المرأة العظيمة

قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي عليهما السلام


حسن الصفار


( 2 )

بسم الله الرحمن الرحيم



( 4 )


( 5 )

بسم الله الرحمن الرحيم
( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً ) (1)



____________
(1) سورة الأحزاب ، الآية (39) .
( 6 )


( 7 )

اهداء


أقدم هذا الكتاب بحبّ وخشوع إلى :
أمّي الحنون
كما ربّتني صغيراً
وتحملّت الآلام من أجلي كبيراً
جزاها الله عني خير الجزاء
وأدام عليّ ظلّها الوارف
ونفعني بدعواتها الصّادقة .


( 8 )


( 9 )

كلمات في البدء




( 10 )


( 11 )

يُعترف للمرأة بدورها الخلفي المساعد في صناعة العظماء وابرازهم ، حيث لاحظ العقلاء حضوراً مميّزاً للمرأة في حياة الكثيرين من العظماء والزعماء الناجحين ، فقالوا : « خلف كلّ عظيم امرأة » .
ولكن هل يعني ذلك أن حظ المرأة من العظمة هو في حدود دورها الخلفي ( اللّوجستيكي ) ؟ وأنها غير مؤهلة للعظمة ذاتاً ؟ أم ماذا ؟
إن العظمة تعني وجود مواصفات نفسية عالية ، وامتلاك كفاءات ذهنية وعملية متقدمة ، وإحداث تأثير فعلي هام على ساحة الحياة .
وبهذا المعنى للعظمة لا شيء يقصّر بالمرأة عن بلوغ درجتها . والتاريخ يخلّد لنا ذكرى العديد من النساء اللاتي ارتقين سنام العظمة ، وبلغن ذروتها ، كما لا يخلو حاضر البشرية من نماذج نسائية عظيمة .
وتأتي السيدة زينب في طليعة ومقدمة النساء العظيمات في تاريخ الإنسانية .
واقع المرأة في مجتمعاتنا يحكي عمق التخلف والأنحطاط الذي انحدرنا اليه ،


( 12 )

فمع أننا نعيش أدنى درجات التطور والنمو ، ومع حاجتنا إلى أقل وأبسط الطاقات والقدرات من أجل دفع عجلة التنمية والتطور في بلادنا ، إلا أن نصف مجتمعنا المتمثل في المرأة قد فرضنا عليه حالة الشلل والعزلة والجمود .
وإذا ما عاشت المرأة جاهلة منغلقه على هامش الأحداث فإن تأثيرات وضعها الخاطيء سينعكس على كل المجتمع . وهل أبناء المجتمع إلا ثمرات أحشائها والمتربون في أحضانها ؟ .
وأسوأ ما في الأمر أن يتم تجهيل المرأة واحتقارها وتهميشها بإسم الإسلام ! ! حيث يرى بعض المتدينين كراهة تعليم المرأة ، واستحباب الأمّيّة والجهل لها ! ويرون أفضلية انزوائها في بيتها فلا تخرج حتى للمشاركة في البرامج الدينية كصلاة الجماعة ! .
وان صوتها عورة فلا يبلغ مسامع الرجال ! .
وان لا دخل لها في الشؤن السياسية فجهاد المرأة حسن التبعل لزوجها فقط ! .
ويبالغ بعضهم أن على المرأة أن لا تخرج من بيتها الا مرتين في حياتها الأولى : من بيت ابيها إلى بيت زوجها عندما تتزوج . والثانية : من منزلها الى القبر حينما تموت ! ! .
ويستندون في نسبة هذه الآراء الرجعية للدين على نصوص وروايات وفتاوي إما أن تكون مختلقة مصطنعة لا أساس لها ، وإما انهم أساءوا فهمها وحرّفوا تفسيرها بما يتناسب مع أفكارهم المتحجرة .
وأفضل رد يكشف زيف هذه الآراء ، ويفضح الواقع المتخلف للمرأة في مجتمعاتنا ، ويثبت مخالفته للدين وبراءة الإسلام منه .
نقول : أفضل ردّ هو القراءة الواعية لحياة السيدة زينب .
وهل أحد يستطيع المزايدة على السيدة زينب في الدين ، وهي وليدة النبوة ، وخريجة بيت الوحي والرسالة ، وعقلية بني هاشم ؟ .


