تفسير الصافي ج 3 ص 101 الى ص 120
( 3 ) ذرهم دعهم يأكلوا ويتمتعوا بدنياهم ويلههم الامل ويشغلهم توقعهم لطول الأعمال واستقامة الأحوال من الأستعداد للمعاد فسوف يعلمون سوء صنيعهم إذا عاينوا الجزاء وهذا إيذان بأنهم لا ينفعهم الوعظ ولا ينجع فيهم النصح ومبالغة في الأنذار وإلزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وتطويل الأمل .
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنما أخاف عليكم اثنتين إتباع الهوى وطول الأمل أما إتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة .
وعنه عليه السلام ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل وكان يقول لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض العمل في طلب الدنيا .
وعن الباقر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استحقت ولاية الله والسعادة جاء الأجل بين العينين وذهب الأمل وراء الظهر وإذا استحقت ولاية الشيطان والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر .
( 4 ) وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم أجل مقدر كتب في اللوح المحفوظ .
( 5 ) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون عنه .
( 6 ) وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر نادوه على سبيل التهكم والأستهزاء كما دل عليه ما بعده إنك لمجنون لتقول قول المجانين حين تدعي إن الله نزل عليك الذكر أي القرآن .
( 7 ) لو ما تأتينا هلا تأتينا بالملائكة ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا إن كنت من الصادقين في دعواك .
( 8 ) ما تنزل الملئكة أي تتنزل وقريء بضم التاء وبالنون ونصب الملائكة إلا بالحق بالحكمة والمصلحة وما كانوا إذا منظرين ممهلين يعني لا يمهلهم ساعة .


( 102 )

القمي قال لو أنزلنا الملائكة لم ينظروا وهلكوا .
( 9 ) إنا نحن نزلنا الذكر رد لأنكارهم وإستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وإنا له لحافظون من التحريف والتغيير والزيادة والنقصان .
( 10 ) ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الاولين في فرقهم وطوائفهم والشيعة الفرقة إذا اتفقوا في مذهب وطريقة من شاعه إذا تبعه .
( 11 ) وما يأتيهم من رسول حكاية حال ماضية إلا كانوا به يستهزؤن كما يفعل هؤلاء وهو تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
( 12 ) كذلك نسلكه قيل ندخل الذكر وننظمه في قلوب المجرمين يعني نلقيه في قلوبهم مكذبا به غير مقبول وقيل الضمير للأستهزاء .
( 13 ) لا يؤمنون به بالذكر وقد خلت سنة الاولين أي سنة الله فيهم بأن خذلهم وسلك الكفر في قلوبهم أو بأن أهلكهم حين كذبوا رسلهم فيكون وعيدا لأهل مكة .
( 14 ) ولو فتحنا عليهم على هؤلاء المقترحين بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون يصعدون إليها طول نهارهم .
( 15 ) لقالوا إنما سكرت أبصارنا سدت من الأبصار بالسحر وخيل إلينا على غير حقيقة وقريء سكرت بالتخفيف بل نحن قوم مسحورون قد سحرنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك .
( 16 ) ولقد جعلنا في السماء بروجا في المجمع عن الصادق عليه السلام هي اثنا عشر برجا .
والقمي عن الباقر عليه السلام البروج الكواكب والبروج التي للربيع والصيف الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة وبروج الخريف والشتاء الميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت وهي إثنا عشر برجا .


( 103 )

والقمي هي منازل الشمس والقمر .
أقول : معنى البروج القصور العالية سميت الكواكب بها لأنها للسيارات كالمنازل لسكانها وإشتقاقه من التبرج لظهوره .
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن للشمس ثلاث مائة وستين برجا كل برج منها مثل جزيرة من جزاير (1) العرب تنزل كل يوم فإذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثم ترد إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها .
أقول : وذلك لأن سير الشمس إنما يكون في كل برج من البروج الاثني عشر ثلاثين يوما تقريبا فبهذا الأعتبار ينقسم كل منها إلى ثلاثين برجا فيصير ثلاثمائة وستين وزيناها للناظرين في المجمع عن الصادق عليه السلام بالكواكب النيرة .
( 17 ) وحفظناها من كل شيطان رجيم فلا يقدر أن يصعد إليها ويوسوس أهلها ويتصرف في أمرها ويطلع على أحوالها .
( 18 ) إلا من استرق السمع اختلسه سرا فأتبعه ولحقه شهاب مبين ظاهر للمتبصرين والشهاب شعلة نار ساطعة وقد يطلق للكواكب والسنان لما فيهما من البريق .
في المجالس عن الصادق عليه السلام كان إبليس يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سموات وكان يخترق أربع سماوات فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجب عن السبع كلها ورميت الشياطين بالنجوم وقالت قريش هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتاب يذكرونه وقال عمرو بن امية وكان من أرجز أهل الجاهلية انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها ويعرف بها أزمان
____________
(1) جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات وما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا ومن جدة الى ريف العراق عرضا م‍ ن .
( 104 )

