صور من جرائم العباسيين على العلويين


لقد كان بيت ابي طالب الوحيد من بيوت الهاشميين الذي احتضن محمداً ورسالته ووقف زعيم ذلك البيت ابو طالب في أشد الازمات التي اعترضت مسيرة الدعوة الى جانب ابن اخيه وهو وأولاده وزوجته يحمونه من عدوان قريش ومخططاتها الهادفة الى القضاء عليه وعلى رسالته وأبو طالب يردد ويقول لابن اخيه :

والله لن يصلوا اليك بجمعهم * حتـى اوسد فـي التراب دفينا

ويلتفت الى ولده جعفر عندما رأى محمداً يصلي وعلي عن يمينه ويقول له : صل جناح ابن عمك يا بني وذلك في الأيام الاولى لبعثته ثم يقول :

ولقد علمت بأن دين محمد * مـن خير اديان البريـة دينا

الى كثير من مواقفه وتضحياته في سبيله التي تؤكد بأنه كان من أصدق المسلمين اسلاما ووفاء لرسالة الاسلام وعملا بكل ما جاء به محمد


( 177 )

من عند الله وكانت مصلحة الاسلام تفرض عليه ان لا يتجاهر في بعض الاعمال والواجبات ، وما ورد حول اسلامه في مجاميع الحديث السنية كله من صنع الامويين كما تؤكد ذلك عشرات الشواهد ، ولا ذنب له الا انه ولد الامام امير المؤمنين (ع) كما ذكرنا ذلك اكثر من مرة .
ولم يحدث التاريخ عن موقف للعباس ولا لغيره من الهاشميين باستثناء الحمزة بن عبد المطلب في مطلع الدعوة يتسم بالحزم والصلاة في مقابل قريش وتحدياتها لمحمد بن عبدالله (ص) وما انزلته به من الاذى والمطاردة والاساءة ، وبعد ان استقامت الأمور للرسول الاعظم وانتشرت رسالته وخضعت لها الجزيرة العربية وانطلقت الى ما ورائها لم يرد لغير عبدالله من العباس الذي لازم امير المؤمنين واستفاد من علمه وأصبح بما اخذه عنه من أعلام المسلمين الاوائل وأحد المراجع الكبار فيما أشكل عليهم من المسائل ، لم يرد لغيره ذكر من تلك الاسرة يلفت الانظار اليهم وكانوا يعتزون بقرابتهم لامير المؤمنين وأبنائه كاعتزازهم بالنبي (ص) ولكنهم لم يكونوا بنظر الناس شيئاً بالقيام الى العلويين ، وجاء عن المنصور انه كان اذا ركب محمد بن عبدالله بن الحسن يأخذ بركابه ويسوي له ثيابه على سرج فرسه ويمشي الى جانبه جلالا واكبارا له وحينما توالت الانتفاضات على الامويين بعد النقمة العارمة عليهم التي خلفتها مجزرة كربلاء وبعد الظلم الفادح الذي لحق بالمسلمين منهم ومن ولاتهم في العراق وغيره من المقاطعات انضم العباسيون الى العلويين بعد ان وجدا ان وقوفهم الى جانب بني عمومتهم ربما يهيىء لهم الاجواء التي تفيدهم ولو بعد حين ، واتفقوا على محمد بن عبدالله ابن الحسن المثنى وكان ممن بايعه ابراهيم والسفاح والمنصور الدوانيقي وكان المنصور أشدهم حماسا لبيعته وعقدوا اجتماعا دعوا اليه الامام الصادق (ع) لأخذ رأيه في هذه البيعة ولما حضر معهم طلبوا منه


( 178 )