( 13 )

وحينما نقرأ شخصيتها العظيمة ، ونراها العالمة العارفة ، والمعلّمة المحدّثة ، التي كانت تعلّم النساء ، ويروي عنها الرجال .
ونراها الثائرة المجاهدة حيث غادرت بيتها العائلي الهاديء والتحقت بقافلة الثورة ، لتنتقل من المدينة إلى مكة ، ومنها إلى كربلاء ، ثم إلى الكوفة والشام .
ونراها الحاضرة الشاهدة في جميع أحداث النهضة الحسينية ، تحاور أخاها الإمام ، وتحرض أصحابه الأبطال ، وتهرول الى ساحة المعركة وتصرخ في وجوه العسكر ، وتقود قافلة العائلة .
ونراها الخطيبة المفوهة ترتجل الخطاب أمام جماهير الكوفة وفي مجلس ابن زياد ومجلس يزيد حيث رجالات الحكم والجمع الحاشد من الجند والأعيان .
هذه الصور الحية التي نراها في حياة السيدة زينب تناقض ما نراه من واقع المرأة في مجتمعاتنا فأين يقف الدين إذاً ؟ .
وأيُ من الواقعين يمثل رؤية الإسلام ويجسد تعاليمه ؟ .
وبعد :
قادني التوفيق الإلهي منذ بضع سنوات لمجاورة السيدة زينب ( عليها السلام ) والعيش قرب مقامها الشريف في المنطقة التي تعرف بإسمها جنوب دمشق الشام .
وقد افاض الله عليّ الكثير من ألطافه ونعمه ببركتها ، وكنت أهرع الى مقامها وأتوسل الى الله ( سبحانه ) بحقها وفضلها كلما واجهني مشكل من مشاكل الحياة ، فأعود مطمئناً برحمة الله واثقاً من عنايته وتسديده .
وأداءً لبعض حقها الكبير فكرت في تقديم خدمة متواضعة لساحة قدسها الشامخ بالكتابة عن شيء من حياتها المجيدة وسيرتها المشرقة .
ورأيت آلاف الزائرين يتقاطرون على حرمها الشريف من مختلف بقاع الأرض يقصدون التقرب الى الله ( تعالى ) بزيارتها ، ويعبّرون عن عظيم حبّهم وولائهم


( 14 )

لها ولأسرتها النبوية الكريمة .
لكن أكثر هؤلاء الزائرين كانوا يعانون من قلة المعرفة وضعف الاطلاع على حياة السيدة زينب ( ع ) وأبعاد شخصيتها العظيمة .
بالطبع فإن مستوى الفائدة والثواب من الزيارة يترتب على مستوى المعرفة بشخصية المزور كما ورد ذلك في العديد من النصوص والروايات التي تتحدث عن ثواب وفضل زيارات قبور الأولياء ومشاهد أئمة الهدى ( عليهم السلام ) حيث تجعل المعرفة شرطاً في حصول كامل الفائدة والثواب كالحديث الوارد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) حول زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) :
« من زار الحسين عارفاً بحقه كتب الله له ثواب ألف حجة » .
وما ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) :
« ما زارني أحد من أوليائي عارفاً بحقي إلا تشفعت فيه يوم القيامة » .
ومن الواضح ان المعرفة بالإمام أو الولي تدفع الانسان للاقتداء به واستلهام القيم الخيرة من حياته .
وقد يرغب الكثيرون في التعرف على شخصية السيدة زينبت وخاصة زوار مرقدها الشريف ، لكن وسائل هذه المعرفة وأدواتها ليست في متناول أيدي الجميع .
فمن المتداول في البلدان المتقدمة أنك حينما تزور متحفاً أو معلماً تاريخياً أو مقاماً لتخليد شخصية معينة ، فان وسائل التعريف بذلك المكان أو تلك الجهة متوفرة عند البوابة أو المدخل من كتب ونشرات مصورة وافلام ومرشدين سياحيين يشرحون لك ما تشاهده وتتساءل عنه .
فلماذا لا يتوفر عندنا شيء من هذا القبيل لإفادة الزائرين لمقامات الأئمة والأولياء ومعالم تاريخنا المجيد ؟ .