الشتاء والصيف فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء وإن كانت تثبت ورمي بغيرها فهو أمر حدث . الحديث .
والقمي قال لم تزل الشياطين تصعد إلى السماء وتتجسس حتى ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر مقالة عمرو بن أمية ونسبها إلى وليد بن المغيرة ثم قال وكان بمكة يهودي يقال له يوسف فلما رأى النجوم تتحرك وتسير في السماء خرج إلى نادي (1) قريش فقال يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود فقالوا لا فقال أخطأتم والتورية قد ولد في هذه الليلة آخر الأنبياء وأفضلهم وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجمت الشياطين وحجبوا من السماء فرجع كل واحد إلى منزله فسأل أهله فقالوا قد ولد لعبد الله بن عبد المطلب بن عبد مناف الحديث .
( 19 ) والأرض مددناها بسطناها وألقينا فيها راوسيَ جبالا ثوابت وأنبتنا فيها من كل شيء موزون مقدر .
القمي قال لكل ضرب من الحيوان قدرنا شيئا موزونا .
وعن الباقر عليه السلام في هذه الآية إن الله تبارك وتعالى أنبت في الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والحديد والرصاص والكحل والزرنيخ وأشباه ذلك لا تباع إلا وزنا .
( 20 ) وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون من المطاعم والملابس ومن (2) لستم له برازقين وجعلنا لكم من لستم له برازقين من العيال والخدم والمماليك والحيوانات وسائر ما تحسبون أنكم ترزقونه حسبانا كاذبا فإن الله يرزقكم وإياهم .
( 21 ) وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم قيل الخزائن
____________
(1) والنادي والندوة والمنتدى مجلس القوم نهارا والمجلس ما داموا مجتمعين فيه وما يندوهم النادي ما يسعهم ق .
(2) واتى بلفظة من دون لفظة ما لانه غلب العقلاء على غيرهم م‍ ن .

( 105 )

عبارة عن القدرة على إيجاده .
القمي قال الخزانة الماء الذي ينزل من السماء فينبت لكل ضرب من الحيوان ما قدر الله له من الغذاء .
أقول : الأول كلام من خلا عن التحصيل والثاني تمثيل للتقريب من أفهام الجمهور وتفسير في الظاهر وأما في الباطن والتأويل فالخزائن عبارة عما كتبه القلم الأعلى أولا على الوجه الكلي في لوح القضاء المحفوظ عن التبديل الذي منه يجري ثانيا على الوجه الجزئي في لوح القدر الذي فيه المحو والأثبات مدرجا على التنزيل فإلى الأول اشير بقوله وإن من شيء إلا عندنا خزآئنه وبقوله وعنده ام الكتاب وإلى الثاني بقوله وما ننزله إلا بقدر معلوم ومنه ينزل ويظهر في عالم الشهادة .
وعن السجاد عليه السلام إن في العرش تمثال جميع ما خلق الله من البر والبحر قال وهذا تأويل قوله وإن من شيء الآية أراد عليه السلام به ما ذكرناه وتمام تحقيق هذا المقام يطلب من كتابنا المسمى بعلم اليقين فإنه كاف في بيانه .
( 22 ) وأرسلنا الرياح لواقح (1) .
القمي قال التي تلقح الأشجار .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسبوا الريح فإنها بُشر وإنها نذر وإنها لواقح فاسألوا الله من خيرها وتعوذوا به من شرها فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين نفى عنهم ما أثبته لنفسه في قوله وإن من شيء إلا عندنا خزائنه أي نحن الخازنون للماء القادرون على خلقه في السماء وإنزاله منها ولا تقدرون على ذلك .
( 23 ) وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون .
____________
(1) يعني ملاقح جمع ملقحة اي تلقح الشجر والسحاب كأنها تهيجه ويقال لواقح جمع لاقح اي حوامل لانها تحمل السحاب م‍ .
( 106 )

