113 ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن عبدالله بن ابي بكر بن محمد بن عمرو بن حزام ، قال: خطب الحسن بن علي امرأة من بني همام بن شيبان، فقيل له: إنها ترى رأي الخوارج! فقال: إني أكره أن أضم إلى صدري جمرة من جهنم(88).
114 ـ قال: أخبرنا علي بن محمد، عن الهذلي، عن ابن سيرين، قال: كانت هند بنت سهيل بن عمرو عند عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد وكان أبا عذرتها فطلقها، فتزوجها عبدالله بن عامر بن كريز ثم طلقها، فكتب معاوية إلى أبي هريرة أن يخطبها على يزيد بن معاوية، فلقيه الحسن بن علي فقال: أين تريد؟ قال: أخطب هند بنت سهيل بن عمرو على يزيد بن معاوية، قال: اذكرني لها، فأتاها أبو هريرة فأخبرها الخبر، فقالت: خر لي، قال: أختار لك الحسن، فتزوجها،فقدم عبدالله بن عامر المدينة فقال للحسن : إن لي عندها وديعة ، فدخل إليها والحسن معه وجلست بين [ يديه ] فرق ابن عامر ، فقال الحسن : ألا أنزل لك عنها ؟ فلا أراك تجد محللاً خيراً لكما مني ، فقال : وديعتي ، فأخرجت سفطين فيهما جوهر ففتحهما فأخذ من واحد قبضة وترك الباقي ، فكانت تقول :

____________
(88) رواه البلاذري في أنساب الاشراف برقم 13 عن المدائني ... وفيه : امرأة من بني شيبان.
وأورده ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16|21 عن المدائني وفيه : امرأة من بني شيبان من آل همام بن مرة ...
وهو الصحيح ، فإن همام بن شيبان هو همام بن مرة بن ذهل بن شيبان من بكر بن وائل ، راجع معجم قبائل العرب ص 1225 .
وعند البلاذري وابن أبي الحديد : جمرة من جمر جهنم .
هذا وقد صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من وجوه كثيرة أنه قال : « الخوارج كلاب أهل النار » .
أخرجه الحفاظ بطرق كثيرة منهم : أبو داود الطيالسي في مسنده ، وابن أبي شيبة في المصنف ، وأحمد في المسند ، وابن ماجة في السنن ، والحكيم الترمذي في نوادر الاصول ، والطبري في تهذيب الاثار، والطبراني في المعجم الكبير ، والحاكم في المستدرك ، كلهم عن عبدالله بن أبي أؤفى .
وأخرجه أحمد في المسند ، وابن خزيمة في صحيحه ، والطبراني في المعجم الكبير ، والحاكم في المستدرك ، والضياء المقدسي في المختارة ، كلهم عن أبي امامة الباهلي .
وعنهم جميعاً الحافظ السيوطي في جمع الجوامع 1|410 ، وفي الجامع الصغير 2|19 جعل عليه « صح » وهو رمز الحديث الصحيح .

