الباب التّاسع
(الدَّلالة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام)

1 ـ حدّثني أبي ؛ وأخي ؛ وعليُّ بن الحسين؛ ومحمّد بن الحسن ـ رحمهم الله ـ جميعاً ، عن سعد بن عبدالله بن أبي خلف ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليِّ بن الحكم ، عن صفوان الجمّال «قال : كنت وعامِرُ بنُ عبدالله بن جُذاعَةَ الاُزديّ عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له عامر : إنّ النّاس يزعمون أنّ أمير المؤمنين عليه السلام دفن بالرُّحْبَة(1) فقال : لا ، قال : فأين دُفِنَ؟ قال : إنّه لمّا ماتَ حمله الحسن عليه السلام فأتى به ظَهرَ الكوفة قريباً من النَّجف يُسْرة عن الغَرِيّ ، يمنةً عن الحيرة ، فدفنه بين ذكوات بيض ، قال(2): فلمّا كان بعد ذهبت إلى الموضع فتوهّمت موضعاً منه ، ثُمَّ أتيته فأخبرته فقال : أصبتَ أصبتَ أصبتَ ـ ثلاث مرّات ـ رَحِمَكَ الله» .
2 ـ حدّثني محمّد بن الحسن(3) ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عُمَير ، عن الحسين [بن] الخلاّل(كذا) ، عن جدّه «قال : قلت للحسين بن عليٍّ ـ صلوات الله عليهما ـ : أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السّلام؟ قال: خرجنا به ليلاً حتّى مررنا على مسجد الاُشعث ، حتى خرجنا إلى ظهر ناحية الغَريّ» .
3 ـ حدَّثني جماعة مشايخي ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن
____________
1 ـ الرّحبة ـ بضمّ أوّله ، وسكون ثانيه ، وباء موحّدة ـ : قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحُجّاج إذا أرادوا مكّة (معجم البلدان) .
2 ـ القائل هو صفوان بن مِهران الجمّال .
3 ـ يعني ابن الوليد ، وهو من مشائخ ابن قولويه ـ رحمهما الله ـ .

( 31 )

ابن أبي عُمَير ، عن القاسم بن محمّد ، عن عبدالله بن سِنان «قال : أتاني عُمَرْ بن يزيد فقال لي : اركب ، فركبتُ معه فمضينا حتّى نزلنا منزل حفص الكُناسيِّ فاستخرجه فركب معنا فمضينا حتّى أتينا الغَريّ فانتهينا إلى قبر فقال : انزلوا ؛ هذا القبر قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقلنا له : مِن أين عَرَفت هذا؟ قال : أتيته مع أبي عبدالله عليه السلام حيث كان في الحيرة غير مرَّة وخبرني أنّه قبره» .
4 ـ حدّثني أبي ؛ ومحمّد بن يعقوب ؛ عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن يحيى بن زكريّا ، عن يزيد بن عُمَر بن طلْحَةَ «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام ـ وهو بالحَيرة ـ : أما تريد ما وعَدْتُكَ؟ قال : قلت : بلى ـ يعني الذّهاب إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ـ ، قال : فركب ورَكب إسماعيل ابنه معه ورَكبت معهما حتّى إذا جاز الثّوِيَّة(1) وكان بين الحَيرة والنَّجف عند ذكوات بيض(2) نزل ونزل إسماعيل ونزلتُ معهم فصلّىس إسماعيل وصلّيتُ ، فقال لإسماعيل : قُمْ فسلّم على جَدّك الحسين بن علي عليهما السلام ، فقلت: جُعلت فداك أليس الحسين عليه السلام بكربلاء ، فقال : نَعَم؛ ولكن لمّا حُمل رأسه إلى الشّام سَرَقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام» .
5 ـ حدّثني أبي ؛ ومحمّد بن الحسن جميعاً ، عن الحسن بن مِتّيل ، [و] عن سَهل بن زياد ، عن إبراهيمَ بنِ عقُبَةَ ، عن الحسن الخزّاز الوشّاء ، عن أبي الفَرَج ، عن أبان بن تَغلِب «قال : كنت مع أبي عبدالله عليه السلام فمرَّ بظهر الكوفة فنزل وصلّى ركعتين ثمَّ تقدَّم قليلاً فصلّى رَكعتين ، ثمَّ سار قليلاً فنزل فصلّى رَكعتين ، ثمَّ قال: هذا موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، قلت : جعلت فِداك فما الموضعين اللَّذين صلّيت فيهما؟ قال : موضع رأس الحسين عليه السلام ، وموضع منبر القائم عليه السلام» .
6 ـ حدِّثني أبي ، عن سعد بن عبدالله ، عن الحسن بن موسى الخشّاب ، عن عليِّ بن أسباط ـ رفعه ـ «قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : إنّك إذا أتيت الغَريَّ رأيت
____________
1 ـ موضع بقرب الكوفة .
2 ـ هي الحصيات الّتي يقال لها : درّ النّجف تشبيهاً لها بالحمرة المتوقّدة .

