تفسير الصافي ج 3 ص 241 الى ص 260
المجلس ونحيت عنا هؤلاء وروايح صنانهم ( 1 ) وكانت عليهم جباب ( جمع جبة ) الصوف جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك فلا يمنعنا من الدخول عليك إلا هؤلاء فلما نزلت الآية قام النبي صلى الله عليه وآله يلتمسهم فأصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله عز وجل فقال الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من امتي معهم المحيى ومعهم المماة .
( 29 ) وقل الحق من ربكم هو الحق من ربكم أو الحق ما يكون من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فلم يبق إلا إختياركم لنفوسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة وفي طريق الهلاك .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال وعيد إنا أعتدنا أعددنا وهيئنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وإن يستغيثوا من العطش يغاثوا بماء كالمهل كدردي الزيت وقيل كالنحاس المذاب يشوي الوجوه إذا قدم ليشرب من فرط حرارته بئس الشراب المهل وساءت النار مرتفقا متكئا من المرفق وهو يشاكل قوله وحسنت مرتفقا .
في الكافي عن الباقر عليه السلام نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا وقل الحق من ربكم في ولاية علي عليه السلام فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين على آل محمد نارا .
والقمي عن الصادق عليه السلام مثله وقال المهل الذي يبقى في أصل الزيت المغلى .
( 30 ) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا .
( 31 ) أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق مما رق من الديباج وما غلظ منه متكئين فيها على الارائك على السرر كما هو هيئة المتنعمين .
____________
(1) أصن اللحم : إذا أنتن ، والصنان : زفر الإبط .
( 242 )

القمي عن الباقر عليه السلام الارائك السرر عليها الحجال نعم الثواب الجنة ونعيمها وحسنت الأرائك مرتفقا .
أقول : وكأن الثياب الخضر كناية عن أبدانهم المثالية البرزخية المتوسطة بين سواد هذا العالم وبياض العالم الأعلى فإن الخضرة مركبة من سواد وبياض والرقة والغلظة كنايتان عن تفاوتهما في مراتب اللطافة .
( 32 ) واضرب لهم مثلاً للكافر والمؤمن رجلين حال رجلين .
القمي قال نزلت في رجل كان له بستانان كبيران عظيمان كثيرا الثمار كما حكى الله عز وجل وفيهما نخل وزرع وماء وكان له جار فقير فافتخر الغني على الفقير جعلنا لاحدهما جنتين بستانين من أعناب من الكروم وحففنهما بنخل وجعلنا النخل محيطة بهما وجعلنا بينهما وسطهما زرعا ليكون كل منهما جامعا للأقوات والفواكه على شكل حسن وترتيب أنيق .
( 33 ) كلتا الجنتين آتت أكلها ثمرها ولم تظلم منه ولم تنقص من اكلها شيئا كما يكون في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبا وفجرنا خلالهما نهرا ليدوم شربهما ويزيد بهاؤهما .
( 34 ) وكان له ثمر أنواع من المال سوى الجنتين من ثمر ماله إذا كاثره وقريء بفتحتين وبضم الثاء وسكون الميم فقال لصحابه وهو يحاوره وهو يرsاجعه في الكلام من حار إذا رجع أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أولادا وأعوانا .
( 35 ) ودخل جنته بصاحبه يطوف به فيها ويفاخره بها وهو ظالم لنفسه ضار لها بعجبه وكفره قال ما أظن أن تبيد أن تفني هذه يعني هذه الجنة أبدا لطول أمله وتمادي غفلته وإغتراره بمهلته .
( 36 ) وما أظن الساعة قائمة كائنة ولئن رددت إلى ربى بالبعث كما زعمت لاجدن خيرا منها منقلبا مرجعا وعاقبة وقريء منهما .
( 37 ) قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب فإنه أصل


( 243 )

مادتك ومادة أصلك ثم من نطفة فإنها مادتك القريبة ثم سواك رجلا ثم عدلك وكملك إنسانا ذكرا بالغا مبلغ الرجال .
( 38 ) لكنا هو الله ربي أصله لكن أنا وقريء بالألف في الوصل والوقف جميعا ولا أشرك بربي أحدا .
( 39 ) ولولا إذ دخلت جنتك قلت وهلا قلت عند دخولها ما شاء الله كائن إقرار بأنها وما فيها بمشية الله إن شاء الله أبقاها وإن شاء أبادها لا قوة إلا بالله وقلت لا قوة إلا بالله إعترافا بالعجز على نفسك والقدرة لله وإن ما تيسر لك من عمارتها وتدبيرها فبمعونته واقتداره إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا .
( 40 ) فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك في الدنيا أو في الآخرة لأيماني ويرسل عليها على جنتك لكفرك حسبانا من السماء مرامىً من عذابه كصاعقة ونحوها .
وقيل هو بمعنى الحساب والمراد به التقدير بتخريبها فتصبح صعيدا زلقا أرضا ملساء يزلق عليها باستيصال نباتها وأشجارها .
القمي محترقا .
( 41 ) أو يصبح ماؤها غورا غائرا في الأرض فلن تستطيع له طلبا .
( 42 ) وأحيط بثمره وأهلك أمواله حسبما أنذره صاحبه من أحاط به العدو فإنه إذا أحاط به غلبه وإذا غلبه أهلكه ونظيره أتى إذا أهلكه في المجمع وفي الخبر إن الله عز وجل أرسل عليها نارا فأهلكها وغار ماؤها فأصبح يقلب كفيه ظهرا لبطن تلهفا وتحسرا على ما أنفق فيها وهى خاوية ساقطة على عروشها يعني سقطت عروش كرومها على الأرض وسقطت الكروم فوقها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا كأنه تذكر موعظة أخيه وعلم أنه من قبل شركه فتمنى لو لم يكن مشركا فلم يهلك الله بستانه .
( 43 ) ولم تكن له فئة وقريء بالياء ينصرونه بدفع الأهلاك أورد المهلك من دون


