لمحات عن المصائب التي اعترضت حياة زينب منذ طفولتها

لقد شاءت الاقدار والصدف ان تتعرض الحوراء زينب بنت علي وفاطمة لتلك الاحداث الجسام منذ طفولتها حتى النفس الاخير من حياتها وأصبحت حياتها محفوفة بسلسلة من الآلام منذ البداية وحتى النهاية .
صحيح ان كل الناس لا تخلو حياته من الهموم والمتاعب والآلام من غير فرق بين عامة الناس وبين ذوي الجاه والسلطان والثراء ، وقديما قيل : اذا انصفك الدهر فيوم لك ويوم عليك ، ومن الذي استطاع في حياته ان ينجو من البلاء والنكبات وأن يحقق جميع رغباته وما يطمح اليه في حياته ، ولم يبتلى اما بنفسه او بعزيز من أعزائه وأبنائه او بأشخاص من خارج اسرته ينغصون عليه حياته .
ولكن من غير المألوف ان يكون الإنسان مستهدفاً للمحن والأرزاء والمصائب منذ طفولته وحتى اخر لحظة من حياته وأن يعيش في خضم الاحداث والمصائب والأرزاء كما عاشت عقيلة الهاشميين التي احاطت بها الشدائد والنوائب من كل جهاتها وتوالت عليها الواحدة تلو الاخرى حتى وكأنها واياها على ميعاد وأصبحت تعرف بأم المصائب اكثر مما تعرف


( 109 )

باسمها .
فقد شاهدت جدها المصطفى وهو يصارع الموت وأمها وأبوها وخيار الصحابة يتلوون بين يديه مذهولين عن كل شيء إلا عن شخصه الكريم ومصير الإسلام من بعده ، وشاهدت وفاته وانتقاله الى الرفيق الأعلى وفجيعة المسلمين به وبخاصة ابيها وامها ، وسمعت اباها امير المؤمنين يقول يومذاك : لقد نزل بي من وفاة رسول الله (ص) ما لم اكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به ، ورأيت الناس من اهل بيتي ما بين جازع لا يملكن جزعه ولا يضبط نفسه ولا يقوى على حمل ما نزل وحل به ، وبين من أذهب الجزع صبره وأذهل عقله وحال بينه وبين الفهم والافهام والقول والإسماع . وليس ذلك بغريب ولا مستهجن اذا أصيب اهل البيت بذلك وأكثر منه فان تأثير المصائب والاحداث انما يكون حسب جسامتها وما يرافقها ويحدث بعدها على ذوي الفقيد وعلى مجتمعه ، وأهل البيت (ع) من أعرف الناس بمقام النبي وأكثرهم انصهارا بمبادئه ورسالته وبما قدمه للبشرية في كل عصر وزمان ويدركون الاخطار التي ستحيط بالرسالة وبهم ممن لم يخالط الإسلام قلوبهم وممن كانوا ينتظرون وفاته بفارغ الصبر .
هذا بالإضافة الى انه كان قد حدث اهل بيته بكل ما سيجري عليهم من بعده وكرره على مسامعهم اكثر من مرة تصريحاً وتلويحاً ، وحتى ساعة وفاته كان ينظر اليهم ويبكى وقال لمن سأله عن بكائه : ابكي لذريتي وما يصنعه معهم شرار أمتي من بعدي .
لقد شاهدت زينب كل ذلك وكانت تتلوى وتتألم الى جانب امها وأبيها ، وشاهدت محنة امها الزهراء وبكائها المتواصل على ابيها في بيت الاحزان ، ودخول القوم الى بيتها وانتهاك حرمتها واغتصاب حقها وارثها واسقاط جنينها ، وهي تستغيث وتناشد القوم ان يراعوا وصية


( 110 )

