ ( بعضكم
____________
1 ـ تفسير مجمع البيان 7 | 154 عند تفسير قوله تعالى : ( والذين لم يبلغوا الحلم منكم ) قال : من أحراركم ، وأراد به الصبي . . .
2 ـ تفسير الكشاف 3 | 253 .

(100)

( بعضكم على بعض ) السادة والأطفال ، ويحتمل أن يراد بالأول الاطفال والمماليك جميعاً من حيث الخدمة ، وبالثاني السادة للاستخدام ، كما هو ظاهر الكشاف (1) ، ويمكن أن يراد بالأول جهة الخدمة مختصة بالمماليك أو بهم وبالأطفال ، وبالتالي جهة المخالطة فيكون من الجانبين من جانب السادة وغيرهم فتدبر .
وقال في كنز العرفان : ظن قوم أن الآية منسوخة ، لا والله ما هي بمنسوخة لكن الناس تهاونوا بها ، وأنما أطنبنا الكلام في تفسير الآيات لتوقف فهم الأخبار عليه . والغِرة بالكسر : الغفلة (2) .
هذا بعض فوائد الكلام حول الاستئذان ونشير أيضاً إلى بعضها الآخر من أحاديث الشيخ الكليني طاب ثراه فقال :
6 ـ أحمد بن محمد عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يستأذن على أبيه ؟ قال : « نعم ، قد كنت أستأذن على أبي ، وليست أمي عنده ، إنما هي أمرأة أبي ، توفيت أمي وأنا غلام ، وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه ولا يحبان ذلك مني والسلام أصوب وأحسن » (3) .
7 ـ ما رواه الكليني بإسناده إلى جابر عن أبي جعفر عليه السلام ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : خرج رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، يريد فاطمة عليها السلام ، وأنا معه ، فلما انتهيت إلى الباب وضع يده عليه فدفعه (4) ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة : عليك السلام يا رسول الله ، قال أدخل ؟ قالت : أدخل يا رسول الله ، قال : أدخل أنا ومن معي ؟ فقالت : يا رسول الله ليس علي قناع ، فقال : يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنعي به رأسك ، ففعلت ؛ ثم قال : السلام عليكم ، فقالت فاطمة : وعليك
____________
1 ـ تفسير الكشاف 3 | 253 .
2 ـ مرآة العقول 20 | 362 ـ 365 . الغرة إشارة إلى قوله عليه السلام : « فإنها ساعة غِرّة وخلوة » . الكافي 5 | 529 .
3 ـ الكافي 5 | 528 . وفي هامشه : لعل المنعي : أن السلام أحسن وأصوب أنواع الاستئذان .
4 ـ في هامش المصدر المتقدم : في بعض النسخ [ فرفعه ] .

(101)

السلام يا رسول الله ، قال : أدخل ؟ قالت : نعم يا رسول الله ، قال : ومَن معي ؟ قالت : ومَن معك ؛ قال جابر : فدخل رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، ودخلت . . . فقال رسول الله : ما لي أرى وجهك أصفر قالت : يا رسول الله الجوع ، فقال صلى الله عليه وآله : اللهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة (1) أشبع فاطمة . . . فما جاعت بعد ذلك اليوم (2) .
أقـول :
نقلنا الحديث السادس لأجل كلمة « السلام أصوب وأحسن » المفسرة بالاستئذان الأصوب والأحسن ، وكذا الحديث السابع لاشتماله على سلام الإذن والإعلام معاً ، وإليك حديثاً ثامناً في هذا الصدد دالاًّ على سلام الإعلام :
8 ـ قال علي بن إبراهيم القمي عند قوله تعالى : ( وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها ) (3) : فإن الله أمر أن يخص أهله دون الناس ، ليعلم الناس أن لأهل محمد صلى الله عليه وآله ، عند الله منزلة خاصة ليست للناس ، إذ أمرهم مع الناس عامة ، ثم أمرهم خاصة ، فلما أنزل الله هذه الآية كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام ، فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فيقول علي وفاطمة والحسن والحسين : وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول : الصلاة الصلاة يرحمكم الله ، ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (4) . فلم يزل يفعل ذلك كل يوم إذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا . قال أبو الحمراء خادم النبي ، صلى الله عليه وآله : أنا أشهد به يفعل ذلك (5) .
____________
1 ـ قوله صلى الله عليه وآله : « ودافع الضيعة » الظاهر أن المضاف محذوف أي : سبب الضيعة . مرآة العقول 20 | 361 .
2 ـ الكافي 5 | 528 ـ 529 .
3 ـ طه : 132 .
4 ـ الأحزاب : 33 .
5 ـ تفسير القمي 2 | 67 ، الوسائل 8 | 448 ، تفسير البرهان 3 | 50 .

