رَجعنا إلى الأصل
1 ـ أخبرنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولُوَيه القمّيُّ الفقيه ـ رحمه الله ـ قال : حدَّثني أبي ؛ وعليُّ بن الحسين ؛ وجماعة مشايخي ـ رحمهم الله ـ عن سعد بن عبدالله بن أبي خَلَف ، عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سِنان ، عن أبي سعيد القَمّاط قال : حدَّثني عبدالله بن أبي يَعفور «قال : سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول لرجل مِن مَواليه : يا فلان أتزورُ قبر أبي عبدالله الحسين بن عليِّ عليهما السلام؟ قال : نَعَم إني أزورُه بين ثلاث سنين أو سَنتين مرَّة ، قال له ـ وهو مصفرُّ الوجه ـ : أما واللهِ الَّذي لا إله إلاّ هو لَوْ زُرتَه لكان أفضل لك ممّا أنت فيه! فقال له : جُعلتُ فِداك أكلُّ هذا الفضل؟ فقال : نَعَم والله ، لو إنّي حدَّثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتمُ الحَجَّ رأساً وما حَجَّ منكم أحَدٌ ، ويحك أما تعلم أنَّ الله اتّخذ [بفضل قبره] كربلاء حَرَماً آمِناً مبارَكاً قبل أن يتّخذ مَكّة حَرَماً ؟ قال ابن أبي يعفور : فقلت له : قد فرض اللهُ على النّاس حِجَّ البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلام فقال : وإن كان كذلك فإنَّ هذا شيء جعله الله هكذا ، أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول : إنَّ باطن القدم أحقُّ بالمسح من ظاهر القدم ولكنَّ الله فرض هذا على العِباد ؟! أو ما علمتَ أنَّ الموْقف لو كان في الحَرَم كان أفضل لأجل الحَرَم ولكنَّ الله صنع ذلك في غير الحَرَم ؟!» .
2 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد ابن سِنان ، عن أبي سعيد القَمّاط ، عن عُمَرَ بن يزيدَ بيّاع السّابريّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : إنَّ أرض كعبة قالت : مَن مِثلي ؛ وقد بنى الله بيته على ظَهري ويأتيني النّاس من كلِّ فجِّ عَمِيق ، وجُعِلتُ حَرمَ الله وأمنه؟!! فأوحى الله إليها أن كفّي وقَرّي ؛ فَوَعِزَّتي وجَلالي ما فضل ما فضّلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غَمَسَت(1) في البَحر فحملت من ماء البحر ، ولو
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «غرست» .
( 280 )

لا تُربة كربلاء ما فضّلتك ؛ ولو لا ما تضمّنتْه أرضُ كربلاء لما خلقتك ولا خلقتُ البيت الَّذي افتخرتِ به ؛ فقرِّي واستقرِّي وكوني دَنيّاً متواضعاً ذليلاً مَهيناً غير مُستَنكفٍ ولا مُستَكبرٍ لأرض كربلاء وإلاّ سُختُ بك(1) وهَوَيتُ بك في نار جهنّم» .
وحدَّثني أبي ؛ وعليُّ بن الحسين ، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليٍّ قال : حدَّثنا عبّاد أبو سعيد العُصْفُريّ ، عن عمرَ بن يزيد بيّاع السّابري ، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام ـ وذكر مثله ـ .
3 ـ حدَّثني أبو العبّاس الكوفيّ ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أبي سعيد العُصْفُريّ ، عن عَمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام «قال : خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدَّسها وبارَك عليها ، فما زالَتْ قبل خلْق الله الخلق مقدّسة مباركة ، ولاتزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضلَ أرْض في الجنّة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنّة» .
4 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر القرشيُّ الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أبي سعيد ـ عن بعض رجاله ـ عن أبي الجارود «قال : قال عليُّ بن الحسين عليهما السلام : اتّخذ الله أرض كربلاء حَرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رفعتْ كما هي بتربتها نوارنيّة صافية ، فجعلت في أفضل رَوضة مِن رياض الجنَّة ، وأفضل مسكنٍ في الجنَّة ، لا يسكنها إلاّ النّبيّون والمرسلون ـ أو قال أولوا العزم مِن الرُّسل ـ وأنّها لتزهر بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدُّرّيّ بين الكواكب لأهل الأرض يغشي نورها أبصار أهل الجنَّة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرضُ الله المقدَّسة الطيِّبة المبارَكة الّتي تضمّنت سَيّد الشّهداء وسَيّد شباب أهل الجنّة» .
____________
1 ـ ساخت بهم الأرض أي خسفت .
( 281 )

حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ وعليُّ بن الحسين ؛ وجماعة مشايخي ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليِّ ، عن عبّاد أبي سعيد العُصْفُريِّ ـ عن رَجل ـ عن أبي الجارود قال : قال عليُّ بن الحسين عليهما السلام ـ وذكر مثله ـ .
5 ـ وروي «قال أبو جعفر عليه السلام : الغاضِريّة هي البقعة الّتي كلّم الله فيها موسى بن عِمرانَ عليه السلام ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض الله عليه ، ولولا ذلك ما استودع الله فيها أولياءه وأنبياءه ، فزوروا قبورنا بالغاضريّة» .
6 ـ وقال أبو عبدالله عليه السلام : «الغاضريّه تربةٌ من بيت المقدس(1)» .
7 ـ وعنهما(2) بهذا الإسناد عن أبي سعيد العُصفريِّ ، عن حمّاد بن أيّوب ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام «قال : قال رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يقبر ابني بأرض يقال لها : كربلاء ، هي البقعة الّتي كانت فيها قبّة الإسلام ، الّتي نجا الله عليها المؤمنين الّذين آمنوا مع نوح في الطّوفان» .
8 ـ وبإسناده عن ابن ميثَم التّمّار(3) ، عن الباقر عليه السلام «قال : مَن بات ليلة عرفة في كربلاء وأقام بها حتّى يعيد وينصرف وقاه الله شرّ سنته» .
9 ـ وبهذا الإسناد عن عليِّ بن حَرب(4) ، عن الفضل بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام « قال : زوروا كربلاء ولا تقطعوه ، فإنّ خير أولاد الأنبياء ضمنته ، ألا وإن الملائكة زارَتْ كربلاء ألف عام من قبل أن يسكنه جَدِّي الحسين عليه السلام ، وما مِن ليلة تمضي إلاّ وجبرئيل وميكائيل يزورانه ، فاجتهدْ يا يحيى أن لا تفقد من ذلك الموطن» .
10 ـ حدَّثني أبي ؛ وجماعة مشايخي ـ رحمهم الله ـ عن سعد بن عبدالله ،
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «من تربة بيت المقدس» . وهذه الأخبار مرسلات لا يحتجّ بها ، ولاُستاذنا الغفّاريّ ـ أيّده الله ـ في مورد بيت المقدس والكعبة والكوفة كلامٌ في هامش الفقيه ، راجع ج1 ص233 و234.
2 ـ يعني محمّد بن قولويه وعليّ بن الحسين بن بابويه.
3 ـ مشترك بين عمران الميثميّ وصالِح بن ميثم.
4 ـ في بعض النّسخ: «علي بن حارث» .

( 282 )

عن أحمدَ بن محمّد بن عيسى ، عن جعفر بن محمّد بن عبيدالله ، عن عبدالله بن ميمون القدَّاح ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مرَّ أمير المؤمنين عليه السلام بكربلاء في اُناس من أصحابه فلمّا مرَّ بِهَا اغْرَوْرَقَت عَيناهُ بالبكاء ، ثمَّ قال : هذا مناخُ رِكابهم وهذا مُلْقىُ رِحالُهم ، وهنا تُهْرَق دِماؤهم ، طوبى لك من تُربة عليك تُهرقُ دِماء الأحبَّة» .
11 ـ حدَّثني أبي ، ومحمّد بن الحسن ، عن الحسن بن متّيل ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن محمّد بن سِنان ـ عمّن حدّثه ـ عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : خرج أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام يَسيرُ بالنّاس حتّى إذا كان مِن كربلاء على مَسيرَة مِيل أو مِيلين تقدَّم بين أيديهم حتّى صار بمصارع الشُّهداء ، ثمَّ قال: قبض فيها مائتا نَبيٍّ ومائتا وَصيّ ومائتا سبط ، كلّهم شُهداء بأتباعهم ، فطاف بها على بَغلَتِه خارجاً رِجله من الرِّكاب فأنشأ يقول : مَناخ رِكاب ومَصارعُ الشُّهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم مَن أتى بعدهم»(1) .
____________
1 ـ ذكر ابن أعثم الكوفيّ المتوفّى 314 في كتابه المعروف بـ «الفتوح» في ذكر مسير عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى صفّين كلاماً طويلاً ـ إلى أن قال : ـ «ثمّ سار حتّى نزل بدير كعب فأقام هنالك باقي يومه وليلته . وأصبح سائراً حتّى نزل بكربلاء ، ثمَّ نظر إلى شاطيء الفرات وأبصر هنالك خَيلاً ، فقال : يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟ فقال : لا يا أمير المؤمنين ما أعرفه ، فقال : أما! إنّك لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجاوزه حتّى تَبكي كبكائي ، قال : ثم بكى علي عليه السلام بكاء شديدا ، حتى اخضلّت لحيته بدموعه وسالت الدموع على صدره ، ثمّ جعل يقول : أواه ! ما لي ولآل أبي سفيان ! ثمّ التفت إلى الحسين عليه السلام فقال : أصبر ابا عبدالله ! فلقد لقي أبوك منهم مثل الّذي تلقى مِن بَعدي .
قال : ثمَّ جعل عليّ عليه السلام يجول في أرض كربلاء كأنّه يطلب شيئاً ، ثمّ نزل ودعا بماء فتوضّأ وضوء الصّلاة ، ثمّ قام فصلّى ما شاء أن يصلّي ، والنّاس قد نزلوا هُنالك من قرب نينوى إلى شاطىء الفرات ، قال : ثمّ خفق برأسه خفقة فنام وانتبه فزعاً فقال : يا ابن عبّاس ألا اُحدِّثك بما رأيتُ السّاعة في منامي ؟! فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، فقال : رأيت رجالاً بيض الوجوه ، في أيديهم أعلام بيض ، وهم متقلّدون بسيوف لهم ، فخطّوا حول هذه الأرض خطّة ، ثمَّ رأيت هذه النّخيل وقد ضربت بسعفها الأرض ، ورأيت نَهراً يجري بالدَّم العبيط ، ورأيت ابني الحسين و =