رسول الله (ص) فيها وفي اهل بيته فلا تغاث ، هذا وبلا شك فان العقيلة يومذاك كانت تتلوى وتصرخ الى جانب امها وتكاد صرختها تخرج من حشاها اللاهب الذي يقطعه الاسى والألم ، وبعد أيام معدودات من مواقف القوم واسقاط جنينها من آثار تلك الصدمة شاهدت امها جثة هامدة على المغتسل تجهزها اسماء بن عميس وجاريتها فضة الى مقرها الاخير بجوار ابيها الذي بشرها بالموت السريع وقال ها : انت اول بيتي لحوقاً بي فابتسمت للموت السريع الذي لا يبتسم له إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً ، ورأت اباها وهو يبكيها ويندبها بقوله : قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ورق عن سيدة النساء تجلدي ، لقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة وستنبئك بتضافر أمتك على هصما فاحفها السؤال واستخبرها الحال ، اما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد ، إلى اخر ما جاء عنه في وداعها وهي تتلوى لفقد امها وما حل بأبيها .
وظلت تتجرع آلام تلك الاحداث طيلة حياتها وشاهدت بعد ان اصبحت زوجة وأما لاسرة من أحفاد جدها ابي طالب مصرع ابيها امير المؤمنين وآثار تلك الضربة الغادرة بسيف البغي والعدوان في رأسه وسريان السم في جسده الشريف ودموعه تتحدر على خديه وهو يقلب طرفه بالنظر اليها تارة والى أخويها الحسن والحسين اخرى ويتلوى لما سيجري عليهم من بعده من مردة الأمويين وطواغيتهم .
وشاهدت اخاها الحسن السبط أصفر اللون يجود بنفسه ويلفظ كبده قطعاً من آثار السم الذي دسه اليه ابن هند وكان من في البيت قد وضعوا طشتا بين يديه وهو يقذف كبده فيه ، ولما أحس بدخولها عليه كالمذهولة امرهم باخراج الطشت من امامه اشفاقا عليها ، وحينما حمل المسلمون نعشه لمواراته الى جانب مرقد جده كما كان يتمنى رأت عائشة المسماة بأم المؤمنين على بغلة وحولها طواغيت بني أمية وهي


( 111 )

تصيح بأعلى صوتها : والله لا يدفن الحسن مع جده او تجز هذه مشيرة الى ناصيتها وتقول لمن كان محيطا بنعشه من الهاشميين : يا بني هاشم لا تدخلوا بيتي من لا احب وهي لا تملك من البيت غير الثمن من التسع ورأت أخاها الحسين (ع) حينما واراه في قبره يبكيه بلوعة وأسف ويقول :

سـأبكيك مـا ناحت حمـامة ايكـة * وما اخضر في دوح الحجاز قضيب
أأدهن رأسـي ام تـطيب مجالسـي * وخــدك معفـور وأنـت سليـب
غـريب وأكناف الحجـاز تحوطـه * الاكـل مـن تـحت التراب غريب
فلا يفـرح الباقي ببعد الذي مـضى * فكـل فتـى للمـوت فيـه نصيب
بكائـي طويـل والـدموع غزيـرة * وأنـت بعيـد والمــزار قـريب
ولـيس حريبـاً مـن أصيب بمالـه * ولكـن مـن وارى اخـاه حـريب

وكانت العقيلة شريكته في كل ما كان يعانيه لفقد اخيه وما رافق ذلك من أحداث تلت وفاته واستمرت طيلة حياتها في سلسلة من المصائب والأحزان بين الحين والاخر طيلة تلك الأعوام حتى كانت مصيبتها الكبرى بأخوتها وسراة قومها على صعيد كربلاء واشتركت بأكثر فصولها ، ولم يبق غيرها لتلك القافلة من النساء والايتام والاسرى بعد تلك المجزرة الرهيبة وخلال مسيرتها من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام عاصمة الجلادين .
هكذا كانت حياة السيدة زينب من حين طفولتها الى الشطر الاخير من حياتها حياة مشبعة بالأحزان متخمة بالمصائب والآلام وبعد هذه الاشارة الموجزة الى جميع مراحل حياتها يحق لنا ان نتساءل عن مواقفها من تلك الاحداث ، هل أصيبت بما تصاب به النساء وحتى الرجال من الاضطراب ، وهل هيمنت عليها العاطفة العمياء التي لا يبقى معها اثر لعقل


( 112 )