(102)

9ـ عن شيخ الطائفة بإسناده إلى أبي الحمراء (1) قال شهدت النبي ، صلى الله عليه وآله ، أربعين صباحاً يجيء إلى باب علي وفاطمة ، فيأخذ بعضادتي الباب ، ثم يقول : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته ، الصلاة يرحمكم الله ، ( أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (2) .
أقول : قوله ، صلى الله عليه وآله : السلام عليكم أهل البيت . . . ثم يعقبه بآية التطهير مباشرة . لأجل الدلالة على أنهم هم المعني بها لا سواهم .
10 ـ الحديث الرضوي المروي في بيان الفرق بين العترة والأمة ، وبيان فضل العترة على الأمة في اثنتي عشرة آية من كتاب الله تعالى ، قال الإمام الرضا عليه السلام :
« وأما الثانية عشرة فقوله عز وجل : ( وأمر أهلك بالصلوة واصطبر عليها ) (3) فخصّصنا الله تبارك وتعالى بها بهذه الخصوصيّة ؛ إذ أمرنا مع الأمة بإقامة الصلاة ، ثم خصّصنا من دون الأمّة ، فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يجيء إلى باب علي وفاطمة عليهما السلام بعد نزول هذه الآية تسعة أشهر ، كل يوم عند حضور كل صلاةٍ خمس مرات ، فيقول : الصلاة رحمكم الله » (4) .
أقول : لا بأس ببيان ترجمة أبي الحمراء بن الحارث الذي جاء ذكره في الحديث المتقدم :
قال السيد الأستاذ الخوئي : أبو الحمراء خادم رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، من أصحاب علي عليه السلام ، رجال الشيخ . وعده البرقي من أصحاب رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قائلاً : أبو الحمراء فارسي خادم
____________
1 ـ في الأصل « أبي الحميرا » والصحيح « الحمراء » كما في المتن وهو هلال بن الحارث .
2 ـ الأحزاب : 33 . تفسير نور الثقلين 3 | 410 ، عن أمالي الشيخ الطوسي 1 | 256 ـ 257 .
3 ـ طه : 132 .
4 ـ عيون أخبار الرضا 1 | 188 ، الباب 23 .

(103)

رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
وقال السيد التفريشي : أبو الحمراء خادم رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، ي ، خج (2) .
روى الدولابي بإسناده إلى أبي داود عن أبي الحمراء قال : « رأيت رسول الله ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، مر بجنبات (3) رجل عنده طعام في وعاء ، فنظر إليه النبي ، صلى الله عليه ـ وآله ـ وسلم ، فقال لصاحبه : لعلك غششته ، من غشنا فليس منا »
وحديث آخر مثله ثم قال الدولابي : قال أبو إسحاق : بلغني أن اسمه ـ أي اسم أبي الحمراء ـ هلال بن الحارث ، وكان يكون بحمص ، وقد رأيت بها غلاماً من ولده (4) .

