الفصل الخامس عشر
في بيان امر رسول الله صلى الله عليه وآله إياه بتبليغ سورة براءة
195 ـ أخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدي أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا الباغندي ، حدثنا سعيد بن سليمان الواسطي ، حدثنا عباد ابن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : ان رسول الله صلى الله عليه وآله بعث أبا بكر ببراءة وأمره بان ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه علياً ، فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء (1) ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله القصوى ، فخرج أبو بكر فزعاً فظن انه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإذا علي فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره على الموسم ، وأمر علياً أن ينادي بهؤلاء الكلمات ، فانطلقا فحجا فقام علي أيام التشريق فنادى فقال : ان الله ورسوله صلى الله عليه وآله بريئان من كل مشرك ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر (2) ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن ، قال فكان ينادى بهذا فإذا بحّ (3) قام أبو هريرة فنادى بها (4)
____________
(1) الرغاء كغراب : صوت ذوات الخف ، رغا البعير : إذا ضج مجمع البحرين .
(2) فسيحوا : سيروا آمنين .
(3) البح بالضم : غلظة بالصوت ـ النهاية .
(4) صحيح الترمذي 5 | 275 ـ انساب الاشراف 2 | 154 ـ مستدرك الصحيحين 2 | 52 .

( 165 )

فهذه الرواية تصرح بان الأمير علي الحاج كان أبا بكر وانما خرج علي عليه السلام بقراءة براءة والنداء بهؤلاء الكلمات ـ وعلى هذا أهل المغازي ـ .
196 ـ وبهذا الأسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، حدثنا أبو عمرو بن السماك ، حدثنا حنبل بن إسحاق ، حدثني أبو عبد الله ـ وهو أحمد بن حنبل ـ قال : حدثني وكيع ، قال : قال اسرائيل ، قال أبو إسحاق ، عن زيد بن يثيع . عن أبي بكر : ان النبي صلى الله عليه وآله بعثه ببراءة إلى أهل مكة : لا يحج العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلى مدته ، والله بريء من المشركين ورسوله قال : فسار بها ثلاثاً ثم قال لعلي : الحقه فرد علي أبا بكر وبلغها أنت ، قال ففعل ، فلما قدم على النبي أبو بكر بكى ، وقال : يا رسول الله احدث في شيء ؟ قال لا ، ولكن امرت ان لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني (1) .
197 ـ وبهذا الأسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، اخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد آبادي ، حدثنا أبو قلابة ، حدثنا عبد الصمد وموسى بن اسماعيل قالا : حدثنا حماد بن سلمة ، عن سماك بن حرب ، عن انس بن مالك : ان النبي صلى الله عليه وآله بعث سورة براءة مع أبي بكر ، ثم ارسل فاخذها فدفعها إلى علي وقال : لا يؤدي عني الا انا أو رجل مني ، من اهل بيتي (2) .

***

____________
(1) فضائل الصحابة لابن حنبل 2 | 640 ـ مسنده 1 | 3 ـ تفسير الطبري 10 | 46 .
(2) فضائل الصحابة 2 | 562 ـ مسنده 3 | 212 مع اختلاف يسير .

( 166 )

الفصل السادس عشر
في بيان محاربته مردة الكفار ومبارزته أبطال المشركين
والناكثين والقاسطين والمارقين وبيان ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله
في حيازته من الفضائل بذلك وهي أربعة فصول :

الفصل الأول
في بيان محاربة الكفار
198 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا علي بن أحمد ابن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا اسرائيل ، عن أبي اسحاق ، عن حارثة ، عن علي في قصة بدر ، قال : فنزل عتبة واتبعه أخوه شيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة فقال : من يبارز ؟ فانتدب له شاب من الأنصار فقال : لا حاجة لنا في قتالكم ، إنا نريد بني عمنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : قم يا علي ، قم يا حمزة ، قم يا عبيدة ، فقتل حمزة عتبة ، وقال علي : عمدت إلى شيبة فقتلته ، واختلف الوليد وعبيدة ضربتين فأثخن كل واحد منهما صاحبه ، قال : فملنا على الوليد فقتلناه واسرنا منهم سبعين وقتلنا منهم سبعين (1) .
____________
(1) سنن البيهقي 3 | 276 ـ مستدرك الصحيحين 2 | 385 .
( 167 )