( 15 )

من هذا المنطلق ، وبدافع الأداء لبعض حق السيدة زينب ، شرعت في اعداد هذا الكتاب ، لاُقدم من خلاله صورة واضحة مبسطة عن حياة السيدة زينب ( ع ) وابعاد شخصيتها العظيمة .
بالتأكيد فان التاريخ لم يحتفظ لنا بكل تفاصيل حياة السيدة زينب ( ع ) ، كما أن بعض جوانب سيرتها أصبحت مسرحاً لأختلاف الرواة والمؤرخين كتحديد زمان ومكان وفاتها وتعيين مدفنها وقبرها .
وقد اطلعت حين اعداد هذا الكتاب على مجموعة من المؤلفات والكتابات عن شخصية السيدة زينب وحياتها ، وكان في بعضها جودة وفائدة ، لكن اعتماد بعض المؤلفين على الروايات غير الموثوقة ، والمصادر الضعيفة واتباع طريقة السرد التاريخي والقصصي دون أي تحليل أو استنتاج ، ودون تركيز على المواقف والجوانب الأساسية في شخصيتها وسيرتها . . كل ذلك يجعل استفادة القارىء محدودة ، والمعرفة التي يكسبها عن السيدة زينب غير وافية .
واذا كان الالمام بسيرتها ، أو ابراز كامل حقيقة شخصيتها أمراً صعب المنال ، فان المطلوب هو بذل الجهد لرسم أجلى صورة عن ملامح شخصيتها العظيمة وسيرتها العطرة .
وهذا ما حاولته في هذه السطور مع اعترافي المسبق بالقصور والتقصير أسأل الله ( تعالى ) القبول .
وأن يجعلنا من السائرين على خطى السيدة زينب وعلى نهج اُسرتها النبوية الطاهرة . . وأن يكفينا الاسواء بحقهم وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرتهم إنه ولي التوفيق والحمد .

حسن الصفار 10 | 11 | 1413 هـ
2 | 5 | 1993 م





( 16 )


( 17 )

اشرف عائلة



( 18 )


( 19 )

حسب الانسان ونسبه ، وانتماؤه العائلي ، له أهمية كبيرة في شخصية الإنسان ، وفي نظرة الآخرين اليه . فهو عامل مؤثر في صياغة نفس الأنسان وفي توجيه سلوكه ومسار حياته .
وقد أثبتت العلوم الحديثة عبر دراسة الجينات والكروموسومات الموجودة في الخلية الحية ما يخلقه العامل الوراثي من قابلية واستعداد في نفس الانسان . فانه إذا ما انحدر من اُسرة شريفة ، وعائلة كريمة فإن ذلك يخلق في نفسه أرضية واستعداداً لتقمص صفات أسرته وعائلته ، وعكس ذلك لو كان ينتمي لعائلة فاسدة ، وأسرة منحرفة فان انشداده وميله للانحراف والفساد يكون أقوى .
بالطبع تلك قاعدة للأعم الأغلب ، ولا تمثل حتمية كلية ثابتة . كما أن للبيئة والتربية والظروف المحيطة بالانسان دورها في تنمية تأثيرات العامل الوراثي أو كبحها عبر ارادة الانسان وحرية اختاره .
هذا عن التأثير الذاتي لعامل الحسب والنسب ، أما التأثير الأجتماعي فان من الطبيعي ان يأخذ الناس في الاعتبار عند نظرتهم للشخص تاريخ أهله وعائلته ،


( 20 )