التوفيق بين الأحاديث بماذا ؟
التوفيق بين ما روي أنه ، صلى الله عليه وآله ، كان يفعل ذلك ، أي مجيئه إلى دار علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، بعد نزول آية ( وامر أهلك بالصلوة واصطبر عليها ) (5) ويقول بعد السلام عليكم : الصلاة يرحمكم إلى آخر حياته ، وبين ما روي أنه كان ذلك منه ، صلى الله عليه وآله ، أربعين صباحاً ، وبين ما روي تسعة أشهر ، وبين ما روي سبعة عشر شهراً ، أو ستة عشر شهراً ، أو أقل من ذلك ، أو أكثر ، بأن يقال : إن بعض الناس رأى الرسول ، صلى الله عليه وآله ، يفعل ذلك أربعين صباحاً ، وبعضهم الآخر ستة أشهر ، والآخر سبعة عشر شهراً ، والآخر تسعة أشهر وهكذا ، والكل صادق في رؤيته ، فحكى ما رآه ، وإنما يصنع ذلك
____________
1 ـ معجم رجال الحديث 21 | 132 .
2 ـ نقد الرجال 387 .
يريد من ( ي ) : أصحاب علي عليه السلام . ومن ( خج ) : رجال الشيخ الطوسي .
3 ـ جمع جَنَبَة : الناحية . النهاية ـ جنب ـ .
4 ـ الكنى والأسماء تأليف الدولابي 224 ـ 310 ج 1 | 25 . الطبعة الثانية بيروت ـ دار الكتب العلمية 1402 ـ 1982 م .
5 ـ طه : 132 .

(104)

ليعلم كل من دخل المدينة أن لأهل بيته منزلةً وفضلاً على الأمة ، خصهم الله عز وجل بذلك ، وأمر رسوله بأن يأتي ويسلم عليهم ويناديهم بذلك النداء .
11 ـ روي أن أمير المؤمنين قال لرجل من بني سعد : « ألا أحدثك عني وعن فاطمة ( إلى أن قال ) : فغدا علينا رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، ونحن في لحافنا ، فقال : السلام عليك ، فسكتنا واستحيينا لمكاننا ، ثم قال : السلام عليكم ، فسكتنا ثم قال : السلام عليكم ، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف ، وقد كان يفعل ذلك ، فيسلم ثلاثاً ، فإن أذن له وإلاِّ انصرف ، فقلنا : وعليك السلام يا رسول الله ادخل فدخل ، ثم ذكر حديث تسبيح فاطمة عند النوم » (1) .
12 ـ في الصحيح عن الصادق عليه السلام قال : « جاء رجل إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، وقد بلي ثوبه (2) فحمل إليه اثني عشر درهماً فقال : يا علي خذ هذه الدراهم فاشترِ لي ثوباً ألبسه . قال علي عليه السلام : فجئت إلى السوق فاشتريت له قميصاً باثني عشر درهماً ، وجئت به إلى رسول الله ، فنظر إليه فقال : يا علي غير هذا أحب إلي ، أترى صاحبه يقيلنا ؟ فقلت : لا أدري ، فقال : أنظر . فجئت إلى صاحبه فقلت : إن رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قد كره هذا يريد ثوباً دونه ، فأقلنا فيه ، فرد عليّ الدراهم وجئت به (3) إلى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فمشى معه إلى السوق ليبتاع قميصاً ، فنظر إلى جارية قاعدة على الطريق تبكي ، فقال لها رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، ما شأنك ؟ قالت : يا رسول الله إن أهل بيتي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم بها حاجة فضاعت ، فلا أجسر أن أرجع إليهم ، فأعطاها رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، أربعة دراهم وقال : ارجعي إلى أهلك ، ومضى رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، إلى السوق فاشترى قميصاً بأربعة دراهم ولبسه ، وحمد الله وخرج ، فرأى رجلاً عرياناً
____________
1 ـ الوسائل 8 | 445 ، جامع الأحاديث 15 | 598 .
2 ـ أي رسول الله صلى الله عليه وآله .
3 ـ كذا والظاهر [ بها ] .

