ومن وراء اسحاق يعقوب ، فقالت : ما قال الله عز وجل : وأجابوها بما في الكتاب العزيز ، فقال لهم إبراهيم : لماذا جئتم ؟ قالوا : في إهلاك قوم لوط ، فقال لهم : إن كان فيها مأة من المؤمنين أتهلكونهم ؟ فقال جبرئيل لا ، قال : فإن كان فيها خمسون ؟ قال : لا ، قال فإن كان فيها ثلاثون ؟ قال : لا ، قال : فإن كان فيها عشرون ؟ قال : لا ، قال : فإن كان فيها عشرة ؟ قال : لا ، قال : فإن كان فيها خمسة ؟ قال : لا ، قال : فإن كان فيها واحد ؟ قال : لا ( قال فإن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) قال الراوي ، لا أعلم هذا القول إلا وهو يستبقيهم ، وهو قول الله ( يجادلنا في قوم لوط ) فأتوا لوطا وهو في زراعة له قرب القرية فسلموا عليه ، وهم معتمون ، فلما رأى هيئة حسنة ، عليهم ثياب بيض ، وعمايم بيض ، فقال لهم : المنزل ، فقالوا : نعم ، فتقدمهم ومشوا خلفه فتندم على عرضه المنزل عليهم ، فقال : أي شيء صنعت آتي بهم قومي وأنا أعرفهم ، فالتفت إليهم فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله ، قال تعالى لجبرئيل لا تعجل عليهم حتى يشهد عليهم ثلاث مرات ، فقال جبرئيل : هذه واحدة ، ثم مشى ساعة ، ثم إلتفت إليهم فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه ثنتان ، ثم مشى فلما بلغ باب المدينة إلتفت إليهم ، فقال : إنكم لتأتون شرارا من خلق الله : فقال جبرئيل : هذه الثالثة ، ثم دخل ودخلوا معه حتى دخل منزله فلما رأتهم إمرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفقت فلم يسمعوا فدخنت فلما رأوا الدخان أقبلوا يهرعون حتى جاؤا إلى الباب فنزلت إليهم ، فقالت : عنده قوم ما رأيت قوما قط أحسن منهم هيئة فجاؤا إلى الباب ليدخلوا فلما رآهم لوط ، قام إليهم فقال لهم : يا قوم ( اتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) وقال : ( هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ) فدعاهم إلى الحلال فقالوا : ( لقد علمت مالنا في بناتك من حق وأنك لتعلم ما نريد ) فقال لهم : ( لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد ) فقال جبرئيل لو يعلم أي قوة له ؟ قال : فكاثروه حتى دخلوا البيت ، فصاح بهم جبرئيل ، وقال : يا لوط دعهم يدخلون فلما دخلوا أهوى جبرئيل باصبعه نحوهم فذهبت أعينهم ، وهو قول الله : ( فطمسنا على أعينهم ) ثم ناداه جبرئيل فقال له : ( إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ) وقال له
( 467 )
جبرئيل إنا بعثنا في إهلاكهم فقال يا جبرئيل عجل ، فقال : ( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) فأمره فيحمل هو ومن معه إلا أمرأته ، ثم اقتلعها يعني المدينة جبرئيل بجناحه من سبعة أرضين ، ثم رفعها حتى سمع أهل سماء الدنيا نباح الكلاب ، وصراخ الديوك ، ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة حجارة من سجيل .
أقول : وقد سبق نبذ من قصة قوم لوط ، في سورة الاعراف ويأتي طرف آخر منه في سورة الحجر إن شاء الله .
القمي : قد ذكر قصة ابراهيم ولوط ببيان مبسوط من غير إسناد إلى معصوم ، فيها أشياء غير ما ذكرنا من أرادها رجع إليها .
(84) وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره : مضى تفسيره في سورة الاعراف ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير بسعة تغنيكم عن البخس .
في الفقيه ، والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية كان سعرهم رخيصا . وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط مهلك من قوله ( وأحيط بثمره ) أو لا يشذ منه أحد منكم .
(85) ويا قوم أوفوا المكيال والميزان صرح الامر بالأيفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمد التطفيف بل يلزمهم السعي في الايفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدونها بالقسط بالعدل والسوية .
