سورة المؤمن مكية
وقال ابن عباس وقتادة إلا آيتين منها نزلتا بالمدينة إن الذين
يجادلون إلى قوله لا يعلمون عدد آيها خمس وثمانون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) حم قد سبق تأويله.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام واما حم فمعناه الحميد المجيد.
(2) تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم .
(3) غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول ذي الفضل بترك العقاب المستحق لا إله إلا هو فيجب الأقبال الكلي على عبادته إليه المصير فيجازي المطيع والعاصي.
(4) ما يجادل في آيات الله بالطعن فيها وإدحاض الحق إلا الذين كفروا .
في الأكمال عن النبي صلى الله عليه وآله قال لعن المجادلون في دين الله على لسان سبعين نبيا ومن جادل في آيات الله فقد كفر ثم تلا هذه الآية.
وروي عنه صلى الله عليه وآله إن جدالا في القرآن كفر وإنما نكر لجواز الجدال لحل عقده واستنباط حقائقه وقطع تشبث أهل الزيغ به ورد مطاعنهم فيه فلا يغررك تقلبهم في البلاد بالتجارات المربحة فإنهم مأخوذون عن قريب بكفرهم أخذ من قبلهم.
(5) كذبت قبلهم قوم نوح والاحزاب من بعدهم والذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم بعد قوم نوح كعاد وثمود وهمت كل أمة من هؤلاء برسولهم ليأخذوه


(335)

ليتمكنوا من إصابته بما أرادوا من تعذيبه وجادلوا بالباطل بما لا حقيقة له ليدحضوا به الحق ليزيلوه به فأخذتهم بالأهلاك جزاء لهم فكيف كان عقاب فإنكم تمرون على ديارهم وترون أثره أو تتلون قصصهم في القرآن وهو تقرير فيه تعجيب.
(6) وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار القمي عن الباقر عليه السلام يعني بني امية.
(7) الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم يذكرون الله بمجامع الثناء من صفات الجلال والأكرام ويؤمنون به أخبر عنهم بالأيمان إظهارا لفضله وتعظيما لأهله ويستغفرون للذين آمنوا في العيون عن الرضا عليه السلام للذين آمنوا بولايتنا.
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن لله ملائكة يسقطون الذنوب عن ظهور شيعتنا كما يسقط الريح الورق في أوان سقوطه وذلك قوله تعالى الذين يحملون العرش الآية قال استغفارهم والله لكم دون هذا الخلق ربنا يقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم .
(8) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ليتم سرورهم إنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليه مقدور الحكيم الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه حكمته ومن ذلك الوفاء بالوعد.
(9) وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم .
القمي الذين يحملون العرش يعني رسول الله صلى الله عليه وآله والأوصياء عليهم السلام من بعده يحملون علم الله ومن حوله يعني الملائكة الذين آمنوا يعني شيعة آل محمد صلوات الله عليهم للذين تابوا من ولآية فلان وفلان وبني امية واتبعوا سبيلك أي ولآية ولي الله ومن صلح يعني من تولى علياً عليه السلام وذلك صلاحهم فقد رحمته يعني يوم القيامة وذلك هو الفوز العظيم لمن نجاه الله من هؤلاء يعني ولآية فلان وفلان.


(336)

وفي عباده الكافي مرفوعا إن الله عز وجل أعطى التائبين ثلاث خصال لو اعطى خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها ثم تلا هذه الآية.
(10) إن الذين كفروا ينادون يوم القيامة فيقال لهم لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم أي لمقت الله إياكم أكبر من مقتكم أنفسكم الأمّارة بالسوء إذ تُدعون إلى الايمان فتكفرون القمي إن الذين كفروا يعني بني امية إلى الايمان يعني إلى ولآية علي عليه السلام.
(11) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين .
القمي عن الصادق عليه السلام ذلك في الرجعة.
أقول : لعل المراد أن التثنية إنما تتحقق بالرجعة أو يقولون ذلك في الرجعة بسبب الأحياء والأماتة اللتين في القبر للسؤال فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل فهل إلى نوع خروج من العذاب من طريق فنسلكه وذلك إنما يقولونه من فرط قنوطهم تعللا وتحيرا ولذلك اجيبوا بما اجيبوا.
(12) ذلكم الذي أنتم فيه بأنه بسبب أنه إذا دعي الله وحده كفرتم بالتوحيد وإن يشرك به تؤمنوا بالأشراك.
القمي عن الصادق عليه السلام يقول إذا ذكر الله وحده بولآية من أمر الله بولايته كفرتم وإن يشرك به من ليست له ولآية تؤمنوا بأن له ولآية.
وفي الكافي عنه عليه السلام إذا دعي الله وحده وأهل الولآية كفرتم فالحكم لله العلي الكبير من أن يشكر به ويسوى بغيره حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد.
(13) هو الذي يريكم آياته الدالة على التوحيد وسائر ما يجب أن يعلم وينزل لكم من السماء رزقا أسباب رزق وما يتذكر إلا من ينيب يرجع عن الأنكار بالأقبال عليها والتفكر فيها.
(14) فادعوا الله مخلصين له الدين من الشرك ولو كره الكافرون إخلاصكم وشق عليهم.