( 71 )
سيدهم جميعاً الحسن ، وأسخاهم ابن عامر ، وأحبهم إليّ عبدالرحمن بن عتاب(89).
115 ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن ابن جعدبة ، عن ابن أبي مليكة ، قال : تزوج الحسن بن علي خولة بنت منظور ، فبات ليلة على سطح أجم ، فشدت خمارها برجله والطرف الاخر بخلخالها ، فقام من الليل فقال : ما هذا ؟ قالت : خفت أن تقوم من الليل بوسنك فتسقط فأكون أشأم سخلة على العرب ، فأحبها فأقام عندها سبعة أيام .
فقال ابن عمر : لم نر أبا محمد منذ أيام ، فانطلقوا بنا إليه ، فأتوه ، فقالت له خولة : إحتبسهم حتى نهيء لهم غذاء ، قال : نعم ، قال ابن عمر : فابتدأ الحسن حديثا ألهاناً بالاستماع إعجاباً به حتى جاءنا الطعام.
قال علي بن محمد : وقال قوم : التي شدت خمارها برجله هند بنت سهيل ابن عمرو ، وكان الحسن أحصن تسعين امرأة ! (90).
116 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين وهشام أبو الوليد ، قالا : حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، قال : خطبنا الحسن بن علي وعليه ثياب سود وعمامة سوداء (91).
117 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا أبو الاحوص ، عن أبي
____________
(89) رواه البلاذري برقم 26 عن المدائني باختلاف يسير ، وما بين المعقوفين منه .
(90) رواه ابن عساكر ص 152 عن ابن سعد.
والاجم ، قال في تاج العروس 8|180 : بالفتح ، كل بيت مربع مسطح ، وحصن بالمدينة مبني بالحجارة عن ابن السكيت .
وفي معجم البلدان : اجم ـ بضم أوله وثانيه ـ وهو واحد أجام المدينة وهو بمعنى الاطم ، وأجام المدينة وأطامها : حصونها وقصورها وهي كثيرة لها ذكر في الاخبار ، وقال ابن السكيت : اجم حصن بناه أهل المدينة من حجارة ، وقال : كل بيت مربع مسطح فهو أجم.
(91) أبو رزين : تقدم التعريف به في التعليق رقم 58 ، وخطبة الحسن ـ عليه السلام ـ هذه هي التي بعد مقتل أبيه ولهذا كان عليه ثياب سود حداداً على أبيه ، وذكر ذلك المدائني أيضاً ، كما حكاه عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 16|22 ، قال:
قال المدائني : ولما توفي علي ـ عليه السلام ـ ... فخرج الحسن ـ عليه السلام ـ فخطبهم ... وكان خرج إليهم وعليه ثياب سود...

( 72 )
إسحاق ، عن أبي العلاء ، قال : رأيت الحسن بن علي يصلي وهو مقنع رأسه .
118 ـ قال : أخبرنا حجاج بن محمد ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمران بن موسى ، قال : أخبرني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه : انه رأى أبا رافع مولى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر بحسن بن علي وحسن يصلي قائماً قد غرز ضفريه في قفاه ، فحلها أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضباً ، فقال أبو رافع : أقبل على صلاتك ولا تغضب ، فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول :
ذلك كفل الشيطان ـ يعني : مقعد الشيطان ، يعني : مغرز ضفريه ـ (92).
119 ـ قال : أخبرنا مالك بن اسماعيل ، قال : حدثنا زهير بن معاوية ، قال : حدثنا مخوّل ، عن أبي سعيد : ان أبا رافع أتى الحسن بن علي وهو يصلي عاقصاً رأسه فحله فأرسله ، فقال له الحسن : ما حملك على هذا يابا رافع ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شك زهير ـ : لا يصلي الرجل عاقصاً رأسه (93).
120 ـ قال : أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن مستقيم بن عبدالملك ، قال : رأيت الحسن والحسين شابا ولم يختضبا ، ورأيتهما يركبان البراذين ، ورأيتهما يركبان بالسروج المنمرة (94).
____________
(92 و 93) ليس أبو رافع بأعلم بأحكام الاسلام من ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، بل الحسن ـ عليه السلام ـ أعرف بشريعة جده وبمعالم دينه وقد نشأ في أحضان جده المشرع الاقدس وفي بيته ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه ، فكان على أبي رافع أن يسأل الحسن ـ عليه السلام ـ عن ذلك فلعله يجد عنده علماً لم يصل إليه وقد قال ـ صلى الله عليه وآله ـ عن أهل بيته ـ كما في بعض ألفاظ حديث الثقلين وبعض طرقه ـ : « فلا تسبقوهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فهم أعلم منكم » ، أخرجه السخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف الورقة 24|أ ، والسمهودي في جواهر العقدين الورقة 86|ب .
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير عن زيد بن أرقم حديث الثقلين والغدير برقم 4971 وفيه : « فلا تقدموهما فتهكلوا ، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » ، ورواه عن الطبراني كل من السيوطي في الدر المنثور 2|60 ، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف الورقة 21|ب ، والسمهودي في جواهر العقدين الورقة 84|ب ، وابن حجر في الصواعق ص 89 ، والمتقي في كنز العمال.
(94) وأخرجه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3|8 بإسناده عن مستقيم إلى قوله : وما يخضبان ؛ والسروج المنمرة : المتخذة من جلود النمر .