في الكافي عن الباقر عليه السلام وجدنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا طفف المكيال والميزان أخذهم الله بالسنين والنقص . وفي رواية اخرى وشدة المؤنة وجور السلطان ولا تبخسوا الناس أشياءهم تعميم بعد تخصيص فإنه أعم من أن يكون في المقدار أو في غيره ولا تعثوا في الارض مفسدين هذا أيضا تعميم بعد تخصيص فإن العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد من السرقة والغارة وقطع السبل وغير ذلك .
( 468 )
(86) بقيت الله : ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام . خير لكم مما تجمعون بالتطفيف إن كنتم مؤمنين بشرط الايمان إذ الثواب والنجاة من العقاب لا يحصلان إلا به أو يريد إن كنتم مصدقين بي في نصيحتي وما أنا عليكم بحفيظ أحفظ عليكم أعمالكم .
في الكافي عن الباقر عليه السلام أنه صعد جبلا يشرف على أهل مدين حين أغلق دونه باب مدين ، ومنع أن يخرج إليه بالأسواق فخاطبهم بأعلى صوته يا أهل المدينة الظالم أهلها ، أنا بقية الله ، يقول الله ( بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) ، قال وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي عليه السلام والله لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم الحديث .
وفي الاكمال عنه عليه السلام أول ما ينطق به القائم عليه السلام حين خرج هذه الآية ( بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ) ، ثم يقول أنا بقية الله ، وحجته ، وخليفته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه .
(87) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا من الاصنام ، يعني تأمرك بأن تكلفنا ذلك أجابوا أمرهم بالتوحيد على الاستهزاء به ، والتهكم بصلاته والاشعار بأن مثله لا يدعو إليه داع عقلي ، وإنما دعاك إليه خطرات ووساوس من جنس ما تواظب عليه ، وكان كثير الصلاة ولذلك جمعوا وخصوا بالذكر ، وقرء على الافراد أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء : أو نترك فعلنا في أموالنا وهو جواب النهي عن التطفيف والامر بالأيفاء . إنك لانت الحليم الرشيد قيل أرادوا بذلك نسبته إلى غاية السفه والغي ليتهكموا فعكسوا به .
والقمي قالوا إنك لأنت السفيه الجاهل فحكى الله عز وجل قولهم فقال ( إنك لاءنت الحليم الرشيد ) .
(88) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي : قيل إشارة إلى ما أتاه
( 469 )
الله من العلم والنبوة . ورزقني منه رزقاً حسناً قيل إشارة إلى ما آتاه الله من المال الحلال ، وجواب الشرط محذوف تقديره فهل يسع لي مع هذه الانعام أن أخون في وحيه وأخالفه في أمره ونهيه ولا آمركم بترك عبادة الاوثان والكف عن القبايح وإنما بعثني لذلك وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه يعني وما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم إن اريد إلا الاصلاح أن أصلحكم ما استطعت ما دمت استطيع الاصلاح ، فلو وجدت الصلاح فيما أنتم عليه لما نهيتكم عنه ، والجواب الاول إشارة إلى مراعاة حق الله ، والثاني إلى مراعاة حق النفس ، والثالث إلى مراعاة حق الناس وما توفيقي إلا بالله إلا بهدايته ومعونته عليه توكلت فإنه القادر المتمكن من كل شيء دون غيره ، وفيه إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدء وإليه أنيب إشارة إلى معرفة المعاد نبه بهذه الكلمات إلى اقباله على الله بشراشره فيما يأتي ويذر وحسم أطماع الكفار وعدم المبالاة بعداوتهم وتهديدهم بالرجوع إلى الله للجزاء .
(89) ويا قوم لا يجرمنكم : لا يكسبنكم . شقاقي خلافي ومعاداتي أن يصيبكم مثل مآ أصاب قوم نوح من الغرق . أو قوم هود : من الريح . أو قوم صالح : من الرجفة . وما قوم لوط منكم ببعيد : يعني إنهم اهلكوا في عهد قريب من عهدكم فإن لم تعتبروا بمن قبلهم فاعتبروا بهم .
(90) واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه : عما أنتم عليه . إن ربي رحيم ودود : عظيم الرحمة ، متودد على عباده ، مريد لمنافعهم ، وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الاصرار .
(91) قالوا يا شعيب ما نفقه ما نفهم كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا لا قوة لك ولا عز ، فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها .
القمي وقد كان ضعف بصره . ولولا رهطك قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لرجمناك لقتلناك شر قتلة وما أنت علينا بعزيز فتمنعنا عزتك عن القتل بل رهطك هم الاعزة علينا .