ودين وخرجت عن حدود الاحتشام والاتزان كما يخرج عامة الناس في مثل هذه الحالات والاحداث الجسام . لقد كانت ابنة محمد وعلي وفاطمة وأخت الحسنين وحفيدة أبي طالب أثبت من الجبال الرواسي وأقوى من جميع تلك الاحداث والخطوب التي لا يقوى على مواجهتها احد من الناس ، لقد وقفت في مجلس ابن زياد في الكوفة متحدية لسلطانه وجبروته تنقض عليه كالصاعقة غير هيابة لوعيده ولا لسياط جلاديه ، كما وقفت نفس الموقف في مجلس بن ميسون وأثارت عليه الرأي العام الإسلامي بحجتها ومنطقها مما جعله يتباكى على الحسين ويكيل الشتائم لابن مرجانة كما ذكرنا .
لقد تحولت تلك المحن والمصائب بكاملها الى عقل وصبر وثقة بالله ، وكشفت كل نازلة نزلت بها عن اسمى معاني الكمال والجلال في نفسها وعقلها وعن اسمى درجات الايمان والصبر الجميل ولم يكن اعتصامها بالله وثقتها به الا صورة صادقة لاعتصام جدها وأبيها وثقتهما به في أحلك الساعات وأشد الازمات ، وأي شيء أدل على ذلك من قيامها بين يدي الله سبحانه للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم وأخيها الحسين وبنيها واخوتها وأبناء عمومتها وأصحاب اخيها جثث على ثرى الطف تسفى عليهم الرياح ، ومن حولها عشرات النساء والأطفال في صياح وعويل يملأ صحراء كربلاء وجيش ابن زياد وابن سعد يحيط بها من كل جانب .
ان صلاتها في تلك الليلة وفي ذلك الجو الذي يذهل فيه الإنسان عن نفسه مهما بلغ من رباطة الجأش وقوة الارادة كصلاة جدها رسول الله (ص) في المسجد الحرام في مطلع الدعوة والمشركون يومذاك على شراستهم يحيطون به من كل جانب ومكان يرشقونه بالحجارة وبما أعدوه لإهانته من الأوساخ والنافيات ويتوعدونه بكل انواع الاساءة ،


( 113 )

وكصلاة ابيها امير المؤمنين في وسط المعركة في صفين والقتلى تتساقط عن يمينه وشماله . ومعاوية يحرض جيشه على مواصلة القتال واغتياله بكل الوسائل وكصلاة اخيها سيدة الشهداء في وسط المعركة يوم العاشر من المحرم وسهام اهل الكوفة تنهال عليه من كل جانب ومكان . وان لم يكن لها الا قولها حين مروا بموكب السبايا في طريقهم على مصارع القتلى ورأت أخاها الحسين وبنيها واخوتها وأبناء عمومتها وأنصارهم أشلاء مبعثرة هنا وهناك ان لم يكن لها إلا قولها حين نظرت الى تلك الاشلاء اللهم تقبل منها هذا القربان يكفها لان تكون فوق مستوى الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة والصبر وقوة الإيمان .
وخلال حديثي عن ثورة الحسين (ع) لقد عرضت بعض الجوانب من مواقف العقيلة في كربلاء خلال المعركة وبعدها وفي الكوفة مع اهالي الكوفة الذي خرجوا يبكون ويندبون الحسين ومن قتل معه ، ومع ابن مرجانة في قصر الخضراء حينما رأت الابتسامة تملأ شدقيه ورأس اخيها سيد الشهداء بين يديه ينكث ثناياه بمخصرته ويتمنى حضور اشياخه الذين صرعهم علي بن ابي طالب والد الحسين في معركة بدر الى غير ذلك من مواقفها الكريمة التي ضربت فيها اروع الأمثلة في البطولات والشمم والمثل العليا ، وبينت بمواقفها للعالم في كل عصر وجيل ان المرأة المسلمة باستطاعتها ان تزعزع عروش الطغاة وفراعنة العصور وأن تقلب الدنيا على رؤوسهم كما فعلت ابنة علي والزهراء .