( 32 )

قبرين : قبراً كبيراً وقبراً صغيراً ، فأمّا الكبير فقبر أمير المؤمنين ، وأمّا الصّغير فرأس الحسين بن عليِّ عليهما السلام» .
7 ـ وحدَّثني محمّد بن عبدالله(1) ، عن محمّد بن أبي عبدالله الكوفيِّ ، عن موسى بن عِمرانَ النّخعيِّ ، عن الحسين بن يزيد قال : حدَّثنا صَفْوانُ بنُ مِهرانَ ، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام «قال : سار ـ وأنا معه ـ من القادسيّة حتّى أشرف على النّجف ، فقال : هو الجبل الَّذي اعتصم به ابن جَدِّي نوح عليه السلام ، فقال : «سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الماءِ(2)» فأوحى الله تبارَك وتعالى إليه : يا نجف أيعتصم بك منّي ؟! فغاب في الاُرض وتقطّع إلى قطر الشّام(3) ، ثمَّ قال : اعدل بنا؛ فعدلتُ فلم يزل سائراً حتّى اتى الغَريّ فوقف على القبر ، فساق السَّلامَ مِن آدم على نبيٍّ ونبيٍّ عليهم السلام ، وأن أسوق معه حتّى وصل السَّلام إلى النَّبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ثمَّ خَرَّ على القبر فسلّم عليه وعَلا نحيبَه(4) ، ثمّ قام فصلّى أربع رَكعات وصلّيت معه ، وقلت : ياابن رسول الله ما هذا القبر ، فقال : هذا قبر جدِّي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام» .
8 ـ حدَّثني محمّد بن أحمد بن عليِّ بن يعقوب(5) ، عن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن فضّال ، عن أبيه(كذا) ، عن الحسن بن الجَهْم بن بُكَير «قال : ذكرت لاُبي الحسن عليه السلام يحيى بن موسى وتعرّضه لمن يأتي قبر أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه كان ينزل موضعاً كان يقال به : الثّوية يتنزّه إليه ، ألا وقبر أمير المؤمنين عليه السلام فوق ذلك قليلاً ، وهو الموضع الَّذي روى صَفوانُ الجمّال أنَّ ابا عبدالله وصفه له ، قال له فيما ذكر : إذا انتهيت إلى الغَريّ ظهر الكوفة فاجعله خلف ظَهرك وتوجّه على نحو النَّجف ، وتيامن قليلاً ، فإذا انتهيت إلى الذَّكوات البيض والثّنيّة أمامه فذلك قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنا أتيته كثيراً . ومِن أصحابنا مَن لا يرى ذلك
____________
1 ـ الظّاهر هو الحميريّ .
2 ـ هود : 43.
3 ـ في بعض النسخ : «تقطّع إلى قبل الشّام» ، وفي المتن مثل ما في البحار . وفي اللغة : قُطر الشّام ونحوها : الاُقليم الواقعة فيه .
4 ـ النَّحيب : رفع الصّوت بالبكاء . (الصّحاح).
5 ـ هو أبو عبدالله محمّد بن أحمد بن يعقوب بن إسحاق بن عمّار ، الّذي هو مذكور من مشايخ المؤلّف . كما يأتي في ص199 تحت رقم 10 .

( 33 )

ويقول: هو في المسجد ، وبعضهم يقول : هو في القَصر ، فأردّ عليهم أنّ اللهَ لَم يكن ليجعل قبر أمير المؤمنين عليه السلام في القَصر في مَنازل الظّالمين ، ولم يكن يُدْفَنُ في المسجد وهم يريدون سَتره ، فأيّنا أصوب(1)؟ قال : أنت أصوب منهم ، أخذتَ بقول جعفر بن محمّد عليهما السلام ، قال : ثمَّ قال لي : يا أبا محمّد ما أرى أحداً من أصحابنا يقول بقولِك ، ولا يذهب مَذهَبَك ، فقلت له : جعلت فِداك أما ذلك شيءٌ مِن الله؟ قال : أجل؛ إنّ الله يوفّق مَن يشاء ويؤمن عليه ، فقل ذلك بتوفيق الله وَاحْمَدُه عليه» .
وحدّثني به محمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن أحمد بن الحسين جميعاً ، عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار ، عن أبيه عليٍّ ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال ، عن الحسن بن الجهم بن بُكَير قال : ذكرت لأبي الحسن عليه السلام ـ وذكر الحديث بطوله ـ .
9 ـ حدَّثني محمّد بن الحسن؛ ومحمّد بن أحمدَ بن الحسين جميعاً ، عن الحسن بن عليِّ بن مَهزيار ، عن أبيه عليّ بن مَهزيار قال : حدّثني عليُّ بن أحمدَ بن أشْيَم [عن رجل] عن يونسَ بن ظَبْيان «قال : كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بالحيرة أيّام مَقْدَمِه على أبي جعفر في ليلة صحيانة مُقمرة ، قال : فنظر إلى السّماء فقال : يا يونس أما ترى هذه الكواكب ما أحسنها ، أما إنّها أمانٌ لأهل السَّماء ونحن أمانٌ لأهل الاُرض ، ثمَّ قال : يا يونس فمرّ بإسراج البَغل والحِمار ، فلمّا أُسرجا قال : يا يونس أيّهما أحبُّ إليك ؛ البَغل أو الحِمار ؟ قال : فظننت أنَّ البغل أحبُّ إليه لقوَّته ، فقلت : الحِمار ، فقال : اُحبّ أن تؤثرني به ، قلت : قد فعلتُ ، فركب ورَكبت ، ولمّا خرجنا مِنَ الحِيرة قال : تقدَّم يا يونس ، قال : فأقبل يقول : تَيامَن تَياسَر ، فلمّا انتهينا إلى الذّكوات الحمر قال : هو المكان ، قلت : نَعَم فتيامن ثمَّ قصد إلى موضع فيه ماءٌ وعَينٌ فتوضّأ ثمَّ دنا من أكَمَة فصلّى عندها ، ثمَّ مالَ عليها وبكىُ ، ثمَّ مال إلى أكمَةٍ دونها ففعل مثل ذلك ، ثمَّ قال : يا يونس افعل مثلَ ما فعلتُ ، ففَعَلْتُ ذلك فلمّا تفرّغت قال لي : يا يونس تعرف هذا المكان؟ فقلت :
____________
1 ـ إلى هنا قول الحسن بن الجهم . والمسؤول مشترك بين الكاظم والرّضا عليهما السلام .
( 34 )