(105)

يقول من كساني كساه الله من ثياب الجنة ، فخلع رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، قميصه الذي اشتراه وكساه السائل ، ثم رجع إلى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصاً آخر فلبسه وحمد الله ورجع إلى منزله ، وإذا الجارية قاعدة على الطريق ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : ما لك لا تأتين أهلك ؟ قالت : يا رسول الله إني قد أبطأت عليهم وأخاف أن يضربوني ، فقال لها رسول الله ، صلى الله عليه وآله : مرّي بين يدي ودليني على أهلك ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله ، حتى وقف على باب دارهم ، ثم قال : السلام عليكم يا أهل الدار، فلم يجيبوه ، فأعاد السلام فلم يجيبوه ، فأعاد السلام فقالوا : عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فقال لهم : ما لكم تركتم إجابتي في أول السلام والثاني ؟! قالوا : يا رسول الله سمعنا سلامك فاحببنا أن نستكثر منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤاخذوها ، فقالوا : يا رسول الله هي حرة للممشاك ، فقال رسول الله : الحمد لله ، ما رأيت اثني عشر درهماً أعظم بركة من هذه ، كسا الله بها عريانين وأعتق بها نسمة » (1) .
والسلام في حديث الدراهم سلام الإعلام ؛ إذ لم يدل على أزيد من مجيء الرسول ، صلى الله عليه وآله ، إلى دار الجارية وشفاعتها الحاصلة عند الوصول إلى باب الدار ، ولم يذكر في الحديث دخوله ، صلى الله عليه وآله ، الدار ، فلعل السلام فيه سلام الإعلام فحسب .
ثم المفهوم من هذه الأحاديث محبوبية تكرار سلام الإذن إلى ثلاث مرات ، فإن أجيب وإلا رجع المسلم ، كما إذا أمر بالرجوع لقوله تعالى : ( . . . وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى والله بما تعملون عليم ) (2) . إذ لعل صاحب البيت قائم بأمر لا ينبغي لأحد التطلع عليه ، والله عز وجل عليم بما للعباد فيه من شؤون حياتهم المعاشية وما يعقبها من أمور ، ويعلم المطيع لأوامره تعالى ، والمتمرد عنها . وإنما ذكرنا قصة
____________
1 ـ أمالي الشيخ الصدوق 211 ـ 212 ، المجلس 42 ، الوسائل 8 | 445 ، الباب 40 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 2 .
2 ـ النور : 27 ـ 28 .

(106)

الدراهم بأسرها لبيان وجه الربط لسلام الإعلام .
بقي سؤال :
وهو : هل يسوغ تأخير إجابة السلام عن المرة الأولى ، والثانية ، إلى الثالثة أم لا ؟ والظاهر أن تكرار السلام إلى ثلاث مرات عند عدم سماع الجواب مندوب .
الجواب : التوبيخ الوارد في نفس الحديث يمنع الجواز إلا لأجل المحبة ، فيدل التقرير عليه . وأما محبوبية التكرار فقد ثبتت في الأخبار الأخر ، ولعمري أنه اشتمل الحديث على أكرم خُلُق إنساني وأرفعه ، لمن أراد التأسي بنبيه صلى الله عليه وآله كما قال تعالى : ( لقد كان لكم قي رسول الله أسوة حسنة ) (1) .

تتـميم :
بقي من بحث سلام الاستئذان والإعلام السلام على أرواح المعصومين والدخول في بقاعهم ومشاهدهم المشرفة عليهم السلام ، وأن الداخل في تلك البقاع يجب عليه الاستئذان ، لأنها من بيوتهم ، وبيوت النبي ، التي قال الله تعالى فيها : ( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) (2) .
فبيوت المعصومين عليهم السلام تشترك مع البيوت كلها في وجوب الاستئذان في الدخول إليها عامة ، وفيها خاصة لمكان أفضليتهم على الأمة وأولويتهم بالتبجيل والتكريم ، وقد مر أن الرسول الأعظم ، صلى الله عليه وآله ، كان يسلم على أهل بيته ، عند وصوله إلى باب دارهم ، سلام الاستئذان والإعلام ، وحتى على غيرهم كما سبق حديث الدراهم والشفاعة للجارية (3) . ولئن أمر الله عز وجل الناس بالاستئناس في دورهم عند دخولها في آي من الكتاب العزيز المتقدمة الذكر ، فبالأولى أن يأمرهم به عند الدخول لبيوت أنبيائه وأوصيائه عليهم سلام الله ، وقد صرحت الآية
____________
1 ـ الأحزاب : 21 .
2 ـ الأحزاب : 53 .
3 ـ أمالي الصدوق 211 ـ 212 ، المجلس 42 ، وقد مر قريباً .