( 244 )

الله فإنه القادر على ذلك وحده وما كان منتصرا ممتنعا عن انتقام الله منه .
( 44 ) هنالك في ذلك المقام وتلك الحال .
وقيل في الآخرة الولاية لله الحق النصرة له وحده لا يقدر عليها غيره وقريء بالكسر أي السلطان والملك وقريء الحق بالرفع صفة للولاية هو خير ثوابا وخير عقبا ( 1 ) أي لأوليائه وقريء عقبا بالسكون .
( 45 ) واضرب لهم مثل الحياة الدنيا ما تشبهه في زهرتها وسرعة زوالها كماء هو كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض تكاثف بسببه والتف حتى خالط بعضه بعضا فأصبح هشيما مهشوما مكسورا تذروه الريح تفرقه فيصير كأن لم يكن وكان الله على كل شيء من الأنشاء والأفناء مقتدرا .
( 46 ) المال والبنون زينة الحياة الدنيا ويفنى عن قريب والباقيات الصالحات وأعمال الخير والبر التي تبقى ثمرتها أبد الآباد خير عند ربك من المال والبنين ثوابا عائدة وخير أملاً لأن صاحبها ينال في الآخرة ما كان يأمل بها في الدنيا .
في التهذيب والعياشي عن الصادق عليه السلام إن كان الله عز وجل قال المال والبنون زينة الحياة الدنيا إن الثمانية ركعات يصليها العبد آخر الليل زينة الآخرة .
والعياشي عنه عليه السلام إن الباقيات الصالحات هي الصلاة فحافظوا عليها .
وفي المجمع عنه عليه السلام هي الصلوات الخمس .
وعنه عليه السلام إن من الباقيات الصالحات القيام لصلاة الليل .
وروى إبن عقده عنه عليه السلام إنه قال لحصين بن عبد الرحمن لا تستصغر مودتنا فإنها من الباقيات الصالحات .
والعياشي عنه عليه السلام قال قال رسول الله خذوا جنتكم قالوا يا رسول الله عدو حضر فقال لا ولكن خذوا جنتكم من النار فقالوا بم نأخذ جنتنا يا رسول الله قال
____________
(1) أي عاقبته طاعته خير من عاقبة طاعة غيره .
( 245 )

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر . فإنهن يأتين يوم القيامة ولهن مقدمات ومؤخرات وهن الباقيات الصالحات .
وفي المجمع بطريق العامة مثله .
والقمي قال الباقيات الصالحات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ذكر في سورة مريم .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام مر رسول الله صلى الله عليه وآله برجل يغرس غرسا في حايط له فوقف عليه وقال ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى قال بلى فدلني يارسول الله فقال إذا أصبحت وأمسيت فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات .
( 47 ) ويوم نسيّر الجبال نسيّرها في الجو ونجعلها هباء منبثا وقريء بالتاء والبناء للمفعول وترى الارض بارزة بادية برزت من تحت الجبال ليس عليها ما يسترها وحشرناهم وجمعناهم إلى الموقف فلم نغادر فلم نترك منهم أحدا .
( 48 ) وعرضوا على ربك صفا ترى جماعتهم كما يرى كل واحد منهم لا يحجب أحد أحدا .
في الأحتجاج عن الصادق عليه السلام هم يومئذ عشرون ومأة ألف صف في عرض الأرض لقد جئتمونا كما خلقنكم أول مرة أي قيل لهم لقد بعثناكم كما أنشأناكم أول مرة أو المعنى لقد جئتمونا عراة لا شيء معكم من المال والولد لقوله ولقد جئتمونا فرادى كما سبق في سورة الأنعام بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدا وقتا لأنجاز الوعد بالبعث والنشور وأن الأنبياء كذبوكم به .
( 49 ) ووضع الكتاب صحايف الأعمال فترى المجرمين مشفقين مما فيه خائفين من الذنوب ويقولون يا ويلتنا ينادون هلكتهم مالهذا الكتاب تعجيبا من شأنه لا يغادر صغيرة هنة صغيرة ولا كبيرة عبارة عن الأحاطة بالجميع إلا أحصيها إلا عدها


( 246 )

