( 38 ) واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب تعليل لما قبله وتمهيد للدعوة وإظهار أنه من أهل بيت النبوة لتقوى رغبتهما في الأستماع إليه والوثوق عليه ما كان لنا ما صح لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله من شيء أي شيء كان ذلك أي التوحيد من فضل الله علينا بالوحي وعلى الناس وعلى سائر الناس ببعثنا لأرشادهم وتنبيههم عليه ولكن أكثر الناس المبعوث إليهم لا يشكرون هذا الفضل والنعمة فيعرضون عنه ولا ينتبهون .
( 39 ) يا صاحبي السجن يا ساكنيه أو يا صاحبي فيه كقولهم يا سارق الليلة ءأرباب متفرقون شتى متعددة متساوية الأقدام خير أم الله الواحد المتوحد بالألوهية القهار الغالب الذي لا يعادله شيء ولا يقاومه غيره .
( 40 ) ما تعبدون من دونه خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان يعني الاشياء سميتموها آلهِة من غير حجة تدل على استحقاقها الألهية وإنما تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها فكأنكم لا تعبدون إلا الأسماء المجردة إن الحكم في أمر العبادة إلا لله لأنه المستحق لها بالذات أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم الحق ولكن أكثر الناس لا يعلمون فيخبطون في جهالاتهم .
( 41 ) يا صاحبي السجن أما أحدكما يعني صاحب الشراب فيسقي ربه خمرا كما يسقيه قبل .
القمي قال له يوسف عليه السلام تخرج من السجن وتصير على شراب الملك وترتفع منزلتك عنده وأما الآخر يعني الخباز فيصلب فتأكل الطير من رأسه القمي ولم يكن رأى ذلك وكذب فقال له يوسف إنت يقتلك الملك ويصلبك وتأكل الطير من دماغك فجحد الرجل فقال إني لم أر ذلك فقال يوسف عليه السلام قضي الامر الذي
____________
(1) وفي هذا دلالة على انه كان يقول ذلك على جهة الاخبار عن الغيب بما يوحى إليه لا كما يعبر احدنا الرؤيا على جهة التأويل م‍ ن .
( 22 )

فيه تستفتيان وهوما يؤول إليه أمركما يعني قطع وفرغ منه صدقتما أوكذبتما .
( 42 ) وقال للذي ظن أنه ناج منهما علم نجاته اذكرني عند ربك اذكر حالي عند الملك وإني حبست ظلما لكي يخلصني من السجن فأنسه الشيطان ذكر ربه قيل فأنسى الشيطان صاحب الشراب أن يذكره لربه أو أنسى يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره فلبث في السجن بضع سنين .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال سبع سنين .
وعنه عليه السلام لم يفزع يوسف في حاله إلى الله فيدعوه فلذلك قال الله تعالى فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين قال فأوحى الله إلى يوسف في ساعته تلك يا يوسف من أراك الرؤيا التي رأيتها فقال أنت يا ربي قال فمن حببك إلى أبيك قال أنت يا ربي قال فمن وجه السيارة إليك فقال أنت يا رب قال فمن علمك الدعاء الذي دعوت به حتى جعل لك من الجب فرجا قال أنت يا ربي قال فمن جعل لك من كيد المرأة مخرجا قال أنت يا ربي قال فمن أنطق لسان الصبي بعذرك قال أنت يا ربي قال فمن صرف كيد امرأة العزيز والنسوة قال أنت يا ربي قال فمن ألهمك تأويل الرؤيا قال أنت يا ربي قال فكيف استعنت بغيري ولم تستعن بي وتسألني أن اخرجك من السجن واستعنت وأملت عبدا من عبادي ليذكرك إلى مخلوق من خلقي في قبضتي ولم تفزع إلي البث في السجن بذنبك بضع سنين بإرسالك عبدا إلى عبد .
وفي رواية اخرى عنه عليه السلام اقتصر على بعضها وزاد في كل مرة فصاح ووضع خده على الأرض ثم قال أنت يا رب .
والقمي مثله وفي رواية اخرى عنه عليه السلام فقال يوسف أسألك بحق آبائي عليك إلا فرجت عني فأوحى الله إليه يا يوسف وأي حق لآبائك وأجدادك عليّ إن كان أبوك آدم خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي وأسكنته جنتي وأمرته أن لا يقرب شجرة منها فعصاني وسألني فتبت عليه وإن كان أبوك نوح انتجبته من بين خلقي


( 23 )