وذلك من زاويتين :
الأولى : ـ توقعهم مشابهة الفرد لأهله وأسرته ، فهم يرجون منه الخير والصلاح ان كان منبته طيباً . ويحذرون منه السوء والانحراف ان كان أصله فاسداً . لما يلحظه الناس من تأثير العامل الوراثي غالباً .
يقول الإمام علي ( عليه السلام ) : ـ « عليكم في طلب الحوائج بشراف النفوس ذوي الأصول الطيبة ، فانها عندهم اقضى وهي لديهم أزكى »(1) .
ويقول ـ أيضاً ـ موصياً مالك الأشتر : ـ « ثم إلصق بذوي المروءات والأحساب ، وأهل البيوتات الصالحة ، والسوابق الحسنة . . فانهم جماع الكرم ، وشعب من العرف » (2) .
والثانية : ـ ان الفرد يعتبر امتداداً لأهله واُسرته ، فاذا كانت عائلته ذات فضل واحسان للمجتمع فان الوجدان يدفع الناس لمقابلة ذلك الفضل والاحسان باحترام أبناء العائلة المحسنة ، وعكس ذلك لو انتمى الفرد لعائلة سيئة أصاب الناس منها الأذى والضرر ، فان حس الأنتقام سيدفعهم لأهمال أبناء تلك العائلة وتجاهلهم على الأقل .
تقول السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : « أما كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبي يقول : ( المرء يحفظ في ولده ) (3) .
من هذا المنطلق سنبدأ حديثنا عن السيدة زينب ( ع ) بتسليط الأضواء على حسبها ونسبها .
فإنها قد انحدرت من أشرف حسب ، وانتمت إلى أفضل عائلة في تاريخ
____________
(1) ( الطفل بين الوراثة والتربية ) محمد تقي فلسفي ج 1 ، ص 83 .
(2) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ( ع ) كتاب رقم : 53 .
(3) ( فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ) محمد كاظم القزويني ص 449 .

( 21 )

البشر . مما يعني امتلاكها لأعلى درجة من القابلية والاستعداد لتقمص رداء الفضيلة ، وتسنم ذروة المجد ، وقد تجسد ذلك الاستعداد فعلاً وسلوكاً في حياتها وسيرتها .
من ناحية أخرى فان البشرية المجبولة بطبعها على احترام الصالحين المحسنين ، واحترام ذرياتهم تبعاً لذلك لابد وان تعرف البشرية للسيدة زينب مكانتها ، وتُبدي اتجاهها أعلى مستوى من الاحترام والاكبار وعرفاناً بحق عائلتها وتقديراً لخدمات اسرتها على الناس عامة وعلى المسلمين خاصة ، هذا فضلاً عن الجدارة الذاتية للسيدة زينب ( عليها السلام ) .
بالطبع فان كل حلقة من حلقات نسبها الشريف تستدعي التوقف اجلالاً واكباراً لكننا سنقتصر على ذكر أقرب الحلقات لها .
جدها الرسول الأعظم ( ص ) ( 570 م ـ 632 م ) : انه أعظم رسل الله وأفضل أنبيائه نبينا محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو القائل عن نفسه بحق : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » (4) .
وفي حديث آخر يقول ( صلى الله عليه وآله ) : « فأنا أتقى ولد آدم ، وأكرمهم على الله جلّ ثناؤه ولا فخر » (5) .
وإذا كنا نحن المسلمين نعتقد بأفضلية النبي محمد ( ص ) على جميع الخلق والبشر من منطلق ديني ، فإن علماء ومفكرين لا يدينون بالاسلام وجدوا انفسهم مضطرين للاعتراف بالتميز والتفوق للنبي محمد ( ص ) على جميع عظماء البشر .
فهذا الدكتور ( مايكل هارت ) الاميركي الجنسية والمولد والحاصل على شهادة ليسانس في الرياضيات من جامعة كورنيل عام ( 1952 م ) وشهادة ليسانس في القانون من جامعة نيويورك عام ( 1958 م ) ، وشهادة ماجستير في العلوم من
____________
(4) ( بحار الأنوار ) المجلسي ج 16 ، ص 325 .
(5) المصدر السابق ج 16 ، ص 315 .