وضبطها ووجدوا ما عملوا حاضرا مكتوبا في الصحف ولا يظلم ربك أحدا فيكتب عليه ما لم يفعل أو لا ينقص ثواب محسن ولا يزيد في عقاب مسيء .
القمي قال يجدون ما عملوا كله مكتوبا .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إذا كان يوم القيامة دفع إلى الأنسان كتابه ثم قيل اقرأ فيقرأ ما فيه فيذكره فما من لحظة ولا كلمة ولا نقل قدم إلا ذكره كأنه فعله تلك الساعة فلذلك قالوا يا ويلتنا الآية .
( 50 ) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قد سبق تفسيره ( ذكره خ ل ) في سورة البقرة قيل كرره في مواضع لكونه مقدمة للامور المقصود بيانها في تلك المحال وهكذا كل تكرير في القرآن كان من الجن ففسق عن أمر ربه فخرج عن أمره بترك السجود أفتتخذونه أبعد ما وجد منه تتخذونه وذريته أولياء من دوني وتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا من الله إبليس وذريته .
( 51 ) ما أشهدتهم خلق السماوات والارض ما أحضرت إبليس وذريته خلق السماوات والأرض إعتضادا بهم ولا خلق أنفسهم ولا احضرت بعضهم خلق بعض وما كنت متخذ المضلين عضدا أعوانا يعني فما لكم تتخذونهم شركائي في العبادة أو الطاعة أو المعنى ما أشهدت المشركين خلق ذلك وماخصصتهم بعلوم لا يعرفها غيرهم حتى لو آمنوا تبعهم الناس كما يزعمون فلا تلتفت إلى قولهم طمعا في نصرتهم للدين فإنه لا ينبغي لي أن أعتضد بالمضلين لديني ويعضده قراءة من قرأ وما كنت على خطاب الرسول .
والعياشي عن الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال اللهم أعز الأسلام بعمر الخطاب وبأبي جهل وهشام فأنزل الله هذه الآية يعنيهما .
أقول : ويمكن التوفيق بين التفسيرين بتعميم الشياطين الجن والأنس .
وفي الكافي عن الجواد عليه السلام إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا


( 247 )

بوحدانيته ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة عليهم السلام فمكثوا ألف دهرثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمرها إليهم الحديث .
( 52 ) ويوم يقول أي يقول الله وقريء بالنون نادوا شركائي الذين زعمتم أنهم شركائي أضاف الشركاء إليه على زعمهم توبيخا لهم والمراد ما عبد من دونه من الجن والأنس وغيرهما فدعوهم فنادوهم للأغاثة فلم يستجيبوا لهم فلم يغيثوهم وجعلنا بينهم بين الكفار وآلهتهم موبقا مهلكا يشتركون فيه وهو واد من أودية جهنم ، القمي أي سترا وقيل البين بمعنى الوصل أي جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة .
( 53 ) ورأى المجرمون النار فظنوا فأيقنوا أنهم مواقعوها مخالطوها واقعون فيها ولم يجدوا عنها مصرفا معدلا في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني أيقنوا أنهم داخلوها في الاحتجاج عنه عليه السلام وقد يكون بعض ظن الكفار يقينا وذلك قوله ورأى المجرمون النار الآية أي أيقنوا أنهم مواقعوها .
( 54 ) ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الانسان أكثر شيء يتأتّى منه الجدل جدلا خصومة بالباطل .
( 55 ) وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جائهم الهدى ويستغفروا ربهم من ذنوبهم إلا أن تأتيهم سنة الاولين وهي الأهلاك والأستيصال أو يأتيهم العذاب عذاب الآخرة قبلا عيانا وقريء بضمتين .
( 56 ) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا بالباطل مثل قولهم للأنبياء ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شآء الله لانزل ملائكة واقتراحهم الآيات بعد ظهور المعجزات إلى غيرذلك ليدحضوا به ليزيلوا بالجدال الحق عن مقره ويبطلوه واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً إستهزاء .
( 57 ) ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه أي القرآن فأعرض عنها فلم يتدبرها ولم يتذكرها ونسي ما قدّمتْ يداه من الكفر والمعاصي فلم يتفكر في عاقبتهما إنا جعلنا على قلوبهم أكنة تعليل لأعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم أن يفقهوه تمنعهم


( 248 )

أن يفقهوه وتذكير الضمير وإفراده للمعنى وفي آذانهم وقرا يمنعهم أن يسمعوه حق إستماعه وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذاً أبداً فلا يجوز منهم اهتداء البتة لا تحقيقا لأنهم لا يفقهون ولا تقليداً لأنّهم لا يسمعون .
( 58 ) وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب فلا يؤاخذهم عاجلا مع إستحقاقهم العذاب بل لهم موعد يعني يوم القيامة .
وقيل يوم بدر لن يجدوا من دونه موئلاً ملجأ ومنجى .
( 59 ) وتلك القرى قرى عاد وثمود وأضرابهم أهلكناهم لما ظلموا مثل ظلم قريش بالتكذيب والمراء وأنواع المعاصي وجعلنا لمهلكهم لأهلاكهم وقريء بكسر اللام وبفتح الميم واللام أي لهلاكهم موعدا وقتا معلوما لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون فليعتبروا بهم ولا يغتّروا بتأخر العذاب عنهم .
القمي أي يوم القيامة يدخلون النار .
( 60 ) وإذ قال موسى لفتاه .
في الأكمال والعياشي والقمي عن الباقر عليه السلام وهو يوشع بن نون قيل هو يوشع بن نون بن أفرائيم بن يوسف فإنه كان يخدمه ويتبعه ولذلك سماه فتاه لا أبرح لا أزال أسير حتى أبلغ مجمع البحرين ملتقى بحري فارس والروم وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر أو أمضي حقبا أو أسير زمانا طويلا .
القمي عن الباقر عليه السلام الحقب ثمانون سنة .
والقمي لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتبعه وما قصته فأنزل الله عز وجل وإذ قال موسى لفتيه قال وكان سبب ذلك أنه لما كلم الله موسى تكليما فأنزل الله عليه الألواح وفيها كما قال الله تعالى وكتبنا له في الالواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء رجع موسى إلى بني إسرائيل فصعد المنبر فأخبرهم أن الله قد أنزل عليه التوراة وكلمه قال في نفسه ما خلق الله خلقا أعلم مني فأوحى الله إلى جبرئيل أدرك موسى فقد