199 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا علي بن حماد ، حدثنا محمد بن المغيرة ، حدثنا القاسم بن الحكم ، حدثنا مسعر ، عن الحكم بن عتيبة عن عيينة ، عن مقسم ، عن ابن عباس : ان رسول الله صلى الله عليه وآله دفع الراية إلى علي يوم بدر وهو ابن عشرين سنة (1) .
200 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الملك بن نصر الاموي ببخارى ، حدثنا أبو أيوب سليمان بن أحمد بن يحيى الثغرى بحمص ، حدثنا أبو عمارة محمد ابن أحمد بن يزيد بن المهتدى ، حدثنا عبد الجبار بن عبد الله ، حدثنا سليمان ابن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر : هذا رضوان ملك من ملائكة الله ينادي : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (2) .
201 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله بن الحسين الغضائري ببغداد ، حدثنا أبو جعفر الرزاز ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، حدثنا يونس بن بكير ، عن المسيب بن مسلم الازدي ، حدثنا عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله ربما أخذته الشقيقة فيلبث اليوم واليومين لا يخرج ، فلما نزل خيبر اخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس ، وأن أبا بكر أخذ راية رسول الله صلى الله عليه وآله ثم
____________
(1) للحديث مصادر كثيرة منها : مستدرك الصحيحين 3 | 111 ـ مناقب ابن المغازلي | 366 و434 الاغاني لابي الفرج الاصفهاني 4 | 175 ـ وليس فيه « ابن عشرين » ورواه أحمد في فضائل الصحابة 2 | 650 مع اختلاف يسير .
(2) مناقب ابن المغازلي | 198 ـ ذخائر العقبى | 74 .

( 168 )

نهض فقاتل قتالاً شديداً ، ثم رجع ، فاخذها عمر فقاتل قتالا هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فاخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لأعطينها غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يأخذها عنوة ، وليس ثم علي ، فتطاولت لها قريش ورجا كل واحد منهم ان يكون صاحب ذلك ، فاصبح وجاء علي على بعير له حتى اناخ (1) قريباً وهو ارمد قد عصب عينه بشقة برد قطرى (2) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : مالك ؟ قال رمدت بعدك ، فقال ادن منى ، فتفل في عينه فما وجعها حتى مضى لسبيله ، ثم اعطاه الراية فنهض بالراية معه وعليه جبة ارجوان حمراء ، قد أخرج خملها فأتى مدينة خيبر وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر مظهر (3) يمانى ، وحجر وقد ثقبه مثل البيضة على رأسه وهو يقول :

قد علمت خيبر أنى مرحب * شاكـى السلاح بطل مجرب
إذا الليـوث اقبلـت تلهب * واحجمت عن صولة المغلب

قال علي عليه السلام :

انا الذي سمتنى امي حيدرة * هزبر غابات شديـد القسورة
أكيلكم (4) بالسيف كيل السندرة (5)

فاختلفا ضربتين فضربه علي فقد الحجر والمغفر ورأسه ، حتى وقع في
____________
(1) اناخ الجمل : ابركه ، برك البعير : ناخ في موضع فلزمه ـ مجمع البحرين .
(2) البرود القطرية : حمر لها اعلام فيها بعض الخشونة ـ لسان العرب .
(3) الخمل : الهدب ، والهدب طرف الثوب الذي لم ينسج ـ المظهر : القوى الظهر .
(4) في [ ر ] اكيلهم .
(5) السندرة : مكيال واسع أي اقتلكم قتلاً واسعاً ذريعاً .