وجعلته رسولا إليهم فلما عصوا دعاني فاستجبت له وغرقتهم وأنجيته ومن معه في الفلك وإن كان أبوك ابراهيم اتخذته خليلا وانجيته من النار وجلعتها عليه بردا وسلاما وإن كان يعقوب وهبت له إثني عشر ولدا فغيبت عنه واحدا فما زال يبكي حتى ذهب بصره وقعد على الطريق يشكوني إلى خلقي فأي حق لآبائك عليّ قال فقال له جبرئيل قل يا يوسف أسألك بمنك العظيم واحسانك القديم فقالها فرأى الملك الرؤيا وكان فرجه فيها .
وفي المجمع والقمي والعياشي عنه عليه السلام لما انقضت المدة وأذن الله له في دعاء الفرج وضع خده على الأرض ثم قال اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بوجوه آبائي الصالحين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ففرج الله عنه ، قيل أندعو نحن بهذا الدعاء قال ادعوا بمثله اللهم إن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك فإني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام .
( 43 ) وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف (1) وسبع سنبلات في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه قرأ وسبع سنابل خضر وأخر يابسات وسبعا يابسات التوت على الخضر حتى غلبن عليها واستغنى عن بيان حالها بذكر حال البقرات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي عبروها إن كنتم للرؤيا تعبرون إن كنتم عالمين بتأويلها .
( 44 ) قالوا أضغاث أحلام أي هذه اضغاث أحلام وهي مخاليطها وأباطيلها وما يكون منها من وسوسة أو حديث نفس جمع ضغث (2) وأصله ما جمع من أخلاط النبات وحزم فاستعير للرؤيا الكاذبة .
في الكافي عن الصادق عليه السلام الرؤيا على ثلاثة وجوه بشارة من الله
____________
(1) العجف محركة ذهاب السمن وهو اعجف وهي عجفاء ج عجاف شاذ لان افعل وفعلاء لا يجمع على فعال لكنهم بنوه على سمان لانهم قد يبنون الشيء على ضده كقولهم عدوة لمكان صديقة وفعول بمعنى فاعل لا يدخله الهاء وقد عجف كفرح وكرم ق .
(2) الضغث بالكسر والفتح قبضة الحشيش المختلطة رطبها ويابسها واضغاث احلام مثل اضغاث الحشيش يجمعها الإنسان فيكون منها ضروب مجتمعة م‍ .

( 24 )

للمؤمن وتحذير من الشيطان وأضغاث أحلام وما نحن بتأويل الاحلام بعالمين يعنون الأحلام الباطلة خاصة إعتذارا لجهلهم بتأويله بأنه مما ليس له تأويل .
( 45 ) وقال الذي نجا منهما من صاحبي السجن وهو الشرابي وادكر بعد أمة وتذكر يوسف بعد جماعة من الزمان مجتمعة أي مدة طويلة .
القمي عن أمير المؤمنين عليه السلام أي بعد وقت أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون أي إلى من عنده علمه .
( 46 ) يوسف أيها الصديق أي فأرسلوه إلى يوسف فأتاه وقال له يا يوسف أيها الصديق أيها البليغ في الصدق وإنما قاله لأنه جرب أحواله وعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات أي في رؤيا ذلك لعلي أرجع إلى الناس أعود إلى الملك ومن عنده لعلهم يعلمون تأويلها أو مكانك وفضلك .
( 47 ) قال تزرعون سبع سنين دأبا أي على عادتكم المستمرة وقريء بسكون الهمزة فما حصدتم فذروه في سنبله لئلا تأكله السوس نصيحة خارجة عن التعبير إلا قليلا مما تأكلون في تلك السنين .
( 48 ) ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن أي يأكل أهلهن ما أدخرتم لأجلهن فاسند إليهن على المجاز تطبيقا بين المعبر والمعبر به .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام إنه قرأ ما قربتم لهن والقمي عنه عليه السلام إنما أنزل ما قربتم لهن إلا قليلا مما تحصنون تحرزون لبذور الزراعة .
( 49 ) ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس يمطرون من الغيث أو يغاثون من القحط من الغوث وفيه يعصرون ما يعصر من الثمار والزروع وقريء بالتاء والياء على البناء للمفعول أي يمطرون أو ينجون من عصره إذا أنجاه .
وفي المجمع والعياشي نسب هذه القراءة إلى الصادق عليه السلام .


( 25 )

وزاد العياشي أنه قال أما سمعت قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا .
والقمي عنه عليه السلام قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه السلام ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني على البناء للفاعل فقال ويحك وأي شيء يعصرون يعصرون الخمر قال الرجل يا أمير المؤمنين كيف أقرؤها فقال إنما انزلت عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني على البناء للمفعول أي يمطرون بعد المجاعة والدليل على ذلك قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا .
( 50 ) وقال الملك ائتوني به بعد ما جاءه الرسول بالتعبير فلما جاءه الرسول ليخرجه قال ارجع إلى ربك العياشي مضمرا يعني العزيز فاسأله ما بال النسوة اللآتي قطعن أيديهن تأنى في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة وفحص حاله ليظهر براءة ساحته ويعلم أنه سجن ظلما ولم يتعرض لأمرأة العزيز مع ما صنعت به كرما ومراعاة للأدب .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى اشترط أن يخرجوني من السجن ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الأجابة وبادرتهم إلى الباب وما ابتغيت العذر أنه كان لحليما ذا إناة .
والعياشي عنهما عليهما السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو كنت بمنزلة يوسف حين أرسل إليه الملك رسوله يسأله عن رؤياه ما حدثته حتى أشترط عليه أن يخرجني من السجن وتعجبت لصبره عن شأن إمرأة الملك حتى أظهر الله عذره إن ربي بكيدهن عليم استشهد بعلم الله عليه وعلى أنه بريء مما قذفته به .
( 51 ) قال ما خطبكن قال الملك ما شأنكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله تعجبا من عفته ونزاهته عن الريبة [ الزنية خ ل ] ومن قدرة الله على خلق


( 26 )