( 249 )

هلك وأعلمه إن عند ملتقى البحرين عند الصخرة رجلا أعلم منك فسر إليه وتعلم من علمه فنزل جبرئيل على موسى وأخبره وذل موسى في نفسه وعلم أنه أخطأ ودخله الرعب وقال لوصيه يوشع إن الله قد أمرني أن أتبع رجلا عند ملتقى البحرين وأتعلم منه فتزود يوشع حوتا مملوحا وخرجا .
وفي العلل والعياشي عن الصادق عليه السلام ما يقرب من صدر هذا الحديث .
والعياشي عنه عليه السلام قال بينا موسى قاعد في ملأ من بني إسرائيل إذ قال له رجل ما أرى أحدا أعلم بالله منك قال موسى ما أرى فأوحى الله إليه بل عبدي الخضر فسأل السبيل إليه فكان له آية الحوت إن إفتقده وكان من شأنه ما قص الله .
( 61 ) فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما تركاه لذهولهما عنه أو ذهابه عنهما فاتخذ سبيله يعني الحوت في البحر سربا مسلكا .
القمي فلما خرجا وبلغا ذلك المكان وجدا رجلا مستلقيا على قفاه فلم يعرفاه فأخرج وصي موسى الحوت وغسله بالماء ووضعه على الصخرة ومضيا ونسيا الحوت وكان ذلك الماء ماء الحيوان فحيى الحوت ودخل في الماء فمضى موسى عليه السلام ويوشع معه حتى عييا .
والعياشي ذكر قصة الحوت بنحوين آخرين فتارة عنه عليه السلام إنه شواه ثم حمله في مكتل ( 1 ) ثم إنطلقا يمشيان فإنتهيا إلى شيخ مستلقي معه عصاه موضوعة إلى جانبه وعليه كساء إذا قنع رأسه خرجت رجلاه وإذا غطى رجليه خرج رأسه قال فقام موسى عليه السلام يصلي وقال ليوشع أحفظ عليّ قال فقطرت قطرة من السماء في المكتل فاضطرب الحوت ثم جعل يثب من المكتل إلى البحر وهو قوله واّتخَذَ سبيله في البحر سربا قال ثم أنه جاء طير فوقع على ساحل البحر ( شاطئ خ ل ) ثم أدخل منقاره فقال يا موسى ما أخذت من علم ربك ما حمل ظهر منقاري من جميع البحر الحديث .
____________
(1) المكتل ـ كمنبر ـ : الزنبيل الكبير .
( 250 )

وتارة عنهما عليهما السلام لما كان من أمر موسى عليه السلام ما كان اُعْطِيَ مكتل فيه حوت مملح قيل له هذا يدلك على صاحبك عند مجمع البحرين صخرة عندها عين لا يصيب منها شيء ميتا إلا حي يقال له عين الحياة فانطلقا حتى بلغا الصخرة فانطلق الفتى يغسل الحوت في العين فاضطرب في يده حتى خدشه وتفلت منه ونسيه الفتى .
في الأكمال عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال لبعض اليهود وقد سأله عن مسائل وأما قولك أول عين نبعت على وجه الأرض فإن اليهود يزعمون إنها العين التي ببيت المقدس تحت الحجر وكذبوا وهي عين الحيوان التي إنتهى موسى وفتاه فغسل فيها السمكة المالحة فحييت وليس من ميت يصيبه ذلك الماء إلا حي وكان الخضر في مقدمة ذي القرنين يطلب عين الحياة فوجدها وشرب منها ولم يجدها ذو القرنين .
( 62 ) فلما جاوزا مجمع البحرين قال لفتيه آتنا غدائنا ما نتغدى به لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا أي عناء .
العياشي عن الصادق عليه السلام وإنما أعيى حيث جاز الوقت .
( 63 ) قال أراَيْتَ يعني أرأيت ما دهاني إذْ اوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت تركته وفقدته أو نسيت ذكر حاله وما رأيت منه لك وما أنسانيه وقريء بضم الهاء إلا الشيطان أن أذكره أي وما أنساني ذكره إلا الشيطان واتخذ سبيله في البحر عجبا .
( 64 ) قال ذلك ما كنا نبغ نطلب لأنه إمارة المطلوب .
القمي قال ذلك الرجل الذي رأيناه عند الصخرة هو الذي نريده فارتدا على آثارهما فرجعا في الطريق الذي جاءا منه قصصا يقصان قصصا أي يتبعان آثارهما إتباعا .
( 65 ) فوجدا عبدا من عبادنا وهو الخضر عليه السلام كما استفاض به الأخبار عنهم عليهم السلام .


