فقال ذلك إلى الإمام يفعل به ما يشاء قيل فمفوض ذلك إليه قال لا ولكن نحو الجناية وفي حديث آخر ليس أي شيء شاء صنع ولكنه يصنع بهم على قدر جناياتهم من قطع الطريق فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله وصلب ومن قطع الطريق وقتل ولم يأخذ المال قتل ومن قطع الطريق وأخذ المال ولم يقتل قطع يده ورجله ومن قطع الطريق ولم يأخذ مالا ولم يقتل نفي من الأرض وفي معناه أخبار أخر وعن الرضا عليه السلام ما يقرب منه وأنه سئل كيف ينفى وما حد نفيه فقال ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر آخر غيره ويكتب إلى أهل ذلك المصر بأنه منفي فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تواكلوه ولا تشاربوه فيفعل ذلك به سنة فان خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى يتم السنة وفي حديث آخر فانه سيتوب قبل ذلك وهو صاغر قيل فإن توجه إلى أرض أهل الشرك ليدخلها قال إن توجه إلى أرض الشرك ليدخلها قوتل أهلها .
أقول: إنما يقاتل أهلها إذا أرادوا استلحاقه إلى أنفسهم وأبوا أن يسلموه إلى المسلمين ليقتلوه وهذا معنى قوله قوتل أهلها .
وفي رواية أخرى للعياشي يضرب عنقه قال إن أراد الدخول في أرض الشرك وفي رواية له عن الجواد عليه السلام في جماعة قطعوا الطريق قال فإن كانوا أخافوا السبيل فقط ولم يقتلوا أحدا ولم يأخذوا مالا امر بايداعهم الحبس فإن ذلك معنى نفيهم من الأرض .
وفي رواية في الكافي أن معنى نفي المحارب أن يقذف في البحر ليكون عدلا للقتل والصلب .
وعن الباقر عليه السلام من حمل السلاح بالليل فهو محارب إلا أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة ذلك لهم خزي في الدنيا ذل وفضيحة ولهم في الاخرة عذاب عظيم لعظم ذنوبهم .
(34) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم قيل الاستثناء مخصوص بما هو حق الله أما القتل قصاصا فالى الأولياء يسقط بالتوبة


( 33 )

وجوبه لا جوازه والتوبة بعد أخذه إنما تسقط العذاب دون الحد إلا أن تكون عن الشرك .
(35) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة ما تتوسلون إليه به إلى ثوابه والزلفى منه من فعل الطاعات وترك المعاصي بعد معرفة الإمام واتباعه من وسل إلى كذا إذا تقرب إليه .
القمي قال تقربوا إليه بالإمام عليه السلام .
وفي العيون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأئمة من ولد الحسين ( عليهم السلام ) من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله هم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله .
وفي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة الوسيلة إنها أعلى درجة في الجنة ثم وصفها ببسط من الكلام من أراده فليرجع إليه وجاهدوا في سبيله سبيل الله بمحاربة أعدائه الظاهرة والباطنة لعلكم تفلحون بالوصول إلى الله والفوز بكرامته .
(36) إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض من صنوف الأموال جميعا ومثله معه ليفتدوا به ليجعلوه فدية لانفسهم من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم تمثيل للزوم العذاب لهم وأنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه ولهم عذاب أليم .
(37) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم العياشي عنهما عليهما السلام أنهم أعداء علي عليه السلام .
(38) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما السرقة أخذ مال الغير في خفية .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل في كم يقطع السارق قال في ربع دينار قيل في درهمين قال في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ قيل أرأيت من سرق أقل من ربع دينارهل يقع عليه حين سرق اسم السارق وهل هو عند الله سارق في تلك الحال فقال كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه وأحرزه فهو يقع عليه اسم السارق وهو عند الله سارق ولكن لا يقطع إلا في ربع دينار وأكثر ولو قطعت أيدي السراق فيما هو أقل من


( 34 )