لا ، فقال : الموضع الّذي صلّيت عنده أوّلاً هو قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، والأكَمَة الاُخرى رأس الحسين بن عليِّ بن أبي طالب عليهما السلام ، إنّ الملعون عبيدالله بن زياد ـ لعنه الله ـ لمّا بعث رأس الحسين عليه السلام إلى الشّام رُدّ إلى الكوفة ، فقال : أخرجوه عنها لا يُفتننّ به أهلها ، فصيّره الله عند أمير المؤمنين عليه السلام ، فالرَّأس مع الجسد(1) والجسد مع الرَّاس» .
10 ـ حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب الزَّيّات ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن جَرير ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : إنّي لمّا كنتُ بالحيرة عند أبي العبّاس كنتُ أتي قبر أمير المؤمنين عليه السلام ليلاً وهو بناحية النّجف إلى جانب الغَريّ النّعمان ، فاُصلّي عنده صلاة اللّيل وانصرف قبل الفجر» .
11 ـ وعنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحَجّال(2) ، عن صفوانَ بن مِهرانَ ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : سألته عن موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : فوصف لي موضعه حيث دكادك الميل(3) قال : فأتيته فصلّيت عنده ثمَّ عُدْتُ إلى أبي عبدالله عليه السلام مِن قابل فأخبرته بذهابي وصَلاتي عنده ، فقال : أصبت ، فمكثتُ عشرين سنة اُصلّي عنده» .
12 ـ حدَّثني أبي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن أحمدَ بن محمّد بن أبي نصر «قال : سألت الرّضا عليه السلام فقلت : أين موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: الغَريّ ، فقلت له : جعلت فداك إنّ بعض الناس يقولون : دفن في الرُّحْبَة ، قال : لا ، ولكن بعض النّاس يقول : دفن بالمسجد» .
____________
1 ـ أي بعد ما دفن الرّاس هنا ألحقه الله بالجسد ، وإنما يزار ويصلّى الله عليه وآله وسلّم ههنا لكونه محلاً للرّأس المقدّس . (البحار) .
2 ـ يعني عبدالله بن محمّد الكوفيّ ، ثقة ثبت ، وهو من أصحاب الرّضا عليه السلام .
3 ـ الدَّكْدَك ـ ويكسر ـ من الرّمل : ما تَكَبَّس واسْتَوى ، أو ما الْتَبد منه بالأرض ، أو هي أرض فيه غِلَظٌ ، والجمع دكادك ودكاديك. (القاموس) وقال في البحار : ولا يبعد أن يكون الميل تصحيف الرّمل وهذا يؤيّد كون «الذّكوات» في نسخة مصحّف «الدّكاوات» .

( 35 )

الباب العاشر
(ثواب زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام)

1 ـ حدّثني أبي ؛ ومحمّد بن يعقوب ، عن محمّد بن يحيى العطّار ، عن حَمدانَ بن سليمان النّيسابوريّ ، عن عبدالله بن محمّد اليمانيّ ، عن مَنيع بن الحجّاج ، عن يونس ، عن أبي وهب البصريّ «قال : دخلت المدينة فأتيت أبا عبدالله عليه السلام فقلت : جعلت فداك أتيتك ولم أزر قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، قال : بئس ما صنعت ، لولا أنّك من شيعتنا ما نظرت إليك ، ألا تزور مَن يزوره الله تعالى مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون(1)؟ قلت : جعلت فداك ما علمت ذلك ، قال : فاعلم أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام أفضل عند الله من الأئمّة كلِّهم وله ثوابُ أعمالهم وعلى قدر أعمالهم فضّلوا» .
2 ـ حدَّثني محمّد بن يعقوبَ ، عن أبي علي ِّ الاُشعريّ ـ عمّن ذكره ـ عن محمّد بن سِنان . وحدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري ّ ، عن أبيه ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب قال : حدّثني ابن سنان(2) قال: حدَّثني المفضّل بن عُمَرَ «قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقلت : إني أشتاق إلى الغري ، قال : فما شوقك إليه ؟ قلت له : إنّي اُحبُّ أمير المؤمنين عليه السلام واُحبُّ أن أزورَه ، قال : فهل تعرف فضل زيارته؟ قلت : لا يا ابن رسول الله؛ فعَرِّفني ذلك ، قال : إذا أردت زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فاعلم أنّك زائر عظام آدم ، وبدن نوح ، وجسم عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، قلت : إنَّ آدم هبط بسَرَنديب في مطلع الشَّمس وزعموا أنّ عظامه في بيت الله الحرام فكيف صارت عِظامه بالكوفة؟ قال : إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى نوح عليه السلام وهو في السّفينة أن يطوف بالبيت اُسبوعاً ،
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «يزوره الأنبياء مع المؤمنين» . ولقوله عليه السلام : «يزوره الله تعالى» بيان ، راجع الباب 38 ص 122 ذيل الخبر الرّابع .
2 ـ يعني محمّد بن سنان .