( 73 )
ذكر خاتم الحسن والحسين والخضاب
121 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر ابن محمد ، عن أبيه : ان الحسن والحسين كانا يتختمان في يسارهما !
122 ـ قال : أخبرنا معن بن عيسى ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر ، عن أبيه : ان الحسن بن علي تختم في اليسار !(95).
123 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال : كان في خاتم الحسن والحسين ذكر الله .
124 ـ قال : أخبرنا الفضل بن دكين ، قال : حدثنا سفيان ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن قيس ـ مولى خباب ـ قال : رأيت الحسن يخضب بالسواد (96).
125 ـ قال : أخبرنا حجاج بن نصير ، قال : حدثنا اليمان بن المغيرة ، قال : حدثني مسلم بن أبي مريم ، قال : رأيت الحسن بن علي يخضب بالسواد .
126 ـ قال : أخبرنا عبدالوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار : ان الحسن كان يخضب بالسواد.
127 ـ قال : أخبرنا عبدالوهاب بن عطاء ، قال : أخبرنا أبو الربيع السمان ، عن عبدالله بن أبي يزيد ، قال : رأيت الحسن بن علي قد خضب بالسواد وعنفقته غراء بيضاء (97).
128 ـ قال : أخبرنا الحسن بن موسى وأحمد بن عبدالله بن يونس ، قالا : حدثنا
____________
(95) كان في الاصل : أخبرنا معن بن عيسى ، قال : حدثنا معن بن عيسى . فحذفنا المتكرر.
(96) رواه البخاري في التاريخ الكبير 7|151 في ترجمة قيس ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ... وفيه : رأيت الحسن والحسين يخضبان بالسواد .
وبهذا اللفظ رواه الطبراني في المعجم الكبير 3|102 عن علي بن عبدالعزيز عن أبي نعيم ، فكأن ابن سعد قسمه شطرين فجعله في الترجمتين ، وسيأتي في ترجمة الحسين ـ عليه السلام ـ برقم 265 بهذا السند نفسه : رأيت الحسين يخضب بالسواد.
(97) العنفقة : الشعر الذي في الشفة السفلى ، وقيل : الشعر الذي بينها وبين الذقن . النهاية لابن الاثير 3|309. واورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 268/3، الى قوله: بالسواد.