( 114 )

مرقد العقيلة زينب بنت علي (ع)

وأرى بعد هذا العرض السريع للمراحل التي مرت بها العقيلة في بيت ابيها وزوجها ومع اخيها في رحلته الى الشهادة ان أتحدث ولو بأقصى ما يمكن من الايجاز عن مرقدها الذي ادعته الاقطار الثلاثة المدينة المنورة في الحجاز ، ومحلّة الفسطاط من القاهرة في مصر ، ومحلة الغوطة في القرب من دمشق السام لها مرقدان حتى يومنا هذا في القاهرة ودمشق الشام تقصدها مئات الالوف كل عام من المسلمين لزيارتها والتبرك بمرقدها والتوسل الى الله بجدها المصطفى وأبيها المرتضى وأمها الزهراء لقضاء حوائجهم ، اما قبرها في المدينة فلقد كان في البقيع الى جانب غيره من قبور اهل البيت وصلحاء المسلمين من صحابة الرسول وغيرهم ، ولما انتقلت السلطة الى الوهابيين وحكموا الحجاز هدموا قبور اهل البيت وغيرهم من المسلمين وحاولوا هدم قبر النبي (ص) بحجة ان بناء القبور وزيارتها من انواع الشرك بالله لولا الضجة العالمية من جميع المسلمين في جميع انحاء العالم التي اعترضت تصميمهم على هدمه .
انهم يرون زيارة البناء الذي يضم رفات الانبياء والصديقين والائمة


( 115 )

الطاهرين شركا والحادا ، اما القصور التي تجمع بين جدرانها آلاف الجواري والراقصات ومئات الاطنان من الخمور فلا تتنافى مع الإسلام ولا مع تعاليمه ومقدساته عند أدعياء الإسلام وحكام العصور ان تقديس المسلمين لقبر النبي (ص) وقبور الأئمة الطاهرين وزيارتهم الذي ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل الإسلام ومقدساته ومن اجل الإنسان وكرامته التي داسها الامويون وفراعنة العصور بأقدامهم ، ليست الا احتجاجا صارخاً على الباطل وأهله وتعبيراً صادقاً عن الاخلاص للحق والنقمة على الجور وصواعق تنهال على رؤوس الطغاة والظالمين في كل زمان ومكان .


( 116 )

مع الوهابيين بمناسبة الحديث عن مرقد العقيلة

بهذه المناسبة وقبل الخوض في تفاصيل ما قيل حول مرقدها ونظرا لان الوهابيين يرون تشييد قبور الاولياء وزيارتها من انواع الشرك ولا يزالون يواصلون حملاتهم المسعورة على الشيعة رأيت نفسي مدفوعا الى هذه الوقفة القصيرة معهم لأعود بعدها الى مواصلة الحديث عن مرقدها الذي تضاربت الآراء حوله ، لان السكوت الذي التزمناه عن اولئك المسعورين حرصا منا على وحدة الصف لم يضع حدا لعدوانهم بل زادهم امعانا في البغي والعدوان والتعامل مع الشيعة بأسوأ من معاملتهم لغير المسلمين كما سنقدم بعض الارقام على ذلك .
ان حماة الحرمين يحافظون على معابد السنة ومقابرهم ويبذلون لتشييدها وترميمها الملايين من الدولارات ونحن نبارك عملهم هذا لو كانوا لا يميزون بين مسجد ومسجد ولا بين مقبرة ومقبرة ولكنهم ومع الأسف الشديد لا يبذلون قرشاً واحداً على مساجد الشيعة ومعابدهم ويتتبعون قبور صلحائهم وأوليائهم بالهدم والتخريب ويدعون بأن تشييد قبور الانبياء والائمة من ذرية الرسول كفر وشرك بالله مع العلم


( 117 )

بأن الشيعة انما يحترمون قبور الانبياء والائمة باعتبارها رمزا لمن حل بها من اولئك الذين ضحوا بأنفسهم وبكل ما يملكون في سبيل الله والإسلام والمستضعفين في الأرض وكانوا ثورة على الشرك والظلم والعدوان ومن اجل الانسان وكرامة الانسان .
ولم يكتف الوهابيون بذلك بل يعاملون الشيعة بأسوأ مما يعاملون به الكفار والمشركين بالله كما ذكرنا فلا يقبلون شهادة الشيعي على غيره مهما بلغ من الدين والتقوى ويقبلون شهادة السني والبدوي عليه ولو خرجا من نوادي القمار وموائد الخمور ومن بين أحضان البغايا والمومسات في حين ان الشيعة يقبلون شهادة البدوي والقروي والنجدي على الشيعي وغيره اذا كان الشاهد عادلا ملتزما بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه ، هذا مع العلم بأن الحنابلة الذين يعمل الوهابيون بفقههم لا يقبلون شهادة البدوي على القروي ويقبلها الوهابيون اذا كان البدوي نجديا والقروي من خارج نجد (1) .
ان الوهابيين يفرقون بين الشيعي وغيره في اكثر الاحكام الشرعية ويحاربون جميع الآثار الشيعية ويبذلون ملايين الدولارات للدس والكذب على الشيعة وأئمة الشيعة الذين بذلوا حياتهم وجميع ما يملكون في سبيل الإسلام والمسلمين ولم يفرقوا بين فئة وفئة ولا فريق وفريق ما دام الجميع يشهدون لله بالوحدانية ولمحد بالنبوة والرسالة .
انهم يتعاملون مع الشيعة بنفس الروح التي كان يتعامل بها معهم الامويون والعباسيون ويراقبون جميع تحركاتهم وتصرفاتهم حتى وكأنهم من ألد اعداء العرب والإسلام ولم يأخذوا بأي أثر من آثار اهل البيت التي
____________
1 ـ ميزان الشعراني في باب الشهادات .
( 118 )