( 36 )

فطاف كما أوحى الله إليه ، ثمَّ نزل في الماء إلى أن ركبتيه فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم ، فحمل التّابوت في جوف السَّفينة حتّى طاف بالبيت ما شاء الله تعالى أن يطوف ، ثمَّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ، ففيها قال الله للأرض : «ابْلَعي ماءَكِ»(1) ، فبلعتْ ماءها من مسجد الكوفة كما بدء الماء من مسجدها وتفرَّق الجمع الّذي كان مع نوح في السّفينة ، فأخذ نوحٌ التّابوت فدفنه بالغَريّ وهو قِطعة من الجبل الَّذي كلّم اللهُ عليه موسى تكليماً ، وقدَّس عليه عيسى تقديساً ، واتّخذ عليه إبراهيم خليلاً ، واتَّخذ عليه محمّداً حبيباً ، وجعله للنَّبيِّين مسكناً ، والله ما سكن فيه أحدٌ بعد آبائه الطاهرين آدم ونوح اكرم من أمير المؤمنين عليهم السلام فإذا أردت جانب النجف فزُر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي بن أبي طالب عليهم السلام فإنّك زائراً لآباء الأوَّلين ، ومحمّداً خاتم النّبيّين ، وعليّاً سيّد الوصيّين ، فإنّ زائره تفتح له أبواب السَّماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نُوّاماً» .
3 ـ حدَّثني عليُّ بن الحسين ، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن عثمانَ بن عيسى ، عن المعلّى [بن] أبي شِهاب ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : قال الحسين لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يا أبت ما جزاء مَن زارَك؟ قال : مَن زارني حيّاً أو ميّتاً أو زارَ أباك كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة فاُخلّصه مِن ذنوبه» .

الباب الحادي عشر
(زيارة قبر أمير المؤمنين عليه السلام)
(وكيف يزار ، والدّعاء عند ذلك)

1 ـ حدَّثني أبو عليِّ أحمدُ بن عليِّ بن مَهديّ قال : حدَّثني أبي : عليُّ بن صَدَقة الرَّقّيُّ قال : حدَّثني عليُّ بن موسى قال: حدَّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر عليهم السلام «قال : زارَ زينُ العابدين عليُّ بن الحسين عليهما السلام قبر أمير المؤمنين عليِّ
____________
1 ـ هود : 44 .
( 37 )

ابن أبي طالب عليه السلام ووقف على القبر فبكى ، ثمّ قال :
«السَّلامُ عَلَيْكَ يا أميرَ المؤمنينَ ورَحمةُ اللهِ وبَركاتُهُ السَّلامُ عَلَيْكَ يا أمينَ اللهِ في أرْضِهِ وَحُجَّتَهُ عَلى عِبادِهِ [ السَّلامُ عَلَيْكَ يا أميرَ الْمُؤْمِنينَ ] ، أشْهَدُ أنَّكَ جاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ وَعَمِلْتَ بِكِتابِهِ وَاتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلّم حَتّى دَعاكَ اللهُ في جِوارِهِ وَقَبَضَكَ بِاخْتِيارِهِ ، وَالْزَمَ أعْدآئَكَ الْحُجَّةَ في قَتْلِهِم إيّاك مَعَ مالَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبالِغَةِ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ ، اللّـهُمَّ فَاجْعَلْ نَفْسى مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ؛ راضِيَةً بِقَضآئِكَ ، مُولَعَةً بِذِكْرِكَ وَدُعآئِكَ ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أوْلِيآئِكَ ، مَحْبُوبَةً فى أرْضِكَ وَسَمآئِكَ ، صابِرَةً عَلى نُزُولِ بَلأئِكَ شاكِرَةً لِفَواضِلِ نَعْمآئِكَ ، ذاكِرَةً لِسَوابِغِ آلائِكَ ، مُشْتاقَةً إلى فَرْحَةِ لِقآئِكَ ، مُتَزَوِّدَةً التَّقْوى لِيَوْمِ جَزآئِكَ ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أوْلِيآئِكَ (1) ، مُفارِقَةً لإَخْلاقِ أعْدائِكَ ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيا بِحَمْدِكَ وَثَنآئِكَ» .
ثمّ وَضع خدّه على القبر وَقال :
اللّـهُمَّ إنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتينَ إلَيْكَ والِهَةٌ ، وَسُبُلَ الرّاغِبينَ إلَيْكَ شارِعَةٌ ، وَأعْلامَ الْقاصِدينَ إلَيْكَ واضِحَةٌ ، وَأفْئِدَةَ الْعارِفينَ مِنْكَ فازِعَةٌ ، وَأصْواتَ الدّاعينَ إلَيْكَ صاعِدَةٌ ، وَأبْوابَ الاَِْجابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ ، وَدَعْوَةَ مَنْ ناجاكَ مُسْتَجابَةٌ ، وَتَوْبَةَ مَنْ أنابَ إلَيْكَ مَقْبُولَةٌ ، وَعَبْرَةَ مَنْ بَكى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ ، والإعانة لِمَنِ اسْتَعانَ بِك مَوجُودةٌ ، والإغاثَةَ لِمَنِ اسْتَغاثَ بكَ مبذُولةٌ ، وَعِداتِكَ لِعِبادِكَ مُنْجَزَةٌ ، وَزَلَلَ مَنِ اسْتَقالَكَ مُقالَةٌ ، وَأعْمالَ الْعامِلينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ ، وَأرْزاقَكَ إلَى الْخَلائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نازِلَةٌ ، وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ لَهُمْ مُتواتِرَةٌ ، وَذُنُوبَ الْمُسْتَغْفِرينَ مَغْفُورَةٌ ، وَحَوآئِجَ خَلْقِكَ عِنْدَكَ مَقْضِيَّةٌ ، وَجَوآئِزَ السّائِلينَ عِنْدَكَ مُوَفَّورَةٌ ، وَعَوآئِدَ الْمَزيدِ إليهم واصِلةٌ ، وَمَوآئِدَ الْمُسْتَطْعِمينَ مُعَدَّةٌ ، وَمَناهِلَ الظِّمآءِ لَدَيكَ مُتْرَعَةٌ ، اللّـهُمَّ فَاسْتَجِبْ دُعآئي ، وَاقْبَلْ ثَنآئي ، وأعْطِني رَجائي ، وَاجْمَعْ بَيْني وَبَيْنَ أوْلِيآئي بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَفاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهم السَّلام ، إنَّكَ وَلِيُّ نَعْمآئى ، وَمُنْتَهى رَجائي ، وَغايَةُ مُنايَ في مُنْقَلَبي وَمَثْوايَ ، أنْتَ إلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ اغْفِرْ لإََوْلِيآئِنا ، وَكُفَّ عَنّا أعْدآئَنا وَاشْغَلْهُمْ عَنْ أذانا ، و
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «بسنن أنبيائك» .
( 38 )