( 22 )

جامعة اديلفي عام ( 1969 م ) وشهادة دكتوراه في الفلك من جامعة برينستون عام ( 1972 م ) والذي عمل في مركز أبحاث الفضاء في غرين بلت في ميريلاند ، وفي المركز القومي لأبحاث طبقات الجو في كولورادو وفي أكبر مرصد للأفلاك في كاليفورنيا في باسادينا ( مرصد هيل ) وهو أحد العلماء المعتمدين في الفيزياء التطبيقية وعضو الجمعية الفلكية وفروعها في علوم الكواكب ، هذا الرجل المسيحي ألّف كتاباً يقع في ( 572 صفحة ) من الحجم الكبير تناول فيه دراسة حياة المائة الأوائل من تاريخ البشرية ونشره عام ( 1978 م ) في الولايات المتحدة وأحدث ضجة هناك ما لبثت ان انتقلت إلى أنحاء كثيرة في العالم .
وقد وضع المؤلف شخصية النبي محمد ( ص ) على رأس القائمة ، واعتبره أهم شخصية في تاريخ البشر .
( إن اختيار المؤلف لمحمد ( ص ) ليكون على رأسه القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات ، ان هذا الاختيار ربما أدهش كثيراً من القراء الى حد أنه قد يثير بعض التساؤلات ، ولكن في اعتقاد المؤلف ان محمداً ( ص ) كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي .
لقد أسس محمد ( ص ) ونشر أحد أعظم الأديان في العالم ، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام ، ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تقريباً على وفاته فإن تأثيره لا يزال قوياً وعارماً ) (6) .
هذا هو جد زينب ( ع ) والذي فتحت عينيها في احضانه ، وسنرى علاقته بها وعلاقتها به .
أبوها ـ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) ( 23 قبل الهجرة ـ 40 هـ ) .
____________
(6) ( دراسة في المائة الأوائل ) الدكتور مايكل هارت .
( 23 )

وإذا كان النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) هو الشخصية الاولى في تاريخ البشر والنموذج الأفضل والأرقى للانسان فان علي بن أبي طالب ( ع ) يحتل المكانة الثانية في العظمة بعد رسول الله ( ص ) ، وهذا ما يؤكد عليه القرآن الحكيم حيث نص على أن علياً نفس الرسول كما هو صريح آية المباهلة : ـ ( فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (7) .
فقد ذكر المؤرخون والمحدثون والمفسرون أن الآية نزلت لدعوة نصارى نجران للمباهلة وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) اختار للمباهلة علياً وفاطمة وولديها الحسن والحسين عليهم السلام وخرج بهم وقال : ـ
« ان أنا دعوت فأمنوا أنتم » (8) .
وبذلك فعلي ( ع ) هو المقصود بـ ( أنفسنا ) في الآية الكريمة كما أن فاطمة هي مصداق ( نساءنا ) والحسنان ( أبناءنا ) .
وقد تحدث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في موارد عديدة وكثيرة لكي يبين افضلية الإمام علي ( ع ) وموقعيته الخاصة لديه والتي لا يدانيه فيها أحد وهذه بعض النماذج من أقواله وأحاديثه تلك : ـ
« علي عتبة عملي ، أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد العلم فليأت الباب » (9) .
« أنا وعلي من شجرة واحدة ، وسائر الناس من أشجار شتى ، إن علياً مني
____________
(7) سورة آل عمران ، الآية (61) .
(8) ( التفسير المنير ) وهبة الزحيلي ج 3 ، ص 248 .
(9) ( أخلاقيات أمير المؤمنين ) هادي المدرسي ص 513 ، نقلاً عن ( تاريخ ابن عساكر ) ج 2 ، ص 983 .