( 74 )
زهير بن معاوية ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن عمرو الاصم ، قال : قلت للحسن ابن علي : إن هذه الشيعة تزعم أن علياً مبعوث قبل يوم القيامة ؟ قال : كذبوا والله ما هؤلاء بالشيعة ، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله (98) .
‍ ‍‍‌129ـ قال : أخبرنا كثير بن هشام ، قال : حدثنا جعفر بن برقان ، قال : سمعت ميمون بن مهران قال : إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين ؛ بايعهم على الامرة ، وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه ويرضوا بما رضي به .
130 ـ قال : أخبرنا محمد بن عبيد ، قال : حدثني صدقة بن المثنى ، عن جده رياح بن الحارث ، قال : إن الحسن بن علي قام بعد وفاة علي ـ رضي الله عنهما ـ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن كل ما هو آت قريب ، وإن أمر الله واقع وإن كره الناس ، وإني والله ما أحببت أن ألِيَ من أمركم ـ امة محمد ـ ما يزن مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم ، قد علمت ما يضرني مما ينفعني فالحقوا
____________
(98) ورواه عبدالله بن أحمد في مسند أبيه 1|148 وبرقم 1265 ، وفي مناقب علي ـ لابيه أيضاً ـ برقم 344 بإسناد آخر .
وفي المناقب أيضاً برقم 250 من زيادات القطيعي رواه عن عبدالله بن الحسن عن علي بن الجعد ، عن زهير .
وهذا هو القول بالرجعة الذي تؤمن به الشيعة تبعاً لما ثبت لديهم بطرق كثيرة عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وقد امرنا باتباعهم والتمسك بهم ، والرجعة هو رجوع بعض الائمة بعد ظهور الامام المهدي ـ عليه السلام ـ ورجوع من محض الايمان محضاً ومن محض الكفر محضاً إلى دار الدنيا ، وهو أمر سمعي ثبت بالسمع والادلة النقلية .
وهذه الرواية تدلنا على أن هذه العقيدة كانت معروفة عند الشيعة منذ عهد أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ، وقد ألف في ذلك علماؤنا منذ القرن الثالث في إثباب الرجعة رسائل كثيرة .
وقد شنع علينا بذلك منذ القدم إخواننا العامة ، ولا ضير في ذلك ، فليس بدعاً من بقية ما ورد النقل به عند الفريقين من الآيات والعلامات قبل يوم القيامة مما يعرف عندهم بأشراط الساعة ، وهي مخرجة في الصحاح والسنن والمسانيد وصنفت فيها كتب خاصة .
فليس في العقل ما يمنع من ذلك إذا ثبت بالسمع ، وكل ذلك في مقدور الله سبحانه ، فما ثبت منها بالادلة السمعية وجب الايمان به ، وقد قص الله علينا في كتابه الكريم خبر الوف خرجوا حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم .

( 75 )
بطيتكم(99) .
131 ـ قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن هلال ابن يساف ، قال : سمعت الحسن بن علي وهو يخطب وهو يقول : يا أهل الكوفة ، اتقوا الله فينا ، فإنّا امراؤكم وإنّا أضيافكم ، ونحن أهل البيت الذين قال الله :« إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» [الاحزاب :33].
قال : فما رأيت يوما قط أكثر باكياً من يومئذ (100).
132 ـ قال : أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي ، قال : أخبرنا شعبة ، عن يزيد ابن خمير ، قال : سمعت عبدالرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي يحدث عن أبيه ، قال : قلت للحسن بن علي : إن الناس يزعمون أنك تريد الخلافة ؟! فقال : كانت جماجم العرب بيدي ، يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت فتركتها ابتغاء وجه الله ، ثم اثيرها بأتياس أهل الحجاز ؟!(101).
____________
(99) رواه أحمد بن حنبل في الفضائل 1364 عن يحيى بن سعيد ، عن صدقة ...
ورواه ابن عساكر برقم 313 بإسناده عن أحمد ، وفيهما : « فالحقوا بمطيتكم » .
رياح ، ضبطه ابن ماكولا في الاكمال 4|14 بالياء، فقال : وأما رياح ـ بكسر الراء وفتح الياء المعجمة باثنتين من تحتها ـ فهو رياح بن الحارث ...
(100) رواه ابن عساكر برقم 307 بإسناده عن ابن سعد ، وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء 3|270 ، وهذه الخطبة خطبها ـ عليه السلام ـ بعد ما طعنوه في فخذه كما يأتي في الصفحة الاتية فراجع .
وأما الاية الكريمة ونزولها في الخمسة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فشيء متواتر مروي بطرق لا تحصى عن جماعة من الصحابة تجدها في كتب التفسير والحديث والرجال والتاريخ والادب ، راجع مثلاً:
شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي .
(101) وهذه أخطر تهمة توجه إلى أحد في ذلك العصر ، بل في كل العصور وحتى الان فأراد الحسن عليه السلام أن يبرىء نفسه بأبلغ ما يمكنه .
ولو كان الناس يدافعون عن حقوق آل محمد ويحاربون من حاربوا لما آل الامر إلى ما تعلمون ، بل خذلوهم وأسلموهم حتى أن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ لم يسطع أن ينهض بهؤلاء لحرب معاوية فكيف بابنه الحسن !
والحديث أخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة رقم 103. ورواه ابن عساكربرقم 331باسناده عن ابن سعد ، وأخرجه الحاكم في المستدرك 3|170 بإسناده عن غندر ، عن شعبة ، وصححه هو والذهبي ، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 2|37 من طريق أحمد ، عن غندر ، وأورده الحافظ المزي في تهذيب الكمال ، وابن حجر في تهذيب التهذيب 2|300 ، والذهبي في تلخيص المستدرك ، وفي سير أعلام النبلاء 3|274،