( 283 )

12 ـ حدَّثني أبي وجماعة مشايخي ـ رحمهم الله ـ عن محمّد بن يحيى العطّار
____________
=
قد غرق في ذلك الدَّم وهو يستغيثُ فلا يُغاث ، ثمّ إنّي رأيت أولئك الرّجال البيض الوجوه الّذين نزلوا من السّماء وهو ينادون : صبراً آل الرّسول صبراً! فإنّكم تقتلون على أيدي أشرار النّاس ، وهذه الجنّة مشتاقة إليك يا ابا عبدالله ، ثمّ تقدَّموا إليَّ فعزوني وقالوا : أبشر يا أبا الحسن فقد أقرَّ الله عينك بابنك الحسين غداً يوم يقوم النّاس لربّ العالمين ، ثمّ إنّي انتبهت؛ فهذا ما رأيت فوالّذي نفس علي بيده لقد حدَّثني الصّادق المصدّق أبو القاسم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّي سأرى هذه الرؤيا بعينها في خروجي إلى قتال أهل البغي علينا ، وهذه أرض كربلاء الّتي يدفن فيها ابني الحسين وشيعته وجماعة من ولد فاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأنّ هذه البقعة المعروفة في أهل السّماوات تذكر بأرض كرب وبلاء ، وليحشرنّ منها قوم يدخلون الجنّة بلا حساب .
ثمّ قال : يا ابن عبّاس اطلبْ لي حولها صِيران الظّباء ، فطلبها ابن عبّاس وجدها ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين قد أصبتها ، فقال علي عليه السلام : الله أكبر! صدق الله ورسوله .
ثمّ قام علي عليه السلام يهرول نحوها حتى وقف عليها ، ثمّ أخذ قبضة من بعر الظّباء فشمّها ، فإذا لها لون كلون الزَّعفران ورائحة كرائحة المِسك ، فقال عليُّ عليه السلام : نعم هي هذه بعينها ، ثمّ قال : أتعلم ما هذه يا ابن عبّاس ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين ، فقال: إنّ مسيح عيسى ابن مريم قد مرَّ بهذه الأرض ومعه الحواريّون ، فشمَّ هذه البَعر كما شممته ، وأقبلت إليه الظّباء حتّى وقفت بين يديه ، فبكى عيسى وبكى معه الحواريّون ، وهم لا يدرون لماذا يبكي عيسى عليه السّلام ، فقالوا : يا روح الله ما يُبكيك؟ ولماذا اختلست ههنا؟ فقال لهم : أتعلمون ما هذه الأرض ؟ قالوا : لا يا روح الله ، فقال: هذه أرض يقتل عليها فرخ الرَّسول أحمد المصطفى ، وفرخ ابنته الزّهراء قرينة الطّاهرة البتول مريم بنت عِمران ، ـ إلى أن قال : ـ
قال ابن عبّاس : فلمّا رجع عليّ عليه السلام من صِفّين وفرغ من أهل النّهروان دخل عليه الأعور الهَمداني ، فقال له عليُّ عليه السّلام : يا حارث أعَلِمتَ أنّي منذ البارحة كئيب حزين فزع وَجِل ؟ فقال الحارث: ولم ذاك يا أمير المؤمنين ؟ أندما منك على قتال أهل الشّام وأهل البصرة والنَّهروان؟ فقال : لا ، ويحك يا حارث وإنّي بذلك مسرور ، ولكنّي رأيت في منامي أرض كربلاء ، ورأيت ابني الحسين مذبوحاً مطروحاً على وجه الأرض ، ورأيت الأشجار منكبة ، والسّماء مصدّعة ، والرّحال متطأمنة ، وسمعت منادياً ينادي بين السّماء والأرض وهو يقول : أفزعتمونا يا قتلة الحسين أفزعكم الله وقتلكم ، ثمَّ إنّي انتبهت وأنا منه على وَجَل لما رأيت ، فقال له الحارث : كلاّ يا أمير المؤمنين ، لا يكون إلاّ خيراً ، فقال له عليّ عليه السلام : هيهات يا حارث سبقتْ كلمة الله ونفذ قضاؤه ، وقد أخبرني حبيبي محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أنْ ابني يقتله يزيد ـ زاده الله في النّار عذاباً . (راجع الفتوح ج1 ص571 إلى 574 ، طبع دار الكتب العلميّة : بيروت ـ لبنان)