تجسد اسلام محمد بن عبدالله ويمنعون جميع الكتب الشيعية القديم منها والحديث من الدخول للبلاد التي يحكمونها في شبه الجزيرة العربية ويحظرون على بائعي الكتب استيراد جميع المؤلفات الشيعية التي تتحدث عن الدين والاخلاق الاسلامية والادب والفلسفة والتاريخ وما الى ذلك من المواضيع الاسلامية مع العلم بأن اصحاب تلك المؤلفات يحملون روحا اسلامية صادقة تدافع وتناضل عن كل من ينتسب الى الإسلام حتى ولو لم يكن شيعيا ، ولا يتعرضون في مؤلفاتهم للعائلة الحاكمة ولا لسياستهم وسيرتهم واسرافهم في اللهو والمنكرات كما تتحدث عنهم الصحف ووكالات الانباء العالمية والاجنبية ولا ذنب للشيعة الا انهم يوالون اهل بيت نبيهم محمد بن عبدالله (ص) الذين أمر الله بمودتهم كما جاء في الآية لا اسألكم عليه أجرا الا المودة في القربى وأكدته عشرات النصوص التي روتها مجاميع الحديث السنية وصحاحهم .
انهم يمنعون الكتب الشيعية ومؤلفات الشيعة القديم منها والجديد من الدخول لبلادهم ويعاقبون من يستوردها ويقتنيها ويقتنون ويستوردون كتب الفسوق والفجور والخلاعة والمستشرقين من اعداء الاسلام والكتب التي تعلم الناس الفوضى والفساد والكفر والالحاد ، والتي تعود بالحياة مئات السنين والاعوام الى الوراء ، ويحاربون الكتب التي تدعو الى الاسلام وتدافع عنه وتحث على العمل بكتاب الله وسنة نبيه رسول الرحمة والحرية والكرامة .
ان شيوخ الوهابية في اواخر القرن العشرين يحكمون بعدم صحة زواج السنية من الشيعي الموالي لعلي وآل بيت نبيهم محمد بن عبدالله رسول الرحمة والعدالة والمحبة كما يحكمون بعدم صحة زواجها من المشركين .
فقد جاء في جريدة الجزيرة السعودية عدد 3105 تاريخ 14 شباط


( 119 )