=


( 76 )

133 ـ قال : أخبرنا أبو عبيد ، عن مجالد ، عن الشعبي ، وعن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، وعن أبي السفر وغيرهم ، قالوا :
بايع أهل العراق بعد علي بن أبي طالب الحسن بن علي ، ثم قالوا له : سر إلى هؤلاء القوم الذين عصوا الله ورسوله وارتكبوا العظيم وابتزوا الناس امورهم فإنّا نرجوا أن يمكن الله منهم .
فسار الحسن إلى أهل الشام وجعل على مقدمته قيس بن سعد بن عبادة في اثني عشر ألفاً وكانوا يسمون شرطة الخميس .
وقال غيره : وجه إلى الشام عبيدالله بن العباس ومعه قيس بن سعد ، فسار فيهم قيس حتى نزل مسكن والانبار وناحيتها ، وسار الحسن حتى نزل المدائن ، وأقبل معاوية في أهل الشام يريد الحسن حتى نزل جسر منبج .
فبينا الحسن بالمدائن إذ نادى مناديه في عسكره : ألا إن قيس بن سعد قد قتل !
قال : فشد الناس على حجرة الحسن فانتهبوها حتى انتهبت بسطه وجواريه وأخذوا رداءه من ظهره !!
وطعنه رجل من بني أسد ـ يقال له : ابن اقيصر ـ بخنجر مسموم في إليته ، فتحول من مكانه الذي انتهب فيه متاعه ونزل الابيض ـ قصر كسرى ـ .
وقال : عليكم لعنة الله من أهل قرية ، قد علمت أن لا خير فيكم ، قتلتم أبي بالامس واليوم تفعلون بي هذا.
ثم دعا عمر بن سلمة الارحبي فأرسله وكتب معه إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله الصلح ويسلم له الامر على أن يسلم له ثلاث خصال : يسلم له بيت المال فيقضي منه دينه ومواعيده التي عليه ويتحمل منه هو ومن معه من عيال أبيه وولده وأهل بيته ، ولا يسب علي وهو يسمع ، وأن يحمل إليه خراج فسا وداراب
____________

=
عن أبي داود الطيالسي في مسنده، وابن أبي حاتم في علل الحديث.
وفي التقريب 2|364 : يزيد بن خمير ـ بمعجمة مصغراً ـ : الرحبي ، بمهملة ساكنة : أبو عمرالحمصي ، صدوق...