( 470 )
(92) قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا وجعلتموه كالمنسي المنبوذ وراء الظهر لا يعبؤ به ، والظهري منسوب إلى الظهر ، والكسر من تغييرات النسب إن ربي بما تعملون محيط : فلا يخفى عليه شيء منها .
(93) ويا قوم اعملوا على مكانتكم قارين على ما أنتم عليه من الشرك والعداوة إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب من المعذب والكاذب مني ومنكم سبق مثله في سورة الانعام وارتقبوا وانتظروا ما أقول لكم إني معكم رقيب منتظر .
في الاكمال والمجمع عن الرضا عليه السلام ما أحسن الصبر وإنتظار الفرج أما سمعت قول الله عز وجل ( وارتقبوا إنى معكم رقيب ) .
والعياشي عنه عليه السلام إن انتظار الفرج من الفرج ، ثم تلا هذه الآية . وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان شعيب خطيب الانبياء .
(94) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين امنوا معه برحمة منا إنما ذكر هنا وفي قصة عاد بالواو ، وفي قصتي صالح وهود بالفاء ، لسبق ذكر وعد يجري مجرى السبب في قصتي صالح وهود ، دون الآخرين . وأخذت الذين ظلموا الصيحة في الجوامع روي أن جبرئيل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم حيث هو فأصبحوا في ديارهم جاثمين .
(95) كأن لم يغنوا فيها كأن لم يقيموا فيها أحياء ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود قيل شبههم بهم لأن عذابهم كان أيضا بالصيحة ، غير أن صيحتهم كانت من تحتهم ، وصيحة مدين كانت من فوقهم .
(96) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين بالمعجزات القاهرة والحجج الباهرة .
(97) إلى فرعون وملأه فاتبعوا أمر فرعون أمره بالكفر بموسى . وما أمر.
( 471 )
فرعون برشيد : ما في أمره من رشد إنما هي غي وضلال .
(98) يقدم قومه يوم القيامة بتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه كما كان لهم قدوة في الضلال في الدنيا . فأوردهم النار ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحققه وبئس الورد المورود بئس الورد الذي يردونه النار ، لأن الورد وهو الماء الذي يورد إنما يراد لتسكين العطش ، وتبريد الاكباد ، والنار ضده .
(99) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة أي يلعنون في الدنيا والآخرة بئس الرفد المرفود رفدهم لأن الرفد وهو العون والعطاء إنما يراد للنفع واللعنة مدر للعذاب في الدارين .
القمي ( في هذه لعنة ) يعني الهلاك والغرق ، ( ويوم القيامة ) رفدهم الله بالعذاب .
(100) ذلك أي ذلك النبأ من أنباء القرى المهلكة نقصه عليك منها قائم باق كالزرع القائم وحصيد ومنها عافي الاثر كالزرع المحصود .
والعياشي عن الصادق عليه السلام أنما قرء فمنها قائما وحصيدا بالنصب ، قال لا يكون الحصيد إلا بالحديد (1) .
(101) وما ظلمناهم بإهلاكنا إياهم ولكن ظلموا أنفسهم بأن عرضوها له بارتكاب ما يوجبه . فما أغنت عنهم فما نفعتهم ولا قدرت أن تدفع عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك : أي عذابه ونقمته وما زادوهم غير تتبيب غير تخسير .
(102) وكذلك ومثل ذلك الاخذ أخذ ربك إذا أخذ القرى أي أهلها وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد وجيع صعب .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الله يمهل الظالم حتى إذا
____________
(1) أي لا يكون الا بالسيف والرمح والسهم ونحو ذلك والظاهر انه مستأنف منفصل عما قبله لا انه علة لقراءة النصب بل بيان المراد مرفوعا أو منصوبا وعلى تقدير النصب يكون التقدير منها ابقى قائما ومنها احصد حصيدا على انهما حالان مؤكد ان مثل زيد ابوك عطوفا .
( 472 )
أخذه لم يفلته ثم تلا هذه الآية .
(103) إن في ذلك أي فيما نزل بالأمم الهالكة لآية لعبرة لمن خاف عذاب الاخرة لعلمه بأنه أنموذج منه ذلك أي يوم القيامة ، وعذاب الآخرة يوم مجموع له الناس الاولون والآخرون وذلك يوم مشهود كثير شاهدوه .