( 169 )

الاضراس وأخذ المدينة (1) .
202 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين البيهقي هذا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، حدثنى أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن اسحاق قال : وخرج عمرو بن عبد ود فنادى : من يبارز ؟ فقام علي فقال : انا لها يا نبي الله ، فقال : انه عمرو ، اجلس ، ونادى عمرو : ألا رجل وهو يؤنبهم ويقول : اين جنتكم التى تزعمون أنه من قتل منكم دخلها ، أفلا تبرزون الي رجلاً ؟ فقام علي فقال : يا رسول الله انا ، فقال : انه عمرو ، قال : وان كان عمراً ، فاذن له رسول الله صلى الله عليه وآله فمشى إليه حتى أتاه وهو يقول :

لا تعجـلـن فلقــد اتــا * ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نـيــة وبـصـيــرة * والصـدق منجا كل فائــز
إنــي لارجـو ان اقيــم * عليـك نائحــة الجنائــز
من ضربة نجـلاء يبقــى * ذكرهــا عنـد الهزاهـز

فقال له عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي ، قال ابن عبد مناف ؟ قال أنا علي بن أبي طالب ، قال : غيرك يابن أخي من أعمامك ، فانى اكره ان اهريق دمك ، فقال علي : لكني والله ما اكره أن اهريق دمك ، فغضب ونزل فسل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي مغضبا ، واستقبله على بدرقته (2) فضربه عمرو في الدرقة ، فقدها وأثبت فيها السيف ، وأصاب رأسه فشجه وضربه علي على حبل العاتق فسقط وثار العجاج ، وسمع رسول الله
____________
(1) للحديث مصادر كثيرة منها : مناقب ابن المغازلي | 176 مسند أحمد 1 | 199 ـ فضائل الصحابة له 2 | 564 ـ الطبقات لابن سعد 2 | 110 ـ مستدرك الصحيحين 3 | 38 .
(2) الدرقة جمع درق : الترس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب .

( 170 )

صلى الله عليه وآله التكبير ، فعرف أن عليا قد قتله ، ثم اقبل علي نحو رسول الله صلى الله عليه وآله ووجهه يتهلل (1) .
203 ـ وأخبرنا العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي ، أخبرنا الاستاذ الامين أبو الحسن علي بن مردك الرازي ، أخبرنا الحافظ أبو سعد اسماعيل بن علي بن الحسين السمان ، حدثنا أبو حاتم محمد ابن عبد الواحد بن محمد الخزاعي املاء لفظا ، أخبرني أبو محمد ابراهيم بن محمد بن أسد بن عبد الملك السروي الحافظ ، حدثنا صالح بن أحمد بن يونس الهروي ، حدثنى علي بن أحمد بن عبد الرحمان الدمشقي ، حدثنا ضمرة ابن ربيعة ، عن مالك بن أنس ، عن ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرارا غير فرار ، يفتح الله عليه ، جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فبات المسلمون كلهم يستشرفون لذلك ، فلما أصبح قال : أين علي بن أبي طالب ؟ قالوا : أرمد العين ، قال : ائتونى به فاتى به فلما أتاه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ادن مني فدنا منه ، فتفل في عينيه ومسحهما بيده ، فقام علي بن أبي طالب عليه السلام من بين يديه وكأنه لم يرمد (2) .
204 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبي شيرويه ، أخبرنا
____________
(1) مستدرك الصحيحين 3 | 32 ـ تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام علي عليه السلام 1 | 169 ـ ح | 217 .
(2) الحديث رواه عدة من الحفاظ منها : أبو نعيم في حلية الاولياء 1 | 65 ـ ابن سعد في الطبقات 2 | 111 ـ الخطيب في تاريخ بغداد 8 | 5 .

( 171 )

أبو الفضل ، أخبرنا أبو علي ، أخبرنا أحمد بن نصر ، حدثنا صدقة بن موسى ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن ابن عباس قال : لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام عمرو بن عبد ود ، دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسيفه يقطر دماً ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله كبر ، فكبر المسلمون ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اللهم اعط عليا فضيلة لم تعطها أحداً قبله ، ولا تعطيها أحداً بعده ، فهبط جبرئيل ومعه اترجة من الجنة ، فقال له : ان الله عزوجل يقرأ عليك السلام ويقول لك حى بهذه علي بن أبي طالب ، فدفعها إليه فانفلقت في يده فلقتين ، فإذا فيها حريرة خضراء مكتوب فيها سطران بخضرة : تحية من الطالب الغالب إلى علي بن أبي طالب (1) .