( 284 )

عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن سِنان ، عن عَمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن ابي جعفر عليه السلام «قال : خلق الله تعالى كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام ، وقدّسها وبارك عليها ، فما زالتْ قبل أن يخلق الله الخلق مقدّسة مباركة ، ولا تزال كذلك ، ويجعلها أفضل أرض في الجنَّة» .
13 ـ وروى هذا الحديث جماعة مشايخنا ـ رحمهم الله ـ : أبي ؛ وأخي ؛ و غيرهم ، عن أحمدَ بن إدريسَ ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن عليٍّ ، عن أبي سعيد العُصْفُريِّ ، عن عَمرو بن ثابت أبي المِقدام ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام مثله ، وزاد فيه : «وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنَّة» .
حدَّثني أبي ؛ وأخي ؛ وعليُّ بن الحسين ، عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليٍّ قال : حدّثنا عبّاد أبو سعيد العُصْفُريُّ ، عن عَمْرِو بن ثابِت أبي المِقدام ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه السلام ـ وذكر مثله مع الزِّيادة ـ .
14 ـ حدَّثني أبي ـ رحمه الله ـ عن عليِّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليٍّ قال : حدَّثنا عبّاد أبو سعيد العُصْفُريّ ، عن صَفوانَ الجمّال «قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى فضّل الأرضين والمياه بعضها على بضع ، فمنها ما تفاخَرَتْ ومنها ما بَغَتْ ، فما مِنْ ماءٍ ولا أرض إلاّ عوقبت لتركها التَّواضع لله حتّى سلّط اللهُ المشركينَ على الكَعبة ، وأرسل إلى زَمزم ماءً مالحاً حتّى أفسد طعمَه ، وإنَّ أرض كربلاء وماء الفُرات أوَّلُ أرض وأوَّلُ ماء قدَّس اللهُ تبارك وتعالى ، فباركَ الله عليهما فقال لها : تكلّمي بما فضّلك الله تعالى فقد تفاخرتِ الأرضون والمياه بعضها على بعض ؟! قالت : أنا أرض الله المقدَّسة المباركة ؛ الشِّفاء في تُربتي ومائي ، ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ، ولا فخر على مَن دوني ، بل شُكراً لله . فأكرمها وزاد في تواضعها(1) وشكرها الله بالحسين عليه السلام وأصحابه ، ثمَّ قال أبو عبدالله عليه السلام : مَن تواضع لله رَفَعَهُ الله و
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «وزادها لتواضعها» .
( 285 )

مَن تكبّر وَضعه الله تعالى».

الباب التّاسع والثّمانون
(فضل الحائر وحُرْمَته)