أظْهِرْ كَلِمَةَ الْحَقِّ وَاجْعَلْهَا الْعُلْيا ، وَأدْحِضْ كَلِمَةَ الْباطِلَ وَاجْعَلْهَا السُّفْلى ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَىءٍْ قَديرٌ»» .
2 ـ حدّثني محمّد بن الحسن بن الوليد ـ رحمه الله ـ فيما ذكر من كتابه الَّذي سَمّاه «كتاب الجامع» ، روي عن أبي الحسن عليه السلام «أنّه كان يقول عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام :
السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، أشهَدُ أنَّك أوَّلُ مَظْلُومٍ؛ وَأوَّلُ مَنْ غُصِبَ حَقُّهُ، صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ حَتّى أَتاكَ الْيَقينُ ، وَأشْهَدُ أنَّكَ لَقِيتَ اللهَ ، وَأنْتَ شَهيدٌ ، عَذَّبَ اللهُ قاتِلَكَ بِأنْواعِ الْعَذابِ وَجَدَّدَ عَلَيْهِ الْعَذابَ، جِئْتُكَ عارِفاً بِحَقِّكَ ؛ مُسْتَبْصِراً بِشَأنِكَ؛ مُعادِياً لإَعْدائِكَ وَمَنْ ظَلَمَكَ، الْقى عَلى ذلِكَ رَبّي إنْ شاءَ اللهُ تعالى ، إنَّ لي ذُنُوباً كَثيرَةً فَاشْفَعْ لي عندَ رَبِّكَ يا مَولايَ ، فَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعْلُوماً، وَإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ جاهاً عَظيماً وَشَفاعَةً، وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: «وَلا يَشْفَعوُنَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضى (1)».
ويقول عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام أيضاً :
«الْحَمْدُ للهِ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم وَمَنْ فَرَضَ الله عَلَيَّ طاعَتَهُ ، رَحْمَةً مِنْهُ لي وتَطَوُّعاً مِنْهُ عَلَيَّ، وَمَنَّ عَلَيَّ بِالاِْيْمانِ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي سَيّرني في بِلادِه وحَملَني عَلى دَوابِّهِ ، وطَوى لي البَعيدَ ، ودَفَع عَنّي المَكروه حتّى أدخَلَني حَرَمَ أخي رَسُولِهِ فَأرانيهِ في عافِيَةٍ، الْحَمْدُ للهِ الَّذي جَعَلَني مِنْ زُوّارِ قَبْرِ وَصِيِّ رَسُولِهِ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، الحَمْدُ للهِ الّذي جَعَل هَدانا لِهذا وما كُنّا لِنَهْتَدي لَوْلا أنْ هَدانَا اللهُ ، أشْهَدُ أنْ لا إلـهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، [وَأشْهَدُ] أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، جاءَ بالحقِّ مِنْ عِنْدِه ، وأشهَدُ أنَّ عليّاً عبدُالله وأخو رَسولِه ، اللهمَّ عَبدُكَ وَزائِرُكَ يَتَقرَّبُ إليك بِزيارةِ قبرِ أخي نَبيِّك ، وعَلى كُلِّ مأتيٍّ حقٌّ لِمَن أتاهُ وزارَهُ ، وأَنْتَ خَيرُ مأتيٍّ ، وأكرم مَزورٍ ، وأسألُك يا اللهُ يا رَحمنُ يا رَحيمُ يا جوادُ يا واحِدُ يا أحَدُ يا فَردُ يا صَمَدُ يا مَن لم يَلِدْ ولم يُولَد ولَمْ يكنْ لَهُ كُفُواً أحدٌ ، أنْ تُصلّي على محمٌدٍ وآل محمَّدٍ وأهل بَيْتِه ، وأنْ تجعَلَ تُحفَتَكَ إيّايَ مِنْ زِيارتي في مَوقِفي هذا فَكاك رَقَبَتي من النّار ، واجْعَلْني مِمّنْ
____________
1 ـ الأنبياء : 28 .
( 39 )