القمي أي نرث الأرض ومن عليها .
( 24 ) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين .
العياشي عن الباقر عليه السلام المؤمنون من هذه الامة .
( 25 ) وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم .
( 26 ) ولقد خلقنا الانسان من صلصال .
القمي قال هو الماء المتصلصل بالطين من حمإ مسنون قال : قال حمأ متغير وفي حديث خلق آدم فاغترف جل جلاله غرفة من الماء فصلصلها فجمدت الحديث وقد مضى في سورة البقرة والصلصال يقال للطين اليابس الذي يصلصل أي يصوت إذا نقر وهو غير مطبوخ فإذا طبخ فهو فخار والحمأ الطين الأسود المتغير والمسنون يقال للمصور وللمصبوب المفرغ وللمنتن كأنه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل ثم غير فصير إنسانا .
وفي نهج البلاغة ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها وعذبها وسبخها تربة سنها بالماء حتى خلصت ولاطها بالبلة حتى لزبت فجعل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول أجمدها حتى إستمسكت وأصلدها حتى صلصلت لوقت معدود وأجل معلوم ثم نفخ فيها من روحه فمثلت إنسانا ذا أذهان يخيلها وفكر يتصرف فيها وجوارح يختدمها وأدوات يقلبها ومعرفة يفرق بها بين الأذواق والمشام والألوان والأجناس معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة والأضداد المتعادية والأخلاط المتباينة من الحر والبرد والبلة والجمود والمساءة والسرور الحديث .
( 27 ) والجان يعني أبا الجان .
القمي قال أبو إبليس خلقناه من قبل من قبل خلق الأنسان من نار السموم من نار الشديد الحر النافذ في المسام .
في الخصال عن الصادق عليه السلام الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجان ولد


( 107 )

مؤمنا وكافرا وابليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنما يبيض ويفرخ وولده ذكور وليس فيهم اناث .
والقمي قال الجن ولد الجان منهم مؤمنون وكافرون يهود ونصارى ويختلف أديانهم والشياطين من ولد إبليس وليس فيهم مؤمنون إلا واحد إسمه هام بن هيم بن لاقيس ابن إبليس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرآه جسيما عظيما وامرء مهولا فقال له من أنت قال أنا هام بن هيم بن لاقيس بن إبليس كنت يوم قتل قابيل هابيل غلام إبن أعوام أنهى عن الأعتصام وآمر بإفساد الطعام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئس لعمري الشاب المؤمل والكهل المؤمر فقال دع عنك هذا يا محمد فقد جرت توبتي على يد نوح ولقد كنت معه في السفينة فعاتبته على دعائه على قومه ولقد كنت مع إبراهيم عليه السلام حيث القي في النار فجعلها الله بردا وسلاما ولقد كنت مع موسى حين أغرق الله فرعون ونجّى بني إسرائيل ولقد كنت مع هود حين دعا على قومه فعاتبته ولقد كنت مع صالح فعاتبته على دعائه على قومه ولقد قرأت الكتب فكلها يبشرني بك والأنبياء يقرؤونك السلام ويقولون أنت أفضل الأنبياء وأكرمهم فعلمني مما أنزل الله عليك شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين عليه السلام علمه فقال هام يا محمد إنا لا نطيع إلا نبيا أو وصي نبي فمن هذا قال هذا أخي ووصيي ووزيري ووارثي علي بن أبي طالب عليه السلام قال نعم نجد اسمه في الكتب إلِيّا فعلّمه أمير المؤمنين عليه السلام فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام .
( 28 ) وإذ قال ربك واذكر وقت قوله للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون .
( 29 ) فإذا سويته عدلت خلقته ونفخت فيه من روحي حتى جرى آثاره في تجاويف أعضائه فيحيى فقعوا له ساجدين .
في العلل والقمي والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام وكان ذلك من الله


( 108 )