1 ـ حدَّثني الحسن بن عبدالله بن محمّد بن عيسى ، عن أبيه عبدالله بن محمّد ابن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار «قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : موضعُ قبرِ الحسين بن عليٍّ عليهما السلام منذ يوم دُفِنَ فيه رَوْضَةٌ من رِياض الجنَّة ، وقال : موضع قبر الحسين عليه السلام تُرْعَةٌ من تُرَع الجَنّة(1)» .
2 ـ حدَّثني أبي ؛ وجماعة مشايخي ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطينيِّ ، عن محمّد بن إسماعيل البصريِّ ـ عمّن رواه ـ عن أبي عبدالله عليه السلام «قال: حُرْمةُ قبر الحسين فرسخ في فرسخ من أربعة جَوانبه» .
3 ـ حدَّثني حكيم بن داود بن حكيم ـ رحمه الله ـ عن سَلَمة بن الخطّاب ، عن منصور بن العبّاس ـ يرفعه إلى أبي عبدالله عليه السلام ـ «قال : حَريم(2) قبر الحسين عليه السلام خمس فراسخ من أربعة جَوانبِ القبر» .
4 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر الرَّزَّاز ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحسن بن محبوب ، عن إسحاقَ بن عمّار «قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : إنَّ لموضع قبر الحسين بن عليٍّ عليهما السلام حرمةً معلومة ، مَن عرفها واستجار بها اُجير ، قلت : فَصِفْ لي مَوضِعَها جُعِلتُ فِداك ، قال : أمسح من موضع قبره اليوم ، فامسح خمسة وعشرين ذِراعاً مِن ناحية رِجلَيه وخمسة وعشرين ذراعاً ممّا يلي وَجهَه ، وخمسة وعشرين ذراعاً مِن خَلْفَه ، وخمسة وعشرين ذراعاً مِن ناحية
____________
1 ـ قال في النّهاية : فيه : «إنّ منبري على تُرْعة من تُرَع الجنَّة» ، التُّرْعة في الأصل : الرّوضة على المكان المرتفع خاصّة ، فإذا كانت في المطمئنّ فهي روضة . قال القتيبيّ: معناه أنّ الصّلاة والذّكر في هذا الموضع يؤدّيان إلى الجنّة ، فكأنّه قطعة منها ـ انتهى.
2 ـ في بعض النّسخ : «حرم» .

( 286 )

رأسِه ، وموضع قبره مُنذ يوم دُفِنَ رَوضةٌ من ريِاض الجنَّة ، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زوَّاره إلى السّماء ، فليس ملكٌ ولا نَبيٌّ في السَّماوات إلاّ وَهُم يسألون ـ الله أنْ يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، فَفَوجٌ ينزل وفَوجٌ يعرج» .
5 ـ حدَّثني أبي ؛ وجماعة مشايخي ـ رحمهم الله ـ عن سعد بن عبدالله ، عن هارون بن مسلم ، عن عبدالرَّحمن الأشعَث ، عن عبدالله بن حمّاد الأنصاريّ ، عن عبدالله بن سِنان ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : سَمعتُه يقول : قبر الحسين عليه السلام عِشرون ذِراعاً في عِشرين ذِراعاً مُكسَّراً رَوضةٌ من رياض الجنَّة ـ وذكر الحديث ـ » .
وعنه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن عليٍّ الوشّاء ، عن إسحاقَ بنِ عَمّار ، عن أبي عبدالله عليه السلام ـ مثله .

الباب التّسعون
(إنَّ الحائر مِن المواضع الَّتي يحبُّ الله أنْ يُدعىُ فيها)

1 ـ حدَّثني أبي ؛ ومحمّد بن الحسن ، عن الحسن بن مَتِّيل ، عن سَهل بن زياد ، عن أبي هاشم الجعفريِّ(1) «قال : بعث إليَّ أبو الحسن عليه السلام في مرضه ؛ وإلى محمّد بن حَمزة ، فسبقني إليه محمّد بن حمزة فأخبرني أنّه ما زال يقول : ابعثوا إلى الحائر(2) [ابعثوا إلى الحائر] ، فقلت لمحمّد : ألا قلت : أنا أذهب إلى الحائر ؟!
ثمّ دخلت عليه فقلت له : جُعِلتُ فِداك أنا أذهب إلى الحائر ، فقال : انظروا
____________
1 ـ هو داود بن القاسم بن إسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب أبو هاشم الجعفري ـ رحمه الله ـ ، من أهل بغداد ، جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمّة عليهم السلام ، وقد شاهد الجواد والهادي والعسكريّ عليهم السلام . (جش ، ست ، صه)
2 ـ أي ابعثوا رجلاً إلى حائر الحسين عليه السلام يدعو لي ويسأل الله شفائي عنده . (البحار)

( 287 )