القمي يشهد عليه الانبياء والرسل وقيل مشهود فيه أهل السموات والارضين .
العياشي : عن أحدهما عليهما السلام في هذه الآية فذلك يوم القيامة وهو اليوم الموعود .
وفي الكافي : عن السجاد في كلام له في المواعظ والزهد وأعلم أن من وراء هذا أعظم وأفظع وأوجع للقلوب يوم القيامة ( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) يجمع الله عز وجل فيه الاولين والآخرين .
(104) وما نؤخره أي اليوم إلا لأجل معدود إلا لأنتهاء مدة معدودة متناهية .
(105) يوم يأتي وقريء بحذف الياء لا تكلم نفس لا تتكلم نفس بما ينفع وينجي إلا بإذنه بإذن الله كقوله ( لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا ) وهذا في موطن من مواطن ذلك اليوم ، وقوله : ( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) في موطن أخر منها كما في التوحيد عن أمير المؤمنين . فمنهم شقيّ : وجبت له النار بمقتضى الوعيد . وسعيد : وجبت له الجنة بموجب الوعد .
(106) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق : الزفير : إخراج النفس ، والشهيق : رده ، دل بهما على شدة كربهم وغمهم .
(107) خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك إن ربك فعال لما يريد .
( 473 )
(108) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك عطاء غير مجذوذ غير مقطوع .
القمي في هذه الاية ( يوم يأتي ) والتي بعدها هذا في نار الدنيا قبل يوم القيامة ، قال وأما قوله ( وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ) يعني في جنان الدنيا التي تنقل إليها أرواح المؤمنين ( مادامت السموات والأرض إلا ما شآء ربك عطاء غير مجذوذ ) يعني غير مقطوع من نعيم الآخرة ، في الجنة يكون متصلا به ، قال وهو رد على من أنكر عذاب القبر والثواب والعقاب في الدنيا والبرزخ قبل يوم القيامة .
أقول : ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ) .
قال الصادق عليه السلام إن هذا في نار البرزخ قبل يوم القيامة إذ لا غدّو ولا عشّي في القيامة ، ثم قال : ألم تسمع قول الله عز وجل ( يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) ويؤيد أيضا قوله ( مادامت السموات والأرض ) يعني سموات الدنيا وأرضها كما هو معلوم .
والعياشي عن الباقر والصادق عليهما السلام ما معناه إن المراد بالجنة والنار في هذه الآية ولاية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولاية أعدائهم .
قال قال الصادق عليه السلام قال الجاهل بعلم التفسير إن هذا الاستثناء من الله إنما هو لمن دخل الجنة والنار ، وذلك إن الفريقين جميعا يخرجان منهما فتبقيان وليس فيهما أحد ، وكذبوا قال والله تبارك وتعالى ليس يخرج أهل الجنة ولا كل أهل النار منهما أبدا كيف يكون ذلك ، وقد قال الله تعالى في كتابه : ( ماكثين فيه أبدا ) ليس فيه إستثناء .
وقال الباقر عليه السلام هاتان الآيتان في غير أهل الخلود من أهل الشقاوة والسعادة .
(109) فلا تك في مرية في شك مما يعبد هؤلاء بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم للأوثان وتعرضهم بها لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية
( 474 )
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ووعد له بالأنتقام منهم ، ووعيد لهم . ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤُهم من قبل أي حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالتين فينزل بهم مثل ما نزل بآبائهم تعليل النهي عن المرية وإنا لموفوهم نصيبهم حظهم من العذاب كآبائهم . غير منقوص بلا نقص .
(110) ولقد اتينا موسى الكتاب فاختلف فيه فآمن به قوم وكفر به قوم ، كما اختلف هؤلاء في القرآن .
في الكافي عن الباقر عليه السلام اختلفوا كما اختلفت هذه الامة في الكتاب ، وسيختلفون في الكتاب الذي مع القائم الذي يأتيهم به حتى ينكره ناس منهم فيقدمهم فيضرب أعناقهم . ولولا كلمة سبقت من ربك يعني كلمة الانظار إلى يوم القيامة . لقضي بينهم : بإنزال ما يستحقه المبطل ليتميز عن المحق . وإنهم : وإن كفار قومك . لفي شك منه : من القرآن . مريب : موقع للريبة .
(111) وإن كلا وإن كل المختلفين المؤمنين والكافرين لما ليوفينهم ربك أعمالهم .