( 251 )

القمي : وكان في الصلاة فقعد موسى حتى فرغ من الصلاة فسلم عليهما . والعياشي عن الصادق عليه السلام في الحديث السابق فرجع موسى عليه السلام فقص أثره حتى إنتهى إليه وهو على حاله مستلقي فقال له موسى السلام عليك فقال السلام عليك يا عالم بني إسرائيل قال ثم وثب فأخذ عصاه بيده فقال له موسى إني قد امرت أن أتبعك على أن تعلمني مما علّمت رشدا .
وفي روايته الاخرى عنهما عليهما السلام فلما رجعا وجدا الحوت قد خر في البحر فاقتصا الأثر حتى أتيا صاحبهما في جزيرة من جزائر البحر إمّا متكئا وإمّا جالساً فسلم عليه موسى عليه السلام فعجب من السلام إذ كان بأرض ليس فيها سلام قال من أنت قال أنا موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما قال نعم قال فما حاجتك قال جئت لتعلمني مما علّمت رشدا قال إني وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت أنت بأمر لا اطيقه ثم حدثه العالم عن آل محمد صلوات الله عليهم وعما يصيبهم صلوات الله عليهم من البلاء حتى إشتد بكاؤهما ثم حدثه عن فضل آل محمد صلوات الله عليهم حتى جعل موسى عليه السلام يقول ياليتني كنت من آل محمد عليهم السلام وحتى ذكر فلانا وفلانا ومبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قومه وما يلقى منهم ومن تكذيبهم إياه وذكر له تأويل هذه الآية ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة حين أخذ الميثاق عليهم .
والقمي عن الرضا عليه السلام أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزاير البحر إمّا جالساً وإمّا متكئا الحديث كما ذكره العياشي .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام إن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله إلى قومه فدعاهم إلى توحيده والأقرار بأنبيائه ورسله وكتبه وكانت آيته إنه كان لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا إهتزت خضراً وإنما سمّى خضرا لذلك وكان إسمه بليا بن ملكا بن عامر بن أرفخشد بن سام بن نوح آتيناه رحمة من عندنا هي الوحي والنبوة وعلمناه من لدنا علما قيل أي بما يختص بنا من العلم وهو علم الغيوب .


( 252 )

في المجمع عن الصادق عليه السلام قال كان عنده علم لم يكتب لموسى عليه السلام في الألواح وكان موسى عليه السلام يظن أن جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته وأن جميع العلم كتب له في الألواح .
( 66 ) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما عُلّمْتَ رشدا وقريء بفتحتين .
( 67 ) قال إنك لن تستطيع معي صبرا .
في العلل عن الصادق عليه السلام قال الخضر إنك لن تستطيع معي صبرا لأني وكلت بأمر لا تطيقه ووكلت بعلم لا اطيقه قال موسى عليه السلام بل أستطيع معك صبرا فقال الخضر إن القياس لا مجال له في علم الله وأمره .
( 68 ) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا .
( 69 ) قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فلما إستثنى المشية قبله .
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام .
في حديث له ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى إلى العالم وسأله الصحبة ليتعلم منه العلم ويرشده فلما أن سأل العالم ذلك علم العالم أن موسى لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصير معه فعند ذلك قال العالم وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فقال له موسى عليه السلام وهو خاضع له يستلطفه على نفسه كي يقبله ستجدني إن شاء الله الآية .
وعن الصادق عليه السلام كان موسى عليه السلام أعلم من الخضر .
وفي الكافي عنه عليه السلام لو كنت بين موسى عليه السلام والخضر لأخبرتهما إني أعلم منهما وأنبأتهما بما ليس في أيديهما لأن موسى عليه السلام والخضر عليه السلام أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وراثة .


( 253 )