تقدمة في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجا منه عليهم الحديث وقد سبق مع صدره وذيله في سورة البقرة عند قوله تعالى إني جاعل في الارض خليفة .
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن قوله تعالى ونفخت فيه من روحي فقال روح إختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضله على جميع الأرواح فنفخ منه في آدم .
وفيه والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال إن الله خلق خلقا وخلق روحا ثم أمر ملكا فنفخ فيه فليست بالتي نقصت من الله شيئا هي من قدرته .
وفيه وفي الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل كيف هذا النفخ فقال إن الروح متحرك كالريح وإنما سمي روحا لأنه اشتق إسمه من الريح وإنما اخرجت على لفظة الروح لأن الروح مجانس للريح وإنما أضافه إلى نفسه لأنه اصطفاه على ساير الأرواح كما اصطفي بيتا من البيوت فقال بيتي وقال رسول من الرسل خليلي وأشباه ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبر .
أقول : لما كان الروح يتعلق أولا بالبخار اللطيف المنبعث من القلب ويفيض عليه القوة الحيوانية فيسري حاملا لها في تجاويف الشرائين إلى أعماق البدن جعل تعليقه بالبدن نفخا فهو تمثيل لما به يحصّل الحياة وذلك لأن الروح ليس من عالم الحس والشهادة وإنما هو من عالم الملكوت والغيب والبدن بمنزلة قشر وغلاف وقالب له وإنما حياته به وهو الخلق الآخر المشار إليه بقوله سبحانه ثم أنشأناه خلقا آخر أي خلقا لا يشبه هذا الخلق .
العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن الروح فقال هي من قدرته من الملكوت ومما يدل على ذلك ما سبق من الأخبار في سورة آل عمران عند قوله سبحانه ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء .
وفي البصائر عن الصادق عليه السلام مثل المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا اخرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولم يعبأ به وقال إن الأرواح لا تمازج البدن ولا


( 109 )

تداخله إنما هي كالكلل للبدن محيطة به .
وفي الأحتجاج عنه عليه السلام الروح لا يوصف بثقل ولا خفة وهي جسم رقيق البس قالبا كثيفا فهي بمنزلة الريح في الزق فإذا نفخت فيه إمتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق ولوجها ولا ينقصه خروجها وكذلك الروح وليس لها ثقل ولا وزن قيل أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق قال بل هو باق إلى يوم ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى فلا حس ولا محسوس ثم اعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها وذلك أربعمائة سنة نسيت فيها الخلق وذلك بين النفختين .
وقال عليه السلام أيضا إن الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسيء في ضيق وظلمة والبدن يصير ترابا الحديث .
وروي إنه قال وبها يؤمر البدن وينهى ويثاب ويعاقب وقد تفارقه ويلبسها الله سبحانه غيره كما تقتضيه حكمته قوله عليه السلام وقد تفارقه ويلبسها الله غيره صريح في أنها مفارقة عن البدن مستقلة وأن ليس المراد بها الروح البخاري وأما اطلاق الجسم عليها فلأن نشأة الملكوت أيضا جسمانية من حيث الصورة وإن كانت روحانية من جهة المعنى غير مدركة بهذه الحواس وأما قوله فهي بمنزلة الريح في الزق فهي تمثيل لما به يحصل الحياة وبيان لمعنى نفخها في البدن كما مرت الأشارة إليه آنفا .
وليعلم أن الأرواح متعددة في بدن الأنسان ويزيد عددها بزيادة صاجها في الفضل والشرف كما إستفاض به الأخبار عن الأئمة الأطهار ففي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه جاء رجل إليه فقال يا أمير المؤمنين إن اناسا زعموا أن العبد لا يزني وهو مؤمن ولا يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن فقد ثقل عليّ هذا وحرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي ويدعو دعائي ويناكحني واناكحه ويوارثني واوارثه وقد خرج من الأيمان من أجل ذنب يسير أصابه فقال أمير المؤمنين عليه السلام صدقت (1) سمعت
____________
(1) بيان صدقت على البناء للمفعول أي صدقوك فيما زعموا وليس بالذي يخرج من دين الله ان قيل قد ثبت ان

=


( 110 )

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول والدليل عليه كتاب الله خلق الله عز وجل الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل (1) وذلك قول الله عز وجل في الكتاب أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون فأما ما ذكره من أمر (2) السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح روح القدس وروح الأيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين وبها علموا الأشياء وبروح الأيمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شواب [ شباب ] النساء وبروح البدن دبوا ودرجوا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم قال قال الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ثم قال في جماعتهم وأيدهم بروح منه يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم جعل الله فيهم أربعة أرواح روح الأيمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن فلا يزال العبد يستكمل هذه الأرواح الأربعة حتى يأتي عليه حالات فقال الرجل يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات فقال أما اولاهن فهو كما قال الله عز وجل ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا فهذا ينتقص منه جميع الأرواح وليس بالذي يخرج من دين الله لأن الفاعل به رده إلى أرذل العمر فهو لا يعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار ولا القيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الأيمان وليس يضره شيئا ومنهم من ينتقص
____________
= الانسان انما يبعث على ما مات عليه فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا قلت لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا فلما .ال ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم تحصل له المعرفة اصلا فانه ليس في ذاته شيء ليبرز له « وافي » .
(1) ثلاث منارل عبارة عن ثلاث مراتب مذكورة للارواح الثلاثة وحاصل الجواب ان مرتكب الكبيرة بدون الاصرار ليس داخلا في اصحاب المشأمة فان المذكور في مرتبتهم انهم كانوا يصرون على الحنث العظيم فهم داخلون في اصحاب الميمنة .
(2) امر بفتح الميم وتشديد المهملة أي أقوى وأعقل مأخوذ من المرة بالكسر وهي القوة وشدة العقل .