في ذلك(1) ، ثمَّ قال: إنَّ محمّداً ليس له سِرٌّ مِن زيد بن عليٍّ(2) ، وأنا أكره أن يسمع ذلك ، قال : فذكرت ذلك لِعليِّ بن بلال ، فقال : ما كان يصنع بالحائر وهو الحائر !
فقدمت العَسكر فدخلت عليه ، فقال لي : أجلس ـ حين أردت القيام ـ ، فلمّا رأيته أنِسَ بي ذكرتُ قول عليّ بن بِلال ، فقال لي : ألا قلت له : إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يطوف بالبيت ويقبّل الحَجر ، وحرمة النَّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم والمؤمن أعظم من حُرمَة البيت ، وأمره الله أن يقِفَ بَعَرَفَة ، إنّما هي مواطن يحبُّ الله أن يذكر فيها ، فأنا اُحبُّ أن يُدعى لي حيث يحبُّ الله أن يُدعىُ فيها ، والحائر مِن تلك المواضع» .
2 ـ حدَّثني عليُّ بن الحسين ؛ وجماعة ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي هاشم الجعفريّ «قال : دخلت أنا ومحمّد بن حمزةَ عليه(3) نعوده وهو عليل ، فقال لنا : وجَهوا قوماً إلى الحائر مِن مالي ، فلمّا خرجنا من عنده قال لي محمّدُ بن حمزةَ : المشير يوجّهنا إلى الحائر وهو بمنزلة مَن في الحائر ، قال : فعدتُ إليه فأخبرته ، فقال لي : ليس هو هكذا ، إنَّ لله مواضع يحبُّ أن يعبد فيها ، وحائر الحسين عليه السلام من تلك المواضع» .
3 ـ قال الحسين بن أحمدَ بن المغيرة: وحدَّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد بن عليٍّ الرَّازيّ المعروف بالوهورديُّ(4) بنيسابور بهذا الحديث ، وذكر في آخره غير ما مضى في الحديثين الأوّلين ، أحببت شرحه في هذا الباب لأنّه منه :
قال أبو محمّد الوهورديُّ : حدَّثني أبو عليِّ محمّد بن همّام ـ رحمه الله ـ قال : حدَّثني محمّد الحميريُّ قال: حدَّثني أبو هاشم الجعفريُّ «قال : دخلت على أبي الحسن عليِّ بن محمّد عليهما السلام وهو محمومٌ عَليلٌ ، فقال لي : يا ابا هاشم ابعث رَجلاً
____________
1 ـ قيل : أي تفكّروا وتدبّروا فيه بأن يقع على وجه لا يطّلع عليه أحدٌ للتّقية.
2 ـ «إنّ محمّداً» يعني ابن حمزة ، «ليس له سرّ» أي حصانة ، بل يفشي الأسرار . (البحار)
3 ـ يعني أبا الحسن العسكري عليه السلام.
4 ـ في البحار: «بالرّهورديّ» .

( 288 )

مِن موالينا إلى الحائر يدعو الله لي ، فخرجتُ من عِنده فاستقبلني عليُّ بن بِلال فأعلمتُه ما قال لي ، وسألته أن يكون الرَّجل الّذي يخرج ، فقال : السّمع والطّاعة ولكنّي أقول : أنّه أفضل مِن الحائر إذ كان بمنزلة مَن في الحائر ، ودعاؤه لنفسه أفضل مِن دعائي له بالحائر !
فأعلمته عليه السلام ما قال ، فقال لي : قل له : كان رَسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أفضل من البيت والحَجر ، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر ، وإنَّ لله تعالى بِقاعاً يحبّ أن يُدعىُ فيها فيستجيب لمن دَعاه ، والحائر منها» .

الباب الحادي والتّسعون
(ما يستحبُّ مِن طين قبر الحسين عليه السلام وأنَّه شِفاءٌ)

1 ـ حدَّثني محمّد بن الحسن ، عن محمّد بن الحسن الصّفّار ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن عليِّ بن فضّال ، عن كِرام(1) ، عن ابن أبي يَعْفور «قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : يأخذ الإنسان من طِين قبر الحسين عليه السلام فيتنفع به ويأخذ غيره فلا ينتفع به؟ فقال : لا؛ واللهِ الَّذي لا إله إلاّ هو ما يأخذه أحَدٌ وهو يَرى أنَّ الله ينفعه به إلاّ نفعه الله به» .
2 ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله البرقيِّ ـ عن بعض أصحابنا ـ «قال : دفعت إليَّ امرءة غَزْلاً فقالت : ادفعه إلى حجبة مَكّة ليخاط به كِسوة الكعبَة ، قال : فكرهت أن أدفعه إلى الحَجَبة وأنا أعْرِفهم ، فلمّا أن صِرنا إلى المدينة دَخلْتُ على أبي جعفر عليه السلام فقلت له : جُعِلتُ فِداك إنَّ امرءة أعطَتْني غَزْلاً فقالت : ادفعه بمكّة ليخاط به كِسوة الكعبة ؛ فكرهت أن أدفعه إلى الحَجَبة ،
____________
1 ـ هو عبدالكريم بن عمرو الخثعميّ الملقّب بـ «كرام» بكسر الكاف وتخفيف الرّاء المهملة . روى عن الصّادق والكاظم عليهما السلام .
( 289 )