ربع دينار لالفيت عامة الناس مقطعين وعنه عليه السلام القطع من وسط الكف ولا يقطع الإبهام وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع .
وفي رواية يقطع الأربع أصابع ويترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة وفي معناهما أخبار أُخر
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان إذا قطع السارق ترك له الإبهام والراحة فقيل له يا أمير المؤمنين تركت عامة يده فقال فإن تاب فبأي شيء يتوضأ يقول الله فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ، وعن الجواد أن القطع يجب أن يكون من مفصل اصول الأصابع فيترك الكف والحجة في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكوع(1) أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تعالى وان المساجد لله يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فلا تدعوا مع الله أحدا وما كان لله لم يقطع .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه فإذا سرق مرة اخرى قطعت رجله اليسرى ثم إذا سرق مرة أخرى سجنه وترك رجله اليمنى يمشى عليها إلى الغائط ويده اليسرى يأكل بها ويستنجي بها وقال إني لاستحيي من الله أن أتركه لا ينتفع بشيء ولكن أسجنه حتى يموت في السجن وقال ما قطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سارق بعد يده ورجله .
والعياشي ما يقرب منه وفي معناه أخبار كثيرة جزاء بما كسبا نكلا من الله عقوبة منه والله عزيز حكيم .
(39) فمن تاب من السراق من بعد ظلمه بعد سرقته وأصلح أمره برد المال
____________
(1) الكوع بالضم طرف الزند الذي يلي الابهام والجمع أكواع وعن الأزهري الكوع طرف الزند الذي يلي رسغ اليد المحاذي للابهام وهما عظمان متلاصقان في الساعد أحدهما أدق من الآخر وطرفاهما يلتقيان عند مفصل الكف فالذي يلي الخنصر يقال له الكرسوع والذي يلي الإبهام يقال له الكوع وهما عظما ساعدي الذراع .
( 35 )

والتفصي عن التبعات فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم يقبل توبته فلا يقطع ولا يعذب في الاخرة إلا إذا كانت توبته بعد أن يقع في يد الإمام فلا يسقط القطع حينئذ وإن عفا عنه صاحبه .
ففي الكافي عن أحدهما عليهما السلام في رجل سرق أو شرب الخمر أو زنا فلم يعلم ذلك منه ولم يؤخذ حتى تاب وصلح فقال إذا صلح فعرف منه أمر جميل لم يقم عليه الحد .
وعن الصادق عليه السلام من أخذ سارقا فعفا عنه فذاك له فإذا رفع إلى الإمام قطعه فإن قال الذي سرق منه أنا أهب له لم يدعه الإمام حتى يقطعه إذا رفع إلى الإمام وإنما الهبة قبل أن يرفع الى الإمام وذالك قول الله والحافظون لحدود الله فإذا انتهى الحد إلى الإمام فليس لاحد أن يتركه .
وعنه عليه السلام أنه سئل عن الرجل يأخذ اللص يرفعه أو يتركه فقال إن صفوان بن أمية كان مضطجعا في المسجد الحرام فوضع رداءه قد سرق حين رجع إليه فقال من ذهب بردائي فذهب يطلبه فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اقطعوا يده فقال صفوان تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله قال نعم قال فإني أهبه له فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهلا كان هذا قبل أن ترفعه إلي قيل فالامام بمنزلته إذا رفع إليه قال نعم .
(40) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشآء ويغفر لمن يشآء والله على كل شيء قدير .
(41) يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر في إظهاره إذا وجدوا منه فرصة من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم يعني المنافقين ومن الذين هادوا سماعون للكذب(1) قائلون له أو سماعون كلامك ليكذبوا عليك سماعون لقوم آخرين لم يأتوك أي لجمع آخر من اليهود لم يحضروا مجلسك وتجافوا عنك تكبرأ وافراطا
____________
(1) على تضمين السماع معنى القبول حتى يصح استعماله مع اللام .
( 36 )