( 70 ) قال فإن اتبعتني فلا تسئلني وقريء بالنون الثقيلة عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا .
القمي عن الرضا عليه السلام يقول لا تسألني عن شيء أفعله ولا تنكره عليّ حتى اخبرك أنا بخبره قال نعم .
( 71 ) فانطلقا على الساحل يطلبان السفينة حتى إذا ركبا في السفينة خرقها الخضر قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها وقريء بالأسناد إلى الأهل لقد جئت شيئا إمرا عظيماً .
القمي هو المنكر وكان موسى عليه السلام ينكر الظلم فأعظم ما رأى .
( 72 ) قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا .
( 73 ) قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ولا تغشني عسرا من أمري بالمضايقة والمؤاخذة على المنسي فإن ذلك يعسر عليّ متابعتك .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله كانت الأولى من موسى عليه السلام نسيانا .
( 74 ) فانطلقا أي بعد ما خرجا من السفينة حتى إذا لقيا غلاما فقتله من غير ترو واستكشاف حال قال أقتلت نفسا زكية طاهرة من الذنوب وقريء زاكية بغير نفس من غير أن قتلت نفسا فتقاد ( 1 ) بها لقد جئت شيئا نكرا أي منكرا وقريء بضمتين .
في العلل عن الصادق عليه السلام فغضب موسى عليه السلام وأخذ بتلبيبه وقال أقتلت الآية قال الخضر إن العقول لا تحكم على أمر الله بل أمر الله يحكم عليها فسلم لما ترى مني واصبر عليه فقد كنت علمت إنك لن تستطيع معى صبرا .
( 75 ) قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قيل زاد لك فيه مكافحة بالعتاب على رفض الوصية ووسما بقلة الثبات والصبر لما تكرر منه الاشمئزاز والأستنكاف ولم يرعو بالتذكير أول مرة حتى زاد في الأستنكار ثاني مرة .
____________
(1) القود ـ بالتحريك ـ : القصاص .
( 254 )

( 76 ) قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني وإن سألت صحبتك قد بلغت من لدنّي عذرا قد وجدت عذرا من قبلي لما خالفتك ثلاث مرات وقريء بتخفيف النون وبإسكان الدال .
روي عن النبي صلى الله عليه وآله رحم الله أخي موسى إستحيى فقال ذلك لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب .
( 77 ) فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية .
في العلل والعياشي عن الصادق عليه السلام هي الناصرة وإليها تنسب النصارى استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ينكسر يعني يداني ان يسقط استعيرت الأرادة للمشارفة وفي المجمع قرأته عليّ ابن أبي طالب ينقاص بالصاد غير معجمة وبالألف ومعناه الأنشقاق فأقامه بوضع يده عليه كذا في العلل عن الصادق عليه السلام .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا .
العياشي عن الصادق عليه السلام أي خبزا نأكله فقد جعنا وقريء لتخذت بكسر الخاء مخففة أي لأخذت .
( 78 ) قال هذا فراق بينى وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا
القمي عن الرضا عليه السلام في تتمة الحديث السابق فمروا ثلاثتهم حتى إنتهوا إلى ساحل البحر وقد شحنت سفينة وهي تريد أن تعبر فقال أرباب السفينة نحمل هؤلاء الثلاثة نفر فإنهم قوم صالحون فحملوهم فلما جنحت السفينة في البحر قام الخضر عليه السلام إلى جوانب السفينة فكسرها وحشاها بالخرق والطين فغضب موسى عليه السلام غضبا شديدا فقال للخضر أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا فقال له الخضر عليه السلام ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا قال موسى لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فخرجوا من السفينة فنظر الخضر إلى غلام يلعب بين الصبيان حسن الوجه كأنه قطعة قمر وفي أذنيه درتان فتأمله الخضر ثم أخذه وقتله فوثب


( 255 )

موسى عليه السلام على الخضر وجلد به الأرض فقال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا فقال الخضر عليه السلام ألم أقل لك إنك لن تستطيع معى صبرا قال موسى لئن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لَدُنّي عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا بالعشي قرية تسمى الناصرة وإليها تنسب النصارى ولم يضيفوا أحدا قط ولم يطعموا غريبا فاستطعموهم فلم يطعموهم ولم يضيفوهم .
وزاد العياشي ولن يضيفوا أحدا بعدهما حتى تقوم الساعة فنظر الخضر عليه السلام إلى حايط قد زال ليتهدم فوضع يده عليه وقال قم بإذن الله تعالى فقام فقال موسى عليه السلام لم ينبغ أن تقيم الجدار حتى يطعمونا ويأوونا وهو قوله لو شئت لاتخذت عليه أجرا فقال له الخضر هذا فراق بيني وبينك .
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وردنا أن موسى عليه السلام كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما .
( 79 ) أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها اجعلها ذات عيب وكان ورائهم ملك .
العياشي عن الصادق عليه السلام إنه كان يقرأ وكان وراءهم ملك يعني أمامهم يأخذ كل سفينة من أصحابها غصبا .
في المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلام أنهما كانا يقرءان كل سفينة صالحة غصبا قال وهي قراءة أمير المؤمنين عليه السلام .
والقمي هكذا نزلت قال وإذا كانت معيوبة لم يأخذ منها شيئا .
أقول : بناء المعنى عليها .
( 80 ) وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين .
في المجمع عن الصادق عليه السلام إنه كان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وأبواه مؤمنين .
والعياشي عن أحدهما عليهما السلام إنه قرأ وكان أبواه مؤمنين وطبع كافرا


( 256 )

