في الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام إنه قال في هذه الآية إن الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ولكن هذا معنى ما قال من ذلك وقال أيضا من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها وقال أيضا من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال أيضا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكوّن الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول إن المكوّن يبيد يوما لأنه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغير وإذا دخله التغير لم يؤمن عليه بالأبادة ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ولا القادر من المقدور ولا الخالق من المخلوق تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا هو الخالق للأشياء لا لحاجة فإذا كان لا لحاجة إستحال الحد والكيف فيه فافهم ذلك إنشاء الله.
(56) فجعلناهم سلفا قدوة لمن بعدهم من الكفار وقريء سلفا بضمتين ومثلا للآخرين وعظة لهم.
(57) ولما ضرب ابن مريم مثلا لعلي بن أبي طالب عليه السلام حيث قيل إن فيه شبها منه إذا قومك قريش منه من هذا المثل يصدون قيل أي يضجون فرحا لظنهم أن الرسول صار ملزما به وقريء بالضم من الصدود أي يصدون عن الحق ويعرضون عنه وقيل هنا لغتان.
وفي المعاني عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في هذه الآية الصدود في العربية الضحك.
(58) وقالوا ءألهتنا خير أم هو وقريء بإثبات همزة الأستفهام ما ضربوه لك إلا جدلا ما ضربوا هذا المثل إلا لأجل الجدل والخصومة لا لتمييز الحق عن الباطل بل هم قوم خصمون شداد الخصومة حراص على اللجاج.


(397)

(59) إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل .
(60) ولو نشاء لجعلنا منكم ملئكة في الارض يخلفون يخلفونكم الأرض يعني أن الله قادر على أعجب من ذلك.
في الكافي عن أبي بصير قال بينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالس إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله أن فيك شبها من عيسى بن مريم لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال فغضب الأعرابيان والمغيرة بن شعبة وعدة من قريش معهم فقالوا ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا عيسى بن مريم فأنزل الله على نبيّه ولما ضرب ابن مريم مثلا إلى قوله لجعلنا منكم يعني من بني هاشم ملئكة في الارض يخلفون الحديث وقد مضى تمامه في سورة الأنفال.
والقمي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا في أصحابه إذ قال أنه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسى بن مريم عليه السلام فخرج بعض من كان جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ليكون هو الداخل فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال الرجل لبعض أصحابه أما رضي محمد أن فضّل عليّاً علينا حتى يشبهه بعيسى بن مريم والله لالهتنا التي كنا نعبدها في الجاهلية أفضل منه فأنزل الله في ذلك المجلس ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون فحرفوها يصدون وقالوا ءألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن علي عليه السلام إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل فنحّى اسمه عن هذا الموضع.
وفي المناقب عن النبي صلى الله عليه وآله قال يدخل من هذا الباب رجل أشبه الخلق بعيسى فدخل عليّ فضحكوا من هذا القول فنزل ولما ضرب الآيات.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله يوما فوجدته في ملأ من قريش فنظر إليّ ثم قال يا عليّ إنما مثلك في هذه


(398)

الامة كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا في حبه فهلكوا وأبغضه قوم وأفرطوا في بغضه فهلكوا واقتصد فيه قوم فنجوا فعظم ذلك عليهم وضحكوا وقالوا يشبهه بالأنبياء والرسل فنزلت هذه الآية وفي التهذيب في دعاء يوم الغدير المرويّ عن الصادق عليه السلام فقد أجبنا داعيك النذير المنذر محمدا عبدك ورسولك إلى علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أنعمت عليه وجعلته مثلا لبني اسرائيل أنه أمير المؤمنين عليه السلام ومولاهم ووليهم إلى يوم القيامة يوم الدين فإنك قلت إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسرائيل.
(61) وإنه لعلم للساعة القمي ثم ذكر خطر أمير المؤمنين عليه السلام فقال وإنه لعلم للسّاعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم قال يعني أمير المؤمنين عليه السلام وقيل يعني نزول عيسى بن مريم عليه السلام من أشراط الساعة يعلم به قربها فلا تمترن بها.
(62) ولا يصدنكم الشيطان .
القمي يعني الثاني عن أمير المؤمنين إنه لكم عدو مبين .
(63) ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون فيما ابلغه عنه.
(64) إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم .
(65) فاختلف الاحزاب الفرق المتحزبة من بينهم فويل للذين ظلموا من المتحزبين من عذاب يوم أليم القيامة.
(66) هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فجأة وهم لا يشعرون غافلون عنها.
(67) الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو .
القمي يعني الأصدقاء يعادي بعضهم بعضا.