يُسارع في الخيراتِ ويَدْعُوك رَهَباً ورَغَباً ، واجْعَلْني لَكَ مِن الخاشِعينَ ، اللّـهُمَّ إنَّكَ بَشَّرْتَني عَلى لِسانِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ فَقُلْتَ : «وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (1)» اللّـهُمَّ فَإنّي بِكَ مُؤْمِنٌ وبِجَميعِ أنْبِيائِكَ مُوقِنٌ ، فَلا تُوقِفني بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ مَوْقِفاً تَفْضَحُني به عَلى رُؤُوسِ الاَْشْهادِ، بَلْ أوْقِفني مَعَهُمْ ، وَتَوَفَّني عَلَى التَّصْديقِ بِهِمْ، فَإنَّهم عَبِيدُكَ وأنت خَصَصْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ وَأمَرْتَني بِإتِّباعِهِم» ،
ثمَّ تدنو من القبر وتقول : «السَّلامُ مِنَ اللهِ والسَّلامُ على محمّدِ بنِ عبدِالله أمين اللهِ عَلى وَحْيِه وعَزائِم أمْرِه ، ومَعْدِنِ الْوَحي والتَّنزيل ، والخاتَم لِما سَبَقَ والفاتِحِ لِمَا اسْتَقْبَل(2)، وَالْمُهَيْمِنِ عَلى ذلِكَ كُلِّهِ ، والشاهِدِ عَلى خَلْقِه ، والسِّراج المُنِيرِ ، والسَّلامُ عليه ورَحمةُ اللهِ وبركاتُه ، اللّهمَّ صَلِّ على محمّد وأهل بَيتِه المظلومينَ أفضلَ وأكملَ وأرْفعَ وأشْرَفَ ما صلَّيت على أحدٍ مِنْ أنبيائِكَ ورُسُلِكَ وأصْفِيائكَ ، اللّهمّ صَلِّ عَلى عَليٍّ أميرِ المؤمنينَ عَبدِكَ وَخَيْرِ خَلْقِكَ بَعْدَ نَبِيِّكَ وأخي رَسُولِكَ وَوَصيِّ رَسُولِكَ ، الَّذي انْتَجَبْتَه مِن خَلْقِكَ بعْدَ نَبِيِّكَ ، والدَّليلِ عَلى مَنْ بعَثتُهُ بِرسالاتِكَ ، وَديّان الدِّين بَعَدْلِكَ ، وَفَصل قَضائِك بَين خَلْقِكَ ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحمةُ اللهِ وبَرَكاته ، اللّهم صَلِّ عَلى الاُئمَّةِ مِنْ وُلدِهِ الْقَوَّامين بأمْرِكَ مِن بَعْدِه ، المُطهّرين الّذين ارْتَضَيْتَهم أنْصاراً لِدينِكَ وَحَفَظةً لِسِرِّكَ ؛ وشُهداءَ عَلى خَلْقِك ، وأعْلاماً لِعِبادك ـ وتصلّي عليهم ما استَطعْتَ ـ السَّلامُ على الأئمّةِ المُسْتَودِعِين ، السَّلامُ على خالِصَةِ اللهِ مِنْ خَلقِه ، السَّلامُ على الأئمّة المتوسِّمِينَ ، السَّلامُ عَلى المؤمنِين ، الّذين قامُوا بِأمْركَ ، ووازَروُا أولياءَ اللهِ ، وخافُوا بخَوْفِهِم ، السَّلام عَلى مَلائِكَةِ اللهِ المُقَرَّبينَ» .
ثمَّ تقول : «السَّلامُ عَلَيكَ يا أميرَ المؤمنين ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكاتُهُ ، السَّلام عليكَ يا حَبيبَ الله ، السَّلام عليكَ يا صَفْوَةَ اللهِ ، السَّلامُ عليك يا وَليَّ اللهِ ، السَّلام عَلَيكَ يا حُجَّةَ اللهِ ، السَّلامُ عليك يا عَمودَ الدِّينِ وَوارِثَ عِلْمِ الاُوَّلينَ والآخِرينَ ، وصاحِبَ المِيْسَمِ(3)
____________
1 ـ يونس : 2 .
2 ـ أي لمن بعده من الحجج عليهم السلام ممّا استقبله من المعارف والعلوم والحكم . (البحار) .
3 ـ الميسم ـ بكسر الميم ـ : اسم الآلة الّتي يكوى بها ويُعْلم ، وأصله الواو وجمعه مياسم ومواسم ، الاُولى على اللّفظ والثّانية على الأصل .

( 40 )