سنة 1981 ـ 10 ربيع الثاني 1401 جاء فيها سؤال موجه الى احد شيوخ الوهابية من شخص يدعى حسين حاجي في الرياض يسأل فيه ما حكم زواج السنية من الشيعي . ويقول الشيخ الوهابي في جوابه كما جاء في الجريدة المذكورة : لا يجوز زواج السنية من الشيعي ولا يقبل هذا الزواج ويفسخ اذا حصل ويعاقب من يفعل ذلك لان اهل السنة والجماعة طريقهم معروف في القول والعمل والاعتقاد والشيعة طريقهم معروف ولا مقاربة بينهما لا في الاصول ولا في الفروع .
بهذه الصلافة والوقاحة والجرأة على الله ورسوله يتكلم احد شيوخ الوهابية ويحكم بفساد عقد النكاح اذا وقع بين سنية مسلمة وشيعي ومسلم وبفسخه ومعاقبة من يفعل ذلك ، وينطلق شيخ الوهابيين لجوابه هذا وهو في اواخر القرن العشرين من ان الشيعة لا يلتقون ولو من بعيد مع اهل السنة لا في أصول الاسلام ولا في فروعه .
وهذا الجواب وان كان من نوع اللغو والهذيان ولا يستحق غير السخرية ، ولكني ارى لزاما علي ان اقول لهذا الشيخ ولغيره من شيوخ السوء الحاقدين على اهل البيت وشيعتهم والذين يتكلمون بلغه الامويين وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب ، ان أصول الاسلام عند الشيعة هي توحيد الله الواحد الاحد وعدله ونبوة محمد بن عبدالله والمعاد ، وفروع الاسلام هي الصلاة والصيام والحج والزكاة وجهاد الكافرين والظالمين المستهترين بأحكام الله وحقوق الناس وكرامتهم وهذه الاصول والفروع يجب الالتزام بها على كل بالغ عاقل قولا وعملا والشيعة يعتقدون بأنهم يلتقون مع اخوانهم اهل السنة في أصول هذه المبادئ والاعتراف بها وعلى اساس ذلك فهم يزوجون اهل السنة من بناتهم ويتزوجون بنات اهل السنة .
واذا كان المذهب الوهابي الذي قيل عنه في جميع الاوساط


( 120 )

السنية بأنه بدعة ولا يزال هذا الوصف شائعا عنه بين أهل السنة إلى جانب قولهم بأنه لا يمت إلى الإسلام بسبب ، إذا كان المذهب الوهابي لا يعترف بهذه الفروع والاصول أو ببعضها فلا مقاربة بين الشيعة والوهابية كما يدعي فضيلة الشيخ الوهابي ، والشيعة بناء لذلك لا بد وأن يلتزموا بأنه لا يصح زواج الشيعية من الوهابي وإذا وقع بينهما زواج يفسخ الزواج ويعاقب من يفعل ذلك ، ويجب أن يعلم فضيلة الشيخ الوهابي الذي يكفر الشيعة لأنهم يوالون اهل البيت (ع) انه لولا المليارات التي تتدفق على البلاد الإسلامية من السعودية لكان المذهب الوهابي بدعة بنظر اكثر علماء السنة ومفكريهم ، وقد سبق لعلماء السنة قبل ان يظهر البترول في تلك البلاد وفي عهد ابراهيم باشا بالذات الذي ملك بلادهم ودخل عاصمتهم الدرعية ان حكموا على المذهب الوهابي بذلك وعلى اساسه قتل ابراهيم باشا نحوا من خمسمائة من علمائهم وفقهائهم .
فقد جاء في كتاب ابراهيم باشا للمستشرق ( بيير كربيس ) ص 40 طبعة سنة 1937 جاء فيه انه لما تغلب ابراهيم باشا على السعوديين وملك بلادهم ودخل عاصمتهم الدرعية وخضع له جميع أمراء البيت السعودي استدعى رجال الدين والفقهاء السعوديين وكان عددهم خمسمائة وقال لهم ك لقد احضرت معي من القاهرة جماعة من اكابر العلماء السنيين أريد أن تجتمعوا بهم وتبحثوا اسباب الخلاف المستحكم بين عقائدكم وعقائد اهل السنة من المسلمين ، فاجتمع الفريقان نزولا عند امره وظل خطباؤهم ثلاثة ايام كاملة يتناقشون في الفروق الدقيقة بين المذهبين وابراهيم باشا معهم يستمع لأقوال الفريقين ولما لم يتوصلوا الى نتيجة حاسمة أقفل باب الجدل وتوجه بالسؤال الى كبير مشايخ الوهابيين وقال له :
هل تؤمن بأن الله واحد وان الدين الصحيح هو دينكم وحده فقال له الشيخ : اني أؤمن بذلك ، فقال له ابراهيم باشا : ما رأيك في الجنة


( 121 )