في البغضاء يعني مصغون لهم قائلون كلامهم أو سماعون منك لاجلهم وللانهاء إليهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بتغييره وحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده أو إهماله يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه ان أوتيتم هذا المحرف فاقبلوه واعملوا به وإن لم تؤتوه بل أفتاكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخلافه فاحذروا قبول ما أفتاكم به قيل كان سبب نزول هذه الآية ما مر في تفسير قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من هذه السورة من قصة ابن صورياومحاكمته بين نبينا صلى الله عليه وآله وسلم واليهود .
والقمي كان سبب نزولها إنه كان في المدينة بطنان من اليهود من بني هارون وهم النضير وقريظة وكانت قريظة سبعمأة والنضير ألفا وكانت النضير أكثر مالا وأحسن حالا من قريظة وكانوا حلفاء لعبدالله بن أبي فكان إذا وقع بين قريظة والنضير قتل وكان القتيل من بني النضير قالوا لبني قريظة لا نرضى أن يكون قتيل منا بقتيل منكم فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة حتى كادوا أن يقتلوا حتى رضيت قريظة وكتبوا بينهم كتابا على أنه أي رجل من اليهود من النضير قتل رجلا من بني قريظة أن يحنب (1) ويحمم والتحنيب أن يقعد على جمل ويولى وجهه إلى ذنب الجمل ويلطخ وجهه بالحمأة (2)ويدفع نصف الدية وأيما رجل قتل رجلا من النضير أن يدفع إليه الدية كاملة ويقتل به فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل الأوس والخزرج في الإسلام ضعف أمر اليهود فقتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير فبعثوا إليهم بني النضير ابعثوا إلينا بدية المقتول وبالقاتل حتى نقتله فقالت قريظة ليس هذا حكم التوراة وإنما هو شيء غلبتمونا عليه فإما الدية وإما القتل وإلا فهذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بيننا وبينكم فهلموا نتحاكم إليه فمشت بنو النضير إلى عبد الله بن أبيّ فقالوا سل محمدا أن لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذي بيننا وبين قريظة في القتل فقال عبد الله بن ابي ابعثوا رجلا يسمع كلامي وكلامه فإن حكم لكم بما تريدون وإلا
____________
(1) حنب تحنيبا نكس .
(2) الحمأة الطين الأسود المنتن .

( 37 )

فلا ترضوا به فبعثوا معه رجلا فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله إن هؤلاء القوم قريظة والنضير قد كتبوا بينهم كتابا وعهدا وثيقا تراضوا به والآن في قدومك يريدون نقضه وقد رضوا بحكمك فيهم فلا تنقض كتابهم وشرطهم فإن النضير لهم القوة والسلاح والكراع (1) ونحن نخاف الدواير فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك ولم يجبه بشيء فنزل عليه جبرئيل بهذه الآيات قال يحرفون الكلم من بعد مواضعه يعني عبد الله بن ابي وبني النضير وإن لم تؤتوه فاحذروا يعني عبد الله قال لبني النضير إن لم يحكم بما تريدونه فلا تقبلوا ومن يرد الله فتنته اختباره ليفضح فلن تملك له من الله شيئا فلن تستطيع له من الله شيئا في دفعها أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم من العقوبات المرتبة على الكفر كالختم والطبع والضيق لهم في الدنيا خزي هوان بالزام الجزية على اليهود وإجلاء بني النضير منهم وإظهار كذبهم في كتمان الحق وظهور كفر المنافقين وخوفهم جميعا من المؤمنين ولهم في الاخرة عذاب عظيم وهو الخلود في النار .
(42) سماعون للكذب كرره للتأكيد أكلون للسحت أي الحرام من سحته إذا استأصله لانه مسحوت البركة وقريء بضمتين .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن السحت فقال الرشا في الحكم .
وعنه عليه السلام السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة وأجر الكاهن وفي رواية ثمن الكلب الذي لا يصيد .
وعن الباقر عليه السلام كل شيء غل من الإمام فهو سحت وأكل مال اليتيم وشبهه سحت والسحت أنواع كثيرة منها أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر والربا بعد البينة وأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على القضاء الرزق قال ذلك السحت وفي العيون عن أمير المؤمنين عليه
____________
(1) الكراع اسم لجماعة الخيل خاصة . قوله تعالى ان تصيبنا دائرة أي من دوائر الزمان أعني صروفه التي تدور وتحيط بالانسان مرة بخير ومرة بشر .
( 38 )