ان يبايع لمحمد الذي كان يعرف يومذاك بذي النفس الزكية فقال لهم الامام (ع) : ان هذا الامر لا يتم الا لهذا وضرب بيده على كتف السفاح ثم لهذا وأشار الى المنصور والتفت الى عبدالله بن الحسن وقال له : ان ولديك ابراهيم ومحمد سيقتلهما المنصور .
وجاء في رواية ابي الفرج الاصفهاني انه قال له : والله ان الامر ليس اليك ولا لولديك وانما هو لهذا وأشار الى السفاح ثم لهذا وأشار الى المنصور ثم لولده من بعده ولا يزال فيهم حتى يؤمروا الصبيان ويشاورا النساء .
ومضى الاصفهاني يقول : ان عبدالله بن الحسن مثني قال للإمام : ان الله لم يطلعك على غيبه ولم تقل ذلك الا حسدا لا بني فرد عليه الإمام بقوله :
لا والله ما حسدت ابنك وان هذا وأشار بيده الى ابي جعفر المنصور يقتل ابنك على احجار الزيت ثم يقتل اخاه ابراهيم بعده بالطفوف وقوائم فرسه في الماء وقام مغضباً ، فتبعه المنصور وقال له : أتدري ما قلت يا ابا عبدالله ؟ قال : اي والله وانه لكائن .
وكان المنصور يحث الطالبيين على النهوض بالأمر ويحرض العباسيين والعلويين على التماسك في بيعتهم وهو بذلك يحاول ان يجرهم الى المعركة ضد الامويين في الشطر الاخير من خلافتهم التي اوشك على الانهيار وكان هو وأسرته وعلى رأسهم السفاح وداود بن علي بن عبدالله وصالح بن علي وغيرهم من العباسيين يعملون في الخفاء لصالح العباسيين ويتظاهرون بالعمل لصالح العلويين لعلمهم بأن الناس لا ينقادون الا للعلويين ولا يعملون الا لحسابهم .
ويؤيد ذلك ما رواء المؤرخين عن المدائني عن سحيم بن حفص ان نفرا من بني هاشم قد اجتمعوا بالأبواء في ضواحي مكة فيهم ابراهيم


( 179 )

الملقب بالإمام بن علي بن عبدالله والسفاح والمنصور وصالح بن علي وعبدالله بن الحسن وابناء ابراهيم ومحمد وأخو عبدالله بن الحسن لأمه محمد بن عبدالله بن عمر بن عثمان ، فقال لهم صالح بن علي : انكم القوم الذين تمتد أعين الناس اليهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاجتمعوا على بيعة أحدكم وتفرقوا في الآفاق وادعوا الناس لعل الله ان يفتح عليكم وينصركم ، ثم وقف المنصور وقال : لأي شيء تخدعون انفسكم والله لقد علمتم ما الناس الى احد أمل اعناقا ولا أسرع اجابة منهم الى هذا الفتى وأشار الى محمد بن عبدالله بن الحسين ، فبايعه الجميع بما في ذلك السفاح والمنصور ، ثم تفروقا ولم يجتمعوا الى ان جاء دور مروان بن محمد اخر حكام الامويين الملقب بالحمار (1) وفي عهده اجتمعوا فبينما هم يتشاورون اذ جاء رجل الى ابراهيم بن علي بن عبدالله فشاوره بشيء ثم قام وتبعه العباسيون فسالوا عن ذلك فاذا الرجل قد قال لإبراهيم : قد اخذت لك البيعة بخراسان ، فلما علم بذلك عبدالله بن الحسن احتشم ابراهيم وخافه وتوقاه ، وكان الأمويون يعرفون نوايا العباسيين ويراقبون تصرفاتهم اكثر من العلويين في تلك الفترة ، وعندما قيل لمروان بن محمد : ان عبدالله بن الحسن يدعو لولديه محمد وابراهيم ، قال : لست اخفا اهل هذا البيت لانه لا حظ لهم في الملك انما الحظ لبني عمهم العباسيين (2) .
ومهما كان الحال فلقد استغل بنو العباس النقمة العامة على الأمويين ومعارضة الشيعة لحكمهم وتعلق الناس بالعلويين والعمل لصالحهم فمضوا مع تلك التيارات المعادية لبني أمية ينددون بما ارتكبوه مع
____________
1 ـ انما لقب بذلك لصبره وتحمله في تلك الظروف التي كانت من احرج ما مر على الأمويين وعلى غيرهم من الدول .
2 ـ انظر المقاتل ص 176 وما بعدها .