وَالصِّراطِ الْمُسْتَقيم ، أَشْهَدُ أنّك قَدْ أَقَمْتَ الصَّلاةَ ، وآتَيْتَ الزَّكاةَ ، وأمَرتَ بالمَعروفِ ، ونهَيتَ عَنِ المُنكرِ ، واتَّبَعْتَ الرَّسولَ ، وتَلَوْتَ الكِتابَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ، وجاهَدْتَ في الله حَقَّ جِهادِه ، ونَصَحْتَ للهِ ولِرسُوله ، وجُدْتَ بنَفْسِكَ صابِراَ مُحْتَسِباً مجاهِداً عن دينِ اللهِ ، مُوَقِّياً(1) لِرَسولِ اللهِ ، طالِباً ما عِندَ اللهِ ، راغِباً فيما وَعَدَ اللهُ ، ومَضيتَ للَّذي كنتَ عَلَيه شَهيداً وشاهِداً ومَشهُوداً ، فجَزاكَ اللهُ عَن رَسولِه وعن الإسلامِ وأهْلِه أفْضَلَ الجَزاءِ ، لَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ، ولَعَنَ اللهُ مَن خالفَكَ ، ولَعَنَ الله منِ افْتَرى عَلَيكَ وظَلَمَكَ ، ولَعَنَ اللهُ مَن غَصَبَك حَقَّك ، ومن بَلَغَهُ ذلِكَ فَرَضِيَ به ، أَنَا إلى اللهِ مِنْهم بَراءٌ ، لَعَنَ الله اُمّةً خالَفتْكَ ؛ واُمّةً جَحَدَتْ وِلايَتَكَ ؛ واُمّةً تَظاهَرَتْ عَلَيكَ؛ واُمّةً قَتَلتْكَ ؛ واُمّةً حادَت عَنك وَخَذَلَتْك ، والْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ النّار مَثْواهُمْ ، وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْروُد(2) ، وبِئسَ وِرْدُ الوارِدِين ، وبِئسَ دَرَكُ المُدْرِك ، اللهمَّ العَن قَتَلَة أنبيائك وأوصياءِ أنبيائِكَ بجميع لَعَناتِكَ ، وأصِلهم حرّ ناركَ ، اللّهمَّ الْعَنِ الجَوابيتَ والطَّواغِيتَ والفَراعِنَةَ(3)؛ واللاّتَ والعُزٌَى والجِبتَ ، وكلَّ نِدٍّ يُدعى مِن دُونِ اللهِ ، وكلَّ مُفْتَرٍ عَلى اللهِ ، اللّهمَّ الْعَنْهُمْ وأشْياعَهُم وأتْباعَهُم وأوْلِيائهم وأعْوانَهم ومُحبّ ومُحبّيهم لَعْناً كَثيراً» ،
وتقول : «اللّهُمٌَ الْعَن قَتلَة أميرِ المؤمنينَ عليه السلام ـ ثلاثاً ـ اللّهمّ عَذِّبْهم عَذاباً أليماً لا تُعذِّبُهُ أحداً من العالَمين ، وضاعِفْ عَليْهِم عَذابَكَ كما شاقُّوا وُلاةَ أمْرِكَ ، وأعدّ لَهم عَذاباً لم تَحلّه بأحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ ، اللّهمَّ وأدْخِل عَلىُ قَتَلَة أنْصارِ رَسُولِكَ ، وقَتَلَة أنصار أمير المؤمنين ، وعَلى قَتلةِ أنْصار الحَسَن وعلى قَتلَة أنصارِ الحُسين ، وقَتَلَةَ مَن قُتل في ولاية آل مُحَمَّدٍ أجمعين عَذاباً مُضاعَفاً في
____________
1 ـ على بناء التّفعيل ، والتّوقية الحفظ والكلاءة . وفي بعض النّسخ : «موقناً» بالنّون ، في بعضها : «موفياً» بالفاء والياء ، يقال : وفي بالعهد وأوفى به . (البحار) .
2 ـ أي : بئس الورد محلّ ورودهم ، والمورود تأكيد ، أو المورود عليه . (كما قاله العلاّمة المجلسيّ ـ رحمه الله ـ ) .
3 ـ الجوابيت جمع الجبت ـ وهو بالكسر ـ : الصَّنم والكاهن والسّاحر والسِّحر ، والّذي لا خير فيه . «والطّواغيت» جمع طاغوت وهو الشّيطان ، والمراد هنا جميع خلفاء الجور من الفراعنة وأتباعهم .

( 41 )

أسْفَلِ دَرَكٍ مِنَ الْجَحيمِ، لا تُخَفَّفُ عَنْهُمُ من عذابِها وَهُمْ فيهِ مُبْلِسُونَ(1) مَلْعُونُونَ، ناكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، قَدْ عايَنُوا النَّدامَةَ وَالْخِزْيَ الطَّويلَ لِقَتْلِهِمْ عِتْرَةَ أنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَأتْباعَهُمْ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحينَ، اللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ في مُسْتَسِرِّ السِّرِّ وَظاهِرِ الْعَلانِيَة(2)ِ في أرْضِكَ وَسَمائِكَ، اللّـهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ في أوْلِيائِكَ، وَحَبِّبْ إلَيَّ مشاهَدهم حَتّى تُلْحِقَني بِهِمْ وَتَجْعَلَني لَهُمْ تَبَعاً فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ» ،
ثمَّ أجلس عند رأسه عليه السلام وقل :
سَلامُ اللهِ وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ وَالْمُسَلِّمينَ لَكَ بِقُلُوبهم، وَالنّاطِقينَ بِفَضْلِكَ؛ وَالشّاهِدينَ عَلى أنَّكَ صادِقٌ [أمينٌ] صِدّيقٌ؛ عَلَيْكَ يا مَولايَ ، السَّلام مِنَ اللهِ عليكَ وعلى رُوحِكَ وبدنِكَ ، أشْهَدُ أنّك طُهرٌ طاهِرٌ مُطهّرٌ(3) ، وأشْهَدُ لَكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَوَلِيَّ رَسُولِهِ بِالْبَلاغِ وَالاَْداءِ، وَأشْهَدُ أنَّكَ جَنْبُ اللهِ(4) وأنّكَ بابُ اللهِ ، وَأنَّكَ وَجْهُ اللهِ الَّذي مِنْهُ يُؤْتى، وأنّك خَليلُ اللهِ وأنّك عَبدُاللهِ ، وأخُو رَسولِه وقد أتَيْتُكَ وافِداً لِعظيم حالِكَ ومَنزِلَتِكَ عِندَ اللهِ وعِندَ رُسولِه ، أتَيْتُكَ زائِراً مُتَقَرِّباً إلَى اللهِ بِزِيارَتِكَ، طالباً خَلاصَ نَفْسي ، مُتَعوِّذاً بِكَ مِن نارٍ اسْتَحَقّها مِثلي بما جَنَيتُهُ علىُ نَفْسي ، أتَيتُك انْقِطاعاً إلَيكَ وإلى وَلَدِك الخَلَف من بَعْدِكَ عَلى بَرَكة الحَقّ ، فَقَلْبي لَكَ مُسَلّم ، وأمري لك متَّبعٌ ، ونُصْرتي لَكَ مُعَدَّة ، وأنا عَبدُاللهِ ومولاك في طاعَتِكَ ، والوافِدُ إليكَ ، ألتمسُ بذلك كمال المنزلةِ عندَ الله ، وأنت يامَولايّ مِمَّنْ أمَرني اللهُ بطاعَتِه(5) ، وحَثَّني عَلى بِرِّه ، و
____________
1 ـ المبلس : الشّديد الحسرة ، وقال الفرّاء : المبلس المنقطع الحجّة . وقال الفيروزآبادي : «المُبْلِسُ : السّاكتُ على ما في نفسه ، وأبْلَسَ : يئس [وانقطع] ، وتحيّر» .
2 ـ استسرّ : استتر . (القاموس) وقال العلاّمة المجلسي ـ رحمه الله ـ : قوله : «مستسرّ السَرَ» ، مبالغة في الخفاء ، كما أنّ «ظاهر العلانية» مبالغة في الظّهور ، والغرض لعنهم على جميع الاُحوال وبجميع أنحاء اللّعن .
3 ـ زاد به في الفقيه: «مِنَ طُهْرِ طاهِرٍ مَطهَّر» .
4 ـ المراد بالجنب إمّا القرب فالمعنى : أنت أقرب أفراد الخلق إلى الله تعالى ، مِن باب تسمية الحال باسم المحلّ ، وإمّا الطّاعة فالمراد : أنّ طاعتك طاعة الله عزّوجلّ ، والمراد بالباب الّذي لا يؤتى إلاّ منه ، أي : لا يوصل إلى الله وإلى معرفته وعبادته إلاّ بمتابعتك ، وكذا الكلام في الوجه والسّبيل .
5 ـ في بعض النّسخ: «بصلته» .

