ورشة الخراطة والتفريز تصنع مقاطع الشباك
ولم تكن تلك المشاريع والانجازات بالأمر السهل اليسير، بسبب قلة التخصيصات المالية في بداية التأسيس، والذي استمر حتى أواسط عام 2007م، إذ كانت تلك التخصيصات تصنف بشكل كامل إلى موردين، الأول ما يرد لكل عتبة مقدسة من أموال نقدية وحلي ذهبية وفضية، سواء ما ورد منها بشكل مباشر إلى شبابيك الأضرحة، أو بشكل غير مباشر إلى قسم الهدايا والنذور والموقوفات، أما المورد الثاني، فهو ما يرد من الأموال العينية للقسم المذكور كالمرمر والفرش والأثاث وغيره، ومع قلة التخصيصات إجمالاً بالقياس إلى كلفة إنجاز المشاريع وكلفة دفع رواتب العاملين في مختلف الأقسام المذكورة آنفاً، والبالغين بالمئات عند نهاية السنة الأولى والذين تضاعفوا بعد 3 سنوات عدة مرات، ليغطوا الاستحداث المستمر للتشكيلات الهندسية والعلمية والثقافية والخدمية وغيرها، والتي تنجز أعمال الخدمة وتنفذ مشاريعها، يضاف إلى ذلك قلة تواجد بعض الخبرات الفنية ضمن كوادر العتبة في السنتين الأوليتين اللتين كانتا مرحلة الشروع بتأسيس قاعدة للخبرات في كل عتبة، فتظافرت كل تلك العوامل في تعطيل الشروع بالكثير من المشاريع مما طمحت الإدارة لتنفيذه.
وهكذا كانت المشاريع تحتاج إلى خطط رسم أولويات لتنفيذها من قبل مجلس إدارة كل عتبة، وكانت تلك الأولويات تعتمد على أهمية كل مشروع للعتبة وزائريها ومدى الحاجة إليه، وإمكانية تأجيله لحين رصد التخصيصات له وتوفر الخبرات، وغير ذلك من الحيثيات، مما أخر الشروع ببعض المشاريع التي كانت تعتبر حلماً يراود القائمين على تلك العتبات، لأن غيرها كان ذو حاجة ملحة لتنفيذه، خاصة مع الضائقة المالية قبل التأريخ المذكور.
وفي العتبة العباسية المقدسة كانت من أهم المشاريع التي تنتظر على قائمة الطموحات المؤجلة، مشروع ترميم وصيانة الشباك الشريف المنصوب حالياً فوق الضريح المقدس للمولى أبي الفضل العباس عليه السلام.
وقد يسأل سائل.. لماذا الترميم والصيانة؟ ألا يستحق حامل لواء الإمام الحسين عليه السلام تبديل شباكه بآخر جديد أجمل من الموجود؟!
ونحن لا نختلف مع المتسائل في استحقاق قمر العشيرة لأفخم وأجمل الأعمال الفنية لتكون شباكاً يطوف حوله المستلهمون من صاحب المرقد عليه السلام معاني الفضيلة والشجاعة وقيم الإسلام المحمدي.. ولكن هل يوجد من يصنع مثل هذا الشباك بحيث ينافس أو يفوق الشباك الحالي؟
من خلال تتبعنا لعمل هذا الشباك فإننا قد لاحظنا - وبشهادة أهل الخبرة في هذا الضرب من الفن النادر-، أنه يعد الأجمل في العالم من بين الشبابيك الموجودة على أضرحة الأئمة وأبنائهم عليهم السلام بما يحتويه من دقة في الصناعة وبراعة في الريازة وجمال يسر الناظرين، بل وحتى في المتانة.
ويخبرنا التأريخ القريب أن هذا الشباك مصنوع بأمر من سماحة المرجع الديني الأعلى للطائفة، الراحل آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره، والذي تم نصبه على موضع القبر الشريف بتاريخ12 من شهر رمضان سنة1385هـ الموافق 2كانون الثاني 1966م وقد تشرف سماحته برفع الستار عنه يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رمضان المبارك الموافق السادس من كانون الثاني1966.
وقد استخدم في عمل ضريح مرقد أبي الفضل عليه السلام ما زنته 2000 كغم من الفضة و40 كغم من الذهب وقد صنع الضريح على يد أمهر الفنيين والصناعيين.