فقال : اشتر به عَسَلا وزَعفَران ، وخذ مِن طِين قبر الحسين عليه السلام واعْجنه بماء السَّماء واجعل فيه من العَسَل والزَّعْفَران وفرِّقه على الشّيعة ليداووا به مَرضاهم» .
3 ـ حدَّثني أبي ، عن سَعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيلَ البَصريّ ، ولقبه فهد ـ عن بعض رِجاله ـ عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : طين قبر الحسين عليه السلام شِفاءٌ من كلِّ داءٍ» .
4 ـ وعنه ، عن سَعد بن عبدالله ، عن أحمد بن الحسين بن سعيد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سليمانَ البَصريّ ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : في طين قبر الحسين عليه السلام الشِّفاء مِنْ كلِّ داءٍ ، وهو الدَّاء الأكبر» .
5 ـ حدَّثني محمّد بن جعفر ، عن محمّد بن الحسين ـ عن شيخ من أصحابنا ـ عن أبي الصَّبّاح الكِنانيِّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : طين قبر الحسين عليه السلام شَفاه وإنْ اُخذ على رأس ميل» .
6 ـ وروي عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : مَن أصابتْه علَّةٌ فبَدَء بطِين قبر الحسين عليه السلام شَفاء اللهُ مِن تِلك العِلَّة إلاّ أن تكون عِلّة السّام(1)» .
7 ـ حدَّثني محمّد بن عبدالله بن جعفر الحِميريُّ ، عن أبيه ، عن عليِّ بن محمّد بن سالم ، عن محمّد بن خالد ، عن عبدالله بن حمّاد البَصريِّ ، عن عبدالله بن عبدالرَّحمن الأصمّ قال : حدَّثنا مُدْلِج ، عن محمّد بن مسلم «قال : خرجت إلى المدينة وأنا وَجِعٌ ، فقيل له : محمّد بن مسلم وَجِعٌ ، فأرسل إليَّ أبو جعفر عليه السلام شِرْباً مع غُلام مغطّى بمِنْديل ، فناولنيه الغلام وقال لي : اشربه ؛ فإنّه قد أمرني أن لا ابرح حتّى تشربه ، فتناولته فإذا رائحة المسك منه ، وإذا بشرابٍ طيِّب الطَّعم بارد ، فلمّا شَرِبْتُه قال لي الغلام : يقول لك مولاك : إذا شربته فتعال .
ففكّرت فيما قال لي وما أقدرُ علَى النُّهوض قبل ذلك على رِجلي ، فلمّا استقرّ الشّراب في جَوْفي فكأنّما نشطتُ(2) مِن عِقال ، فأتيتُ بابه فاسْتأذنتُ عليه
____________
1 ـ السّام هنا بمعنى الموت .
2 ـ كذا في النّسخ ، والصّواب : «فكأنّي اُنشط» من باب الإفعال ، كما يأتي .

( 290 )

فصوّت بي : صحّ الجسم أُدخل ! فدَخَلتُ عليه وأنا باكٍ ، فسلّمت عليه وقبّلت يدَه ورأسَه ؛
فقال لي : وما يُبكيك يا محمّد ؟ ! قلت : جُعِلتُ فِداك أبكي على اغترابي وبُعْدِ الشُقَّة وقِلَّة القُدْرَة على المَقام عندَك أنظر إليك ،
فقال لي : أمّا قلّة القُدرَة فكذلك جعل اللهُ أولياءَنا وأهلَ مودَّتنا ، وجعل البَلاء إليهم سَريعاً ، وأمّا ما ذكرت من الغُرْبة ، فإنَّ المؤمن في هذه الدُّنيا غريب وفي هذا الخلق المنكوس ، حتّى يخرج مِن هذه الدَّار إلى رحمة الله ، وأمّا ما ذكرت من بُعدِ الشُّقَّة فلك بأبي عبدالله عليه السلام اُسْوَة بأرض نائية عنّا بالفُرات ، وأمّا ما ذكرتَ مِن حُبِّك قُرْبنا والنَّظر إلينا ؛ وأنّك لا تَقدِر على ذلك ، فاللهُ يعلم ما في قلبك وجَزاؤك عليه؛
ثمّ قال لي : هل تأتي قبر الحسين عليه السلام ؟ قلت : نَعَم ؛ على خوف ووَجل ، فقال : ما كان في هذا أشدُّ فالثَّوابُ فيه على قَدْرِ الخَوف ، ومَن خاف في إتيانه أمِنَ الله رَوعَته يَومَ يقومُ النّاس لِرَبِّ العالمين ، وانْصَرَفَ بالمغفرةِ ، وسَلَمَتْ عليه الملائكة ، ورآه النَّبيُّ(1) صلّى الله عليه وآله وسلّم وما يصنع ، ودعا له : وانقلب بنعمةٍ من الله وفَضلٍ لم يَمْسَسْه سُوءٌ واتّبعَ رَضوانَ الله ؛
ثمَّ قال لي : كيف وَجدتَ الشَّراب ؟ فقلت : أشهد أنّكم أهل بيت الرَّحمة وأنّك وصيّ الأوصياء ، ولقد أتاني الغلام بما بعثته وما أقدرُ على أن استقلَّ على قدمي ، ولقد كنتُ آيساً مِن نفسي ، فنالني الشَّراب فشَرِبتُه فما وَجَدتُ مثلَ رِيحه ولا أطيبَ مِن ذَوقِه ولا طَعْمِه ولا أبرَد منه ، فلمّا شَربتُه قال لي الغلام : إنّه أمرني أن أقولَ لك : إذا شربته فَاقبَلْ إليَّ ؛ وقد علمتُ شِدَّةَ ما بي ، فقلت : لأذهبنَّ إليه ولو ذَهَبَتْ نفسي ، فأقبلتُ إليك فكأنّي اُنشطت مِن عِقال ، فالحمد ‏للهِ الَّذي جعلكم رَحمةً لِشيعتكم [ورَحمة عليَّ]؛
فقال : يا محمّد إنّ الشَّراب الَّذي شَرِبته فيه من طِينَ قبر الحسين عليه السلام(2) ،
____________
1 ـ في بعض النّسخ : «زار النّبيّ».
2 ـ في البحار : «فيه من طين قبور آبائي» .