( 180 )

العلويين ويتباكون على الحسين وأسرته ويرددون ما جرى عليهم في كربلاء والشام من يزيد وابن زياد وأظهروا في خراسان وغيرها من المناطق التي دخلها دعاتهم انهم يعملون بدافع الثأر لابناء فاطمة واختيار الصالح من ابنائها لقيادة الأمة .
بهذه الأقنعة والاساليب كان أحفاد العباس بن عبد المطلب يتقنعون ومن خلالها كانوا يعملون ويتحركون بعد ان ادركوا ان ليس باستطاعتهم ان يحققوا شيئاً من امانيهم وأحلامهم إلا على حساب العلويين من ابناء فاطمة ، وبالفعل فقد استجابت لهم الجماهير الاسلامية وبخاصة الشيعية منها وقاوموا وانتصروا في معاركهم مع أنصار الأمويين في خراسان التي كانت من اعظم معاقل الامويين بقيادة نصر بن سيار .
لقد ارتفع شأن العباسيين على حساب العلويين وعلى اكتاف شيعتهم ثم تنكروا لهم وعاملوهم بكل انواع العسف والجور والقتل والتشريد حتى انسوهم جور الامويين وجرائمهم وأصبحوا يتمنون ايامهم بكل مرارة وألم ان تعود .
لقد كان أحفاد العباس بن عبد المطلب يتباكون على الحسين وأسرته ويرددون تلك المأساة في مجالسهم ومجتمعاتهم ليخدعوا بذلك شيعة الحسين وأبيه الذين ذاقوا الامريّين من جور الامويين ، كما كان يتباكى عليهم الزبيريون حيث وجدوا يومذاك ان لا سبيل الى استقطاب المسلمين الا بذلك ، فلما أتيح لهم ان يحكموا كانوا أشد على العلويين من يزيد وأبيه .
لقد مرت ظروف وأحداث على العلويين بلغت اقصى حدود الشدة والقوة في عهد معاوية وولده وغيرهما من الأمويين لم يشترك فيها احد من ابناء العباس وأحفاده الى جانب ابناء عمومتهم ، ففي معركة الإمام الحسن مع معاوية كان عبيد الله بن العباس الذي ولاه الإمام قيادة


( 181 )

الجيش في طليعة الخونة الذين انحازوا الى جانب معاوية لقاء مبلغ من المال كما فعل غيره من قادة العراق ، ولما جاء دور الحسين وأصبح مستهدفا ليزيد بن معاوية وفرضت عليه أحداث يزيد وأبيه من قبله معركة الطف التي ضحى فيها من اجل الاسلام والانسان بنفسه وأهله وأطفاله لم يشترك فيها احد من العباسيين لا من شيوخهم ولا من شبابهم ، وقامت المعركة بسواعد الطالبيين كما لم يشتركوا في معركة زيد بن علي ولا في غيرها من معارك الموالين لاهل البيت مع أعدائهم التي كانت تحركها روح كربلاء وتمدها بالصبر والتضحية الى ابعد الحدود .
وحينما وجدوا ان مصلحتهم تلتقي مع التباكي على الحسين والعلويين وقفوا الى جانب العلويين وشيعتهم وتظاهروا بالدعوة اليهم وحينما وصلوا الى الحكم لم يختلفوا عن الامويين في شيء لا في الظلم والقسوة ولا في الفسق والفجور ولا في شيء لا في الظلم والقسوة ولا في الفسق والجور ولا في الاستهتار والزندقة ، وقديما قيل ان الغاية تبرر الواسطة فقطع الرؤوس وهدم الدور على الاحياء وزج البرياء والصلحاء في السجون كل ذلك سهل ومألوف لدى اصحاب المطامع والاهواء ما دام يوفر الحكم والتسلط على عباد الله ، لقد ارسل ابراهيم الملقب بالإمام الى ابي مسلم الخراساني بأن يستعمل السيف ولا يرحم صغيراً او كبيراً ، وكان فيما كتبه اليه كما جاء في رواية المقريزي من كتاب النزاع والتخاصم : وان استطعت ان لا تدع في خراسان من يتكلم بالعربية فافعل وأيما غلام بلغ خمسة اشبار تتهمه فاقتله واقتل جميع من شككت فيه ، كان ذلك منه كان في خراسان من العرب كانوا يميلون الى الامويين .
لقد اوصى ابراهيم العباسي دعاته في خراسان ونواحيها بقتل جميع من يشكون فيه ويتهمونه بموالاة الامويين كما اوصى معاوية عماله في جميع المقاطعات الاسلامية بقتل الشيعة وكتب اليهم كتابا جاء فيه : انظروا