(107)

السابقة مخصصة لها ، وجاء في تفسيرها في وصية الحسن إلى الحسين عليهما السلام :
« . . . وأن تدفّني مع رسول الله ، صلى الله عليه وآله ، فإني أحق به وببيته ممن دخل بيته بغير إذنه ، ولا كتاب جاءهم من بعده ، قال الله فيما أنزله على نبيه ، صلى الله عليه وآله ، في كتابه : ( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) فوالله ما أذن لهم في الدخول في حياته بغير إذنه ، ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ، ونحن مأذون لنا في التصرف فيما ورثناه من بعده . . . » (1) .
وقد جاء الأمر بالاستئذان عند الدخول إلى أي بقعة من بقاع النبي والأئمة عليهم السلام ما أوله : « اللهم إني وقفت على باب بيت من بيوت نبيك وآل نبيك عليه وعليهم السلام ، وقد منعت الناس الدخول إلى بيوته إلا بإذن نبيك : فقلت : ( يأيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ) ـ إلى قوله : (2) ـ فإني أستأذنك يا ربّ أوّلاً ، وأستأذن رسولك صلواتك عليه وآله ثانياً ، وأستأذن خليفتك المفروض علي طاعته . في الدخول في ساعتي هذه إلى بيته ، وأستأذن ملائكتك الموكلين بهذه المشاهد المباركة ورحمة الله وبركاته ، بإذن الله ، وإذن رسوله ، وإذن خلفائه ، وإذنكم صلوات الله عليكم أجمعين أدخل هذا البيت . . . » (3) .
الاستئذان من صاحب المشهد ، والملائكة الموكلة به ، بعد طلب الإذن من الله والرسول ، والأعلى فلأعلى من الأئمة المعصومين عليهم السلام هو من آداب التشرف بذلك المشهد ، ثم الزيارة بعد الدخول إلى الحرم بالمأثور أو غير المأثور ، وليست الزيارة إلا أن يجدد الزائر عهده بالمزور ، ويتعاهده معه على العهود والمواثيق فيما بينهما من القيام والالتزام بها ، على أن الكلمات المتبادلة التي تجري على لسان الزائر تزيده شوقاً
____________
1 ـ تفسير البرهان 3 | 332 . تفسير نور الثقلين 4 | 296 ، نقلاً من شيخ الطائفة .
2 ـ الاستئذان للشيخ المفيد البحار 100 | 160 .
3 ـ البحار 100 | 160 ـ 161 .

(108)

إلى لقياه ورؤيته ، وإيماناً بما له منه كرائم الخصال ، والفضائل والمعجزات ، مما يدعو الزائر التحلي بها والاختصال بما يسعده ، وألف فائدة أخرى يمنحه الله عز وجل في مشهد المزور ؛ لأنه حرم الله الذي شاء أن يدعى فيه ، وهو من بيوته التي قال تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والأصال ) (1) .
وللزيارة آداب ذكرها الشهيد في الدروس ، وإليك موجزها :
1 ـ الغسل قبل دخول المشهد .
2 ـ الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور ، فإن وجد خشوعاً ورقة دخل ، وإلا فالأفضل له تحري زمان الرقة ؛ لأن الغرض الأهم حضور القلب ، ليلقى الرحمة النازلة من الرب ، فإذا دخل قدم رجله اليمنى وإذا خرج فباليسرى .
3 ـ الوقوف على الضريح ملاصقاً له أو غير ملاصق . . .
4 ـ استقبال وجه المزور حال الزيارة . . .
5 ـ الزيارة بالمأثور ، ويكفي السلام والحضور .
6 ـ صلاة ركعتين للزيارة . . .
7 ـ الدعاء بعد الركعتين بما نقل ، وإلا فبما سنح . . .
8 ـ تلاوة شيءٍ من القرآن ، وإهداؤه إلى المزور . . .
9 ـ إحضار القلب . . والتوبة من الذنب والاستغفار والإقلاع .
10 ـ التصدق على السدنة والحفظة للمشهد . . .
11 ـ إذا انصرف إلى منزله استحب له العود . . .
12 ـ أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلها ، فإنها تحط الأوزار .
13 ـ تعجيل الخروج عند قضاء الوطر . . .
14 ـ الصدقة على المحاويج بتلك البقعة (2) . . .
____________
1 ـ النور : 36 .
في نبوي : « أي بيوت هذه يا رسول الله ؟ قال : بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ، وأشار إلى بيت علي وفاطمة عليهما السلام ؟ قال : نعم من أفضلها » . تفسير البرهان 3 | 128 ، تفسير مجمع البيان 7 | 144 .
2 ـ البحار 100 | 134 ـ 136 .