ايها الخنزير وما عرضها على حد تعبير المؤلف ، فقال له الشيخ : عرضها كعرض السموات والأرض أعدت للمتقين ، وهنا قال له الباشا : اذا كان عرضها كعرض السموات والارض وأنت وأصحابك تظللكم شجرة واحدة من شجراتها فلمن تكون المساحة الباقية ولماذا جعلها الله بتلك السعة اذا كنتم وحدكم من اهلها كما تدعون ، فأفحم الشيخ وبان عليه الفشل والانكسار فأمر ابراهيم باشا جنوده بقتلهم عن آخرهم فلم تمض سوى دقائق معدودة حتى كان مسجد الدرعية مقبرة لجميع اولئك الفقهاء (1) .
ان ما فعله ابراهيم باشا بفتوى فقهاء السنة لا يقره المذهب الشيعي ولا يكفر فقهاء الشيعة احدا من اهل القبلة سواء في ذلك الوهابيين وغيرهم ما لم ينكروا اصلا من أصول الإسلام وفرعا من فروعه او يعلن ارتداده عن الإسلام وان كان الشيخ الوهابي وغيره من شيوخ السوء يعتبرون الشيعة كغيرهم من المشركين والكافرين كما يقتضيه حكمهم بعدم جواز تزويجهم من السنيات .
ويجب ان يعلم شيوخ الوهابية بأن الشيعة يؤمنون بالله الواحد الاحد الذي لا شبيه له ولا ولد وبنبوة محمد بن عبدالله وبكل ما جاء به من عند الله ويعتبرون الصلاة والصيام والزكاة وجهاد الكافرين والمفسدين في الارض والظالمين من أركان الإسلام ومن أنكر شيئاً من ذلك فهو بحكم الكافرين والمشركين عندهم ويفرضون على الرجال والنساء ان يتعلموا أصول دينهم وفروعه كما يكفرون القائلين بالتجسيم والتشبيه والحلول والاتحاد من فرق المسلمين كما يجب
____________
1 ـ انظر ص 194 و195 من الشيعة والحاكمون للشيخ محمد جواد مغنية عن كتاب ابراهيم باشا .
( 122 )

ان يعلم شيوخ الوهابية ان الخلافات الواقعة بين السنة والشيعة في الأصول والفروع ليست بأكثر ولا اسوأ من الخلافات الواقعة بين الفرق السنية العقائدية والمذهبية وان الخلاف بين السنة والوهابيين قد بلغ اقصى حدوده ومن اجل ذلك فقد عدهم اهل السنة من اصحاب البدع وأباد فقهائهم ابراهيم باشا بفتوى علماء السنة كما ذكرنا ولكن ذلك قد كان قبل ظهور البترول في بلادهم .
ومع ان الشيعة لم يقفوا في يوم من الأيام من الوهابيين موقف اهل السنة منهم فالشيعة قد كانوا ولا يزالون مستهدفين لحملاتهم المسعورة وتدرس حكومة الوهابيين في مدارسها الرسمية كتب المستأجرين الذين يزوّرون التاريخ ويفترون على اهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس كما نصت على ذلك الآية الكريمة والذين جعلهم النبي كسفينة نوح لا ينجو الا من تمسك بهم كما روت ذلك اكثر مجاميع الحديث السنية وفي السنة الماضية اصدرت وزارة الاوقاف كتابا للجبهان اسماه تبديد الظلام وتنبيه النيام ووزعته مجانا في البلاد الإسلامية مشحونا بالكذب والافتراء على الشيعة وأئمة الشيعة والسباب والشتائم لعلمائهم ومؤلفيهم وبلغت به الوقاحة والصلف ان تناول فيه امام المسلمين والاستاذ الاكبر لقادة فقهاء المذاهب الاسلامية الارعبة كما يعترف بذلك اهل السنة في مؤلفاتهم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ووصفه بالماصونية وانه هو الذي وضع أصولها ، وقد أهدي الي الكتاب فرفضت قبوله وأفتيت بحرمة اقتنائه وقراءته لانه من كتب الضلال التي يجب اتلافها ووضعها في بيوت الخلاء ومع النفايات .
ويجب ان يعلم الوهابيون وأسيادهم ان الطاقات العلمية والفكرية والادبية الموجودة عند الشيعة وعلمائهم ومفكريهم ليست موفورة لدى احد من علماء الوهابيين وغيرهم وباستطاعة الشيعة ان يردوا الصاع اكثر من صاعين والليل اكثر من مثليه وأن يثبتوا للجبهان وغيره من شيوخ


( 123 )