السلام في قوله تعالى أكالون للسحت قال هو الرجل يقضي لاخيه الحاجة ثم يقبل هديته .
والقمي قال السحت بين الحلال والحرام وهو أن يواجر الرجل نفسه على المسكر ولحم الخنزير وإتخاذ الملاهي فاجارته نفسه حلال ومن جهة ما يحمل ويعمل هو فهو سحت فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم تخيير له في التهذيب عن الباقر عليه السلام أن الحاكم إذا أتاه أهل التوراة والإنجيل يتحاكمون إليه كان ذلك إليه إن شاء حكم بينهم وإن شاء تركهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا بأن يعادوك لاعراضك عنهم فإن الله يعصمك من الناس وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط بالعدل الذي أمر الله به إن الله يحب المقسطين .
(43) وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله تعجيب من تحكيمهم من لا يؤمنون به والحال إن الحكم منصوص عليه في الكتاب الذي عندهم وفيه تنبيه على أنهم ما قصدوا بالتحكيم معرفة الحق واقامة الشرع وإنما طلبوا به ما يكون أهون عليهم وإن لم يكن حكم الله في زعمهم ثم يتولون من بعد ذلك ثم يعرضون عن حكمك الموافق لكتابهم بعد التحكيم وما أولئك بالمؤمنين بكتابهم لاعراضهم عنه أولا وعما يوافقه ثانيا .
(44) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى بيان للحق ونور يكشف ما أسبتهم من الأحكام يحكم بها النبيون الذين أسلموا انقادوا لله قيل وصفهم بالاسلام لانه دين الله للذين هادوا يحكمون لهم والربانيون والأحبار يحكم بها الربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء (1).
العياشي عن الصادق عليه الصلاة والسلام الربانيون هم الأئمة دون الأنبياء الذين يربون الناس بعلمهم والأحبار هم العلماء دون الربانيين قال ثم أخبر عنهم فقال بما استحفظوا من كتب الله وكانوا عليه شهداء ولم يقل بما حملوا منه .
____________
(1) أي كانو على حكم النبي صلى الله عليه وآله في الرجم أنه ثابت في التوراة شهداء عن ابن عباس وقيل كانوا شهداء على الكتاب أنه من عند الله عطاء .
( 39 )

وعن الباقر عليه السلام هذه الآية فينا نزلت فلا تخشوا الناس واخشون قيل نهي للحكام أن يخشوا غير الله في حكوماتهم ويداهنوا فيها ولا تشتروا بآياتي ولا تستبدلوا بأحكامي التي أنزلتها ثمنا قليلا من رشوة أو جاه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .
في الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حكم بدرهمين بحكم جورثم جبر عليه كان من أهل هذه الآية .
وعن الباقر والصادق عليهما السلام من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله ممن له سوط أو عصا فهو كافر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
(45) وكتبنا عليهم وفرضنا على اليهود فيها في التوراة أن النفس بالنفس (1) أي تقتل بها والعين بالعين (2) تفقأ بها والأنف بالأنف تجدع بها . والأذن بالأذن (3) تصلم بها والسن بالسن تقلع بها والجروح قصاص ذات قصاص وقرء بالرفع في الخمس وبتخفيف الأذن .
القمي هي منسوخة بقوله كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى وقوله الجروح قصاص لم ينسخ فمن تصدق به بالقصاص أي عفا عنه فهو كفارة له .
في الكافي عن الصادق عليه السلام يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا من جراح وغيره وفي الفقيه مثله إلا أنه قال ما عفا عن العمد ومن لم يحكم بما أنزل الله من القصاص وغيره فأولئك هم الظالمون .
(46) وقفينا على اثارهم واتبعنا على آثار النبيين الذين أسلموا بعيسى ابن مريم
____________
(1) معناه إذا قتلت نفسا اخرى عمدا فانه يستحق عليه العود إذا كان القاتل عاقلا مميزا أو كان المقتول مكافئا للقاتل .
(2) قال العلماء كل شخصين جرى القصاص بينهما في العين والأنف والأذن والسن وجميع الأطراف إذا تماثلا في السلامة والشلل وإذا امتنع القصاص في النفس امتنع أيضا في الأطراف .
(3) الاصطلام الإستيصال و هو افتعال من الصلم وهو القطع المستأصل .