( 182 )

من تتهموه بموالات اهل البيت فنكلوا به واهدموا داره ، ان معاوية الاموي وابراهيم الهاشمي لم يأمرا بذلك إلا لأن مصلحتهما تقتضي ذلك وحينما تتحكم المصالح بالإنسان لم يعد يرى غيرها ويستحل كل شيء في سبيلها .
لقد حكم الفاطميون والبويهيون وغيرهم ممن كانوا ينتسبون الى الشيعة ولم يختلفوا عن غيرهم من الحاكمين الا بطلاء خفيف من التشيع وأداء بعض الطقوس الشيعية وكانوا يمارسون كغيرهم جميع انواع المنكرات ويستحلون كل شيء يتعارض مع مصالحهم ، ونظرا لأن الدين وحده هو الذي يسير الإنسان في الطريق الصحيح ويضع حدا لنزواته وشهواته كانت العصمة او العدالة في الحاكم من الضرورات التي لا يجوز تجاهلها بحار من الأحوال .
وجاء في المجلد الرابع من ابن الاثير ان السفاح ارسل محمد بن حول واليا على الموصل فامتنع اهلها عن طاعته وسألوا السفاح ان يولي عليهم غيره فأرسل اخاه يحيى في اثني عشر الف مقاتل فخافه اهل الموصل والتزموا منازلهم فنادى بالأمان ، ولما زال من نفوسهم ما يحاذرونه منه فتك بهم وقتلهم قتلا ذريعاً واسرف في القتل حتى غصت الا رجل في الدماء ، فلما كان الليل سمع صراخ النساء والاطفال فأمر جلاديه بقتل النساء والأطفال وما بقي من الشيوخ واستمر القتل والتنكيل بالإبرياء والنساء والاطفال ثلاثة أيام .
لقد بقي عبدالله الملقب السفاح اربع سنين في الحكم قضاها في تتبع فلول الأمويين وما يشك في ولائه للبيت العباسي كأبي سلمة الخلال وأصحابه الذين كانوا يحاربون معه من الشيعة الى جانب ابي مسلم الخراساني لصالح البيت العلوي واشتهر بهذا اللقب لكثرة من قتله من الأمويين وغيرهم ، ولم يكن الحجاج بن يوسف مولعا بالقتل


( 183 )

والتشفي من أخصامه اكثر من السفاح ، بل يمكن القول بأنه لم يصل الى مستوى الخليفة الهاشمي من هذه الناحية فلقد نص المؤرخون انه استدرج من الأمويين ثمانين رجلا وأعطاهم الأمان وأمرهم بأن يحضروا لاخذ جوائزهم وعطائهم ويتناولوا معه الطعام ، فلما حضروا أمر بقتلهم ثم بسط عليهم فراشا ووضع الطعام عليه وجلس هو وأصحابه يأكلون فوقهم وهم يضطربون ويستغيثون الى ان نزفت دماؤهم وماتوا عن آخرهم ولما فرغ من تناول الطعام قال : ما اكلت اكلة قط أهنأ ولا اطيب من هذه الاكلة .
ومهما بالغ الامويون في الجرائم وأسرفوا في قتل الإبرياء والصلحاء كما هو واقعهم فالإسلام لا يقر الاقتصاص منهم بهذا النحو ولو انتهى الحكم بعد الأمويين الى العلويين لم يبلغ بهم التشفي الى هذه الحدود ولا أعتقد انهم كانوا يقتلون بريئاً بمجرم ولا ينسون كلمة جدهم امير المؤمنين (ع) الذي عفا من عمرو بن العاص في صفين وعن مروان بن الحكم في البصرة وهما رأس الفتن يومذاك وسقى معاوية وجنده الماء بعد ان منعه معاوية عن اهل العراق وكادوا يموتون عطشا لا ينسون كلمته التي كان يرددها : اذا قدرت على خصمك فاجعل العفو شكرا على المقدرة والذي كان يقول : اذا ظفرك بخصمك فليكن العفو احلى الظفرين ، وكانوا يسيرون على خطاه اذا كانوا من المعصومين حقا ، وإذا لم يكونوا منهم فلا أعتقد بأنهم سيسرفون في اراقة الجماء اسراف غيره .
وجاء في تاريخ ابن الاثير ان داود بن علي بن عبدالله لما اراد ان يقتل من كان في المدينة ومكة من الأمويين وأنصارهم جاءه عبدالله بن الحسن المثني بن الحسن السبط (ع) وقال له : يا بن العم إذا قتلت هؤلاء فيمن تباهي بالملك ؟ أما يكفيك ان يروك غاديا رائحا فيما بذلهم ويسوءهم