( 77)
جرد من أرض فارس كل عام إلى المدينة ما بقي؛ فأجابه معاوية إلى ذلك واعطاه ما سأل .
ويقال : بل أرسل الحسن بن علي عبدالله بن الحارث بن نوفل إلى معاوية حتى أخذ له ما سأل .
وأرسل معاوية عبدالله بن عامر بن كريز وعبدالرحمن بن سمرة بن حبيب ابن عبد شمس فقدما المدائن إلى الحسن فأعطياه ما أراد ، ووثقا له ، فكتب إليه الحسن أن أقبل فأقبل من جسر منبج إلى مسكن في خمسة أيام وقد دخل [ في الـ ] يوم السادس فسلم إليه الحسن الامر وبايعه ، ثم سارا جميعاً حتى قدما الكوفة فنزل الحسن القصر ونزل معاوية النخيلة ، فأتاه الحسن في عسكره غيره مرة ووفي معاوية للحسن ببيت المال وكان فيه يومئذ ستة آلاف ألف درهم واحتملها الحسن وتجهز بها هو وأهل بيته إلى المدينة ، وكف معاوية عن سب علي والحسن يسمع .
ودس معاوية إلى أهل البصرة فطردوا وكيل الحسن وقال : لا يحمل فيئنا إلى غيرنا ـ يعنون خراج فسا وداراب جرد ـ !
فأجرى معاوية على الحسن كل سنة ألف ألف درهم وعاش الحسن بعد ذلك عشر سنين (102).
134 ـ قال : أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن أبي جميلة : ان الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر .
وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد وحسن ساجد ، قال حصين : وعمي أدرك ذاك .
قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ، ثم برأ ، فقعد على المنبر فقال :
يا أهل العراق ، اتقوا الله فينا ، فإنّا امراؤكم وضيفانكم ، أهل البيت
____________
(102) رواه ابن عساكر برقم 298 ، والمزي في تهذيب الكمال 246/6، كلاهما عن ابن سعد ، وفي الثاني : محمد ابن عبيد.
( 78 )
الذين قال الله : «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » [ الاحزاب : 33 ] .
قال : فما زال يقول ذاك حتى ما رئي أحد من أهل المسجد إلاّ وهو يخنّ بكاء (103).
135 ـ قال : أخبرنا موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا عون بن موسى ، قال : سمعت هلال بن خباب يقول : جمع الحسن بن علي رؤوس أصحابه في قصر المدائن فقال : يا أهل العراق ، لو لم تذهل نفسي عنكم إلاّ لثلاث خصال لذهلت ، مقتلكم أبي ، ومطعنكم بغلتي ، وانتهابكم ثقلي ـ أو قال : ردائي عن عاتقي ـ ، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت ، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا.
قال : ثم نزل فدخل القصر (104).
136 ـ قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا حريز بن عثمان ، قال : حدثنا عبدالرحمن بن أبي عوف الجرشي ، قال : لما بايع الحسن بن علي معاوية قال له عمرو بن العاص وأبو الاعور السلمي عمرو بن سفيان : لو أمرت الحسن فصعد
____________
(103) لما رأى الحسن ـ عليه السلام ـ أنه مع مسالمته وحقنه للدماء واعتزاله الامر ، ومع كون أبيه خليفتهم ، وامه بنت نبيهم (على تقدير غض النظر عن كل فضائله) لم يسلم منهم وطعنوه ونهبوا متاعه ، ولم يمنعه منهم مكانه من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ! أتاهم من قبل إثارة عواطفهم فذكرهم أنهم عرب ! ولا أقل من أنه حجازي ضيف على أهل العراق والعرب لا تسيء إلى ضيوفها!
ولذلك تراه هيج عواطفهم بحيث لا يرى أحد في المسجد إلاّ ويخنّ بكاء .
والخنين : هو البكاء دون النحيب ، وقد تقدم تفسيره في التعليق رقم 51 .
والحديث رواه ابن عساكر برقم 304 بإسناده عن ابن سعد ، وتقدم نحوه في صفحة 167 .
وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3|96 برقم 2761 ، وعنه في مجمع الزوائد 9|172 .
(104) رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ 2|753 عن سعيد بن منصور ، عن عون ، باختلاف يسير إلى قوله : عن عاتقي .
وأورده ابن حجر في الاصابة 1|330 عن يعقوب بن سفيان من قوله : وإنكم قد بايعتموني ...
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد 1|139 بطرقه عن يعقوب بن سفيان ، وعن ابن سعد .
وكان في الاصل : وأن تسالمون من سالمت وتحاربون ...
وليراجع بشأن هذه الروايات وما بمعناها كتاب « صلح الحسن » للشيخ راضي آل ياسين ـ رحمه الله ـ المطبوع مكررا فقد كفى وشفى.