الآثار :
205 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي الخوارزمي ، أخبرنا شيخ القضاة اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرني والدي شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت أحمد بن عبد الجبار العطاردي يقول : سمعت يحيى بن آدم يقول : ما شبهت قتل علي عمراً إلا بقول الله عزوجل (2) : « فهزموهم باذن الله وقتل داود جالوت » (3) .
206 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله
____________
(1) كتاب مائة منقبة لابن شاذان | 127 ح | 62 مع اختلاف في ذيل الحديث ورواه أيضا الكنجي في كفاية الطالب | 77 .
(2) البقرة : 251 .
(3) مستدرك الصحيحين 3 | 34 .

( 172 )

الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ـ مولى رسول الله صلى الله عليه وآله ـ قال : خرجنا مع علي حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله برايته ، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من يهود ، فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم القاه من يده فلقد رأيتنى في نفر من سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب ما استطعنا ان نقلبه (1) .
207 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ، اخبرنا أبو عبد الله الصفار ، حدثنا ابراهيم بن اسماعيل الشوطي ، حدثنا فضيل بن عبد الوهاب ، حدثنا المطلب بن زياد ، عن ليث ، عن أبي جعفر ، عن جابر بن عبد الله قال : حمل علي عليه السلام باب خيبر يومئذ فجرب بعده فلم يحمله إلا أربعون رجلا (2) .
208 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق بن يسار قال : قال علي بن أبي طالب عليه السلام حين ناول فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله السيف :

أفاطم هاك السيف غيــر ذميـم * فلست بـ رعديد ولا بلئيــم
لعمري لقد اعذرت عن نصر أحمد * ومرضــاة رب بالعباد رحيم

____________
(1) الحديث رواه أحمد في المسند 6 | 8 ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين 1 | 261 .
(2) تاريخ بغداد 11 | 342 وفيه جربوه . . كنز العمال 13 | 136 مع اختلاف يسير ورواه أيضاً الجويني في فرائد السمطين 1 | 261 .

( 173 )

قال ابن اسحاق : وسمع في ذلك اليوم ، وهاجت ريح شديدة فسمع مناد ينادي ؛ يقول :

لا سيـف إلا ذو الفقــار * ولا فتــى إلا عـلــي
فــإذا ندبـتــم هالكـا * فابكوا الوفى اخا الوفى (1)

209 ـ وبهذا الاسناد عن أحمد بن الحسين هذا ، أخبرنا أبو هاشم ، عن أبي مجلز ، عن أبي قيس بن عباد القيسي قال : سمعت أبا ذر يقسم قسما ان هذه الآية : « هذان خصمان اختصموا في ربهم » (2) نزلت في الذين برزوا يوم بدر الثلاثة : والثلاثة حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة والوليد (3) أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث هشيم .
210 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، حدثنا أحمد بن كامل بن خالد بن كامل القاضي ، حدثنا العباس بن حمد ، حدثنا سعيد بن يحيى بن الازهر ، حدثنا محمد بن فضيل ، عن سالم بن أبي حفصة ، عن مازن العابدي قال : قال علي ابن أبي طالب : ما وحدت من قتال القوم بداً أو الكفر بما انزل الله على محمد صلى الله عليه وآله (4) .
____________
(1) سيرة ابن هشام 2 | 100 مع اختلاف تاريخ الطبري 2 | 211 ورواه أيضا الجويني في فرائد السمطين 1 | 252 .
(2) الحج : 19 .
(3) حديث مشهور رواه الحفاظ الاثبات منها : البخاري في صحيحه 5 | 95 ـ كتاب المغازلي وكتابا لتفسير [ سورة الحج : 19 ـ 21 ] ـ مسلم في صحيحة كتاب التفسير 8 | 246 وابن المغازلي في مناقبه | 264 والحاكم في مستدركه 2 | 386 .
(4) رواه ابن عساكر في ترجمة الإمام علي عليه السلام 3 | 220 وفيه : عن ابن نباته ـ انساب الاشراف للبلاذرى 2 | 236 عن طارق بن شهاب .