الوهابية المبتدعة المسعورين الذين لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه ان الشيعة هم المسلمون الذين كانوا ولا يزالون متمسكين وعاملين باسلام محمد بن عبدالله (ص) كما انزل عليه من خالق الأرض والسماء وغيرهم شذ عن الإسلام وانحرف عنه قولاً وعملا وفكرا ولكنهم لا ينزلون الى مستوى الجبهان وأمثاله من حلفاء الشيطان الحاقدين على اهل البيت وشيعتهم لان ذلك لا يخدم مصلحة الإسلام ولا يستفيد منه سوى اعداؤه وستبقى مصلحة الإسلام العليا هدفهم الاول والاخير كما عودهم على ذلك أئمتهم (ع) وسلام الله وتحياته على سيد المسلمين وامامهم امير المؤمنين الذي كان يتجاهل كل حقوقه ويتنكر لجميع مصالحه عندما يرى لاخطر محدقا بالإسلام ويقول : والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلا علي خاصة .
وانا نناشد المسؤولين في المملكة السعودية ان يراقبوا تصرفات شيوخهم وأحكامهم الجائرة ودائرة الاوقاف التي تبذل الملايين على طباعة كتب المسعورين والحاقدين على الإسلام وحماته وعلمائه كالجبهان وأمثاله الذين يسيئون في كتبهم وأحكامهم وأجوبتهم على ما يوجه اليهم من الاسئلة الى أئمة المسلمين وعلماء المسلمين ويعملون على تمزيق شمل الامة وتبديد وحدتها وقوتها وطاقاتها التي تجب ان تستغل لصد هجمات الاعداء في الشرق والغرب وتحرير القدس أولى القبلتين من أيدي الغزاة الغاصبين ، والمسلمون في أيامهم هذه في أمس الحاجة الى المخلصين العالمين لجمع الكلمة وتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات الطائفية والمذهبية التي لا تخدم غير اسرائيل وأعوانها من اعداء العرب والاسلام .
كما تتمنى على علماء المسلمين في مصر وغيرها من الاقطار الإسلامية ان لا يقفوا موقف المتفرج من تلك التحديات والاستفزازات التي تصدر من شيوخ الوهابيين بين الحين والآخر لأخوان لهم في الدين لا لشيء الا لأنهم يدينون بالولاء والمحبة لأهل بيت رسول الرحمة والمحبة


( 124 )

والكرامة وأن ينصحوا اولئك الشيوخ وحكامهم عن التحرش والتحديات السافرة المتواصلة للطائفة الشيعية التي تشكل اكبر مجموعة في العالم الإسلامي ، وأن يصرفوا طاقاتهم المادية والعلمية لرد هجمات العدو المشترك في الشرق والغرب وصنيعته الجاثم على حدودهم والطامع الأول بخيرات بلادهم وحسب تقديري ان نداء واحدا يوجهه شيخ الازهر لحكام السعودية بهذا الخصوص سيكون أجدى وأنفع م كتاب يصدره احد الشيعة لرد تلك الهجمات المسعورة .
ومهما كان الحال فلقد جرني الحديث عن موقف الوهابيين من قبور الائمة والاولياء الى هذه الصورة الموجزة عن حملات الوهابيين على الشيعة والتي ما زالت تتصاعد بين الحين والآخر مكتفياً بهذا المقدار اليسير من الهوار الهادىء من الوهابيين لأعود الى الحديث عن مرقد العقيلة وموقف الشيعة من زيارة القبور ولأقول لهؤلاء ان الصخور والاحجار ليست الهدف والغاية ، ولو كانت هي المقصودة لذاتها لكان في الجبال الشامخات والصخور العاليات غنى عن مشقة السفر والترحال الى مراقد الائمة والاولياء ان المقصود بالذات من الزيارة تخليد ما قدمه صاحب القبر من المثل العليا والتضحيات الجسام في سبيل الحق والواجب والعقيدة والمستضعفين في الارض من بني الانسان .
اما الاحجار فليس لها الا شرف الانتساب لصاحب القبر كالاحجار التي بني منها البيت الحرام ومسجد الرسول وسائر المعابد وكجلد القرآن الكريم (1) .
____________
1 ـ لقد حكم فقهاء المسلمين بتحريم تنجيس المساجد ارضها وحيطانها وما فيها من الفرش واوجبوا ازالة النجاسة عنها وقالوا بتحريم مس كتابة القرآن الكريم لغير المتوضأ ، وقال الشافعية : لا يجوز مس جلده حتى ولو انفصل عنه ولامس الخيوط المعلق بها القرآن .