( 24 )

وأنا منه ، لحمه من لحمي ودمه من دمي » (10) .
« علي مني بمنزلة هارون من موسى » (11) .
« من كنت مولا فهذا علي ممولاه » (12) .
« يا علي لولا أن أخاف أن تقول فيك طائفة من امتي ، ما قالته النصارى في عيسى بن مريم ، لقلت فيك كلمة لا تمر بها على ملأ الا وأخذوا من تراب نعليك ، ومن طهورك ما يستشفون به ، ولكن حسبك انك مني وأنا منك وأنت أخي وصاحبي » (13) .
هذا اضافة الى أنه أول من آمن برسول ( ص ) ، وأول من ضرب بالسيف في سبيل الله ، واول من لبّى وأجاب وأعلن نصرته لرسول الله ( ص ) ، وأول من قاتل وجاهد وهاجر بعد رسول الله ( ص ) ، ومن يقرأ تاريخ الدعوة الاسلامية يرى دور علي ( ع ) هو الأساس في ظهور الاسلام بعد دور النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتتجلى شخصيته كالعنصر والعامل الثاني بعد رسول الله ( ص ) في دوره ومواصفاته وعلاقته بالرسول .
( 3 ) أمها ـ فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ( 8 قبل الهجرة ـ 11 هـ ) .
المرأة في بعدها الانساني العام الذي تشترك فيه مع الرجل على قدم المساواة ، يكون مثلها الأعلى وقدوتها الأولى هو خير البشر النبي محمد ( ص ) . أما في جانبها الانثوي الخاص فيبدو من النصوص الثابتة عند جميع المسلمين ان المقام الأرفع للمرأة في تاريخ البشرية قد تبوأته سيدتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
____________
(10) المصدر السابق ، نقلاً عن ( سنن ابن ماجة ) ج 1 ، ص 644 .
(11) المصدر السابق ص 514 ، نقلاً عن ( صحيح البخاري ) ج 2 ، ص 300 .
(12) المصدر السابق ، نقلاً عن ( تاريخ ابن عساكر ) ج 2 ص 280 .
(13) المصدر السابق ، نقلاً عن ( أعيان الشيعة ) ج 2 ، ص 206 .

( 25 )

فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين .
ففي رواية عن عائشة زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قالت :
قال رسول الله : « فاطمة سيدة نساء أهل الجنة » (14) .
وعن حذيفة ( رضي الله عنه ) قال : ـ
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ـ « نزل ملك من السماء فاستأذن الله ان يسلم عليّ لم ينزل قبلها فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة » (15) .
وعن عائشة أن النبي (ص ) قال وهو في مرضه الذي توفي فيه : ـ
« يا فاطمة الا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الامة » (16) .
وعن ابن مسعود قال : ـ قال رسول الله ( ص ) : ـ « خير رجالكم علي وخير شبابكم الحسن والحسين وخير نسائكم فاطمة » رواه الخطيب وابن عساكر (17) .
وكذلك ما أخرجه جماعة من الحفظة وأهل الضبط ممن حملوا العلم بأسانيده وطرقه كابن عبد البر في ترجمتها ( عليها السلام ) من ( الاستيعاب ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عادها وهي مريضة فقال : ـ كيف تجدينك يا بنية ؟ قالت : ـ إني لوجعة وانه ليزيدني اني مالي طعام آكله ! قال : ـ يا بنيّه أما ترضين انك سيدة نساء العالمين ؟ .
قالت : ـ يا أبه فأين مريم بنت عمران ؟ قال : ـ تلك سيدة نساء عالمها وأنت
____________
(14) ( رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ) ابن تيمية ص 72 .
(15) المصدر السابق ص 110 .
(16) المصدر السابق ص 111 .
(17) المصدر السابق ص 130 .

( 26 )