(109)

تبصـرة :
قال ابن قولويه : حدثني محمدبن يعقوب ، عن عدة من أصحابه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن الجلال (1) ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « ما من نبي ولا وصي نبي يبقى في الأرض بأكثر من ثلاثة أيام ، ثم ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء ، وإنما يؤتى مواضع آثارهم ويبلغونهم من بعيد السلام ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب » (2) .
فيه سؤال وهو : كيف يكون ذلك ؟ وهل هذا صحيح أن لا تبقى روح المعصوم في قبره ؟ ! .
أجاب عنه أبو الفتح الكراجكي بما لفظه : إنا لا نشك في موت الأنبياء عليهم السلام ، غير أن الخبر قد ورد بأن الله تعالى يرفعهم بعد مماتهم إلى سماءه ، وأنهم يكونون فيها أحياء متنعمين إلى يوم القيامة ، ليس ذلك بمستحيل في قدرة الله تعالى ، وقد ورد عن النبي ، صلى الله عليه وآله ، أنه قال : « أنا أكرم عند الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث » (3) . وهكذا عندنا حكم الأئمة عليهم السلام ، قال النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : « لو مات نبي بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لجمع الله بينهما » (4) وليس زيارتنا لمشاهدهم ، على أنهم بها ، ولكن لشرف المواضع ، فكانت غيبة الأجسام فيها ، ولعبادة أيضاً ندبنا إليها . . . ، وبعد فقد قال الله تعالى : ( ولا تَحْسَبَنَّ الّذين قُتِلُوا في سَبيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِندَ رَبّهم يُرزَقُونَ ) (5) . فإذا كان المؤمنون الذين قتلوا في سبيل الله لهذا الوصف ، فكيف ينكر أن الأنبياء [ وأوصياءهم ] عليهم السلام أحياء منعمين في
____________
1 ـ قال الأميني ره : كذا في بعض النسخ ، وفي بعضها أبي الجلال ، والصحيح أبي الحلال ، بالحاء المهملة المفتوحة ، هامش كامل الزيارات 329 .
2 ـ كامل الزيارات 329 ـ 330 .
3 ـ البحار 22 | 550 .
4 ـ البحار : 42 | 214 .
5 ـ آل عمران : 169 .

(110)

السماء (1) . وللبحث عن الجواب تتمة مرهونة بمحلها .
وبقي سؤال آخر : لماذا نسلم على الأنبياء والأوصياء في حياتهم وبعد مماتهم ، ونؤثرهم على سائر الناس حياً وميتاً ، وهم من الناس ، وهل لهم فضل يمتازون به عليهم ؟ .
أرى أن هذا السؤال لم يصدر إلا من جهل منزلة النبوة ، والوصاية ، ومقام أهل البيت عليهم السلام ، أليس الله سلم على الأنبياء عامة وعلى آل محمد خاصة (2) ؟ .
____________
1 ـ كنز الفوائد 258 ـ 259 ، البحار 100 | 131 .
2 ـ انظر ( 2 ـ السلام تحية الله التي اختارها للمسلمين ) ، و ( سَلاَمٌ عَلَى ءالِ ياسين ) الصافات : 130 ، و ( وَسَلامٌ عَلى المُرسَلينَ ) الصافات : 181 .