(111)
اقتصروا مما يوافق خط المصحف على ما يسهل حفظه ، وتنضبط القراءة به ، فعمدوا إلى من اشتهر بالضبط والأمانة وطول العمر في الملازمة للقراءة ، والاتفاق على الأخذ عنه ، فأفردوا إماما من هؤلاء في كل مصر من الأمصار المذكورة ، وهم : نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي » (1) .
     وبملاحظة ما حققه ابن مجاهد من جمعه للقراءات ، وبيان وجوه الاختلاف فيها ، يتجلى أن الاختلاف ليس من العسر بمكان بحيث قد يؤدي إلى تشويه النص ، أو تغيير الأحكام ، أو اضطراب القراءة ، بل نجد الأعم الأغلب منه إنما يرجع إلى أصول الأداء ، وطريقة التلفظ ، وتحقيق النطق مدغما أو ممالا ، منقوطا أو غير منقوط ، إمدادا وإشماما ، وهو اختلاف لا يضفي على النص القرآني أي مردود معقد لا يمكن معه الوصول إلى الحقيقة القرآنية ، مما يقرب إلينا القول بأن هذه القراءات إنما اشتبكت وتظاهرت وتفاوتت اجتهادا في كيفية أداء النطق تارة ، وطريقة تلفظه تارة أخرى ، ومردود اللهجات عليها بين ذلك .
     وهذا إنما يجري في القراءات المتواترة رواية مرفوعة ، أو دراية من أصحابها ، ولا ينطبق على القراءات الشاذة التي أصبحت فيما بعد عرضة لزلل الأهواء .
     « ولا مرية أنه كما يتعبد بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده ، يتعبد بتصحيح ألفاظه ، وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة . عن أئمة القراء ، ومشايخ الأقراء ، المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية ، التي لا يجوز مخالفتها ، ولا العدول عنها (2) .
     وقد بلغت القراءات السبع حد الرضا والقبول عند المسلمين وعلمائهم ، فلم يؤثّر عليها تعدد القراءات ، ولم يؤثّروا عليها سواها .
     وكان إلى جنب القراءات اختيار في القراءات قد تشمل هذه القراءات
(1) العاملي ، مفتاح الكرامة : 2 | 391 + القراءات القرآنية .
(2) القسطلاني ، لطائف الإشارات : 1 | 209 .

(112)
ـ كما سيأتي ـ وقد لا تشملها ، وهي لا تحمل الطابع الشخصي لأصحابها ، بل هي ضمن قواعد قد تتسم بالطابع الشمولي العام .
     قال مكي بن أبي طالب : « وأكثر اختياراتهم إنما هو في الحرف إذ اجتمع فيه ثلاثة أشياء :
     قوة وجهه في العربية .
     وموافقته للمصحف .
     واجتماع العامة عليه .
     والعامة ـ عندهم ـ ما اتفق عليه أهل المدينة وأهل الكوفة ، فلذلك عندهم حجة قوية ، فوجب الاختيار .
     وربما جعلوا العامة ما اجتمع عليه أهل الحرمين .
     وربما جعلوا الاختيار على ما اتفق عليه نافع وعاصم ، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات وأصحها سندا ، وأفصحها في العربية ، ويتلوهما في الفصاحة خاصة : قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله » (1) .
     ويبدو مضافا إلى ما تقدم ، أن لأئمة الإقراء أنفسهم تصرفا يقوم على حسن النظر وأصول الاستنباط ، يتمثل باختيارهم للقراءة التي تنسب إليهم ، فهم يتدارسون القراءات على يد نخبة من التابعين ، ومن ثم يقارنون بين هذه القراءات التي اخذوها ، ويحكمون مداركهم في أسانيدها وأصولها ومصادرها ، فيؤلفون القراءة التي يختارونها بناء على كثرة الموافقات عند أغلب الشيوخ المقرئين . فقد قال نافع بن أبي نعيم ( ت : 169 هـ ) وهو يتحدث عن مشايخه في الإقراء :
     « أدركت هؤلاء الخمسة وغيرهم ... فنظرت إلى ما أجمع عليه إثنان منهم فأخذته ، وما شذ فيه واحد تركته ، حتى ألفت هذه القراءة » (2) .
     وربما كان المقرىء مخالفا لأستاذه في اختياره للقراءة ، ناظرا في
(1) مكي ، الإبانة في معاني القراءات : 48 وما بعدها .
(2) ابن مجاهد ، كتاب السبعة : 62 .