( 174 )

وللسيد الحميري :

وعلي يــوم بـدر عممت * كفه السيف وليــداً فانعفر
ذاك يرويه سليمـان لنــا * صدق الاعمش في ذاك وبر
وحد الله ولـم يشـرك بـه * وقريش أهـل عـود وحجر

وللصاحب كافي الكفاة :

من كمولانــا علــي * والوغى تحمي لظاهــا
من يصيد الصيد فيهــا * بالضبــا حين انتضاها
انتضاها ثم امضاهــا * عليهم فارتضــاهــا
من له في كـل يــوم * وقعــات لا تضـاهـي
كم وكم حرب عقام (1) * سد بالصمصـام فاهــا
اذكـرا افعــال بدر * لست ابغى ما سواهــا
اذكرا غـزوة احــد * انه شمـس ضحاهــا
اذكرا حرب حنيــن * إنـه بــدر دجاهــا
واذكرا الاحزاب تعلـم * إنه ليث شـراهــا (2)
واذكرا أمـر بــراءة * واصدقانـي من تلاهــا
واذكرا مهجة عمـرو * كيف أقناهـا تجـاهــا
واذكرا من زوج الـز * هراء كيـمـا يتباهــى
واذكرا بكرة طيــر * فلقــد طــار نباهـا
واذكرا لي قلل العلـم * ومـن حــل ذراهــا
حاله حالة هــارون * لموســى فـافهمـاهـا
أعلــى حب على لا * مني القــوم سفـاهــا

____________
(1) حرب عقام : شديدة لا يلوى فيها احد على احد يكثر فيها القتل ويبقى النساء أيامي ـ لسان العرب .
(2) الشرى : تقدم معناه .

( 175 )

اهملوا قرباه جهلا * وتخطوا مقتضاها
ردت الشمس عليه * بعد ما غاب سناها
أول النـاس صلاة * جعل التقوى حلاها

الفصل الثاني
في بيان قتال أهل الجمل وهم الناكثون
211 ـ أخبرني الشيخ الامام شهاب الدين أبو النجيب سعد بن عبد الله ابن الحسن الهمداني ـ المعروف بالمروزي فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا الحافظ أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد باصبهان ـ فيما اذن لي في الرواية عنه ـ أخبرنا الشيخ الأديب أبو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن إبراهيم الطهراني ـ سنة ثلاث وسبعين واربعمائة ـ أخبرنا الإمام الحافظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني حدثنا وقال أبو النجيب سعد ابن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي ، وأخبرنا بهذا الحديث عالياً الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الاصبهاني في كتابه إلى من اصفهان ـ سنة ثمان وثمانين واربعمائة ـ عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ، حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا شهاب بن عباد ، حدثنى جعفر بن سليمان ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام ما يلقى من بعده ، قال : فبكى وقال : أسألك بحق قرابتي وبحق صحبتي الا دعوت الله لي ان يقبضني الله ، قال يا علي تسألني ان ادعو الله لأجل مؤجل ، قال : فقال : يارسول الله على ما اقاتل القوم ؟ قال : على الاحداث في الدين .
212 ـ وبهذا الاسناد عن أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا ، حدثنا محمد بن علي بن دحيم ، حدثنا أحمد بن حازم ، حدثنا عثمان بن
( 176 )

محمد ، حدثنا يونس بن أبي يعقوب ، حدثنا حماد بن عبد الرحمان الانصاري ، عن أبي سعيد التميمي ، عن علي عليه السلام قال : عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله ان اقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقيل له : يا أمير المؤمنين من الناكثون ؟ قال : الناكثون اصحاب الجمل ، والمارقون الخوارج ، والقاسطون أهل الشام (1)
213 ـ وبهذا الأسناد عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه هذا ، حدثنا محمد بن أحمد البرزاز ، حدثنا جدى محمد بن الخطاب ، حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عبد الجبار بن العباس ، عن عمار الدهنى ، عن سالم بن أبي الجعد قال : ذكر النبي صلى الله عليه وآله خروج بعض امهات المؤمنين ، فضحكت عايشة فقال : انظري يا حميرا لا تكونين هي ، ثم التفت إلى علي بن أبي طالب فقال : يا أبا الحسن ان وليت من امرها [ شيئاً ] فارفق بها (2) .
214 ـ وأخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا أبو الفتح عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري باصبهان ، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني ، حدثنا محمد بن الحسين الدقاق البغدادي ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا إبراهيم بن الحسن التغلبي ، حدثنا يحيى بن يعلى ، حدثنا عمر بن يزيد ، حدثنا عبد الله بن حنظلة ، حدثنى شهر بن حوشب قال : كنت عند ام سلمة « رض » فسلم رجل ، فقيل من أنت ؟ قال : أنا أبو ثابت مولى أبي ذر ، قالت : مرحباً بأبي ثابت ، أدخل فدخل فرحبت به فقالت : اين طار قلبك حين طارت القلوب مطايرها ، قال مع علي بن
____________
(1) اسد الغابة لابن اثير الجزري : 4 | 33 .
(2) مستدرك الصحيحين 3 | 119 .