( 184 )

فلم يقبل منه وقتلهم عن آخرهم .
لقد كانت السنوات الأربع التي حكم فيها السفاح مرحلة انتقالية بين عهدين عهد مضى وعهد أطل على العالم الإسلامي استقبله المسلمون بشوق ولهفة وبخاصة الشيعة الذي قام على أكتافهم وبني بسواعدهم راجين ان يحقق لهم عدالة الإسلام ورحمته وسماحته ولكن آمالهم قد تبددت وظنونهم قد خابت فما ان استتبت لهم الأمور وقضوا على أخصامهم الاساسيين حتى عادوا الى سيرتهم وسياستهم ولكن بشكل اسوأ وأفظع مما كانوا عليه .
صحيح لم يتعرض السفاح في عهده لأحد من العلويين وشيعتهم ولكن ذلك لم يكن منه شرفا ووفاء لمن مهدوا له الأمور وأجلسوه على كرسي الحكم بل لأنه كان يتتبع فلول الأمويين ويطاردهم من مكان الى مكان وخلال تلك المدة بالإضافة الى الشطر الأخير من عهد الأمويين حيث كانت الدولة في طريقها الى الانهيار وجد الإمامان الباقر والصادق (ع) فرصة مؤاتية لبث علوم أهل البيت ونشرها بين الناس وللوقوف في وجه تلك التيارات الغريبة التي غزت الفكر الإسلامي ومهد لها الحاكمون لإلهاء المسلمين بتلك الصراعات العقائدية عن واقعهم المرير .
لقد وقف الائمة من أهل البيت في وجه تلك التيارات الغريبة التي غزت القولب والافكار بحزم وصلابة وتركوا للعالم صورا عن العقيدة الإسلامية خيالة من كل ما كان يخططه لها الحاقدون من زيف وتحريف . بعد الرقابة الشديدة والتهديد بالقتل لمن كان يروي حديثا عن علي وبنيه او ينسب لهم فضلا او اثرا كريما ، وكان يروي حديثا عن علي وبنيه او ينسب لهم فضلا او اثرا كريما ، وكان علماء التابعين اذا رادوا ان يحدثوا عن علي يتحاشون التصريح باسمه فيقولون روي عن ابي زينب وجاء عن ابي حنيفة انه كان يقول : لقد كانت العلامة بيننا وبين المشايخ


( 185 )