( 111 )

منه روح القوة ولا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها ولم يقم ويبقى روح البدن فيه فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لأن الله عز وجل هو الفاعل به وقد يأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجّعه روح القوة ويزين له روح الشهوة ويقوده روح البدن حتى يوقعه في الخطيئة فإذا لامسها نقص من الأيمان وتفصى منه فليس يعود فيه حتى يتوب فإذا تاب تاب الله عليه وإن عاد أدخله الله نار جهنم فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عز وجل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم يعرفون محمدا صلى الله عليه وآله وسلم والولاية في التوراة والأنجيل كما يعرفون أبناءهم في منازلهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك إنك الرسول إليهم فلا تكونن من الممترين فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم بذلك فسلبهم روح الأيمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن ثم أضافهم إلى الأنعام فقال إن هم كالانعام لأن الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن فقال السائل أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين .
وروي عن كميل بن زياد أنه قال سألت مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عليا فقلت يا أمير المؤمنين اريد أن تعرفني نفسي قال يا كميل وأي الأنفس تريد أن اعرفك قلت يا مولاي هل هي إلا نفس واحدة قال يا كميل إنما هي أربعة النامية النباتية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الألهية ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان فالنامية النباتية لها خمس قوى ماسكة وجاذبة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتان الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد والحسية الحيوانية لها خمس قوى سمع وبصر وشم وذوق ولمس ولها خاصيتان الرضا والغضب وانبعاثها من القلب والناطقة القدسية لها خمس قوى فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث وهي أشبه الأشياء بالنفوس الملكية ولها خاصيتان النزاهة والحكمة والكلية الألهية لها خمس


( 112 )

قوى بقاء في فناء ونعيم في شقاء وعز في ذل وفقر في غناء وصبر في بلاء ولها خاصيتان الرضا والتسليم وهذه هي التي مبدؤها من الله وإليه تعود قال الله تعالى ونفخت فيه من روحي وقال تعالى يا أّيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية والعقل وسط الكل .
( 30 ) فسجد الملائكة كلهم أجمعون .
( 31 ) إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين .
( 32 ) قال يا إبليس مالك أن لا تكون مع الساجدين .
( 33 ) قال لم أكن لاسجد لا يصح مني وينافي حالي وأنا ملك روحاني أن أسجد لبشر جسماني كثيف خلقته من صلصال من حمإ مسنون وهو أخس العناصر وخلقتني من نار وهي أشرفها غرته الحمية وغلبت عليه الشقوة وتعزز بخلقة النار واستوهن خلق الصلصال وقد سبق جوابه في سورة الأعراف مع كلمات اخر .
( 34 ) قال فاخرج منها من المنزلة التي أنت عليها في السماء وزمرة الملائكة فإنك رجيم مطرود من الخير والكرامة وقد سبق في معنى الرجيم حديث في الأستعاذة .
( 35 ) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين فإنه منتهى أمد اللعن .
( 36 ) قال رب فانظرني فأمهلني إلى يوم يبعثون أراد أن يجد فسحة في الأغواء ونجاة من الموت وقد سبق في سببه حديث في سورة الأعراف .
( 37 ) قال فإنك من المنظرين .
( 38 ) إلى يوم الوقت المعلوم .
في العلل عن الصادق عليه السلام إنه سئل عنه فقال يوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت إبليس ما بين النفخة الأولى والثانية .
والعياشي عنه عليه السلام إنه سئل عنه فقال اتحسب أنه يوم يبعث فيه الناس إن الله أنظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فإذا بعث الله قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول يا ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك يوم الوقت المعلوم .