( 177 )

أبي طالب عليه السلام ، قالت وفقت والذي نفس ام سلمة بيده لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : علي مع القرآن والقرآن مع علي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ولقد بعثت إبنى عمر ، وابن أخى عبد الله ـ أبي امية ـ وأمرتهما ان يقاتلا مع علي من قاتله ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله امرنا أن نقر في حجالنا أو في بيوتنا ، لخرجت حتى أقف في صف علي (1) .
215 ـ وأخبرني أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي هذا ـ فيما كتب الي من همدان ـ أخبرنا عبدوس هذا كتابة ، عن الشريف أبي طالب المفضل بن محمد بن طاهر الجعفري باصبهان ، عن الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك الاصبهاني ، حدثنى محمد بن عبد الله بن الحسين ، حدثنا علي بن الحسين بن اسماعيل ، حدثنا محمد بن الوليد العقيلي ، حدثنى قثم بن أبي قتادة الحراني ، حدثنا وكيع ، عن خالد النواء ، عن الأصبغ بن نباتة قال : لما ان اصيب زيد بن صوحان يوم الجمل ، أتاه علي وبه رمق ، فوقف عليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فهو لما به فقال : رحمك الله يا زيد ، فوالله ما عرفناك إلا خفيف المؤنة ، كثير المعونة ، قال : فرفع إليه رأسه فقال وأنت ، يرحمك الله ، فوالله ما عرفتك إلا بالله عالما ، وبآياته عارفا ، والله ما قاتلت معك من جهل ولكني سمعت حذيفة بن اليمان يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : علي أمير البررة ، وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، ألا وان الحق معه ، ألا وان الحق معه يتبعه ، ألا فميلوا معه (2) .
216 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد الحافظ أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي
____________
(1) نظيره في مستدرك الصحيحين 3 | 119 و124 ـ ورواه أيضا الجويني | في فرائد السمطين 1 | 177 .
(2) رواه الكشي في رجاله | 63 ـ انساب الاشراف 2 | 163 مع اختلاف في المتن .

( 178 )

الخوارزمي ، أخبرنا القاضي الإمام شيخ القضاة إسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدى شيخ السنة أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الحافظ ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري ، حدثنا عبيدالله بن موسى ، حدثنا ابو ميمونة ، عن أبي بشير الشيباني قال : لما قتل عثمان ، اختلف الناس في علي يقولون له : نبايعك ومعهم طلحة والزبير والمهاجرون والانصار ، فقال لا حاجة لى في الإمرة ، انظروا إلى من تختارون اكون معكم ، قال فاختلفوا إليه أربعين ليلة ، فابوا عليه إلا أن يكون يفعل ، وقالوا نحن منذ أربعين ليلة ليس أحد يأخذ على سفيهنا ، قال على : اصلى بكم ويكون مفتاح بيت المال بيدي وليس أمرى دونكم ، أترضون بهذا ؟ قالوا نعم ، قال وليس أن أعطى أحداً درهماً دونكم ؟ قالوا : نعم ، يقول ذلك لهم ثلاثة أيام ، قالوا نعم ، فقعد على المنبر وبايعه الناس قال فنزل واعطى كل ذي حق حقه ، وسكن الناس وهدؤا قال فلم يكن إلا يسيراً حتى دخل عليه طلحة والزبير فقالا . يا أمير المؤمنين ان أرضنا أرض شديدة ، وعيالنا كثير . ونفقتنا كثيرة ، قال : الم أقل لكم اني لا أعطى أحدا دون أحد ؟ قالوا بلى قال فأتوا باصحابكم فان رضوا بذلك أعطيتكم وإلا لم أعطكم دونهم ، ولو كان عندي شيء اعطيتكم من الذي لي لو انتظرتم حتى يخرج عطائي أعطيتكم من عطائي قالوا ما نريد من الذي لك شيئاً ، وخرجا من عنده فلم يلبثا إلا قليلاً حتى دخلوا عليه فقالوا ائذن لنا في العمرة ؟ قال : ما تريدون العمرة ولكن تريدون الغدرة ، قالوا كلا قال قد اذنت لكما ، اذهبا ، قال فخرجوا حتى أتوا مكة وكانت ام سلمة وعائشة بمكة فدخلوا على ام سلمة فقالوا لها وشكوا إليها فوقعت فيهما وقالت انتم تريدون الفتنة ونهتهم عن ذلك نهياً شديداً ، قال فخرجوا من عندها حتى أتوا عائشة فقالوا لها مثل ذلك ، وقالوا نريد أن تخرجي معنا نقاتل هذا الرجل قالت نعم .
( 179 )