( 291 )

وهو أفضل ما استشفي به ، فلا تَعدل به ، فإنّا نَسقيه صبياننا ونساءَنا فنَرى فيه كلَّ خير ، فقلت له : جُعِلتُ فِداك إنّا لنأخذ منه ونستشفي به؟ فقال : يأخذه الرَّجل فيخرجه مِنَ الحائر وقد أظهره فلا يمرُّ بأحدٍ من الجنِّ به عاهَةٌ ، ولا دابّةٍ ولا شيءٍ فيه آفةٌ إلاّ شَمّه فتذهب بَرَكته فيصير بَرَكته لغيره ، وهذا الَّذي نتَعالج(1) به ليس هكذا ، ولولا ما ذكرت لك ما يمسح به(2) شيءٌ ولا شُرِبَ منه شيءٌ إلاّ أفاق مِن ساعته ، وما هو إلاّ كحَجَر الأسوَد أتاه صاحبُ العاهات والكفر والجاهليّة ، وكان لا يتمسّح به أحَدٌ إلاّ أفاق ، وكان كأبيض ياقوتة فَأسْوَدَّ حتّى صار إلى ما رأيت ، فقلت : جُعِلت فِداك وكيف أصنع به ؟ فقال : تصنع به مع إظهارك إيّاه ما يصنع غيرك تَستخفّ به فتطرحه في خُرجِك وفي أشياءَ دَنِسة فيذهب ما فيه ممّا تريده له(3) ، فقلت : صدقتَ جُعلتُ فداك ، قال : ليس يأخذه أحَدٌ إلاّ وهو جاهل بِأخذِه ولا يكادُ يسلم بالنّاس ، فقلتُ : جُعِلتُ فِداك وكيف لي أن آخذه كما تأخذ[ه] ؟ فقال لي : اُعطيك منه شيئاً؟ فقلت : نَعَم ، قال : إذا أخذته فكيف تصنع به؟ فقلت : أذهب به معي ، فقال : في أيِّ شيءٍ تَجعلُهُ ؟ فقلت : في ثيابي ، قال : فقد رَجَعْتَ إلى ما كنتَ تَصنَع ، أشرَب عندنا منه حاجَتَك ولا تَحمِله ، فإنّه لا يسلم لك ، فسقاني منه مرَّتين ، فما أعلم أنّي وجدتُ شيئاً ممّا كنتُ أجدُ حتّى انصرفت» .
8 ـ حدَّثني محمّد بن الحسين بن متّ الجوهريّ ، عن محمّد بن أحمدَ بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الخَيبريّ ، عن أبي وَلاّد ، عن أبي بكر الحَضرَميّ ، عن أبي عبدالله عليه السلام «قال : لو أنَّ مريضاً مِن المؤمنين يعرف حَقَّ أبي عبدالله عليه السلام(4) وحُرْمَتَه ووِلايَتَه أخذَ مِن طِين قبرِه مثل رأس أنملَة كان له دَواء» .

*****

____________
1 ـ في بعض النّسخ: «يتعالج».
2 ـ في البحار : «ما تمسّح به».
3 ـ في البحار : «ممّا تريد به».
4 ـ المراد به السِّبط الشَّهيد المُفَدَّى الحسين عليه السلام .