عفيف مثله وقريء حاشا ما علمنا عليه من سوء من ذنب قالت امرأت العزيز الآن حصحص الحق ثبت واستقر من حصحص البعير إذا ألقى ثفناته ليناخ أو أظهر من حص شعره إذا استأصله بحيث ظهر بشرة رأسه أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين في قوله هي راودتني عن نفسي ولا مزيد على شهادة الخصم بأن صاحبه على الحق وهو على الباطل .
( 52 ) ذلك التثبت ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب بظهر الغيب في حرمته قاله يوسف لما عاد إليه الرسول وأخبره بكلامهن وان الله لا يهدي كيد الخائنين لا ينفذه ولا يسدده وفيه تعريض بإمرأة العزيز وتأكيد لأمانته .
( 53 ) وما أبريء نفسي أي لا انزهها تواضع لله وتنبيه على أنه لم يرد بذلك تزكية نفسه والعجب بحاله بل إظهار ما أنعم الله عليه من العصمة والتوفيق إن النفس لامارة بالسوء من حيث أنها بالطبع مايلة إلى الشهوات إلا ما رحم ربي إلا وقت رحمة ربي والا ما رحمه الله من النفوس فعصمه عن ذلك ويحتمل انقطاع الاستثناء أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف السوء وربما يقال إن الآيتين من تتمة كلام إمرأة العزيز أي ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيب وصدقت فيما سألت عنه وما أبرئ مع ذلك من الخيانة فإني خنته حين قذفته وسجنته تريد الأعتذار مما كان فيها وهذا التفسير هو المستفاد من كلام القمي حيث قال في قوله لم أخنه بالغيب أي لا أكذب عليه الان كما كذبت عليه من قبل إن ربي غفور رحيم يغفر ميل النفس ويرحم من يشاء بالعصمة .
( 54 ) وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي أجعله خالصا لنفسي فلما كلمه فلما أتوا به وكلمه وشاهد منه الرشد والأمانة واستدل بكلامه على عقله وبعفته على أمانته قال إنك اليوم لدينا مكين ذو مكانة ومنزلة أمين مؤتمن على كل شيء .
( 55 ) قال اجعلني على خزائن الارض ولني أمرها والأرض أرض مصر .


( 27 )

والقمي يعني الكناريج (1) والأنابير إني حفيظ أحفظها من أن تجري عليها الخيانة عليم بوجوه التصرف في العلل عن الصادق عليه السلام .
وفي العيون والعياشي عن الرضا عليه السلام قال حفيظ بما تحت يدي عليم بكل لسان وإنما طلب الولاية ليتوصل بها إلى إمضاء أحكام الله وبسط الحق ووضع الحقوق مواضعها .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الارض لولاه من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة .
والعياشي عن الصادق عليه السلام يجوز أن يزكي الرجل نفسه إذا اضطر إليه أما سمعت قول يوسف اجعلني على خزائن الارض إني حفيظا عليم وقول العبد الصالح وأنا لكم ناصح أمين .
وفي الكافي عنه عليه السلام لما صارت الأشياء ليوسف بن يعقوب عليهما السلام جعل الطعام في بيوت وأمر بعض وكلائه فكان يقول بع بكذا وكذا والسعر قائم فلما علم أنه يزيد في ذلك اليوم كره أن يجري الغلاء على لسانه فقال له إذهب وبع ولم يسم له سعرا فذهب الوكيل غير بعيد ثم رجع إليه فقال له إذهب فبع وكره أن يجري الغلاء على لسانه فذهب الوكيل فجاء أول من اكتال فلما بلغ دون ما كان بالأمس بمكيال قال المشتري حسبك إنما أردت بكذا وكذا فعلم الوكيل أنه قد غلا بمكيال ثم جاءه آخر فقال له كل لي فكال فلما بلغ دون الذي كان للأول بمكيال قال له المشتري حسبك إنما أردت بكذا وكذا فعلم الوكيل أنه قد غلا بمكيال حتى صار إلى واحد واحد .
والعياشي عنه عليه السلام في حديث أن الغلاء إنما حدث بتكاذب المشترين بعضهم بعضا .
وفي المجمع عن الرضا عليه السلام وأقبل يوسف على جمع الطعام فجمع في
____________
(1) الكرنج كقرطق الحانوت أو متاع حانوت البقال ق .
( 28 )

السبع السنين المخصبة فكبسه (1) في الخزائن فلما مضت تلك السنون وأقبلت السنون المجدبة (2) أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جوهر إلا صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية إلا صارت في ملكية يوسف وباعهم في السنة الرابعة بالعبيد والأماء حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلا صاروا في ملكية يوسف وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار حتى صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة حتى صار في ملكية يوسف وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر حتى صار عبد يوسف فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم وقال الناس ما رأينا وما سمعنا بملك أعطاه الله من الملك ما أعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا ثم قال يوسف للملك أيها الملك ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر وأهلها أشر علينا برأيك فإني لم أصلحهم لأفسدهم ولم أنجهم من البلاء لأكون وبالا عليهم ولكن الله نجاهم على يدي قال له الملك الرأي رأيك قال يوسف إني أشهد الله واشهدك أيها الملك إني قد اعتقت أهل مصر كلهم ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ورددت عليك أيها الملك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ولا تحكم إلا بحكمي قال له الملك إن ذلك لشرفي وفخري ألا أسير إلا بسيرتك ولا أحكم إلا بحكمك ولولاك ما قويت عليه ولا اهتديت له ولقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسوله فأقم على ما وليتك فإنك لدينا مكين أمين .
( 56 ) وكذلك ومثل ذلك التمكين الظاهر مكنا ليوسف في الارض أرض مصر .
____________
(1) كبس البئر والنهر يكبسهما طمهما بالتراب وذلك التراب كبس بالكسر ورأسه في ثوبه اخفاه وادخله فيه ق .
(2) روي ان يوسف عليه السلام كان لا يمتلي شبعا من الطعام في تلك الايام المجدبة فقيل له تجوع وبيدك خزائن الارض فقال عليه السلام أخاف أن أشبع فأنسى الجياع .