قال فكتب أمير مكة إلى علي : أن طلحة والزبير جاءا فاخرجا عائشة ، ما ندري أين خرجوا بها (1) فصعد المنبر فدعا الناس فقال : انا كنت أعلم بكم فأبيتم ، قالوا وما ذاك ؟ قال : ان طلحة والزبير أتياني فذكرا حالهما ، فقلت : ليس عندي شيء ، فاستأذناني في العمرة ، فقد أخرجا عائشة إلى البصرة تقاتلكم ، قالوا : نحن معك فمرنا بامرك ، قال : ان هؤلاء يجتمعون عليكم وارضكم شديدة ، سيروا أنتم إليهم ، وكتب إلى أمير الكوفة : يستنفر الناس قال : فاجتمعوا بالبصرة فقال علي : من ياخذ المصحف ثم يقول لهم ماذا تنقمون ، تريقون دماءنا ودمائكم ؟ فقال رجل : انا يا أمير المؤمنين ، قال : انك مقتول ، قال : لا ابالي ، قال : خذ المصحف قال : فذهب إليهم فقتلوه ، ثم قال من الغد مثل ما قال بالامس ، فقال رجل : انا ، قال : انك مقتول كما قتل صاحبك بالامس ، قال : لا ابالى ، قال فذهب فقتل ، ثم قتل آخر كل يوم واحد فقال علي : قد حل لكم قتالهم الآن ، قال فبرز هؤلاء وهؤلاء فاقتتلوا قتالاً شديداً ، قال وقتل طلحة في المعركة وانهزم أصحاب الجمل ، قال وعايشة واقفة على بعيرها ليس عندها أحد ، فقال علي لمحمد بن أبي بكر : خذ بزمام بعير اختك ، فأتاها فقالت : من أنت ؟ قال ابنك (2) ، قالت كلا ، قال بلى ولو كرهت ، قال وقد كان علي عليه السلام قبل ذلك قال أين الزبير ؟ قالوا هوذا واقف ، فأرسل إليه رسولا : ادن منى حتى أخبرك ، قال وهو في السلاح قال وعلي قباطان وبرنس وسيف وقلنسوة ، فقال له الحسن : يا أمير المؤمنين ذاك في السلاح وليس عليك إلا ما أرى ، قال له علي : أنته عني ، قال فدنا كل واحد منهما من الآخر حتى اختلفت رؤوس دابتيهما ، فقال له علي : تذكر يوم كنت أنا وأنت في مكان كذا وكذا ، فمر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : لتقاتلن هذا وأنت ظالم له ؟ قال له الزبير : ذكرتني ما قد
____________
(1) الامامة والسياسة 1 | 62 .
(2) مراده ان عائشة ام المؤمنين .

( 180 )