( 40 )

مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين إنما خصهم بالذكر مع عموم الموعظة لانهم اختصوا بالانتفاع به .
(47) وليحكم وقرء بكسر اللام وفتح الميم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (1) .
(48) وأنزلنا إليك الكتاب بالحق أي القرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب من جنس الكتب المنزلة ومهيمنا عليه ورقيبا على سائر الكتب يحفظه عن التغير ويشهد له بالصحة والثبات فاحكم بينهم بما أنزل الله أي انزل إليك ولا تتبع أهوآئهم عما جاءك من الحق بالانحراف عنه إلى ما يشتهونه لكل جعلنا منكم أيها الناس شرعة شريعة وهي الطريق إلى الماء شبه بها الدين لانه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية ومنهاجا وطريقا واضحا من نهج الأمر إذا أوضح ، وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعلنا لكل منهم شرعة ومنهاجا والشرعة والمنهاج سبيل وسنة قال وأمر كل نبي بالاخذ بالسبيل والسنة وكان من السبيل والسنة التي أمر الله بها موسى عليه السلام أن جعل عليهم السبت ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة جماعة متفقة على دين واحد ولكن ليبلوكم فيما آتيكم من الشرائع المختلفة المناسبة لكل عصر وقرن هل تعلمون بها مصدقين بوجود الحكمة في اختلافها فاستبقوا الخيرات فابتدروها انتهازا (2) للفرصة وحيازة لقصب السبق والتقدم إلى الله مرجعكم جميعا وعد ووعيد للمبادرين والمقصرين فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل والمبادر والمقصر .
(49) وأن أحكم بينهم بما أنزل الله قيل عطف على الكتاب أي أنزلنا إليك الكتاب والحكم أو على الحق أي أنزلناه بالحق وبأن أحكم ويجوز الإستيناف بتقدير وأمرنا أن احكم .
____________
(1) قيل أن الأول في الجاحد والثاني والثالث في المقر التارك .
(2) النهزة بالضم الفرصة وانتهزتها ونهز نهزا من باب نفع نهض لتناول شي وانتهز الفرصة بادر وقتها .

( 41 )

في المجمع عن الباقر عليه السلام انما كرر الأمر بالحكم بينهم لانهما حكمان أمر بهما جميعا لانهم احتكموا إليه في قتل كان بينهم ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك أن يضلوك ويصرفوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا عن الحكم المنزل وأرادوا غيره فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم فيه تنبيه على أن لهم ذنوبا كثيرة والتولي عن حكم الله مع عظمته واحد منها معدودة من جملتها وإن كثيرا من الناس لفاسقون هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن امتناع القوم من الاقرار بنبوته والاسراع إلى إجابته بأن أهل الإيمان قليل وأن أهل الفسق كثير فلا ينبغي أن بعظم ذلك عليك .
(50) أفحكم الجاهلية يبغون انكار على توليهم عن حكم الله وقرء بالتاء ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون أي هذا الأستفهام لقوم يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور ويتحققون الأشياء بأنظارهم فيعلمون أن لا أحسن حكما من الله .
في الكافي عن الصادق عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهما الحكم حكمان حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية وقد قال الله عز وجل ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية .
(51) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء لا تعتمدوا على الإنتصار بهم متوددين إليهم ولا تعاشروهم معاشرة الأحباب بعضهم أولياء بعض في العون والنصرة ويدهم واحدة عليكم وهم المتفقون في مضادتكم ومن يتولهم منكم فإنه منهم من استنصر بهم فهو كافر مثلهم .
العياشي عن الصادق عليه السلام من تولى آل محمد صلوات الله عليهم وقدمهم على جميع الناس بما قدمهم من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو من آل محمد صلوات الله عليهم بمنزلة آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين لا أنه من القوم بأعيانهم وإنما هو منهم بتوليه إليهم واتباعه إياهم وكذلك حكم الله في كتابه ومن يتولهم منكم فإنه منهم وقول إبراهيم فمن تبعني فإنه منى إن الله لا يهدى القوم الظالمين