سيدة نساء عالمك (18) .
ويقرر الامام السيد عبد الحسين شرف الدين ( رحمه الله ) أفضلية الزهراء وتفوفها على كل بنات حواء قاطبة بما فيهن السيدة مريم بن عمران ( عليها السلام ) فيقول : ـ
[ وحسبك في تفضيل الزهراء انها بضعة من سيد الانبياء ولا نعدل به ولا ببضعته أحداً من العالمين ، وقد وافقنا في تفضيلها جمهور المسلمين وصرح به كثير من المحققين نقل ذلك عنهم غير واحد من العلماء الباحثين المتتبعين ، كالمعاصر النبهاني حيث قال في احوال الزهراء من كتابه ( الشرف المؤبد ) ما هذا لفظه : ـ وصرح بافضليتها على سائر النساء حتى على السيدة مريم كثير من العلماء المحققين ومنهم التقي السبكي والجلال السيوطي والبدر الزركشي والتقي المقريزي . قال : ـ وعبارة السبكي حين سئل عن ذلك : ـ الذي نختاره وندين به أن فاطمة بنت محمد أفضل ، قال : ـ وسئل عن مثل ذلك ابن أبي داوود فقال : ـ إن رسول الله ( ص ) قال : ـ « فاطمة بضعة مني » ولا أعدل ببضعة رسول الله ( ص ) أحداً . ونقل المناوي : هذا عن جمع من الخلف والسلف ] (19) .
( 4 ) أخواها ـ الحسن ( ع ) ( 3 هـ ـ 50 هـ ) ، الحسين ( ع ) ( 4 هـ ـ 61 هـ ) .
ويكفي في فضلهما وشأنهما ما رواه المسلمون عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في تبيين مكانتهما كالحديث الذي رواه حذيفة بن اليمان قال : ـ أتيت النبي فصليت معه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم تبعته وهو يريد ان يدخل بعض حجره فقام وأنا خلفه كأنه يكلم أحداً قال : ـ ثم قال : ـ من هذا ؟ .
قلت : ـ حذيفة .
____________
(18) ( الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء ) عبد الحسين شرف الدين ص 80 .
(19) المصدر السابق ص 77 .

( 27 )

قال : ـ أتدري من كان معي ؟ .
قلت : ـ لا .
قال : ـ فان جبرئيل جاء يبشرني ان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة (20) .
وعن يعلى بن امية قال : ـ جاء الحسن والحسين يسعيان الى رسول الله ( ص ) فأخذ أحدهما فضمّه الى إبطه وأخذ الآخر فضمّه الى إبطه الآخر ، وقال : ـ « هذان ريحانتاي من الدنيا من أحبّني فليحبهما » (21) .
وروى سلمان الفارسي قال : ـ سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ـ « الحسن والحسين ابناي من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله أدخله الجنة ، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار » (22) .
ومما أشتهر بين المسلمين قوله ( صلى الله عليه وآله ) : ـ « الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا » (23) .
وحياة الحسنين ( ع ) وسيرتهما سجل عظيم رائع للمكارم والفضائل ، والتاريخ يكبر للامام الحسن ( ع ) موقفه السياسي الحكيم في الصلح مع معاوية ، وللإمام الحسين ( ع ) ثورته الخالدة التي أصبحت منبعاً يستلهم منه الأحرار والثائرون روح التضحية والبطولة والفداء .
وبعد هذا الاستعراض السريع لأهم أقرب الشخصيات للعائلة التي انحدرت
____________
(20) ترجمة الإمام الحسن من ( تاريخ مدينة دمشق ) ابن عساكر ص 72 .
(21) المصدر السابق ص 85 .
(22) ( حياة الإمام الحسن ) باقر شريف القرشي ج 1 ، ص 98 .
(23) المصدر السابق ، ص 102 .

( 28 )

منها السيدة زينب ( ع ) ، والذي اتضح لنا من خلاله عظمة وأفضلية كل قطب من أقطاب بيتها الطاهر يمكننا القول بثقة واطمئنان ان لا أحد يداني السيدة زينب في عراقة النسب وشرافة الحسب فهي أفضل الناس جداً وأباً وأماً وأخاً عدا عن بقية أطراف نسبها الطاهر . وينطبق عليها ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حق أخويها الحسن والحسين ( ع ) حسب رواية ابن عباس ان رسول الله ( ص ) أتى المسجد فقام والحسنان ( ع ) على عاتقيه ثم قال :
« معاشر المسلمين : ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين جدهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاتم المرسلين ، وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة .
ثم قال : ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمة ؟ .
قالوا : بلى يا رسلول الله .
قال : الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب .
ثم قال : أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة ؟ .
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله .
ثم قال : اللهم إنك تعلم ان الحسن والحسين في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة ومن أحبهما في الجنة ومن أبغضهما في النار » (24) .
____________
(24) المصدر السابق ، ص 100 .