( 29 )

العياشي عن الباقر عليه السلام ملك يوسف مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها ويأتي فيه حديث آخر يتبوأ منها حيث يشآء ينزل من بلادها حيث يهوى لاستيلائه على جميعها وقريء نشاء بالنون نصيب برحمتنا من نشاء في الدنيا والآخرة ولا نضيع أجر المحسنين بل نوفي أجورهم عاجلا وآجلا .
( 57 ) ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون الشرك والفواحش لعظمه ودوامه .
( 58 ) وجاء إخوة يوسف للميرة (1) وذلك لأنه أصاب كنعان ما أصاب سائر البلاد من الجدب فأرسل يعقوب بنيه غير بنيامين إليه فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون أي عرفهم يوسف لأن همته كانت معقودة بهم ولم يعرفوه لطول العهد (2) ومفارقتهم إياه في سن الحداثة ونسيانهم إياه وتوهمهم أنه هلك وبعد حاله التي رأوه عليها من حاله حين فارقوه وقلة تأملهم في حلاه (3) من التهيب والاستعظام .
العياشي عن الباقر عليه السلام ولم يعرفه إخوته لهيبة الملك وعزه .
القمي أمر يوسف أن يبنى له كناريج من صخر وطينها بالكلس ( 4 ) ثم أمر بزرع مصر فحصدت ودفع إلى كل إنسان حصة وترك في سنبله لم يدسه فوضعها في الكناريج ففعل ذلك سبع سنين فلما جاءت سنوات الجدب كان يخرج السنبل فيبيع بما شاء وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما وكان في بادية وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا به طعاما وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل ( 5 ) فأخذ إخوة يوسف
____________
(1) يقال فلان يمير اهله إذا حمل إليهم أقواتهم من غير بلدهم من الميرة بالكسر فالسكون طعام يمتاره الانسان اي يجلبه من بلد الى بلد ومارهم ميرا من باب باع بالميرة والميتار جالب الميرة م‍ .
(2) قيل كان بين ان قذفوه في الجب وبين ان دخلوا عليه أربعين سنة فلذلك أنكروه لانهم رأوه جالسا على السرير وعليه ثياب الملوك ولم يكن يخطر ببالهم انه يصير الى تلك الحالة وكان يوسف ينتظر قدومهم عليه فكان اثبت لهم .
(3) الحلية بالكسر الخلقة والصورة والصفة .
(4) الكلس بالكسر الصاروج ق الصاروج النورة وأخلاطها معرب وصرج الحوض تصريجا ق .
(5) المقل بالضم الكندر الذي يتدخن به اليهود وهو صمغ شجرة ومنه هندي وعربي وصقلي والكل نافع للسعال ونهش الهوام والبواسير وتنقية الرحم اه ق .

( 30 )

من ذلك المقل وحملوه إلى مصر ليمتاروا به طعاما وكان يوسف يتولى البيع بنفسه فلما دخل إخوته عليه عرفهم ولم يعرفوه كما حكى الله عز وجل .
والعياشي عن الباقر عليه السلام لما فقد يعقوب يوسف اشتد حزنه عليه وبكاؤه حتى ابيضت عيناه من الحزن واحتاج حاجة شديدة وتغيرت حاله وكان يمتار القمح من مصر في السنة مرتين الشتاء والصيف وأنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة إلى مصر مع رفقة خرجت الحديث .
( 59 ) ولما جهزهم بجهازهم أصلحهم بعدتهم وأوقر ركايبهم بما جاؤوا لأجله وأصل الجهاز ما يعد من الأمتعة للنقلة قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم .
القمي أحسن لهم في الكيل وقال لهم من أنتم قالوا نحن بنو يعقوب ابن إسحق بن إبراهيم خليل الله الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق فجعلها الله عليه بردا وسلاما قال فما فعل أبوكم قالوا شيخ ضعيف قال فلكم أخ غيركم قالوا لنا أخ من أبينا لا من أمنا قال فإذا رجعتم إليّ فأتوني به .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال لهم يوسف قد بلغني أن لكم أخوين من أبيكم فما فعلا قالوا أما الكبير منهما فإن الذئب أكله وأما الصغير فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين وعليه شفيق قال فإني أحب أن تأتوني به معكم إذا جئتم تمتارون ألا ترون أني أوفِ الكيل أتمه ولا أبخس أحدا شيئا وأنا خير المنزلين المضيفين وكان أحسن إنزالهم وضيافتهم .
( 60 ) فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون ولا تدخلوا دياري نهي أو نفي .
( 61 ) قالوا سنراود عنه أباه سنجتهد في طلبه من أبيه وإنا لفاعلون ذلك لا نتوانى فيه .
( 62 ) وقال لفتيانه لغلمانه الكيالين وقريء لفتيته اجعلوا بضاعتهم يعني ثمن