وكذا في العلل عن الصادق عليه السلام والقمي وهو طبع كافرا قال كذا نزلت فنظرت إلى جبينه وعليه مكتوب طبع كافر فخشينا أن يرهقهما أن يغشيهما طغيانا وكفرا .
في العلل عن الصادق عليه السلام علم الله أنه إن بقي كفر أبواه وإفتتنا به وضلا بإضلاله فأمرني الله بقتله وأراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة .
والعياشي عنه عليه السلام خشي إن أدرك الغلام أن يدعو أبويه إلى الكفر فيجيبانه .
وعنه عليه السلام بينما العالم يمشي مع موسى عليه السلام إذا همّ بغلام يلعب فوكزه وقتله قال له موسى أقتلت نفسا الآية قال فأدخل العالم يده فإقتلع كتفه فإذا عليه مكتوب كافر مطبوع ومرفوعا كان في كتف الغلام الذي قتله العالم مكتوب كافر .
وعنه عليه السلام إن نجدة الحروري كتب إلى إبن عباس يسأله عن سبي الذراري فكتب إليه أما الذراري فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يقتلهم وكان الخضر عليه السلام يقتل كافرهم ويترك مؤمنهم فإن كنت تعلم ما يعلم الخضر فاقتلهم .
( 81 ) فأردنا أن يبدِلُهما ربهما خيرا منه أن يرزقهما بدله ولدا خيرا منه وقريء يبدلهما بالتشديد زكاة طهارة من الذنوب والأخلاق الردية وأقرب رحما رحمة وعطفا على والديه وقريء بضمتين .
في الكافي والفقيه والمجمع عن الصادق عليه السلام والعياشي عن أحدهما عليهما السلام أنهما ابدلا بالغلام المقتول إبنة فولد منها سبعون نبيا .
( 82 ) وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما أي الحلم وكمال الرأي ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذا الكنز فقال أما أنه ما كان ذهبا ولا فضة وإنما كان أربع كلمات لا إله إلا أنا من أيقن بالموت لم


( 257 )

يضحك سِنّةُ ومن أيقن بالحساب لم يفرح قلبه ومن أيقن بالقدر لم يخش إلا الله
وفيه عن الرضا عليه السلام كان فيه بسم الله الرحمن الرحيم عجبت لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجبت لمن أيقن بالقدر كيف يحزن وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يركن إليها وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يتهم الله في قضائه ولا يستبطئه في رزقه .
وفي المعاني عن أمير المؤمنين عليه السلام .
والقمي عن الصادق عليه السلام كان ذلك الكنز لوحا من ذهب فيه مكتوب بسم الله لا إله إلا الله محمد رسول الله عجبت لمن يعلم أن الموت حق كيف يفرح عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن عجبت لمن يذكر النار كيف يضحك عجبت لمن يرى الدنيا وتصرّف أهلها حالا بعد حال كيف يطمئن إليها وفي الكنز روايات اخر بزيادة ونقصان .
والعياشي عن الصادق عليه السلام إن الله ليحفظ ولد المؤمن إلى ألف سنة وإن الغلامين كان بينهما وبين أبويهما سبعمأة سنة .
وعنه عليه السلام إن الله ليصلح بصلاح الرجل المؤمن ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته ودويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ثم ذكر الغلامين وقال ألم تر أن الله شكر صلاح أبويهما لهما .
وفي العوالي عنه عليه السلام لما أقام العالم الجدار أوحى الله إلى موسى عليه السلام إني مجازي الأبناء بسعي الآباء إن خيرا فخير وإن شراً فشراً لا تزنوا فتزني نساؤكم من وطى فراش مسلم وطي فراشه كما تدين تدان وما فعلته وما فعلت ما رأيته عن أمري عن رأيي وإنما فعلته بأمر الله عز وجل .
في العلل عن الصادق عليه السلام في قوله فأردت أن أعيبها فنسب الأرادة في هذا الفعل إلى نفسه لعلة ذكر التعييب لأنه أراد أن يعيبها عند الملك إذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها ولو أراد الله


( 258 )

صلاحهم بما أمر به من ذلك وقال في قوله فخشينا أن يرهقهما إنما اشترك ( اشرك خ ل ) في الأنانية لأنه خشي والله لا يخشى لأنه لا يفوته شيء ولا يمتنع عليه أمر أراده وإنما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما امر به فلا يدرك ثواب الأمضاء فيه ووقع في نفسه أن الله جعله سببا لرحمة أبوي الغلام فعمل فيه وسط الأمر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليه السلام لأنه صار في الوقت مخبرا وكليم الله موسى مخبرا ولم يكن ذلك بإستحقاق الخضر الرتبة على موسى عليه السلام وهو أفضل من الخضر بل كان لأستحقاق موسى للتبيين وقال في قوله فأراد ربك فتبرأ من الأنانية في آخر القصص ونسب الأرادة كلها إلى الله تعالى ذكره في ذلك لأنه لم يكن بقي شيء مما فعله فيخبر به بعد ويصير موسى به مخبرا ومصغيا إلى كلامه تابعا له فتجرد عن الأنانية والأرادة تجرد العبد المخلص ثم صار متنصلا ( 1 ) مما أتاه من نسبة الأنانية في أول القصة ومن ادعاء الأشتراك في ثاني القصة فقال رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفا قيل ومن فوائد هذه القصة أن لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لا يستحسنه فلعل فيه سرا لا يعرفه وأن يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ويراعي الأدب في المقال وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق أصراره ثم يهاجر عنه .
( 83 ) ويسئلونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا .
في قرب الأسناد عن الكاظم عليه السلام إن نفرا من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله فقالوا لأبي الحسن عليه السلام جدّي إستاذن لنا على إبن عمك نسأله قال فدخل عليّ عليه السلام فأعلمه فقال ما تريدون مني فإني عبد من عبيد الله لا أعلم إلا ما علمني ربي ثم قال إئذن لهم فدخلوا فقال أتسألوني عما جئتم له أم انبئكم قالوا نبئنا قال جئتم تسألوني عن ذي القرنين قالوا نعم قال كان غلاما من أهل الروم ثم ملك وأتى مطلع الشمس ومغربها ثم بنى السد فيها قالوا نشهد أن هذا كذا وكذا .
والقمي لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بخبر موسى عليه السلام وفتاه والخضر
____________
(1) تنصل منه تبرأ منه .
( 259 )