اذا اردنا ان ننقل عن علي (ع) ان نقول قال الشيخ حتى لا نتعرض للأذى والمطاردة وكان من آثار تلك الفترة الانتقالية التي امتدت من اواخر العهد الأموي الى السنين الأولى من عهد المنصور شيوع الحديث والآثار العلية التي اغنت المكتبة العربية في مختلف العلوم وبخاصة ما كان منها في التشريع والفلسفة والأخلاق والتفسير وغير ذلك من أنواع المعرفة ، وقد انتشر التشيع في تلك الفترة وأحس الناس بالإنفراج وراحوا يتحدثون عن العلويين وآثارهم في كل بلد ومكان فدب الخوف في نفس المنصور وأسرته فأخذوا يقربون فقهاء المذاهب ويعملون على انتشار آثارهم واعتنقوا هم مذاهبهم للحد من انتشار التشيع ومذهب اهل البيت واشتدت الحملات المسعورة على العلويين وبدأت الفجوة تتسع بين البيتين حتى بلغت اقصى حدودها .
قال المسعودي في مروجه والمقريزي في كتابه النزاع والتخاصم : ان المنصور جمع ابناء الحسن وأمر بجعل القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم وحملهم في محامل مكشوفة للناس وبغير وطاء كما فعل يزيد بن معاوية بأسرى كربلاء وأودعهم مكانا تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من النهار ولا اوقات الصلاة وعز عليهم ان تفوتهم الصلاة حتى وهم في أشد الأحوال ضيقاً وحرجا فجزأوا القرآن خمسة أجزاء وكانوا يصلون عند فراغ كل واحد من حزبه ، ويقضون الحاجة الضرورية في مواضعهم فاشتدت عليهم الروائح الكريهة وتورمت أجسامهم وماتوا من الجوع والعطش والمرض .
وجاء في المجلد الرابع من ابن الاثير ص 375 ان المنصور دعا محمد ابن عبدالله بن عثمان وكان شقيقا لعبدالله بن الحسن من امه فأمر بشق ثيابه حتى بانت عورته وضربه مائة وخمسين سوطا فأصاب سوط منها وجهه فقال للجلاد : ويحك اكفف عن وجهي ، فسمعه المنصور فقال


( 186 )

للجلاد : الرأس الرأس ، فضربه على رأسه ثلاثين سوطا فأصابت سياطه احدى عينيه فسالت على وجهه . ومضى ابن الاثير يقول : وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن وكان يعرف بالدبياج لجمال صورته فقال له : انه الديباج الاصغر لأقتلنك قتلة لم اقتلها احدا ، ثم أمر به فبني عليه أسطوانة وهو حي فمات منها .
ومع كثرة الجرائم التي ارتكبها الامويون مع العلويين وشيعتهم فلم يحدث التاريخ عن احد منهم انه كان يعذب ويقتل بهذا النحو ونظراً لأنهم كانوا يتفنون في جرائمهم بشكل لم يسبقهم اليه احد ، قال بعض الشعراء : والله ما فعلت أمية فيهم معشار ما فعلت بنو العباس .
وطب الدوانيقي القاسم بن ابراهيم طباطبا ففر منه إلى بلاد السند ، فأرسل في طلبه وهو يقر من بلد الى بلد على قدميه حافيا والدم يسيل منهما فقال :

عسى جابر العظيم الكسير بلطفه * سيرتـاح للعظم الكسـير فيجبر
عسى الله لا تيأس مـن الله أنه * ييسر منــه ما يعــز ويعسر

وقد ذكرنا سابقا بعض جرائمه خلال حديثنا عن زيارة الشيعة لقبر الحسين وقبور الائمة والاولياء ، وكان هو يتباهى بجرائمه ويقول : لقد قتلت من ذرية فاطمة الفا او يزيدون هذا بالإضافة الى عشرات الالوف الذين أبادهم وشردهم في الآفاق ، وكان يتفنن في اساليب القتل والتعذيب بنحو لم يعرف عمن سبقه من الحاكمين كما تتفنن الدول الكبرى في عصنا الحالي باختراع وسائل الخراب والدمار والتسلط على عباد الله والشعوب الضعيفة وكما تتفنن دول البترول بوسائل اللهو الطرب والفساد ومعاشرة الشقراوات اللواتي يتهافتن عليهم من كل انحاء اوربا ، وكان المنصور مع تلك الجرائم بقرابته القريبة من رسول


( 187 )