( 113 )

والقمي عنه عليه السلام قال يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصخرة التي في بيت المقدس .
أقول : يعني عند الرجعة .
( 39 ) قال رب بما أغويتني بسبب إغوائك إياي وهو تكليفه إياه بما وقع في الغي لازينن لهم المعاصي في الارض ولاغوينهم أجمعين .
( 40 ) إلا عبادك منهم المخلَصين
الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من الشوائب فلا يعمل فيهم كيدي وقريء بكسر اللام أي الذين أخلصوا نفوسهم لك .
( 41 ) قال هذا صراط عليّ أي هذا طريق حق عليّ أن اراعيه مستقيم لا إنحراف عنه وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي المخلصين وقريء عليّ على وزن فعيل بالرفع .
ونسبها في المجمع إلى الصادق عليه السلام ويفسر بعلو الشرف .
وفي الكافي عنه عليه السلام هذا صراط عليّ مستقيم وهذا يحتمل الأضافة أيضا .
والعياشي عن السجاد عليه السلام هو أمير المؤمنين عليه السلام .
( 42 ) إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (1) بيان لما أجمله العياشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سئل عن تفسيره فقال قال الله إنك لا تملك أن تدخلهم جنة ولا نارا .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والله ما أراد بهذا إلا الأئمة وشيعتهم .
والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه .
( 43 ) وإن جهنم لموعدهم أجمعين لموعد الغاوين المتبعين (2)
____________
(1) لانه إذا قبل منه صار له عليه سلطان بعدوله عن الهدى الى ما يدعوه إليه من اتباع الهوى وقيل ان الاستثناء منقطع والمراد لكن من اتبعك من الغاوين جعل لك على نفسه سلطانا .
(2) أي موعد إبليس ومن تبعه .

( 114 )

القمي عن الباقر عليه السلام وقوفهم على الصراط .
( 44 ) لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم .
القمي قال يدخل في كل باب أهل ملة .
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام عن أبيه عن جده عليهم السلام إن للنار سبعة أبواب باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون وباب يدخل منه المشركون والكفار ومن لم يؤمن بالله طرفة عين وباب يدخل منه بنو امية هو لهم خاصة لا يزاحمهم فيه أحد وهو باب لظى وهو باب سعير وهو باب الهاوية يهوي بهم سبعين خريفا فكلما هوى بهم سبعين خريفا فار بهم فورة قذف بهم في أعلاها سبعين خريفا ثم هوى بهم هكذا سبعين خريفا فلا يزالون هكذا أبدا خالدين مخلدين وباب يدخل منه مبغضونا ومحاربونا وخاذلونا وأنه لأعظم الأبواب وأشدها حرا ثم قال والباب الذي يدخل منه بنو امية هو لأبي سفيان ومعاوية وآل مروان خاصة يدخلون من ذلك الباب فتحطمهم النار فيه حطما لا يسمع لهم واعية ولا يحيون فيها ولا يموتون .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام سبعة أبواب النار مطابقات .
وفي المجمع عنه عليه السلام إن جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض ووضع إحدى يديه على الاخرى فقال هكذا وإن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية قال وفي رواية أسفلها الهاوية وأعلاها جهنم .
والقمي سبع درجات ثم ذكر تفصيلها مبسوطا بنحو آخر ولم يذكر أصحابها .
( 45 ) إن المتقين في جنات وعيون .
( 46 ) ادخلوها بسلام آمنين على إرادة القول .
( 47 ) ونزعنا ما في صدورهم من غل .


( 115 )

القمي العداوة إخوانا على سرر متقابلين .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنتم والله الذين قال الله ونزعنا ما في صدورهم الآية وفي رواية والله ما اراد بهذا غيركم .
( 48 ) لا يمسهم فيها نصب تعب وعناء وما هم منها بمخرجين فإن تمام النعمة بالخلود .
( 49 ) نبّيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم .
( 50 ) وأن عذابي هو العذاب الاليم فارجوا رحمتي وخافوا عذابي .
( 51 ) ونبئهم عن ضيف إبرهيم .
( 52 ) إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما نسلم عليك سلاما قال إنا منكم وجلون خائفون وذلك لأنهم امتنعوا عن الأكل كما سبق في سورة هود .
( 53 ) قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم .
العياشي عن الباقر عليه السلام الغلام العليم هو إسماعيل من هاجر .
وعن الصادق عليه السلام فمكث إبراهيم عليه السلام بعد البشارة ثلاث سنين ثم جاءته البشارة من الله بإسماعيل مرة بعد اخرى بعد ثلاث سنين .
( 54 ) قال أبشرتموني على أن مسني الكبر تعجب من أن يولد له مع مس الكبر إياه فبم تبشرون فإنه مما لا يتصور وقوعه عادة .
( 55 ) قالوا بشرناك بالحق بما يكون لا محالة يقينا فلا تكن من القانطين من الآيسين من ذلك فإنه تعالى قادر عليه فإنه كما يفعل بالأسباب الجلية يفعل بالأسباب الخفية .
( 56 ) قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون أي المخطئون طريق المعرفة فلا يعرفون سعة رحمة الله وكمال قدرته وقريء يقنط بكسر النون .
( 57 ) قال فما خطبكم بعد البشارة أيها المرسلون .