(113)
وجوه القراءات الأخرى ، كما هي الحال عند الكسائي حينما اختار من قراءة حمزة وقراءة من سواه ، وأسس لنفسه بذلك اختيارا (1) .
     قال ابن النديم : « وكان الكسائي من قراء مدينة السلام ، وكان أولا يقرأ الناس بقراءة حمزة ، ثم اختار لنفسه قراءة ، فاقرأ بها الناس » (2) .
     وقد كان لأبي عمرو بن العلاء اختيار من قراءة ابن كثير ، وهو شيخه ، ومن قراءة غيره ، وأسس بذلك لنفسه قراءة تنسب إليه (3) .
     وقد شجعت ظاهرة الاختيار في القراءة على القضاء على النزعة الإقليمية التي انتشرت في نسبه القراءات للأمصار ، إذا امتزجت هذه القراءات في الأغلب نتيجة للاختيار ، فتداخلت قراءة أهل المدينة بقراءة أهل الكوفة ، وقراءة الشام بقراءة العراق ، فلم تعد القراءة فيما بعد إقليمية المظهر ، بقدر ما هي علمية المصدر ، وفي هذا الضوء وجدنا القراء السبعة يمثلون خلاصة التجارب الماضية للقرنين الأول والثاني في العطاء العلمي المشترك بين الأقاليم ، لما في ظاهرة الاختيار لدى أئمة الأقراء من عناصر مختلف القراءات ، حتى وحدت ونسبت منفردة إلى عاصم ، أو نافع ، أو الكسائي ، وهي عصارة قراءة لمصرين ، أو قراءات لأمصار ، تتفق مع قراءة بوجه ، وتختلف مع قراءة بوجه آخر ، وتجمع بين هذين بما ألف قراءة منظورة متميزة ، تعني تجارب السابقين ، وعطاء المتخصصين . حتى وقف الاختيار على أعتاب القرن الرابع ، حيث بدأ ابن مجاهد في حفظ القراءات والاختيارات ، دون التفكير بتجديد ظاهرة الاختيار التي لم تعد من هموم هؤلاء الأعلام أمثال ابن مجاهد ، بل اتجهت هممهم إلى صيانة تلك القراءات ، لا إلى الاختيار .
     فقد روى الذهبي عن عبد الواحد بن عمر بن أبي هاشم ، وهو تلميذ ابن مجاهد ، قال :
     « سأل رجل ابن مجاهد ، لم لا يختار الشيخ لنفسه حرفا يحمل عليه ؟

(1) ظ : المصدر نفسه : 78 .
(2) ابن النديم ، الفهرست : 30 .
(3) ظ : ابن الجزري ، غاية النهاية : 2 | 376 .

(114)
فقال : نحن أحوج إلى أن نعمل أنفسنا في حفظ ما مضى عليه أئمتنا ، أحوج منا إلى اختيار حرف يقرأ به من بعدنا » (1) .
     وفي ضوء ما تقدم يبدو لنا أن الاختيار عبارة عن استنباط القراءة من خلال النظر الاجتهادي في القراءات السابقة ، والموازنة فيما بينها على أساس السند في الرواية ، أو الوثاقة في العربية ، أو المطابقة في الرسم المصحفي ، أو إجماع العامة ، من أهل الحرمين أو العراقين ، أو الموافقة بين مقرئين ، ومن خلال ذلك نشأت القراءات المختارة .
     يقول القرطبي : « وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء ، وذلك أن كل واحد منهم اختار مما روي وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى ، والتزم طريقه ورواه ، وأقرأ به ، واشتهر عنه وعرف به » (2) .
     ويرى الدكتور الفضلي : « أن اجتهاد القراء لم يكن في وضع القراءات ـ كما توهم البعض ـ وإنما في اختيار الرواية ، وفرق بين الاجتهاد في اختيار الرواية والاجتهاد في وضع القراءة » (3) .
     فإضافة القراءة لصاحبها إضافة اختيار لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد (4) .
     ومما يؤيده ما أورد أبو شامة باعتبار القراءة سنة ، والسنة لا مورد فيها للاجتهاد بالمعنى المشار إليه : « ألا ترى أن الذين أخذت عنهم القراءة إنما تلقوها سماعا ، وأخذوها مشافهة ، وإنما القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول ، ولا يلتفت في ذلك إلى الصحف ، ولا إلى ما جاء من وراء وراء » (5) .
(1) الحافظ الذهبي ، معرفة القراءة : 1 | 171 .
(2) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن : 15 | 40 .
(3) الفضلي ، القراءات القرآنية : 106 .
(4) ابن الجزري ، النشر : 1 | 52 .
(5) أبو شامة ، المرشد الوجيز : 132 .