نسيت ، فلن أسل عليك سيفا فأدبر ، فقال له عبد الله ابنه : ما هذا الذي ذكر لك علي ؟ قال : ذكرني شيئا كنت قد نسيته ، فقال : بعد ما أخرجت القوم تتركهم وتذهب ، قال ابو بشر : فرد عليهم ما كان في العسكر حتى القدر . وروى ان ابنه عبد الله وبخه بتركه القتال وقال : لعلك رأيت الموت الاحمر تحت رايات ابن أبي طالب عليه السلام ، لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبداً ، فغضب الزبير من ذلك وصاح بفرسه وحمل على أصحاب علي عليه السلام حملة منكرة ، فقال علي لأصحابه : فرجوا له فانه محرج ، فأوسعوا له ، فشق الصفوف حتى خرج منها ، ثم رجع فشقها ثانية ، ولم يطعن أحداً ولم يضرب ، ثم رجع إلى ابنه فقال : هذه حملة جبان ؟ فقال له ابنه عبد الله : فلم تنصرف عنا الآن وقد التقت حلقتا البطان ؟ فقال الزبير : يا بني ارجع والله لأخبار كان النبي صلى الله عليه وآله عهدها إلى فانسيتها حتى أذكرنيها علي فعرفتها قال : ثم خرج الزبير من عسكرهم تائباً مما كان فيه وهو ينشد ويقول :

ترك الأمور التي تخشى عواقبهـا * لله أجمل في الدنيا وفـي الديـن
نادى علي بأمـر لسـت أنكــره * قد كـان عمر أبيك الخير مذ حين
فاخترت عاراً علـى نار مؤججـة * أنـى بقـوم لهـا خلق من الطين
أخال طلحة وسط القـوم منجـدلا * ركن الضعيف ومأوى كل مسكين
قد كنت أنصر احيانـا وينصرنـي * في النائبـات ويرمى من يرامينى
حتى ابتلينا بامـر ضــاق مصدره * فأصبح اليــوم ما يعنيه يعنينى

قال ثم مضى الزبير منفرداً وتبعه خمسة من الفرسان ، فحمل عليهم وفرقهم وفرق جمعهم ، ومضى حتى إذا صار إلى واد السباع (1) ، فنزل على قوم
____________
(1) في مراصد الاطلاع : وادي السباع الذي قتل فيه الزبير بين البصرة ومكة ووادي السباع من نواحي الكوفة .
( 181 )

من بني تميم فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعى ، فقال له : أبا عبد الله كيف تركت القوم ؟ فقال الزبير : تركتهم والله قد عزموا على القتال ولا شك الا وقد التقوا ، قال فسكت عنه عمرو بن جرموز وامر له بطعام وشئ من لبن فأكل الزبير وشرب ، ثم قام فصلى واخذ مضجعه ، فلما علم ابن جرموز أن الزبير قد نام ، وثب إليه فضربه بسيفه ضربة على ام رأسه فقتله (1) .
قال رضي الله عنه : التقت حلقتا البطان يضرب في تناهي الأمر (2) ، لأن البطان هو الرحل ، وانما تلتقي حلقتاه وعروتاه إذا اضطرب حزام الرجل واستأخر حتى التفت عروتاه وهو لا يقدر على النزول فرقا ليشد .
217 ـ وأخبرنا الشيخ الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي ، أخبرنا اسماعيل بن أحمد الواعظ ، أخبرنا والدى أحمد بن الحسين البيهقي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري ببغداد ، اخبرنا اسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا سعدان بن نصر ، حدثنا عمرو بن شيب ، حدثنا الحسن بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال : أول شهود شهدوا في الاسلام بالزور واخذوا عليه الرشا ، الشهود الذين شهدوا عند عائشة حين مرت بماء الحوأب (3) ، فقالت عائشة : ردوني ، ردوني مرتين ، فأتوها بسبعين شيخا فشهدوا أنه ماؤنا وما هو بماء الحوأب (4) .
____________
(1) رواه الطبري في وقايع سنة 36 ج 4 | 535 .
(2) في [ ر ] : الشر .
(3) حوأب : موضع في طريق البصرة محاذي البقرة ماءة أيضا من مياههم ـ معجم البلدان وقد تذكرت عائشة تحذير النبي صلى الله عليه وآله عن محاربة علي في موقع آخر وبمناسبة اخرى ودلك عندما احضروا لها بعيرا فلما رأته اعجبها وانشأ الجمال يحدثها بقوته وشدته ويقول : في اثناء كلامه : « عسكر » فلما سمعت هذه اللفظة استرجعت وقالت : ردوه لا حاجة لي فيه ، وذكرت حين سئلت أن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكر لها هذا الاسم ونهاها عن ركوبه ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6 | 224 .
(4) انساب الأشراف 2 | 224 اطول من ذلك الامامة والسياسة 1 | 63 ـ مروج الذهب 2 | 358 .