(337)

(15) رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشآء من .
القمي قال روح القدس وهو خاص برسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لينذر يوم التلاق يوم القيامة.
في المعاني عن الصادق عليه السلام والقمي قال يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض.
(16) يوم هم بارزون خارجون من قبورهم لا يسترهم شيء لا يخفى على الله منهم شيء من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم لمن الملك اليوم لله الواحد القهار حكآية لما يسئل عنه ولما يجاب به بما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسايط وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما.
(17) اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب إذ لا يشغله شأن عن شأن.
في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث تفسير الحروف قال والميم ملك الله يوم لا مالك غيره ويقول الله لمن الملك اليوم ثم تنطق أرواح أنبيائه ورسله وحججه فيقولون لله الواحد القهار فيقول الله جل جلاله اليوم تجزى الآية.
وفي نهج البلاغة وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها بلا وقت ولا مكان ولا حين ولا زمان عدمت عند ذلك الآجال والأوقات وزالت السنون والساعات فلا شيء إلا الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الامور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها وبغير امتناع منها كان فناؤها ولو قدرت على الأمتناع لدام بقاؤها وقد مضى حديث آخر في هذا المعنى في أواخر سورة الزمر.
والقمي عن الصادق عليه السلام في حديث إماتة الله أهل الأرض وأهل السماء والملائكة قال ثم لبث مثل ما خلق الله الخلق ومثل ذلك كله وأضعاف ذلك ثم يقول


(338)

الله عز وجل لمن الملك اليوم فيرد على نفسه لله الواحد القهار أين الجبارون أين الذين ادعوا معي إلها آخر أين المتكبرون ونخوتهم ثم يبعث الخلق.
(18) وأنذرهم يوم الازفة أي القيامة سميت بها لأزوفها أي قربها إذ القلوب لدى الحناجر فإنها ترتفع عن أماكنها فتلتصق بحلوقهم فلا تعود فيتروحوا ولا تخرج فيستريحوا كاظمين على الغم القمي قال مغمومين مكروبين ما للظالمين من حميم قريب مشفق ولا شفيع يطاع يشفع.
في التوحيد عن الباقر عليه السلام ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا ساءه ذلك وندم عليه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله كفى بالندم توبة وقال من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن فإن من لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما والله تعالى يقول ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.
(19) يعلم خائنة الاعين إستراق النظر.
في المعاني عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن معناها فقال ألم تر إلى الرجل ينظر إلى الشيء وكأنه لا ينظر إليه فذلك خائنة الأعين.
وفي المجمع في حديث ابن أبي سرح فقال له عباد بن بشير يا رسول الله إن عيني ما زالت في عينك انتظار أن تؤمي إليّ فأقتله فقال إن الأنبياء لا يكون لهم خائنة الأعين وما تخفى الصدور من الضمائر.
(20) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه وقريء بالتاء لا يقضون بشيء تهكم بهم إن الله هو السميع البصير تقرير لعلمه بخائنة الأعين وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه.
(21) أو لم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم ما لحال الذين كذبوا الرسل قبلهم كعاد وثمود كانوا هم أشد منهم قوة قدرة وتمكنا وقريء منكم وآثارا في الارض مثل القلاع والمدائن الحصينة فأخذهم بذنوبهم وما كان لهم


(339)