( 79 )
المنبر فتكلم عيي عن المنطق ! فيزهد فيه الناس .
فقال معاوية : لا تفعلوا ، فوالله لقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمص لسانه وشفته ، ولن يعي لسان مصه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو شفتين .
فأبوا على معاوية فصعد معاوية المنبر ثم أمر الحسن فصعد وأمره أن يخبر الناس أني قد بايعت معاوية.
فصعد الحسن المنبر فحمدالله وأثنى عليه ثم قال :
أيها الناس ، إن الله هداكم بأولنا ، وحقن دماءكم بآخرنا ، وإني قد أخذت لكم على معاوية أن يعدل فيكم ، وأن يوفر عليكم غنائمكم ، وأن يقسم فيكم فيئكم .
ثم أقبل على معاوية فقال : كذاك ؟ قال : نعم ، ثم هبط من المنبر وهو يقول ـ ويشير باصبعه إلى معاوية ـ : « وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » فاشتد ذلك على معاوية .
فقالا : لو دعوته فاستنطقته ، فقال : مهلاً ، فأتوا فدعوه ، فأجابهم فأقبل عليه عمرو بن العاص ، فقال له الحسن : أما أنت فقد اختلف فيك رجلان رجل من قريش وجزار أهل المدينة فادعياك فلا أدري أيهما أبوك !
وأقبل عليه أبو الاعور السلمي ، فقال له الحسن : ألم يلعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رعلاً وذكوان وعمرو بن سفيان؟!
ثم أقبل معاوية يعين القوم ، فقال له الحسن : أما علمت أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعن قائد الاحزاب وسائقهم ، وكان أحدهما أبو سفيان والاخر أبو الاعور السلمي ؟!(105)
____________
(105) رواه ابن عساكر في ترجمة أبي الاعور السلمي عمرو بن سفيان من تأريخه بإسناده عن ابن سعد، وأورده الذهبي في تاريخ الاسلام 39/4 في ترجمة الحسن عليه السلام .
وكان في الاصل : جرير، والصحيح : حريز، قال ابن حجر في التقريب : حريز، بفتح أوله وكسر الراء وآخره زاي .
وحريز هذا كان ناصبياً يبغض علياً ـ عليه السلام ـ ويلعنه كل صباح ومساء ، فهو عندهم أثبت الشاميين ثقة ثقة ! ولقد عاتب الله يزيد بن هارون لروايته عن حريز، راجع تهذيب التهذيب 2|239، وعبقات الانوار1|445.

=


(80 )

137 ـ قال : أخبرنا هوذة بن خليفة ، قال : حدثنا عوف ، عن محمد ، قال : لما كان زمن ورد معاوية الكوفة واجتمع الناس عليه وبايعه الحسن بن علي ، قال: قال أصحاب معاوية لمعاوية ـ عمرو بن العاص والوليد بن عقبة وأمثالهما من أصحابه ـ : إن الحسن بن علي مرتفع في أنفس الناس لقرابته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانه حديث السن عيي ! فمره فليخطب ، فإنه سيعيا في الخطبة فيسقط من أنفس الناس ! فأبى عليهم فلم يزالوا به حتى أمره ، فقام الحسن بن علي [على] المنبر دون معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : والله لو ابتغيتم بين جابلق وجابلص رجلاً جده نبي غير [ي] وغير أخي لم تجدوه ، وإنّا قد أعطينا بيعتنا معاوية ورأينا أن ما حقن دماء المسلمين خير مما أهراقها، والله ما أدري « لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » وأشار بيده إلى معاوية .
قال : فغضب معاوية فخطب بعده خطبة عييّة فاحشة ثم نزل ، وقال له : ما أردت بقولك : « فتنة لكم ومتاع إلى حين » ؟! قال : أردت بها ما أراد الله
____________