( 31 )

طعامهم وما كانوا جاؤوا به في رحالهم في أوعيتهم وإنما فعل ذلك توسيعا وتفضلا عليهم وترفعا من أن يأخذ ثمن الطعام منهم وخوفا من أن لا يكون عند أبيه ما يرجعون به لعلهم يعرفونها لعلهم يعرفون حق ردها والتكرم باعطاء بدلين إذا انقلبوا إلى أهلهم وفتحوا أوعيتهم لعلهم يرجعون لعل معرفتهم ذلك تدعوهم إلى الرجوع .
( 63 ) فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا يأبانا منع منا الكيل أرادوا قول يوسف فلا كيل لكم عندي لأنه إذا أعلمهم بمنع الكيل إذ لم يذهبوا ببنيامين فقد منعهم الكيل حينئذ فأرسل معنا أخانا نكتل نرفع المانع من كيل ما نحتاج إليه من الطعام وقريء يكتل بالياء أي يكتل أخونا لينضم إكتياله إلى إكتيالنا وإنا له لحافظون عن أن يناله مكروه .
( 64 ) قال هل آمنكم عليه أي لا آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه يوسف من قبل وقد قلتم فيه إنا له لحافظون ثم لم تفوا بضمانكم فالله خير حافظا فأتوكل على الله وافوض أمري إليه وهو أرحم الراحمين يرحم ضعفي وكبر سني فيحفظه ويرده عليّ ولا يجمع عليّ مصيبتين .
في المجمع في الخبر أن الله سبحانه قال فبعزتي لأردنهما إليك بعد ما توكلت علي
( 65 ) ولما فتحوا متاعهم أي أوعية متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي ماذا نطلب هل من مزيد على ذلك أكرمنا وأحسن مثوانا وباع منا ورد علينا متاعنا و المعنى لا نطلب وراء ذلك إحسانا أو ما نريد منك بضاعة أخرى هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا فنستظهر بها ونمير أهلنا بالرجوع إلى الملك ونحفظ أخانا عن المخاوف في ذهابنا وإيابنا ونزداد كيل بعير وسق بعير باستصحاب أخينا ذلك كيل يسير أي مكيل قليل لا يكفينا استقلوا ما كيل لهم فأرادوا أن يزدادوا إليه ما يكال لأخيهم أو أرادوا أن كيل بعير يسير لا يضايقنا فيه الملك .
( 66 ) قال لن أرسله معكم إذ رأيت منكم ما رأيت حتى تؤتون موثقا من


( 32 )

الله حتى تعطوني [ تؤتوني خ ل ] ما أتوثق به من عند الله أي عهدا مؤكدا بذكر الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم إلا أن تغلبوا فلا تطيقوا ذلك أو إلا أن تهلكوا جميعا فلما أتوه موثقهم عهدهم قال الله على ما نقول وكيل رقيب مطلع إن أخلفتم أنتصف لي منكم .
( 67 ) وقال يا بنىيّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة لأنهم كانوا ذوي جمال وبهاء وهيئة حسنة وقد شهروا في مصر بالقربة من الملك والتكرمة الخاصة التي لم تكن لغيرهم فخاف عليهم العين وما أغنى عنكم من الله من شيء يعني وإن أراد الله بكم سوء لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به عليكم من التفرق وهو مصيبكم لا محالة فإن الحذر لا يمنع القدر إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون .
( 68 ) ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم أي من أبواب متفرقة ما كان يغني عنهم رأي يعقوب واتباعه من الله من شيء مما قضيناه عليهم كما قاله يعقوب فسرقوا وأخذ بنيامين وتضاعفت المصيبة على يعقوب إلا حاجة في نفس يعقوب استثناء منقطع أي ولكن حاجة في نفسه يعني شفقته عليهم وحرازته من أن يعانوا قضاها أظهرها ووصى بها وإنه لذو علم لما علمناه لذو يقين ومعرفة بالله من أجل تعليمنا إياه ولذلك قال ما أغني عنكم من الله من شيء ولم يغتر بتدبيره ولكن أكثر الناس لا يعلمون سر القدر وأنه لا يغني عنه الحذر .
( 69 ) ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه ضم إليه بنيامين قال إني أنا أخوك فلا تبتئس فلا تحزن من البؤس بما كانوا يعملون في حقنا فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا .
في المجمع والعياشي عن الصادق عليه السلام وقد كان هيأ لهم طعاما فلما دخلوا عليه قال ليجلس كل بني ام على مائدة قال فجلسوا وبقي بنيامين قائما فقال له يوسف مالك لا تجلس قال له إنك قلت ليجلس كل بني ام على مائدة وليس لي


( 33 )