( 42 )

دَلَّني عَلى فَضْلِهِ ، وَهَداني لِحبِّهِ ، وَرَغَّبني في الوِفادَة إليه وإلى طَلَبِ الحَوائج عِنْدَهُ ، أنتم أهلُ بيتٍ يَسْعَدُ مَنْ تَولاّكم ، ولا يَخِيبُ مَنْ أتاكم ، ولا يخسَرُ مَنْ يَهواكم ، ولا يسْعَدُ مَنْ عاداكم ، لا أجِدُ أحَداً أفزع إليه خَيراً لي مِنكم ، أنتم أهلُ بَيتِ الرَّحمةِ ، ودعائِمُ الدِّين ، وأرْكانُ الاُرضِ ، الشَّجرةُ الطَّيِّبةُ ، اللّهمّ لا تُخَيِّب تَوَجُّهي إليكَ برسولِكَ وآل رسولِكَ(1) ، اللّهمَّ أنْتَ مَنَنْتَ عَليَّ بزيارَة مَولايَ ووِلايَته ومعرفتِه ، فَاجْعَلْني مَمّنْ تَنصُرُه ويُنْتَصَرُ به ، ومُنَّ عليَّ بنَصْرِكَ لِدينكَ في الدُّنيا والآخِرة ، اللّهمّ أحْيِني على ما حَيي عليه عليُّ بنُ أبي طالب عليه السلام ، وأمِتْني على ما مات عليه عليُّ بن أبي طالب عليه السّلام»» .
2 ـ حدّثني محمّد بن يعقوبَ ـ عمّن حدّثه(2) ـ عن سَهل بن زياد ، عن محمّد بن اُورَمَة . وحدَّثني أبي ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن ـ اورَمة ـ عمّن حدّثه ـ عن الصادق أبي الحسن الثّالث (3) عليه السلام «قال : تقول عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام :
«السَّلام عليكَ يا وليَّ اللهِ أنتَ أوَّلُ مَظلومٍ وأوَّل مَنْ غُصِبَ حَقُّه ، صَبرْتَ واحتسبتَ حتّى أتاكَ اليَقينُ ، وأشهدُ أنّك لَقيتَ الله وأنتَ شَهيدٌ ، عَذَّب اللهُ قاتلَكَ بأنواع العَذاب ، وجَدَّدَ عليه العَذابَ ، جئتُكَ عارِفاً بحقِّكَ ، مُسْتَبصراً بشأنِك ، مُوالياً لأوْلِيائِك ، مُعادياً لأَعْدائِك ومَنْ ظَلَمَكَ ، الْقى عَلىُ ذلك ربّي إن شاءَ اللهُ تعالى ، [يا وليْ اللهِ] إنَّ لي ذُنوباً كثيرةً ، فَاشْفع لي إلى رَبّك ، فإنَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعلُوماً ، وإنَّ لك عِندَ اللهِ جاهاً وشَفاعةً ، وقال : «لا يَشْفَعُونَ إلاّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُم مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون(4)»» .
حدّثني محمّد بن جعفر الرَّزّاز القرشيِّ ، عن محمّد بن عيسى بن عُبَيد ـ عن بعض أصحابنا ـ عن أبي الحسن الثّالث مثله .
____________
1 ـ زاد به في الفقيه : «واستشفاعي بهم» .
2 ـ كذا ، وفي الكافي مكانه : «عدّة من أصحابنا» وهم : علي بن محمّد الرّازيّ المعروف بـ «علاّن الكليني » ، ومحمّد بن أبي عبدالله الكوفيّ ساكن الرَّيّ ، ومحمّد بن الحسن الصّفّار ، ومحمّد بن عقيل الكوفيّ .
3 ـ كذا في النّسخ .
4 ـ الأنبياء : 28 .