( 116 )


( 58 ) قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين يعني قوم لوط إنهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب رب العالمين كذا في العلل والعياشي عن الباقر عليه السلام .
وفي العلل عنه عليه السلام قال ولم يزل لوط وإبراهيم عليهما السلام يتوقعان نزول العذاب على قوم لوط وكانت لإبراهيم عليه السلام ولوط منزلة من الله عز وجل شريفة وأن الله عز وجل كان إذا أراد عذاب قوم لوط أدركته مودة إبراهيم عليه السلام وخلته ومحبة لوط فيراقبهم فيؤخر عذابهم قال فلما اشتد أسف الله على قوم لوط وقدر عذابهم وقضى أن يعوض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم فيسلي به مصابه بهلاك قوم لوط فبعث الله رسلا إلى إبراهيم عليه السلام يبشرونه باسماعيل فدخلوا عليه ليلا ففزع منهم وخاف أن يكونوا سراقا فلما رأته الرسل فزعا مذعورا قالوا سلاما قال سلام إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا رسل ربك نبشرك بغلام عليم قال والغلام العليم هو اسماعيل من هاجر فقال إبراهيم عليه السلام للرسل أبشرتموني على أن مسني الكبر الآيات .
والعياشي عنه عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى لما قضى عذاب قوم لوط وقدره أحب أن يعوض إبراهيم عليه السلام من عذاب قوم لوط بغلام عليم يسلي به مصابه بهلاك قوم لوط الحديث كما ذكر .
( 59 ) إلاّ آل لوط إنا لمنجوهم وقريء بالتخفيف أجمعين .
( 60 ) إلا امرأته قدرناها وقريء بالتخفيف إنها لمن الغابرين الباقين مع الكفرة لتهلك معهم .
العياشي عن الصادق عليه السلام يا ويح القدرية إنّما يقرؤون هذه الآية إلاّ امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ويحهم من قدرها إلا الله تبارك وتعالى .
( 61 ) فلما جاء آل لوط المرسلون .
( 62 ) قال إنكم قوم منكرون تنكركم نفسي وتنفر عنكم مخافة أن تطرقوني بشر .


( 117 )

( 63 ) قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون من عذاب الله .
( 64 ) وأتيناك بالحق لتنذر قومك العذاب وإنا لصادقون .
( 65 ) فأسر سر ليلا بأهلك يالوط بقطع من الليل إذا مضى نصف الليل واتبع أدبارهم وكن على أثرهم لتكون عينا عليهم فلا يتخلف أحد منهم ولا يلتفت منكم أحد إلى ما ورآه وامضوا حيث تؤمرون حيث أمرتم بالذهاب إليه .
( 66 ) وقضينا إليه إلى لوط ذلك الامر منهم يفسره ما بعده أن دابر هؤلاء آخرهم مقطوع يعني يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد مصبحين داخلين في الصبح .
( 67 ) وجاء أهل المدينة مدينة سدوم يستبشرون بأضياف لوط طمعا فيهم .
( 68 ) قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون بفضيحة ضيفي فإن من أسى إلى ضيفه فقد آسى إليه .
( 69 ) واتقوا الله في ركوب الفاحشة ولا تخزون ولا تذلوني من الخزي بمعنى الهوان أو لا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء .
( 70 ) قالوا أو لم ننهك عن العالمين قد سبق عن الباقر عليه السلام إن المراد به النهي عن ضيافة الناس وإنزالهم .
( 71 ) قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين قد سبق تفسيره .
( 72 ) لعمرك .
القمي أي وحياتك يا محمد قال فهذه فضيلة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأنبياء إنهم لفي سكرتهم يعمهون لفي غوايتهم التي أزالت عقولهم يتحيرون فكيف يسمعون النصح .
( 73 ) فأخذتهم الصيحة صيحة جبرئيل مشرقين داخلين في وقت شروق الشمس .