من الله من واق يمنع العذاب عنهم.
(22) ذلك الأخذ بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي متمكن مما يريده غآية التمكن شديد العقاب لا يؤبه بعقاب دون عقابه.
(23) ولقد أرسلنا موسى بآياتنا بالمعجزات وسلطان مبين وحجة قاهرة ظاهرة.
(24) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب يعنون موسى عليه السلام.
(25) فلما جائهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم أي أعيدوا عليهم ما كنتم تفعلون بهم أو لا كي يصدوا عن مظاهرة موسى وما كيد الكافرين إلا في ضلال في ضياع.
(26) وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه قاله تجلدا وعدم مبالاة بدعائه قيل كانوا يكفّونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له.
في العلل عن الصادق عليه السلام انه سئل عن هذه الآية ما كان يمنعه قال منعته رشدته ولا يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا أولاد الزنا إني أخاف إن لم أقتله أن يبدل دينكم أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام كقوله ويذرك وآلهتك أو أن يظهر في الارض الفساد ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج وقريء بالواو على معنى الجمع وبفتح الياء والهاء ورفع الفساد.
(27) وقال موسى أي لقومه لما سمع كلامه إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب .
(28) وقال رجل مؤمن من آل فرعون من أقربائه.
في العيون عن الرضا عليه السلام كان ابن خاله وفي خبر آخر كان ابن عمه كما


(340)

يأتي يكتم إيمانه القمي قال كتم إيمانه ست مأة سنة.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام التقية من ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له والتقية ترس الله في الأرض لأن مؤمن آل فرعون لو أظهر الأسلام لقتل.
وفي المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله الصديقون ثلاثة وعدّ منهم حزقيل مؤمن آل فرعون وقد مر تمامه أتقتلون رجلا اتقصدون قتله أن يقول لأن يقول ربي الله وحده وقد جائكم بالبينات من ربكم أضافه إليهم بعد ذكر البينات إحتجاجا عليهم وإستدراجا لهم إلى الأعتراف به ثم أخذهم بالأحتجاج من باب الأحتياط وإن يك كاذبا فعليه كذبه لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فلا أقل من أن يصيبكم بعضه وفيه مبالغة في التحذير وإظهار للأنصاف وعدم التعصب ولذلك قدّم كونه كاذبا إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب قيل احتجاج ثالث ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله الى البينات ولما عضده بتلك المعجزات وثانيهما أن من خذله الله وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراد به المعنى الأول وخيل إليهم الثاني لتلين شكيمتهم وعرض به فرعون بأنه مسرف كذاب لا يهديه الله سبيل الصواب.
(29) يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين غالبين عالين في الارض أرض مصر فمن ينصرنا من بأس الله إن جائنا أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد وإنما أدرج نفسه فيه ليريهم أنه معهم ومساهمهم فيما ينصح لهم قال فرعون ما أريكم ما اشير عليكم إلا ما أرى واستصوبه من قتله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد طريق الصواب.
(30) وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم في تكذيبه والتعرض له مثل يوم الاحزاب مثل أيام الامم الماضية المتحزبة على الرسل يعني وقايعهم وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جميع اليوم.
(31) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود مثل سنة الله فيهم حين استأصلهم وأهلكهم جزاء بما كانوا عليه من الكفر وإيذاء الرسول والذين من بعدهم كقوم لوط وما


(341)

الله يريد ظلما للعباد فلا يعاقبهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام.
(32) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم ينادي فيه بعضهم بعضا.
في المعاني عن الصادق عليه السلام يوم التناد يوم ينادي فيه بعضهم بعضا في المعاني عن الصادق عليه السلام يوم التناد يوم ينادي اهل النار اهل الجنة أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله.
(33) يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم يعصمكم من عذابه ومن يُضلل الله فما له من هاد .
(34) ولقد جائكم يوسف من قبل موسى بالبينات بالمعجزات فما زلتم في شك مما جائكم به من الدين.
في المجمع عن الباقر عليه السلام في حديث أنه سئل كان يوسف رسولا نبيا فقال نعم أما تسمع قول الله تعالى لقد جائكم يوسف من قبل بالبينات وقد مر تمامه في سورة يوسف (ع) حتى إذا هلك مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله في العصيان من هو مسرف مرتاب شاك فيما يشهد به البينات لغلبة الوهم والأنهماك في التقليد.
(35) الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان بغير حجة أتيهم بل إما بتقليد أو شبهة داحضة كَبُرَ مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقريء قلب بالتنوين.
(36) وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء إذا ظهر لعلي أبلغ الاسباب الطريق.
(37) أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وقريء بالنصب على جواب الترجي وإني لاظنه كاذبا في دعوى الرسالة وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل سبيل الرشاد وقريء وصد على أن فرعون صد الناس عن الهدى بأمثال هذه التمويهات والشبهات وما كيد فرعون إلا في تباب أي خسار.