فيهم ابن أمّ فقال أما كان لك ابن أمّ قال له بنيامين بلى قال يوسف فما فعل قال زعم هؤلاء إن الذئب أكله قال فما بلغ من حزنك عليه قال ولد لي أحد عشر ابنا كلهم اشتققت له اسما من إسمه فقال له يوسف أراك قد عانقت النساء وشممت الولد من بعده قال له بنيامين إن لي أبا صالحا وإنه قال تزوج لعل الله أن يخرج منك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فقال له تعال فاجلس معي على مائدتي فقال إخوة يوسف لقد فضل الله يوسف وأخاه حتى أن الملك قد أجلسه معه على مائدته وفي رواية اخرى أنه حين أجلسه معه على المائدة تركوا الأكل وقالوا إنا نريد أمرا ويأبى الله إلا أن يرفع ولد ياميل علينا .
والقمي فخرجوا وخرج معهم بنيامين وكان لا يؤاكلهم ولا يجالسهم ولا يكلمهم فلما وافوا مصر دخلوا على يوسف وسلموا فنظر يوسف إلى أخيه فعرفه فجلس منهم بالبعيد فقال يوسف أنت أخوهم قال نعم قال فلم لا تجلس معهم قال لأنهم أخرجوا أخي من امي وأبي ثم رجعوا ولم يردوه وزعموا أن الذئب أكله فآليت على نفسي أن لا اجتمع معهم على أمر ما دمت حيا قال فهل تزوجت قال بلى قال فولد لك ولد قال بلى قال كم ولد لك قال ثلاثة بنين قال فما سميتهم قال سميت واحدا منهم الذئب وواحدا القميص وواحدا الدم قال وكيف اخترت هذه الأسماء قال لئلا أنسى أخي كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي قال لهم يوسف اخرجوا وحبس بنيامين فلما خرجوا من عنده قال يوسف لأخيه أنا أخوك يوسف فلا تبتئس بما كانوا يعملون ثم قال له أنا احب أن تكون عندي فقال لا يدعوني إخوتي فإن أبي قد أخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن يردوني إليه قال أنا أحتال بحيلة فلا تنكر إذا رأيت شيئا فلا تخبرهم فقال لا .
( 70 ) فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية المشربة في رحل أخيه ثم أذن مؤذن نادى مناد أيتها العير أي القافلة وهي إسم الأبل التي عليها الأحمال فقيل لأصحابها .
القمي معناه يا أهل العير ومثله قولهم لأبيهم واسأل القرية التي كنا فيها


( 34 )

والعير التي أقبلنا فيها إنكم لسارقون القمي عن الصادق عليه السلام ما سرقوا وما كذب يوسف فإنما عنى سرقتهم يوسف من أبيه .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال يوسف إرادة الأصلاح وعنه عليه السلام الكلام ثلاثة صدق وكذب وإصلاح بين الناس .
وعنه عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا كذب على مصلح ثم تلا أيتها العير إنكم لسارقون ثم قال والله ما سرقوا وما كذب وعن الباقر عليه السلام والله ما كانوا سارقين وما كذب .
وزاد في العلل والعياشي ألا ترى قال لهم حين قالوا ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولم يقولوا سرقتم صواع الملك إنما عنى سرقتم يوسف من أبيه .
( 71 ) قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون أي شيء ضاع منكم .
( 72 ) قالوا نفقد صواع الملك يعني صاعه المعبر عنه آنفا بالسقاية لأنه كان مشربته أيضا .
العياشي عن الباقر عليه السلام قال صواع الملك الطاس الذي يشرب منه .
وعن الصادق عليه السلام كان قدحا من ذهب وكان صواع يوسف إذا كيل كيل به .
والقمي وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب فجعلوه في رحله من حيث لم يقف عليه إخوته ولمن جاء به حمل بعير من الطعام جعلا له وأنا به زعيم كفيل اؤديه إلى من رده .
( 73 ) قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الارض وما كنا سارقين استشهدوا بعلمهم على براءة أنفسهم لما ثبت عندهم دلائل دينهم وأمانتهم وحسن سيرتهم ومعاملتهم معهم مرة بعد اخرى .
( 74 ) قالوا فما جزاؤه فما جزاء السرق أو السارق أو الصواع بمعنى سرقته


( 35 )

بحذف المضاف إن كنتم كاذبين في إدعائكم البراءة منه .
( 75 ) قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله واسترقاقه هكذا كان شرع يعقوب .
القمي من وجد في رحله فأحبسه .
والعياشي عن الصادق عليه السلام يعنون السنة التي كانت تجري فيهم أن يحبسه كذلك نجزي الظالمين بالسرقة .
( 76 ) فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين دفعا للتهمة ثم استخرجها أي السقاية من وعاء أخيه .
القمي فتشبثوا بأخيه فحبسوه كذلك مثل هذا الكيد كدنا ليوسف بأن علمناه إياه ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك ملك مصر لأن حكم السارق في دينه أن يضرب ويغرم لا أن يستعبد إلا أن يشآء الله أن يجعل ذلك الحكم حكم الملك نرفع درجات من نشاء بالعلم كما رفعنا درجة يوسف فيه وفوق كل ذي علم عليم أرفع درجة منه في علمه .
( 77 ) قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل .
القمي يعنون يوسف .
والعياشي عن الرضا عليه السلام يعنون المنطقة وعنه عليه السلام قال كانت لأسحاق النبي عليه السلام منطقة يتوارثها الأنبياء والأكابر وكانت عند عمة يوسف وكان يوسف عندها وكانت تحبه فبعث إليها أبوه أن أبعثيه إليّ وأرده إليك فبعثت إليه أن دعه عندي الليلة أشمه ثم أرسله إليك غدوة فلما أصبحت أخذت المنطقة فربطتها في حقوه (1) وألبسته قميصا وبعثت به إليه وقالت سرقت المنطقة فوجدت عليه وكان إذا سرق
____________
1 ـ الحقو بفتح المهملة وسكون القاف موضع شد الازار وهو الخاصرة ثم توسعوا حتى سموا الازار الذي يشد على العورة حقوا والجمع حق وحقي مثل فلس وفلسى وفلوس م‍ .
( 36 )