(399)

وقال الصادق عليه السلام الأكل خلة كانت في الدنيا في غير الله عز وجل فإنها تصير عداوة يوم القيامة إلا المتقين فإن خلتهم لما كانت في الله تبقى نافعة أبد الاباد.
في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه قرأ هذه الآية فقال والله ما أراد بهذا غيركم.
وفي مصباح الشريعة قال الصادق عليه السلام واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم فإن الله عز وجل لم يخلق أفضل منهم على وجه الأرض من بعد النبيين وما أنعم الله تعالى على عبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم قال الله تعالى الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وأظن أن من طلب في زماننا هذا صديقا بلا عيب بقي بلا صديق.
(68) يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون حكآية لما ينادى به المتقون المتحابون في الله يومئذ.
(69) الذين آمنوا بآياتنا .
القمي يعني الأئمة عليهم السلام وكانوا مسلمين .
(70) ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم نساؤكم المؤمنات تحبرون .
القمي أي تكرمون.
(71) يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب الصحفة القصعة والكوب كوز لا عروة له وفيها ما تشتهيه الانفس وقريء ما تشتهي الأنفس وتلذ الاعين بمشاهدته وأنتم فيها خالدون فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال ومستعقب للتحسر في ثاني الحال.
في الأحتجاج عن القائم عليه السلام إنه سئل عن أهل الجنة هل يتوالدون إذا دخلوها فأجاب عليه السلام إن الجنة لا حمل فيها للنساء ولا ولادة ولا طمث ولا نفاس ولا شقاء بالطفولية وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين كما قال الله فإذا


(400)

اشتهى المؤمن ولدا خلقه الله عز وجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم عبرة.
والقمي عن الصادق عليه السلام قال إن الرجل في الجنة يبقى على مائدته أيام الدنيا ويأكل في أكلة واحدة بمقدار أكله في الدنيا.
(72) وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون قد مر معنى الوراثة.
(73) لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون قيل ولعل تفصيل التنعم بالمطاعم والملابس وتكريره في القرآن وهو حقير بالأضافة إلى ساير نعيم الجنة لما كان بهم من الشدة والفاقة.
(74) إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون القمي هم أعداء آل محمد صلوات الله عليهم.
(75) لا يفتر عنهم لا يخفف عنهم وهم فيه مبلسون القمي أي آيسون من الخير.
(76) وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين .
(77) ونادوا يا مالك .
وفي المجمع عن علي عليه السلام إنه قرأ يا مال على الترخيم قيل ولعله إشعار بأنهم لضعفهم لا يستطيعون تأدية اللفظ بالتمام ولذلك اختصروا فقالوا ليقض علينا ربك يعني سل ربك أن يقضي علينا أن يميتنا من قضى عليه إذا أماته قال إنكم ماكثون لا خلاص لكم بموت وغيره.
(78) لقد جئناكم بالحق بالأرسال والأنزال القمي هو قول الله عز وجل قال يعني بولاية أمير المؤمنين عليه السلام ولكن أكثركم للحق كارهون قال يعني لولآية أمير المؤمنين عليه السلام.
(79) أم أبرموا أمرا في تكذيب الحق ورده ولم يقتصروا على كراهته فإنا


(401)

مبرمون أمرا في مجازاتهم.
(80) أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم حديث نفسهم ونجواهم تناجيهم بلى نسمعها ورسلنا والحفظة مع ذلك لديهم يكتبون ذلك.
القمي يعني ما تعاهدوا عليه في الكعبة أن لا يردوا الأمر في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
أقول : يأتي بيان ذلك في سورة محمد صلى الله عليه وآله.
وعن الصادق عليه السلام أن هذه الآية نزلت فيهم.
(81) قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين وقريء ولد بالضم القمي يعني أول الآنفين لله عز وجل أن يكون له ولد.
وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام أي الجاحدين قال والتأويل في هذا القول باطنه مضاد لظاهره.
(82) سبحان رب السماوات والارض رب العرش عما يصفون عن كونه ذا ولد فإن هذه المبدعات منزهة عن توليد المثل فما ظنك بمبدعها وخالقها.
(83) فذرهم يخوضوا ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون أي القيامة.
(84) وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله مستحق لأن يعبد فيهما.
في الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في حديث وقوله وهو الذي في السماء إله وفي الارض إله وقوله وهو معكم أينما كنتم وقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم فإنما أراد بذلك إستيلاء أمنائه بالقدرة التي ركبها فيهم على جميع خلقه وأن فعلهم فعله وهو الحكيم العليم .
(85) وتبارك الذي له ملك السماوات والارض وما بينهما وَعِنْدَهُ علم الساعة وإليه يرجعون وقريء بالتاء


(402)

(86) ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة القمي قال هم الذين عبدوا في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم إلا من شهد بالحق وهم يعلمون بالتوحيد.
(87) ولئن سئلتهم من خلقهم ليقولن الله لتعذر المكابرة فيه من فرط ظهوره فأنى يؤفكون يصرفون من عبادته إلى عبادة غيره.
(88) وقيله وقول الرسول أي ويعلم قوله أو وقال قوله وقيل الهاء زائدة وقريء بالجر عطفا على الساعة يا ربّ إن هؤلاء قوم لا يؤمنون .
(89) فاصفح عنهم فاعرض عن دعوتهم آيسا عن إيمانهم وقل سلام تسلم منكم ومتاركة فسوف يعلمون تسلية للرسول صلى الله عليه وآله وتهديد لهم وقريء بالتاء.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام من قرأ حم الزخرف آمنه الله في قبره من هوام الأرض وضغطة القبر حتى يقف بين يدي الله عز وجل ثم جاءت حتى تدخله الجنة بأمر الله تبارك وتعالى.