=
الرواية رواها الطبراني في المعجم الكبير 20|71 رقم 2699 بأوجز مما هنا ، وعنه في مجمع الزوائد 9|177
وروى البلاذري في أنساب الاشراف القسم الرابع، الجزء الأول، تحقيق احسان عباس ص 129.
حدثنا خلف ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن سعيد بن جمهان ، عن سفينة ـ مولى ام سلمة ـ : ان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان جالساً فمر أبو سفيان على بعير، ومعاوية وأخ له، أحدهما يقود البعيروالاخر يسوقه، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق .
وانظر: المعجم الكبير3|71، ومجمع الزوائد 7|242 و9 | 178، وتأريخ دمشق لابن عساكر ترجمة سعيد بن العاص وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي هريرة .
وأما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله رعلا وذكوان فقد روى الحفاظ وأئمة الحديث والتأريخ في كتبهم أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يقنت شهراً في صلاة الصبح يلعن رعلاً وذكوان ويدعو عليهم ؛ راجع صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة ، فقد روى عدة أحاديث في ذلك .
وفي الفائق 3|227 ـ في قنت ـ بعد ذكر الحديث : رعل وذكوان : قبيلتان من قبائل سليم بن منصور بن عكرمة بن خصنة بن قيس عيلان .
ومنهم عمرو بن سفيان أبو الاعور السلمي ، ولذلك أخرج ابن عساكر هذا الحديث في ترجمته من تأريخه بأربع طرق .
وقد حذف ابن سعد مقالة المنافقين فلم يذكرها، وقد رواها الزبير بن بكار بطولها في كتاب « المنافرات والمفاخرات » ، وعنه نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 6|285 ـ 294 ، فراجع .

( 81 )
بها(106).
138ـ قال هوذة : قال عوف : وحدثني غير محمد أنه بعد ما شهد شهادة الحق قال:
أما بعد ، فإن علياً لم يسبقه أحد من هذه الامة من أولها بعد نبيها ، ولن يلحق به أحد من الاخرين منهم ، ثم وصله بقوله الاول(107).
139 ـ قال : أخبرنا سعيد بن منصور ، قال: حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبي ، قال : لما سلّم الحسن بن علي الامر لمعاوية قال له : اخطب الناس ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن أكيس الكيس التقى ، وإن أحمق الحمق الفجور، وإن هذا الامر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما حق كان أحق به مني ، وإما حق كان لي فتركته التماس الصلاح لهذه الامة « وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين » [الانبياء :111] (108).
140 ـ قال : أخبرنا محمد بن سليم العبدي ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن هزان ، قال : قيل للحسن بن علي : تركت إمارتك وسلمتها إلى رجل من الطلقاء وقدمت المدينة ؟! فقال : إني اخترت العار على النار(109).
141ـ قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن إبراهيم بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، قال : دخل رجل على الحسن بالمدينة وفي يده صحيفة فقال : ما هذه ؟ قال : من معاوية يعد فيها ويتوعّد ، قال : قد كنت على النصف منه ، قال : أجل ، ولكني خشيت أن يأتي يوم القيامة سبعون ألفاً أو ثمانون ألفاً أو اكثر من ذلك أو أقل
____________
(106) رواه ابن عساكر في تأريخه برقم 320 بإسناده عن ابن سعد ، وأخرجه عبدالرزاق في المصنف452/11، وأحمد في الفضائل1355موجزاً والطبراني في المعجم الكبير89/3 رقم 2748 ، وكذا الذهبي في سير أعلام النبلاء 3|271، ويأتي في معناه في صفحة 176 ويأتي في تعليقه شرح جابلق وجابرس .
(107) رواه ابن عساكر برقم 321 بإسناده عن ابن سعد ، وهذه الجملة من خطبته في تأبين أبيه يوم مقتله ولعله كررها هنا أيضاً.
(108) رواه الحافظ الطبراني في المعجم الكبير 3|13 برقم 2559، وأبو نعيم في الحلية 2|37 .
(109) رواه ابن عساكر في تاريخه ص 177 عن ابن سعد .