(115)
     وإلى جانب الحيطة في الاختيار ، كانت الحيطة للقراءة نفسها ، فلم يأخذوا بكل قراءة ، بل وضعوا بعض المقاييس النقدية الاحترازية لقبول القراءة أو رفضها ، مما ينصح معه مدى عناية القوم بالقراءة المختارة ، بعد أن عسر الضبط ، وظهر التخليط ، واشتبه الأمر . قال القسطلاني نقلا عن الكواشي : « فمن ثم وضع الأئمة لذلك ميزانا يرجع إليه ، ومعيارا يعول عليه ؛ وهو السند والرسم والعربية ، فكل ما صح سنده ، واستقام وجهه في العربية ، ووافق لفظه خط المصحف الإمام فهو من السبعة المنصوصة ، فعلى هذا الأصل بني قبول القراءات عن سبعة كانوا أو سبعة آلاف ، ومتى فقد شرط من هذه الثلاثة فهو شاذ » (1) .
     والشاذ لا يعمل به في القراءات ولا يقاس عليه ، « وقد أجمع الأصوليون والفقهاء وغيرهم ، على أن الشاذ ليس بقرآن ، لعدم صدق حد القرآن عليه ، أو شرطه وهو التواتر » (2) .
     وكأن ابن الجزري قد أدخل جانب الاحتمال في بعض الشروط ، وصنف القراءة المعتبرة والباطلة فقال :
     « كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا ، وصح سندها ، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردها ، ولا يحل إنكارها ..
     ومتى اختل ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها ضعيفة أو باطلة ، سواء كانت عن السبعة أم عمن هو أكبر منهم . هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف » (3) .
     وتكاد أن تتلاقى كلمات الأعلام في مقياس القراءة الصحيحة ، وتتداعى الخوطر . في صياغة ألفاظها ، فقد اشترط مكي بن أبي طالب ( ت : 437 هـ ) في وجه صحتها ما يلي :
(1) القسطلاني ، لطائف الإشارات : 1 | 67 .
(2) المصدر نفسه : 1 | 72 .
(3) السيوطي ، الاتقان : 1 | 210 .