( 118 )


( 74 ) فجعلنا عاليها عالي قريتهم سافلها وصارت منقلبة بهم وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل من طين متحجر .
( 75 ) إن في ذلك لآيات للمتوسمين المتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشيء بسمته .
( 76 ) وإنها قيل وإن آثارها لبسبيل مقيم ثابت يسلكه الناس ولم يندرس بعدوهم يبصرون تلك الآثار وهو تنبيه لقريش كقوله وإنكم لتمرون عليهم مصبحين .
وفي المجمع قد صح عن النبي صلى الله عليه واله وسلم أنه قال إتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله وقال إنّ لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ثم قرأ هذه الآية .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى إن في ذلك لآيات للمتوسمين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتوسم وأنا من بعده والأئمة من ذريتي المتوسمون .
وفيه والعياشي عنه عليه السلام في هذه الآية قال هم الأئمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله في هذه الآية .
وعن الصادق أنه سئل عن هذه الآية فقال نحن المتوسمون والسبيل فينا مقيم .
وزاد القمي والسبيل طريق الجنة وعنه عليه السلام وإنها لبسبيل مقيم قال لا يخرج منا أبدا .
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام ليس مخلوق إلا وبين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس محجوبا عن الأئمة عليهم السلام من آل محمد صلوات الله عليهم ثم ليس يدخل عليهم أحد إلا عرفوه مؤمن أو كافر ثم تلا هذه الآية .
وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام إذا قام القائم عليه السلام لم يقم بين


( 119 )

يديه أحد من خلق الرحمان إلا عرفه صالح هو أم طالح وفيه آية للمتوسمين وهو السبيل المقيم ، والعياشي عنه عليه السلام في الأمام عليه السلام آية للمتوسمين وهو السبيل المقيم ينظر بنور الله وينطق عن الله لا يعزب عنه شيء مما أراد .
( 77 ) إن في ذلك لآية للمؤمنين .
( 78 ) وإن كان وإنه كان أصحاب الاَيكة يعني الغيضة وهي الشجرة المتكاثفة لظالمين هم قوم شعيب كانوا يسكنون الغيضة فبعث الله إليهم فكذبوه فاهلكوا بالظلة .
( 79 ) فانتقمنا منهم بالأهلاك وإنهما يعني سدوم والأيكة لبإمام مبين لبطريق واضح يؤم ويتبع ويهتدي .
( 80 ) ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين يعني ثمود كذبوا صالحا والحجر واديهم وهو ما بين المدينة والشام وكانوا يسكنونها .
( 81 ) وآتيناهم آياتنا كالناقة وسقيها وشربها ودرها فكانوا عنها معرضين .
( 82 ) وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين من الأنهدام ونقب اللصوص وتخريب الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لفرط غفلتهم .
( 83 ) فأخذتهم الصيحة مصبحين .
( 84 ) فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من بناء البيوت الوثيقة وإستكثار الأموال والعدد .
( 85 ) وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق فلا يلائم استمرار الفساد ودوام الشر فلذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء وإزاحة فسادهم من الأرض وإن الساعة لآتية فينتقم الله لك فيها ممن كذّبك فاصفح الصفح الجميل .
في العيون عن الرضا عليه السلام يعني العفو من غير عتاب .
( 86 ) إن ربك هو الخلاّق الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم العليم


( 120 )

بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل إليه ليحكم بينكم .
( 87 ) ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم المثاني من التثنية أو الثناء .
في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام بسم الله الرحمن الرحيم آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى قال لي يا محمد ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم فافرد الأمتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بإزاء القرآن العظيم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال هي سورة الحمد وهي سبع آيات منها بسم الله الرحمن الرحيم إنما سميت المثاني لأنها تثنّى في الركعتين وعن أحدهما عليهما السلام إنه سئل عنها فقال فاتحة الكتاب يثنى فيها لقول .
وكذا في المجالس عن السجاد عليه السلام .
وفي المجمع عن علي والباقر والصادق عليهم السلام .
والقمي إنها الفاتحة وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعطيت السور الطوال مكان التوراة واعطيت المئين مكان الأنجيل واعطيت المثاني مكان الزبور .
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل زاد الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم .
وفي التوحيد والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام نحن المثاني التي أعطاها الله نبينا قال الصدوق ( طاب ثراه ) قوله نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا وأخبر امته إنا لا نفّرق حتى نرد حوضه .