المحبة والعفو والرحمة كما تتباهى دول البترول بعروبتها واسلامها وتستعمل جميع امكانياتها لمساعدة حكم العراق في حربهم لمن يسمونهم بالمجوس في حين ان اسرائيل جاثمة على رؤوسهم وقلوبهم تعلن عن أطماعها في بلادهم وخيراتها .
وبعد ان استعرض المقريزي جرائم المنصور وما ارتكبه مع العلويين وغيرهم قال : وأين قال الجور والقسوة الشنيعة مع القرابة القريبة من رحمة النبوة ، وتالله ما هذا من الدين في شيء بل هو من باب قول الله سبحانه فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم اولئك الذين لعنهم الله فاصمهم وأعمى أبصارهم .
هذا كله بالإضافة الى ما كان يصنعه المنصور مع الإمام الصادق من التهديد والوعيد بين الحين والاخر ولكن الله سبحانه أنجاه من شره ومن وعيده وتهديده وهلك المنصور وذهب في متاهات افناء مع الجبابرة والطغاة وبقي جعفر الصادق مع الخالدين من ذوي الرسلات الى قيام يوم الدين .
وكان المنصور مع كل ذلك يقرب اليه العلماء والوعاظ ليستر بذلك جرائمه ، وجاء في المجلد الاول من عقد الفريد ان المنصور كان يجلس والى جانبه احد الوعاظ فتأتيه الجلاوزة وفي أيديهم السيوف يضربون بها أعناق فإذا وصلت الدماء الى ثيابه يقول للواعظ عظني فإذا ذكره الواعظ بالله اطرق برأسه كالمنكر ، ثم يعود الجلاد لضرب الأعناق فإذا اصابت الدماء ثياب المنصور ثانية يقول للواعظ عظني .
ان المنصور وغيره من الحاكمين حينما يقربون رجل الدين والوعاظ انما يفعلون ذلك لإلهاء الناس عن جورهم وظلمهم واستخفافهم بأوامر الله ونواهيه وحقوق عباده ، لقد كان المنصور يقول : القينا الحب الى العلماء


( 188 )

فالتقطوه الا ما كان من سفيان الثوري فانه أعيانا فرارا وكلمة القينا الحب تكاد تكون صريحة في انه كان باتصاله بهم كالصياد الذي يلقي الحب للطيور لتقع في شباكه .
لقد هلك المنصور مع الهالكين ولم يترك احدا ممن بقي حيا من العلويين الا وهو خائف مشرد من جور ظلمه وترك غرفة من غرف قصره مملوءة ممن رؤوس العلويين لولده المهدي ليسير من بعده على خطاه مع العلويين ، وبالفعل لقد مارس المهدي سياسة ابيه فيمن استطاع ان يقبض عليه ممن بقي مع الاحياء منهم وكانوا قد تفرقوا في البلدان خائفين متسترين وظفر بعلي بن العباس بن الحسن المثنى بن الحسن السبط (ع) فأخذه ووضعه في سجنه واخيراً دس اليه السم فتفسخ لحمه وتفشت اعظاؤه واشتد طلبه لعيسى بن زيد بن علي بن الحسين (ع) وكان كما يصفه المؤرخون من افضل الطالبيين دينا وعلما وورعا وزهدا وأشدهم بصيرة في امره ومذهبه على حد تعبير الاصفهاني في مقاتله ففر من طريقه الى الكوفة واختبأ في بعض دور الشيعة واتفق مع صاحب جمل لينقل عليه الماء لقاء أجر زهيد يسد فيه رمقه وتزوج من امرأة فقيرة لا تعرف عن اصله ونسبه شيئا وأولدها بنتا بلغت سن الزواج وماتت وهي لا تعرف عن ابيها شيئا ، وظل عيسى في الكوفة بزي الأعراب متنكراً يكتم نسبه عن جميع الناس وكان اذا لم يجد عملا يعتاش منه يلتقط ما يرمي به الناس من الخبز وقشور الفواكه والخضار ليتقوت به هو وعائلته .
لقد عاش عيسى بن زيد ما بقي من حياته مشرداً ينفر من الناس كما ينفر من الوحوش الضواري ولم يعلم احد من العلويين بمكانه سوى اخيه الحسين بن زيد ودل عليه ولده يحيى فذهب الى الكوفة متخفيا يفتش عنه حتى انتهى اليه واجتمع به لفترة قصيرة كانت اخر عهده به .