قالوا فاخبرنا عن طائف طاف المشرق والمغرب من هو وما قصته فأنزل الله الآية .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام إنه سئل عن ذي القرنين أنبيا كان أم ملكا فقال لا نبيا ولا ملكا بل عبداً أحب الله فأحبه الله ونصح لله فنصح له وبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب ثم بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر فغاب عنهم ما شاء الله ثم بعثه الثالثة فمكن الله له في الأرض وفيكم مثله يعني نفسه .
وعن الصادق عليه السلام إن ذا القرنين بعثه الله إلى قومه فضرب على قرنه الأيمن فأماته الله خمس مأة عام ثم بعثه الله إليهم بعد ذلك فضرب على قرنه الأيسر فأماته الله خمسمأة عام ثم بعثه إليهم بعد ذلك فملكه مشارق الأرض ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب وهو قوله حتى إذا بلغ مغرب الشمس الآية .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام إن ذا القرنين لم يكن نبيا ولا رسولا كان عبدا أحب الله فأحبه وناصح لله فنصحه دعا قومه فضربوه على أحد قرنيه فقتلوه ثم بعثه الله فضربوه على قرنه الآخر فقتلوه .
وفي رواية أخرى أنه سئل عنه عليه السلام أملكا كان أم نبيا وعن قرنيه أذهبا كان أم فضة فقال إنه لم يكن نبيا ولا ملكا ولم يكن قرناه ذهبا ولا فضة ولكنه الحديث كما ذكر .
وفي الأكمال عن الباقر عليه السلام إن ذا القرنين لم يكن نبيا ولكنه كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ونصح لله فنصحه الله وإنما سمي ذا القرنين لأنه دعا قومه فضربوه على قرنه فغاب عنهم حينا ثم عاد إليهم فضرب على قرنه الآخر وفيكم مثله .
والعياشي ما يقرب منه وعنه عليه السلام إن الله لم يبعث أنبياء ملوكا في الأرض إلا أربعة بعد نوح أولهم ذو القرنين وإسمه عياش وداود وسليمان ويوسف فأما عياش فملك ما بين المشرق والمغرب وأما داود فملك ما بين الشامات إلى بلاد اصطخر وكذلك كان ملك سليمان عليه السلام وأما يوسف فملك مصر وبراريها لم يجاوزها إلى غيرها .


( 260 )

وفي الخصال مرفوعا ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وأما الكافران فنمرود وبخت النصر وإسم ذي القرنين عبد الله ابن ضحاك .
والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه سئل عن ذي القرنين فقال كان عبدا صالحا وإسمه عياش إختاره الله وابتعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المغرب وذلك بعد طوفان نوح عليه السلام فضربوه على قرن رأسه الأيمن فمات منها ثم أحياه الله بعد مأة عام ثم بعثه إلى قرن من القرون الأولى في ناحية المشرق فكذبوه وضربوه ضربة على قرن رأسه الأيسر فمات منها ثم أحياه الله بعد مأة عام وعوضه من الضربتين اللتين على رأسه قرنين في موضع الضربتين أجوفين وجعل عز ملكه وآية نبوته في قرنيه ثم رفعه الله إلى السماء الدنيا فكشط له عن الأرض كلها جبالها وسهولها وفجاجها حتى أبصر ما بين المشرق والمغرب وآتاه الله من كل شيء فعرف به الحق والباطل وأيده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق ثم أهبط إلى الأرض وأوحى إليه أن في ناحية غربي الأرض وشرقيها فقد طويت لك البلاد وذللت لك العباد فأرهبتهم منك فسار إلى ناحية المغرب فكان إذا مر بقرية يزأر فيها كما يزأر الأسد المغضب فبعث من قرنه ظلمات فيه رعد وبرق وصواعق تهلك من ناواه وخالفه فلم يبلغ مغرب الشمس حتى دان له أهل المشرق والمغرب قال وذلك قول الله إنا مكنا له في الارض الآية .
وعن الباقر عليه السلام إن ذا القرنين خُيّر بين السحاب الصعب والسحاب الذلول فاختار الذلول فركب الذلول فكان إذا إنتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرسل .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام إنه سئل عن ذي القرنين فقال سخر له السحاب وقربت له الأسباب وبسط له في النور فقيل له كيف بسط له في النور فقال كان يضيء بالليل كما يضيء بالنهار .
وفي الأكمال والخرايج عنه عليه السلام إنه سئل عن ذي القرنين كيف استطاع