( 42 )

الذين ظلموا أنفسهم والمؤمنين بمولاة الكفار .
(52) فترى الذين في قلوبهم مرض كابن أُبيّ وأضرابه يسارعون فيهم موالاتهم ومعاونتهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من الدواير بأن ينقلب الأمر ويكون الدولة للكفار ، روي أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لي موالي من اليهود كثيرا عددهم وإني أبرء إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال ابن أبي إني رجل أخاف الدواير لا أبرئ من ولاية موالي فنزلت فعسى الله أن يأتي بالفتح لرسوله أو أمر من عنده فيه إعزاز المؤمنين وإذلال المشركين وظهور الإسلام فيصبحوا أي هؤلاء المنافقين على ما أسروا في أنفسهم من النفاق والشك في أمر الرسول نادمين .
العياشي عن الصادق عليه السلام في تأويل هذه الآية اذن (1) في هلاك بني امية بعد احراق زيد سبعة أيام .
(53) ويقول الذين آمنوا بعضهم لبعض أو لليهود وقرء بدون واو العطف وبالنصب عطفا على يأتي أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم تعجبا من حال المنافقين وتبجحاً(2)بما من الله عليهم من الإخلاص وجهد الأيمان أغلظها حبطت أعملهم فأصبحوا خاسرين إما من جهة المقول أو من قول الله شهادة لهم .
وفيه معنى التعجب كأنه قيل ما أحبط أعمالهم ما أخسرهم .
(54) يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه وقرء يرتدد بدالين جوابه محذوف يعني فلن يضر دين الله شيئا فإن الله لا يخلي دينه من أنصار يحمونه .
القمي قال هو مخاطبة لاصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم وارتدوا عن دين الله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه يحبهم الله ويحبون الله وقد سبق معنى المحبة من الله ومن العباد أذلة على
____________
(1) أي كما اذن الله في هلاكهم انما ذكر بمناسبة قوله فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده .
(2) البجح محركة الفرح .

( 43 )

المؤمنين (1) رحماء عليهم من الذل بالكسر الذي هو اللين لا من الذل بالضم الذي هو الهوان أعزة على الكافرين غلاظ شداد عليهم من عزه إذا غلبه يجاهدون في سبيل الله بالقتال لاعلاء كلمة الله وإعزاز دينه ولا يخافون لومة لائم فيما يأتون من الجهاد والطاعة .
في المجمع عن الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام هم أمير المؤمنين وأصحابه حتى قاتل من قاتله من الناكثين والقاسطين والمارقين .
قال ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفه بهذه الصفات حين ندبه لفتح خيبر بعد أن رد عنها صاحب الراية إليه مرة بعد أخرى وهو يجبن الناس يجبنونه لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ثم أعطاها إياها فأمّا الوصف باللين على أهل الإيمان والشدة على الكفار والجهاد في سبيل الله مع أنه لا يخاف لومة لائم فمما لا يمكن دفع علي عن إستحقاق ذلك لما ظهر من شدته على أهل الشرك والكفر ونكابته فيهم ومقاماته المشهورة في تشييد الملة ونصرة الدين والرأفة بالمؤمنين وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال يوم البصرة والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم وتلا هذه الآية ، وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون(2) عن الحوض فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى .
والقمي إنها نزلت في مهدي الأمة وأصحابه ( عليهم السلام ) وأولها خطاب لمن ظلم آل محمد صلوات الله عليهم وقتلهم وغصبهم حقهم .
وفي المجمع ويمكن أن ينصر هذا بأن قوله سبحانه فسوف يأتي الله بقوم يوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في وقت نزول الخطاب فهو يتناول من يكون بعدهم بهذه
____________
(1) قال ابن عباس تراهم للمؤمنين كالولد لوالده وكالعبد لسيده وهم في الغلظة على الكافرين كالسبّع على فريسته .
(2) حلأت الإبل بالتشديد تحلئة وتحلا طردتها عنه ومنعتها ان تراه وكذلك غيرالإبل .