(116)
     « أن ينقل عن الثقات إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن شائعا ، ويكون موافقا لخط المصحف » (1) .
     ومع هذا نجد الداني جديا في مسألة القراءة ، إذ يعتبرها سنة لا تخضع لمقاييس لغوية ، وإنما تعتمد الأثر والرواية فحسب ، فلا يردها قياس ، ولا يقرّبها استعمال فيقول :
     « وأئمة القراء لا تعمل في شيء من حروف القرآن على الأفشى في اللغة ، والأقيس في العربية ، بل على الأثبت في الأثر ، والأصح في النقل وإذا ثبتت الرواية لم يردّها قياس عربية ، ولا فشو لغة ، لأن القراءة سنة متبعة ، يلزم قبولها والمصير إليها » (2) .
     وما أبداه الداني لا يخلو من نظر أصيل ، إذ القراءة إذا كانت متواترة صحيحة السند ، فهي تفيد القطع ، ولا معنى لتقييد القطع بقياس أو عربية ، فالعربية إنما تصحح في ضوء القرآن ، ولا يصحح القرآن في ضوء العربية ، ومع هذا فإن الإجماع القرائي يكاد أن يكون متوافرا على اشتراط صحة السند ، ومطابقة الرسم المصحفي ، وموافقة اللغة العربية ؛ لهذا تختلف النظرة بالنسبة للقراءة في ضوء تحقق هذه الشروط أو عدمه ، وقد نتج عنه تقسيم القراءات إلى صحيحة وشاذة ، فما اجتمعت فيه من القراءات هذه الشروط فهو الصحيح ، وما نقص عنه فهو الشاذ .
     وفي هذا الضوء ولد ـ في عهد ابن مجاهد ـ مقياسان آخران ، وماتا في مهدهما ، لعدم تلقي المسلمين لهما بالقبول ، ولرفضهم لهما ، وهما :
     مقياس ابن شنبوذ ( ت : 327 هـ ) الذي اكتفى فيه بصحة السند وموافقة العربية .
     ومقياس ابن مقسم ( ت : 354 هـ ) الذي اكتفى فيه بمطابقة المصحف وموافقة العربية (3) .
     وقد تحرر للسيوطي مع المقارنة فيما كتبه ابن الجزري في النشر ، أن القراءات أنواع :
(1) مكي ، الإبانة : 18 .
(2) السيوطي ، الاتقان : 1 | 211 .
(3) ظ : الفضلي ، القراءات القرآنية : 39 وانظر مصدره .

(117)
     الأول : المتواتر ، وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، عن مثلهم إلى منتهاه ، وغالب القراءات كذلك .
     الثاني : المشهور ، وهو ما صح سنده ، ولم يبلغ درجة التواتر ، ووافق العربية والرسم واشتهر عند القراء .
     الثالث : الآحاد ، وهو ما صح سنده ، وخالف الرسم أو العربية ، أو لم يشتهر بالاشتهار المذكور ، ولا يقرأ به .
     الرابع : الشاذ ، وهو ما لم يصح سنده .
     الخامس : الموضوع ، [ وهو ما لا أصل له ] .
     السادس : ما زيد في القراءات على وجه التفسير (1) .
     وهذا التقسيم الذي استخرجه السيوطي مما أفاضه ابن الجزري جدير بالأهمية إذ هو جامع مانع كما يقول المناطقة .
     وتبقى النظرة إلى هذه القراءات متأرجحة بين التقديس والمناقشة ، فمن يقدسها يعتبرها قرآنا ، ومن يناقشها يعتبرها علما بكيفية أداء كلمات القرآن ، وفرق بين القرآن وأداء القرآن .
     فالباقلاني يذهب : « أن القراءات قرآن منزل من عند الله تعالى ، وأنها تنقل خلفا عن سلف ، وأنهم أخذوها من طريق الرواية ، لا من جهة الاجتهاد ، لأن المتواتر المشهور أن القراء السبعة إنما أخذوا القرآن رواية ، لأنهم يمتنعون من القراءة بما لم يسمعوه » (2) .
     بينما خالفه الزركشي في هذه الملحظ ، واعتبر القرآن حقيقة ، والقراءات حقيقة أخرى فقال :
     « والقرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان ، فالقرآن : هو الوحي المنزل على محمد للبيان والإعجاز ، والقراءات : اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما » (3) .
(1) ظ : السيوطي ، الاتقان : 1 | 216 .
(2) الباقلاني ، نكت الانتصار لنقل القرآن : 415 .
(3) الزركشي ، البرهان : في علوم القرآن : 1 | 318 .