القمي قال في القيامة قيل اللام في ( لما ) توطئة للقسم ، والاخرى للتوكيد ، أو ( بالعكس ) ؟ ، و ( ما ) مزيدة للفصل بينهما يعني وإن جميعهم والله ليوفينهم ربك جزاء أعمالهم ، وقريء ( أن ) بالتخفيف من المثقلة على إعمال المخففة عمل الثقيلة إعتبارا لأصلها ( ولما ) بالتشديد على أن أصله ـ لمن ما ـ يعني لمن الذين يوفّيهم وقرء أُبي ( وإن كل ) بالرفع ( ولما ) بالتشديد ، على أن ( إن ) نافية ، ( ولما ) بمعنى إلا ، ويؤيده قراءة إلامكان ( لما ) . إنه بما يعملون خبير : فلا يفوت عنه شيء وإن خفي .
(112) فاستقم كمآ أمرت على جادة الحق غير عادل عنها ، وهي شاملة للعقايد والاعمال . ومن تاب معك : وليستقم من تاب من الكفر وآمن معك . ولا تطغوا ولا تخرجوا من حدود الله إنه بما تعملون بصير فهو مجازيكم عليه
في الجوامع عن الصادق عليه السلام ( فاستقم كمآ أمرت ) أي افتقر إلى الله
( 475 )
بصحة العزم ، وعن ابن عباس ما نزلت آية كان أشق على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الآية ولهذا قال ( شيبتني هود والواقعة وأخواتهما ) .
(113) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا ولا تميلوا إليهم أدنى ميل ، فإن الركون هو الميل اليسير . فتمسكم النار بركونكم إليهم .
في المجمع عنهم عليهم السلام إن الركون المودة والنصيحة والطاعة . والقمي مثله .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام هو الرجل يأتي السلطان فيحب بقاءه إلى أن يدخل يده كيسه فيعطيه والعياشي عنه عليه السلام أما أنه لم يجعلها خلودا ولكن تمسكم النار فلا تركنوا إليهم . وما لكم من دون الله من أولياء من أنصار يمنعون
العذاب عنكم ثم لا تنصرون ثم لا ينصركم الله .
(114) وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل وساعات من الليل قريبة من النهار من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة .
في التهذيب عن الباقر عليه السلام طرفاه المغرب والغداة ، وزلفا من الليل هي صلاة العشاء الآخرة .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام مثله إن الحسنات يذهبن السيئات يكفرنها .
وفي الحديث النبوي المشهور إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكباير .
وفي الامالي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الله يكفر بكل حسنة سيئة ثم تلا الآية .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب بالنهار . والقمي مثله .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك : يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو
( 476 )
لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته وإن هو عملها كتب الله له عشرا ، ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها أجل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عز وجل يقول ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) أو الاستغفار فإن هو قال ( أستغفر الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذو الجلال والاكرام وأتوب إليه ) لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة وإستغفار ، قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم .
وفي المجمع والعياشي عنه عليه السلام إعلم أنه ليس شيء أضر عافية ولا أسرع ندامة من الخطيئة ، وإنه ليس شيء أشد طلبا ولا أسرع دركا للخطيئة من الحسنة ، أما إنها لتدرك الذنب العظيم القديم المنسي عند صاحبه فتحطه وتسقطه وتذهب به بعد إثباته ، وذلك قوله سبحانه : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) . وعن أحدهما : عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال : سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ارجى آية في كتاب الله ( أقم الصلاة طرفي النهار ) وقرأ الآية كلها ، وقال : يا علي والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بقلبه ووجهه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه ، فإن أصاب شيئا بين الصلوتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس . ثم قال : يا علي إنما مثل الصلوات الخمس لامتي كنهر جار على باب أحدهم فما يظن أحدهم إذا كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقي في جسده درن فكذلك والله الصلوات الخمس لامتي . ذلك : قيل : إشارة إلى قوله ( فاستقم ) وما بعده . ذكرى للذاكرين : عظة للمتعظين .
(115) واصبر : على الطاعات وعن المنهيات . فإن الله لا يضيع أجر المحسنين عدل عن المضمر ليكون كالبرهان على المقصود .