أحد في ذلك الزمان دفع به إلى صاحب السرقة فأخذته فكان عندها .
وفي العيون والقمي والعياشي أيضا عنه عليه السلام في معناه ما يقرب منه وكذا في الخرايج عن أبي محمد عليه السلام ببيان أبسط وفي آخره فقال لها يعقوب فإنه عبدك على أن لا تبيعيه ولا تهبيه قالت فأنا أقبله على أن لا تأخذه مني وأعتقه الساعة فأعطاها إياه أعتقته فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم أكنها ولم يظهرها لهم قال في نفسه أنتم شر مكانا منزلة في سرقتكم أخاكم وسوء صنيعكم به والله أعلم بما تصفون وهو يعلم أن الأمر ليس كما تصفون وأنه لم يسرق .
( 78 ) قالوا يأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا في السن أو القدر وذكروا له حاله إستعطافا له عليه فخذ أحدنا مكانه بدله فإن أباه ثكلان (1) على أخيه الهالك مستأنس به إنا نراك من المحسنين عادتك الأحسان .
العياشي عن الباقر عليه السلام نراك من المحسنين إن فعلت .
( 79 ) قال معاذ الله نعوذ بالله معاذا أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده فان أخذ غيره ظلم على فتواكم فلو أخذ أحدكم مكانه إنا إذا لظالمون عندكم هذا ظاهر كلامه وباطنه أنه تعالى أمرنا بأخذ بنيامين واحتباسه لمصالح علمها في ذلك فلو أخذت غيره كنت ظالما عاملا بخلاف ما أمرت به .
القمي قال إلا من وجدنا متاعنا عنده ولم يقل إلا من سرق متاعنا قال فاجتمعوا إلى يوسف عليه السلام وكانوا يجادلونه في حبسه وكانوا إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر وتقطر من رؤوسها دم أصفر وهم يقولون له خذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين فاطلق عن هذا .
والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه .
____________
(1) الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد ويحرك وقد ثكله كفرح وهو ثاكل وثكلان وهي ثاكل وثكلانة قليلة وثكول وثكلى ق .
( 37 )

( 80 ) فلما استيئسوا منه يئسوا من يوسف وإجابته إياهم وزيادة السين والتاء للمبالغة خلصوا انفردوا واعتزلوا نجيا متناجين قال كبيرهم .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال لهم يهودا وكان أكبرهم .
والقمي قال لهم لاوي ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله عهدا وثيقا ومن قبل ومن قبل هذا ما فرطتم في يوسف قصرتم في شأنه فلن أبرح الارض فلن افارق أرض مصر حتى يأذن لي أبي في الرجوع إليه أو يحكم الله لي أو يقضي الله لي بالخروج وهو خير الحاكمين لأنه لا يحكم إلا بالحق العياشي عن الصادق عليه السلام .
والقمي قال فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلف يهودا فدخل على يوسف يكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وكان على كتفه شعرة إذا غضب قامت الشعرة فلا تزال تقذف بالدم حتى يمسه بعض ولد يعقوب قال وكان بين يدي يوسف ابن له صغير في يده رمانة من ذهب يلعب بها فلما رآه يوسف قد غضب وقامت الشعرة تقذف بالدم أخذ الرمانة من يد الصبي ثم دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فذهب غضبه قال فارتاب يهودا ورجع الصبي بالرمانة إلى يوسف ثم عاد يهودا إلى يوسف فكلمه في أخيه حتى ارتفع الكلام بينهما حتى غضب يهودا وقامت الشعرة فجعلت تقذف بالدم فلما رأى ذلك يوسف دحرج الرمانة نحو يهودا وتبعها الصبي ليأخذها فوقعت يده على يهودا فسكن غضبه قال فقال يهودا إن في البيت معنا لبعض ولد يعقوب حتى صنع ذلك ثلاث مرات .
( 81 ) ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق على ما شاهدنا من ظاهر الامر وما شهدنا عليه إلا بما علمنا بأن رأينا أن الصواع استخرج من وعائه وما كنا للغيب لباطن الحال حافظين فلا ندري أنه سرق أو دس الصاع في رحله .
( 82 ) واسأل القرية التي كنا فيها أرسل إلى أهلها واسألهم عن القصة


( 38 )