(118)
     والحق أن رأي الزركشي يتفق مع تعريف القراءات المتداول عند أئمة التحقيق ، فقد ذهبوا إلى أن علم القراءات : هو علم يعرف منه إتفاق الناقلين لكتاب الله واختلافهم في اللغة والأعراب ، والحذف والإثبات والتحريك والإسكان ، والفصل والإتصال ، وغير ذلك من هيئة النطق ، والإبدال من حيث السماع (1) .
     والحق أن لا علاقة بين حقيقة القرآن وحقيقة القراءات ، فالقرآن هو النص الإلهي المحفوظ ، والقراءات أداء نطق ذلك النص إتفاقا أو اختلافا ، والقرآن ذاته لا اختلاف في حقيقته إطلاقا .
     وقد استظهر الزركشي تواتر القراءات عن القراء السبعة : « أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففيه نظر ، فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات ، وهي نقل الواحد عن الواحد ، ولم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة ، وهذا شيء موجود في كتبهم ، وقد أشار الشيخ شهاب الدين أبو شامة في كتابه « المرشد الوجيز » إلى شيء من ذلك » (2) .
     وقد وافقه من المتأخرين السيد الخوئي وازداد عليه حيث قال : « إنها غير متواترة ، بل القراءات بين ما هو اجتهاد من القارىء وبين ما هو منقول بخبر الواحد » (3) .
     وقد حشد لهذا الرأي جملة من الأدلة خلص منها إلى عدم تواتر القراءات ، وأنها نقلت بأخبار الآحاد (4) .
     ويكاد أن ينعقد إجماع المسلمين على حجية هذه القراءات وتواترها ـ سواء أكان تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن أصحابها ـ وعلى جواز القراءة بها في الصلاة وغيرها .
(1) القسطلاني ، لطائف الإشارات : 1 | 170 .
(2) الزركشي ، البرهان : 1 | 319 .
(3) الخوئي ، البيان : 123 .
(4) ظ : الخوئي البيان : 151 وما بعدها .

( 119 )
     فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : « إقرأوا كما علّمتم » (1) .
     وقال الشيخ الطوسي ( ت : 460 هـ ) وهو يتحدث عن رأي الإمامية في الموضوع :
     « واعلموا أن العرف من مذهب أصحابنا ، والشائع من أخبارهم ورواياتهم أن القرآن نزل بحرف واحد ، على نبي واحد ، غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القراء ، وأن الإنسان مخير بأي قراءة شاء قرأ ، وكرهوا تجريد قراءة بعينها ، بل أجازوا القراءة بالمجاز الذي يجوز بين القراء ، ولم يبلغوا بذلك حد التحريم والحظر » (2).
     وقد حكى الطبرسي ( ت : 548 هـ ) الإجماع عليه فقال :
     « إعلم أن الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على جواز القراءة بما تتداوله القراء بينهم من القراءات ، إلا أنهم اختاروا القراءة بما جاز بين القراء ، وكرهوا تجريد قراءة مفردة » (3) .
     وذهب الشهيد الأول : ( ت : 786 هـ ) من الإمامية إلى أن القراءات متواترة ، ومجمع على جواز القراءة بها ، وتابعه الخوانساري في ذلك ، ونفى الخلاف في حجية السبع منهم مطلقا ، والثلاث المكملة للعشر في الجملة ، بل اعتبر تواترها بوجوهها السبعة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند قاطبة أهل الإسلام (4) .
     وقد انتهى العاملي إلى الإجماع على تواتر القراءات ونعتها به وحكاه عن المنتهى والتحرير والتذكرة والذكرى ، والموجز الحاوي ، وغيرها من أمهات كتب الإمامية مما يقطع معه بتواترها حرفا حرفا ، وحركة حركة (5) .
(1) الكليني ، أصول الكافي : 2 | 631 .
(2) الطوسي ، التبيان : 1 | 7 .
(3) الطبرسي ، مجمع البيان : 1 | 12 .
(4) ظ : الخوانساري ، روضات الجنات : 263 .
(5) ظ : العاملي ، مفتاح الكرامة : 2 | 290 .

(120)
     وقد فصل الخوئي في القول ، فذهب إلى عدم حجية هذه القراءات ، فلا يستدل بها على الحكم الشرعي ، إذ لم يتضح عنده كون القراءات رواية ، فلعلها اجتهادات في القراءة ، ولكنه جوز بها الصلاة نظرا لتقرير المعصومين لها ، وذلك عنده يشمل كل قراءة متعارفة زمن أهل البيت عليهم السلام إلا الشاذة فلا يشملها التقرير (1) .
(1) ظ : الخوئي ، البيان في تفسير القرآن : 164 ـ 167 .