( 44 )

الصفة إلى قيام الساعة .
أقول : لا منافاة بين الروايتين على ما حققناه في المقدمات من جواز التعميم ذلك فضل الله أي محبتهم لله سبحانه ولين جانبهم للمؤمنين وشدتهم على الكافرين تفضل من الله وتوفيق ولطف منه ومنة من جهته يؤتيه من يشاء يعطيه من يعلم أنه محل له والله واسع جواد لا يخاف نفاد ما عنده عليم بموضع جوده وعطائه .
(55) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .
في الكافي عن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية يعني أولى بكم أي أحق بكم وبأموركم من أنفسكم وأموالكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني عليا وأولاده الأئمة إلى يوم القيامة ثم وصفهم الله فقال الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر وقد صلى ركعتين وهو راكع وعليه حلة قيمتها ألف دينار وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه إياها وكان النجاشي أهداها له فجاء سائل فقال السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم تصدق على مسكين فطرح الحلة إليه وأومى بيده إليه أن أحملها فأنزل الله عز وجل فيه هذه الآية وصير نعمة أولاده بنعمته فكل من بلغ من أولاده مبلغ الامامة يكون بهذه النعمة مثله فيتصدقون وهم راكعون والسائل الذي سئل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة والذين يسألون الأئمة من أولاده يكونون من الملائكة .
وعنه عن أبيه عن جده ( عليهم السلام ) في قوله عز وجل يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها قال لما نزلت إنما وليكم الله الآية اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة فقال بعضهم إن كفرنا بهذه الآية نكفر بسائرها وإن آمنا فإن هذا ذل حين يسلط علينا علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا قد علمنا أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم صادق فيما يقول ولكنا نتولاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا قال فنزلت هذه الآية يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها يعني ولاية علي وأكثرهم الكافرون بالولاية .


( 45 )

وعنه عليه السلام أنه سئل الأوصياء طاعتهم مفروضة قال نعم هم الذين قال الله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وهم الذين قال الله إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الآية .
وفي الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث فقال المنافقون فهل بقي لربك علينا بعد الذي فرض علينا شيء آخر يفترض فتذكره لتسكن أنفسنا إلى أنه لم يبق غيره فأنزل الله في ذلك قل إنما أعظكم بواحدة يعني الولاية فأنزل الله إنما وليكم الله ورسوله الآية وليس بين الأمة خلاف إنه لم يؤت الزكاة يومئذ أحد منهم وهو راكع غير رجل واحد ولو ذكر اسمه في الكتاب لاسقط مع ما أسقط .
وعن الباقر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث في قوله سبحانه يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك قال وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية إن جبرئيل هبط إلي مرارا يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله وقد أنزل الله تبارك وتعالى عليّ بذلك آية من كتابه إنما وليكم الله ورسوله الآية وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال .
وفي الخصال في إحتجاج علي صلوات الله عليه على أبي بكر قال فانشدك بالله ألي الولاية من الله مع ولاية رسوله في آية زكاة الخاتم أم لك قال بل لك وفيه في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وتعدادها قال وأما الخامسة والستون فإني كنت أصلي في المسجد فجاء سائل وأنا راكع فناولته خاتمي من أصبعي فأنزل الله تعالى إنما وليكم الله ورسوله الآية .
والقمي عن الباقر عليه السلام قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس وعنده قوم من اليهود وفيهم عبد الله بن سلام إذ نزلت عليه هذه الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد فاستقبله سائل فقال هل أعطاك أحد شيئاً قال نعم ذاك المصلي فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام .