سورة الصافات مكية
عدد آيها مأة وإحدى وثمانون آية بصري وآيتان في الباقي واختلافها آيتان
وما كانوا يعبدون غير البصري وكلهم يعدون وإن كانوا ليقولون غير أبي جعفر

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) والصافات صفا القمي قال الملائكة والأنبياء ومن صف لله وعبده.
(2) فالزاجرات زجرا قال الذين يزجرون الناس.
(3) فالتاليات ذكرا قال الذين يقرءون الكتاب من الناس قال فهو قسم وجوابه.
(4) إن إلهكم لواحد .
(5) رب السماوات والارض وما بينهما ورب المشارق مشارق الكواكب أو مشارق الشمس فإن لها كل يوم مشرقا وبحسبها المغارب ولذا إكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة.
(6) إنا زينا السماء الدنيا القربى منكم بزينة الكواكب وقريء بتنوين زينة وجر الكواكب ونصبها.
(7) وحفظا من كل شيطان مارد برمي الشهب القمي قال المارد الخبيث.
(8) لا يسمعون إلى الملإِ الاعلى الملائكة وأشرافهم وقريء بالتشديد من التسمع وهو تطلب السماع ويقذفون ويرمون.
القمي يعني الكواكب التي يرمون بها من كل جانب من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده.
(9) دحورا للدحور وهو الطرد ولهم عذاب واصب


(265)

القمي عن الباقر عليه السلام أي دائم موجع قد وصل إلى قلوبهم.
(10) إلا من خطف الخطفة اختلس كلام الملائكة مسارقة فأتبعه فتبعه شهاب ثاقب مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه والشهاب ما يرى كأن كوكبا انقض القمي وهو ما يرمون به فيحرقون.
وعن الصادق عليه السلام في حديث المعراج قال فصعد جبرئيل فصعدت معه إلى السماء الدنيا وعليها ملك يقال له إسماعيل وهو صاحب الخطفة التي قال الله إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب وتحته سبعون ألف ملك تحت كل ملك سبعون ألف ملك الحديث وقد مر.
(11) فاستفتهم فاستخبرهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا (1) من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب إنا خلقناهم من طين لازب القمي يعني يلزق باليد.
(12) بل عجبت من قدرة الله وانكارهم البعث وقريء بضم التاء.
ونسبها في الجوامع إلى علي عليه السلام ويسخرون من تعجبك أو ممن يصفني بالقدرة.
(13) وإذا ذكروا لا يذكرون وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به أو إذا ذكر لهم ما يدل على صحة الحشر ما ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم.
(14) وإذا رأوا آية معجزة تدل على صدق القائل به يستسخرون يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر أو يستدعى بعضهم من بعض أن يسخر منها.
(15) وقالوا إن هذا يعنون ما يرونه إلا سحر مبين ظاهر سحريته.
(16) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون بالغوا في الأنكار ولا سيما في
____________
(1) وقيل من الامم الماضية والقرون السالفة. يريد انهم ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم ممن أهلكنا من الامم.


(266)

هذه الحال وقريء بطرح الهمزة الاولى تارة والثانية اخرى.
(17) أو ابآؤنا الاولون وقريء بسكون الواو في أو.
(18) قل نعم وأنتم داخرون صاغرون.
(19) فإنما هي زجرة واحدة فإنما البعثة صيحة واحدة هي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها فإذا هم ينظرون فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون أو ينتظرون ما يفعل بهم.
(20) وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين يوم الحساب والمجازاة.
(21) هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون جواب الملائكة أو قول بعضهم لبعض والفصل والقضاء والفرق بين المحسن والمسيء.
(22) احشروا الذين ظلموا .
القمي قال الذين ظلموا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم وأزواجهم وأشباههم وما كانوا يعبدون من
(23) دون الله من الأصنام وغيرها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم فاهدوهم إلى صراط الجحيم
القمي عن الباقر عليه السلام يقول ادعوهم إلى طريق الجحيم.
(24) وقفوهم إحبسوهم في الموقف إنهم مسؤولون قيل عن عقائدهم وأعمالهم.
والقمي قال عن ولآية أمير المؤمنين عليه السلام.
ومثله في الأمالي والعيون عن النبي صلى الله عليه وآله.
وفي العلل عنه عليه السلام انه قال في تفسير هذه الآية لا يجاوز قدما عبد حتى يسئل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه وعن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه وعن حبنا أهل البيت عليهم السلام


(267)

(25) ما لكم لا تناصرون لا ينصر بعضكم بعضا بالتخليص وهو توبيخ وتقريع.
(26) بل هم اليوم مستسلمون منقادون لعجزهم أو متسالمون يسلم بعضهم بعضا ويخذله.
القمي يعني العذاب.
(27) وأقبل بعضهم على بعض يتسائلون يسأل بعضهم بعضا للتوبيخ.
(28) قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قيل يعني عن أقوى الوجوه وأيمنه.
(29) قالوا بل لم تكونوا مؤمنين .
(30) وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين .
(31) فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون .
القمي قال العذاب.
(32) فأغويناكم إنا كنا غاوين .
(33) فإنهم فإن الأتباع والمتبوعين يومئذ في العذاب مشتركون كما كانوا في الغوآية مشتركين.
(34) إنا كذلك نفعل بالمجرمين بالمشركين.
(35) إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون .
(36) ويقولون أئنا لتاركوا الهتنا لشاعر مجنون يعنون النبي صلى الله عليه وآله.
(37) بل جاء بالحق وصدق المرسلين رد عليهم بأن ما جاء به من التوحيد حق قام به البرهان وتطابق عليه المرسلون.


(268)

(38) إنكم لذائقوا العذاب الاليم بالأشراك وتكذيب الرسول.
(39) وما تجزون إلا ما كنتم تعملون .
(40) إلا عباد الله المخلصين إستثناء منقطع.
(41) أولئك لهم رزق معلوم .
(42) فواكه وهم مكرمون .
في الكافي عن الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث يصف فيه أهل الجنة قال وأما قوله أولئك لهم رزق معلوم قال يعلمه الخدام فيأتون به أولياء الله قبل أن يسألوهم إياه وأما قوله فواكه وهم مكرمون قال فإنهم لا يشتهون شيئا في الجنة إلا اكرموا به.
(43) في جنات النعيم .
(44) على سرر متقابلين .
(45) يطاف عليهم بكأس بإناء فيه خمر من معين من شراب معين أو نهر معين أي جار ظاهر للعيون أو خارج من العيون وصف به خمر الجنة لأنها تجري كالماء.
(46) بيضاء لذة للشاربين قيل وصفها بلذة إما للمبالغة أو لأنها تأنيث لذ بمعنى لذيذ.
(47) لا فيها غول غائلة وفساد كما في خمر الدنيا كالخمار ولا هم عنها ينزفون قيل أي يسكرون من نزف إذا ذهب عقله.
والقمي أي لا يطردون منها وقريء بكسر الزاي.
(48) وعندهم قاصرات الطرف قصرن أبصارهن على أزواجهن عين عيناء فسرت تارة بواسعات العيون لحسانها واخرى بالشديدة بياض العين الشديدة سوادها.


(269)

(49) كأنهن بيض مكنون شبههن ببيض النعام الذي تكنه بريشها مصونا من الغبار ونحوه في الصفا والبياض المخلوط بأدنى صفرة فإنه أحسن ألوان الأبدان كذا قيل.
(50) فأقبل بعضهم على بعض يتسائلون عن المعارف والفضائل وما جرى لهم وعليهم في الدنيا فإنه ألذ اللذات كما قيل وما بقيت من اللذات إلا أحاديث الكرام على المدام.
(51) قال قائل منهم في مكالمتهم إنى كان لي قرين جليس في الدنيا.
(52) يقول أئنك لمن المصدقين يوبخني على التصديق بالبعث.
(53) أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون لمجزيون من الدين بمعنى الجراء.
(54) قال أي ذلك القائل لجلسائه هل أنتم مطلعون إلى أهل النار لاريكم ذلك القرين وقيل والقائل هو الله أو بعض الملائكة يقول لهم هل تحبون أن تطلعوا على أهل النار لاريكم ذلك القرين فتعلموا أين منزلتكم من منزلتهم.
(55) فاطلع عليهم فرآه أي قرينه في سواء الجحيم .
القمي عن الباقر عليه السلام يقول في وسط الجحيم.
(56) قال تالله إن كدت لتردين إن كدت لتهلكني بالأغواء.
(57) ولولا نعمة ربي بالهداية والعصمة لكنت من المحضرين معك فيها.
(58) أفما نحن بميتين عطف على محذوف أي نحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين أي بمن شأنه الموت.
(59) إلا موتتنا الاولى التي كانت في الدنيا وما نحن بمعذبين كالكفار.
(60) إن هذا لهو الفوز العظيم .


(270)

(61) لمثل هذا فليعمل العاملون .
القمي عن الباقر عليه السلام قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار جيء بالموت فيذبح كالكبش بين الجنة والنار ثم يقال خلود فلا موت أبدا فيقول أهل الجنة أفما نحن بميتين الآيات.
(62) أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم شجرة ثمرها نزل أهل النار وفيه دلالة على أن ما ذكر من النعيم لأهل الجنة بمنزلة ما يقام للنازل ولهم ما وراء ذلك ما يقصر عنه الأفهام وكذلك الزقوم لأهل النار قيل هو اسم شجرة صغيرة الورق ذفرة مرة تكون بتهامة سميت به الشجرة الموصوفة.
(63) إنا جعلناها فتنة للظالمين محنة وعذابا لهم في الآخرة أو ابتلاء في الدنيا.
في المجمع روي أن قريشا لما سمعت هذه الآية إن شجرة الزقوم طعام الاثيم قالت ما نعرف هذه الشجرة قال ابن الزبعريّ الزقوم بكلام البربر التمر والزبد وفي روآية بلغة اليمن فقال أبو جهل لجاريته يا جارية زقمينا فأتته الجارية بتمر وزبد فقال لأصحابه تزقموا بهذا الذي يخوفكم به محمد صلى الله عليه وآله فيزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر فأنزل الله سبحانه إنا جعلناها فتنة للظالمين.
(64) إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترفع إلى دركاتها.
(65) طلعها حملها مستعار من طلع التمر كأنه رؤوس الشياطين في تناهي القبح والهول قيل هو تشبيه بالمتخيل كتشبيه الفائق في الحسن بالملك.
(66) فإنهم لاكلون منها فمالون منها البطون لغلبة الجوع.
(67) ثم إن لهم عليها أي بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش وطال


(271)

إستقاؤهم لشوبا من حميم لشرابا من غساق أو صديد مشوبا بماء حميم يقطع أمعائهم.
(68) ثم إن مرجعهم لالى الجحيم فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولها وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن يوردون إليه كما يورد الأبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم.
(69) إنهم ألفوا آبائهم ضآلين .
(70) فهم على آثارهم يهرعون تعليل لأستحقاقهم تلك الشدائد بتقليد الآباء في الظلال والأهراع الأسراع الشديد كأنهم يزعجون على الأسراع على أثرهم وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على بحث ونظر.
(71) ولقد ضل قبلهم قبل قومك أكثر الاولين .
(72) ولقد أرسلنا فيهم منذرين أنبياء أنذروهم من العواقب.
(73) فانظر كيف كان عاقبة المنذرين من الشدة والفظاعة.
(74) إلا عباد الله المخلصين إلا الذين تنبهوا بإنذارهم فأخلصوا دينهم لله وقريء بالفتح أي الذين أخلصهم الله لدينه والخطاب مع الرسول صلى الله عليه وآله والمقصود خطاب قومه فإنهم أيضا سمعوا أخبارهم ورأوا آثارهم.
(75) ولقد نادانا نوح شروع في تفصيل القصص بعد إجمالها أي ولقد دعانا حين آيس من قومه فلنعم المجيبون أي فأجبناه أحسن الأجابة فوالله لنعم المجيبون نحن.
(76) ونجيناه وأهله من الكرب العظيم من أذى قومه والغرق.
(77) وجعلنا ذريته هم الباقين إذ هلك من هلك.
القمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية يقول الحق والنبوة والكتاب


(272)

والأيمان في عقبه وليس كل من في الأرض من بني آدم من ولد نوح قال الله عز وجل في كتابه احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال أيضا ذرية من حملنا مع نوح.
(78) وتركنا عليه في الآخرين من الامم.
(79) سلام على نوح في العالمين قيل أي تركنا عليه فيهم التحية بهذه الكلمة والدعاء بثبوتها في الملائكة والثقلين وقيل بل هو سلام من الله عليه ومفعول تركنا محذوف مثل الثنا.
وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام في حديث طويل وبشرهم نوح بهود وأمرهم باتباعه وأن يقيموا الوصية كل عام فينظروا فيها ويكون عيدا لهم كما أمرهم آدم فظهرت الجبرية من ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم جرت على سام بعد نوح الدولة لحام ويافث وهو قول الله عز وجل تركنا عليه في الاخرين يقول تركت على نوح دولة الجبارين ويعزي الله محمدا صلى الله عليه وآله بذلك قال وولد لحام السند والهند والحبش وولد لسام العرب والعجم وجرت عليهم الدولة وكانوا يتوارثون الوصية عالم بعد عالم حتى بعث الله عز وجل هودا.
(80) إنا كذلك نجزي المحسنين يعني إنه مجازاة له على إحسانه.
(81) إنه من عبادنا المؤمنين .
(82) ثم أغرقنا الآخرين يعني كفار قومه.
(83) وإن من شيعته ممن شايعه في الأيمان واصول الشريعة لابرهيم .
في المجمع والقمي عن الباقر عليه السلام ليهنئكم الاسم قيل وما هو قال الشيعة قيل إن الناس يعيروننا بذلك قال أما تسمع قول الله وإن من شيعته لابرهيم وقوله فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه.
(84) إذ جاء ربه بقلب سليم من حب الدنيا وقد مضى في معناه أخبار


(273)

في سورة الشعراء.
(85) إذ قال لابيه وقومه ماذا تعبدون .
(86) أئفكا آلهة دون الله تريدون آلهة دون الله إفكا فقدم للعنآية.
(87) فما ظنكم برب العالمين بمن هو حقيق بالعبادة حتى أشركتم به غيره وآمنتم من عذابه.
(88) فنظر نظرة في النجوم فرأى مواقعها وإتصالاتها.
(89) فقال إني سقيم قيل أراهم إنه استدل بها على إنه مشارف للسقم لئلا يخرجوه إلى معبدهم لأنهم كانوا منجمين وذلك حين سألوه أن يعيّد معهم وكان أغلب أسقامهم الطاعون وكانوا يخافون العدوى.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام والله ماكان سقيما وما كذب وفي المعاني والقمي عن الصادق عليه السلام مثله وزاد وإنما عنى سقيما في دينه مرتادا.
قال في المعاني وقد روى أنه عنى بقوله إني سقيم أي سأسقم وكل ميت سقيم وقد قال الله عز وجل لنبيه إنك ميت أي ستموت.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال انه حسب فرأى ما يحل بالحسين عليه السلام فقال إني سقيم لما يحل بالحسين.
والعياشي عنه عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى خلق روح القدس فلم يخلق خلقا أقرب إليه منها وليست بأكرم خلقه إليه فإذا أراد أمر ألقاه إليه فألقاه الى النجوم فجرت به.
(90) فتولوا عنه مدبرين إلى عيد لهم.
(91) فراغ إلى آلهتهم فذهب إليها في خفية فقال أي للأصنام إستهزاء ألا تأكلون يعني الطعام الذي كان عندهم.


(274)

(92) ما لكم لا تنطقون بجوابي (1).
(93) فراغ عليهم فمال عليهم مستخفيا والتعدية بعلى للأستعلاء وكراهة الميل ضربا باليمين يضربهم ضربا بها.
(94) فأقبلوا إليه إلى إبراهيم بعدما رجعوا فرأوا أصنامهم مكسرة وبحثوا عن كاسرها فظنوا أنه هو كما شرحه في قوله من فعل هذا بالهتنا الآية يزفون يسرعون وقريء على البناء للمفعول أي يحملون على الزفيف.
(95) قال أتعبدون ما تنحتون ما تنحتونه من الأصنام.
(96) والله خلقكم وما تعملون وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه ونحتها بإقتداره.
(97) قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم في النار الشديدة.
(98) فأرادوا به كيدا فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم فجعلناهم الاسفلين الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهانا منيرا على علو شأنه حيث جعل النار عليه بردا وسلاما وقد مضت قصته في سورة الأنبياء.
(99) وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين في الكافي عن الصادق عليه السلام يعني بيت المقدس.
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من اشتبه عليه من الآيات قال ولقد أعلمتك إن رب شيء من كتاب الله تأويله على غير تنزيله ولا يشبه كلام البشر وسأنبئك بطرف منه فيكفي إنشاء الله من ذلك قول إبراهيم إني ذاهب إلى ربي سيهدين فذهابه إلى ربه توجهه إليه عبادة واجتهادا وقربة إلى الله جل وعز ألا ترى أن تأويله على غير تنزيله.
(100) رب هب لي من الصالحين بعض الصالحين يعينني على الدعوة
____________
(1) وقيل معناه بالقسم الذي سبق وهو قوله « تالله لأكيدن أصنامكم ».


(275)

والطاعة ويونسني في الغربة يعني الولد لان لفظة الهبة غالبة فيه.
(101) فبشرناه بغلام حليم قيل ما نعت الله نبيا بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه.
(102) فلما بلغ معه السعي أي فلما وجد وبلغ أن يسعى معه في أعماله قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى من الرأي قيل وإنما شاوره وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالأنقياد قبل نزوله وقريء ماذا ترى بضم التاء وكسر الراء قال يا ابت افعل ما تؤمر ما تؤمر به وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا ستجدني إن شآء الله من الصابرين .
(103) فلما أسلما استسلما لأمر الله أو أسلم الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين والصادق عليهما السلام انهما قرءا فلما سلما من التسليم وتله للجبين صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة.
(104) وناديناه أن يا ابرهيم .
(105) قد صدقت الرؤيا بالعزم والأتيان بما كان تحت قدرتك من ذلك وجواب لما محذوف تقديره كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به المقال من استبشارهما وشكرهما لله على ما أنعم عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق غيرهما لمثله وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك إنا كذلك نجزي المحسنين .
(106) إن هذا لهو البلاء المبين الأبتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره أو المحنة البينة الصعوبة فانه لا أصعب منها.
(107) وفديناه بذبح عظيم بما بدله عظيم القدر أو الجثة سمين.


(276)

العياشي عن الصادق عليه السلام إنه سئل كم كان بين بشارة إبراهيم عليه السلام باسماعيل وبين بشارته بإسحق قال كان بين البشارتين خمس سنين قال الله سبحانه فبشرناه بغلام حليم يعني إسماعيل وهي أول بشارة بشر الله بها إبراهيم عليه السلام في الولد ولما ولد لابراهيم إسحق عليهما السلام من سارة وبلغ إسحق ثلاث سنين أقبل إسماعيل إلى اسحق وهو في حجر إبراهيم فنحاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت يا إبراهيم نحي ابن هاجر ابني من حجرك ويجلس هو مكانه لا والله لا تجاورني هاجر وابنها في بلاد أبدا فنحهما عني وكان إبراهيم عليه السلام مكرما لسارة يعزها ويعرف حقها وذلك لأنها كانت من ولد الأنبياء وبنت خالته فشق ذلك على إبراهيم عليه السلام واغتم لفراق إسماعيل فلما كان في الليل أتى إبراهيم آت من ربه فأراه الرؤيا في ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بموسم مكة فأصبح إبراهيم عليه السلام حزينا للرؤيا التي رآها فلما حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم عليه السلام هاجر وإسماعيل في ذي الحجة من أرض الشام فانطلق بهما إلى مكة ليذبحه في الموسم فبدأ بقواعد البيت الحرام فلما رفع قواعده خرج إلى منى حاجا وقضى نسكه بمنى ثم رجع إلى مكة فطاف بالبيت اسبوعا ثم انطلقا فلما صارا في السعي قال إبراهيم عليه السلام لاسماعيل يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك في الموسم عامي هذا فماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر فلما فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم عليه السلام إلى منى وذلك يوم النحر فلما انتهى إلى الجمرة الوسطى وأضجعه لجنبه الأيسر وأخذ الشفرة ليذبحه نودي أن يا ابراهيم عليه السلام قد صدقت الرؤيا إلى آخره وفدى إسماعيل عليه السلام بكبش عظيم فذبحه وتصدق بلحمه على المساكين.
وعنه عليه السلام أنه سئل عن صاحب الذبح فقال هو إسماعيل عليه السلام.
وعن الباقر عليه السلام مثله والقمي عن الصادق عليه السلام مثله.
وفي الفقيه عنه عليه السلام إنه سئل عن الذبيح من كان فقال إسماعيل عليه السلام لأن الله تعالى ذكر قصّته في كتابه ثم قال وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين


(277)

قال وقد اختلفت الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل عليه السلام ومنها ما ورد بأنه إسحق ولا سبيل إلى رد الأخبار متى صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن سحق لما ولد بعد ذلك تمنى أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله ذلك من قلبه فسماه الله بين ملائكته ذبيحا لتمنيه لذلك قال وقد ذكرت إسناد ذلك.
في كتاب النبوة متصلا بالصادق عليه السلام.
أقول : ويؤيد هذا أن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب فلا يناسب الأمر بذبحه مراهقا.
وفي الكافي عنهما عليهما السلام يذكران أنه لما كان يوم التروية قال جبرئيل لإبراهيم عليه السلام ترو من الماء فسميت التروية ثم أتى منى فأباته بها ثم غدا به إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرفة فبنى مسجدا بأحجار بيض وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم عليه السلام حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلي الأمام يوم عرفة فصلى بها الظهر والعصر ثم عمد به إلى عرفات فقال هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك فسمّي عرفات ثم أفاض إلى المزدلفة فسميت المزدلفة لأنه إزدلف إليها ثم قام على المشعر الحرام فأمر الله أن يذبح ابنه وقد رأى فيه شمائله وخلائقه وأنس ما كان إليه فلما أصبح أفاض من المشعر إلى منى فقال لامه زوري البيت أنت واحتبس الغلام فقال يا بني هات الحمار والسكين حتى اقرب القربان سئل الراوي ما أراد بالحمار والسكين قال أراد أن يذبحه ثم يحمله فيجهزه ويدفنه قال فجاء الغلام بالحمار والسكين فقال يا أبت أين القربان قال ربك يعلم أين هو يا بني أنت والله هو إن الله قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني إن شآء الله من الصابرين قال فلما عزم على الذبح قال يا أبت خمر وجهي وشد وثاقي قال يا بني الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم قال الباقر عليه السلام فطرح له قرطان الحمار ثم أضجعه عليه وأخذ المدية فوضعها على حلقه قال فأقبل شيخ فقال ما تريد من هذا الغلام قال أريد أن أذبحه فقال سبحان الله