(116) فلولا كان فهلا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية من الرأي والعقل
( 477 )
والفضل وإنما سمي بقية لأن الرجل يستبقي لنفسه أفضل ما يخرجه ، ومنه يقال فلان من بقية القوم أي من خيارهم . وقولهم : في الزوايا خبايا ، وفي الرجال بقايا . ينهون عن الفساد في الارض إلا قليلا ممن أنجينا منهم : لكن قليلا منهم أنجيناهم لأنهم نهوا عن الفساد واتبع الذين ظلموا مآ أترفوا فيه ما أنعموا فيه من الشهوات أراد بالذين ظلموا تاركي النهي عن المنكرات أي اتبعوا ما عودوا من التنعم وطلب أسباب العيش الهنيء ورفضوا ما وراء ذلك . وكانوا مجرمين : كأنه أراد بيان سبب استيصال الامم السالفة وهو فشو الظلم فيهم ، واتباعهم للهوى ، وتركهم النهي عن المنكرات .
(117) وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه لهم أو منهم لأنفسهم كشرك ومعصية . وأهلها مصلحون : فيما بينهم ، في المجمع : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهلها مصلحون ينصف بعضهم من بعض .
أقول : وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوق نفسه دون حقوق عباده ، ولذا قيل الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم .
(118) ولو شآء ربك لجعل الناس أمة واحدة : مسلمين كلهم ، القمي : أي على مذهب واحد . ولا يزالون مختلفين : بعضهم إختار الحق وبعضهم إختار الباطل لا تكاد تحد إثنين يتفقان مطلقا .
(119) إلا من رحم ربك إلا أناسا هداهم الله ولطف بهم فاتفقوا على دين الحق . ولذلك خلقهم : قيل إن كان ضمير ( هم ) للناس فالاشارة إلى الاختلاف واللام للعاقبة أو إلى الاختلاف والرحمة جميعا وإن كان الضمير لمن فالاشارة إلى الرحمة .
في الكافي ، والعياشي ، والعلل : عن الصادق عليه السلام كانوا أمة واحدة فبعث الله النبيين ليتخذ عليهم الحجة . وفي التوحيد : عنه عليه السلام خلقهم فليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم .
وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية الناس يختلفون في إصابة القول
وكلهم هالك إلا من رحم ربك ، وهم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله فلذلك
( 478 )
خلقهم يقول لطاعة الامام .
والقمي عن الباقر عليه السلام قال ( ولا يزالون مختلفين ) في الدين ( إلا من رحم ربك ) يعني آل محمد صلوات الله عليهم وأتباعهم يقول الله ( ولذلك خلقهم ) يعني أهل رحمة لا يختلفون في الدين .
والعياشي عن السجاد عليه السلام في قوله ( ولا يزالون مختلفين ) عنى بذلك من خالفنا من هذه الامة ، وكلهم فخالف بعضهم بعضا في دينهم ، وأما قوله : ( إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) فأولئك أولياؤنا في المؤمنين ، ولذلك خلقهم من الطينة الطيبة الحديث . وتمت كلمة ربك وهي قوله لاملأن جهنم من الجنة والناس من عصاتهما أجمعين .
القمي وهم الذين سبق الشقاء لهم فحق عليهم القول أنهم للنار خلقوا ، وهم ( الذين حقت عليهم كلمت ربك أنهم لا يؤمنون ) .
(120) وكلا نقص عليك من أنباء الرسل نخبرك به ما نثبت به فؤادك تنبيه على المقصود من الاقتصاص وهو زيادة يقينه ، وطمأنينة قلبه ، وثبات نفسه ، على أداء الرسالة ، واحتمال الاذى . وجاءك في هذه : الانباء المقتصة عليك الحق ما هو حق . وموعظة وذكرى للمؤمنين .
(121) وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم حالكم الذي أنتم عليه . إنا عاملون على حالنا .
القمي أي نعاقبكم .
(122) وانتظروا بنا الدواير إنا منتظرون أن ينزل بكم نحو ما نزل على أمثالكم .
(123) ولله غيب السموات والأرض : لا لغيره . وإليه يرجع الأمر كله لا إلى غيره ، وقريء بضم الياء فاعبده وتوكل عليه فإنه كافيك وما ربك بغافل عما تعملون أنت وهم فيجازي كلا بما يستحقه ، وقرئ بالياء .
في ثواب الاعمال عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة هود في كل جمعة بعثه الله عز وجل يوم القيامة في زمرة النبيين ، ولم تعرف له خطيئة عملها يوم القيامة والحمد لله