والعير التي أقبلنا فيها وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم وإنا لصادقون تأكيد في محل القسم .
( 83 ) قال بل سولت يعني فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال بل سولت أي زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا أردتموه لتعليمكم إياه إن السارق يؤخذ بسرقته فصبر جميل فأمري صبر جميل لا شكوى فيه إلى الناس عسى الله أن يأتيني بهم جميعا بيوسف وبنيامين ويهودا إنه هو العليم بحالي وحالهم الحكيم في تدبيرها .
( 84 ) وتولى عنهم وأعرض عنهم وقال يا أسفى على يوسف تعال فهذا أوانك والأسف أشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم تأسفه على يوسف دون غيره دليل على أنه يقع فايت عنده موقعه وإن مصابه به كان عنده غضا طريا مع طول العهد .
العياشي والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف قال حزن سبعين ثكلى بأولادها وزاد العياشي قيل له كيف يحزن يعقوب على يوسف وقد أخبره جبرئيل أنه لم يمت وأنه سيرجع إليه فقال له إنه نسى ذلك .
وزاد القمي وإن يعقوب لم يعرف الاسترجاع فمن هنا قال وا أسفي على يوسف .
وفي الحديث النبوي لم يعط امة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا امة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسفى الآية وابيضت عيناه من الحزن لكثرة بكائه من الحزن وكان العبرة محقت سوادها .
والقمي يعني عميت من البكاء فهو كظيم مملو من الغيظ على أولاده ممسك له في قلبه ولا يظهره .
( 85 ) قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف أي لا تفتؤ ولا تزال تذكره تفجعا عليه حذف لا لعدم الألتباس بالاثبات حتى تكون حرضا مريضا من الهم مشفيا على


( 39 )

الهلاك أو تكون من الهالكين الميتين .
في الخصال عن الصادق عليه السلام البكاؤون خمسة إلى أن قال وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره حتى قيل له تالله تفتؤا الآية .
( 86 ) قال إنما أشكوا بثي وحزني همي الذي لا أقدر الصبر عليه إلى الله لا إلى غيره فخلوني وشكايتي وأعلم من الله من صنعه ورحمته ما لا تعلمون وحسن ظني به أن يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن يعقوب عليه السلام لما ذهب عنه بنيامين نادى يا رب أما ترحمني أذهبت عيني وأذهبت ابني فأوحى الله تعالى لو أمتهما لأحييتهما لك حتى أجمع بينك وبينهما ولكن تذكر الشاة التي ذبحتها وشويتها وأكلت وفلان وفلان إلى جانبك صائم لم تنله منها شيئا .
( 87 ) يا بَنِيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه تفحصوا من حالهما وتطلبوا خبرهما ولا تيأسوا من روح الله لا تقنطوا من فرجه وتنفيسه ورحمته إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون لأن المؤمن من الله على خير يرجوه عند البلاء ويشكره في الرخاء .
في الكافي والعلل والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام إنه سئل أن يعقوب حين قال لولده اذهبوا فتحسسوا من يوسف أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من الحزن قال نعم علم أنه حي قيل وكيف علم قال أنه دعا في السحر أن يهبط عليه ملك الموت فهبط عليه ترابال وهو ملك الموت فقال له ترابال ما حاجتك يا يعقوب قال أخبرني عن الأرواح تقبضها مجتمعة أو متفرقة فقال بل متفرقة روحا روحا قال فمر بك روح يوسف قال لا فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه .
وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام مثله باختصار وفي الخرايج عنه عليه السلام إن اعرابيا اشترى من يوسف طعاما فقال له إذا مررت بوادي كذا فناد يا


( 40 )

يعقوب فإنه يخرج إليك شيخ فقل له إني رأيت رجلا بمصر يقرؤك السلام ويقول إن وديعتك عند الله محفوظة لن تضيع فلما بلغه الأعرابي خر يعقوب مغشيا عليه فلما أفاق قال هل لك من حاجة قال لي إبنة عم وهي زوجتي لم تلد فدعا له فرزق منها أربعة أبطن في كل بطن اثنين .
وفي الأكمال مثله بأبسط منه وقال فإنه سيخرج إليك رجل عظيم جميل وسيم وقال في آخره فكان يعقوب يعلم أن يوسف حي لم يمت وأن الله سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه إني أعلم من الله ما لا تعلمون وكان أبناؤه وأهله وأقرباؤه يفّندونه على ذكر يوسف .
( 88 ) فلما دخلوا عليه بعدما رجعوا إلى مصر قالوا يأيها العزيز مسنا وأهلنا الضر الشدة وجئنا ببضاعة مزجاة ردية .
العياشي عن الرضا عليه السلام كانت المقل وكانت بلادهم بلاد المقل وهي البضاعة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا وتفضل علينا بالمسامحة وزدنا على حقنا أو بأخينا بنيامين كما يأتي إن الله يجزي المتصدقين يثيبهم على صدقاتهم بأفضل منها فرق لهم يوسف ولم يتمالك أن عرفهم نفسه .
( 89 ) قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون قاله شفقة ونصحا لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريبا إيثارا لحق الله على حق نفسه في ذلك المقام الذي ينفث فيه المصدور ولعل فعلهم بأخيه إفراده عن يوسف قيل وإذلاله حتى لا يستطيع أن يكلمهم إلا بعجز وذلة .
في المجمع عن الصادق عليه السلام كل ذنب عمله العبد وإن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربه فقد حكى الله سبحانه قول يوسف لأخوته هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون فنسبهم إلى الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية الله .