وتعلو الضريح الشريف أربع رمانات ذهبية تزين أركان السطح العلوي منه، وعلى جانبه الأيمن عند الرجلين هناك أربع رمانات ذهبية صغيرة، وفي وسطها كفٌ من ذهب يرمز إلى كف أبي الفضل العباس عليه السلام ومن الجانب الأيسر حيث جهة الرأس الشريف هناك خمس رمانات ذهبية ومن جهتي سطح الضريح الشمالية والجنوبية هناك أربع رمانات ذهبية في كلٍ منهما.
يبلغ ارتفاع الضريح 4.25م وعرضه 4.15م وطوله 5.45م أما السطح السفلي فتزينه أربع مزهريات منقوشة بالمينا وتزين جوانب الضريح ثلاث أشرطة كتابية من المينا.
مشروع صيانة وترميم الشباك الشريف... الحلم الذي أصبح حقيقة
الأسباب الموجبة للمشروع
إن قدم هذا الشباك، الذي مر على نصبه حوالي 43عاماً، وما حفلت به هذه الفترة من المؤثرات الفيزيائية والكيميائية على الشباك الشريف، ومنها ما سنذكره فيما يلي، قد أدى بمجموعه إلى رفع بعض أجزاء الشباك من مكانها، وتضررها بشكل أصبح من الضروري استبدالها - كما موضح بالصور - مما استدعى من العتبة القيام بالمشروع، وفيما يلي قائمة بتلك المؤثرات:
1- تعرضه اليومي المستمر وعلى مدار معظم ساعات اليوم لمس أيدي الزائرين الذين يرومون التبرك به، وهذا الاحتكاك يولد تقليل ارتفاع النقوش، بسبب زوال طبقة من الفضة منها، وخاصة أجزاء الشباك التي تستطيع الأيدي الوصول إليها، وبذلك سَلِم تاج الشباك الذهبي من هذا الأمر ومن الكثير من الأسباب التي سنوردها، والتي تـُظهرها الصور المرفقة.
2- الرطوبة التي تنفذ إلى أجزاءه ولا سيما البواطن من أجزاءه السفلى، المرتبطة بأرضية الحرم الذي يمثل سقف الحرم الأسفل، والذي يسمى بسرداب القبر الشريف، حيث بدء الماء يملؤه منذ أواخر الستينات أو بداية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، وبدء يتزايد إلى أن وصل إلى ارتفاعات قد تصل إلى سقف السرداب أي أنه يلامس باطن أرضية الحرم العلوي، وهو ما يزيد الرطوبة التي تتصاعد أصلاً عبر جدران السرداب - الملامسة لماءه - إلى سقفه وبدورها إلى الشباك، وخاصة الروابط الحديدية الداخلية التي تمثل هيكل الشباك الباطني.
3- استعمال الكثير من الزائرين - وبالأخص النساء منهم - الماء لغسل مواضع من كرات ومقابض الشباك الشريف للتبرك به بعد أن يُصب على جزء من هذه المواضع ويُتلقى من أسفلها، ويتكرر هذا الأمر عشرات المرات يومياً خاصة للأماكن المتاحة للوصول من قبل الزائرين، واستعمال الماء يؤدي لبقاء كميات منه ينفذ إلى الأجزاء الباطنية من الشباك، وبتكرار العملية تزداد الكميات النافذة لهذه الأجزاء.
4- استعمال بعض الزائرين - وخاصة النساء منهم - أقفالاً حديدية تغلق حول مفاصل الشباك، وبمختلف الأحجام، ولا تمتلك الجهة المسؤولة فنياً عن الشباك مفاتيحاً لفتحها، مما يصعب التخلص منها لاحقاً، وقد يضطر قسم الهدايا والنذور في العتبة (الجهة المسؤولة عن عمليات فتحة الشباك وإدامته وكل ما يتعلق بشؤونه) إلى كسر القفل بواسطة المقص الحديدي الكبير، وقد يؤدي ذلك في بعض الأحيان إلى خدش أجزاء الشباك المجاورة للقفل.
كما قد تصاب بعض كرات الشباك الفضية بالاعوجاج أوالتخسف بسبب طرق الزائرات للأقفال الكبيرة عليها - المعلقة في مفاصل تلك الكرات - وهو من الأعمال الاعتيادية التي يقمن بها والملازمة لطلب حوائجهن من الله بشفاعة أبي الفضل العباس عليه السلام.
5- بسبب كثرة الأيام التي يحصل خلالها التزاحم حول الشباك خلال السنة والتي تبلغ أكثر من ثلثها - ومن ضمنها أيام الزيارات المليونية - بحيث بالكاد يستطيع الشخص الوصول بيده إلى الشباك وتناوله تبركا، دون جسده، فإن هيكل الشباك يتعرض إلى ضغوط التدافع خلال تلك الفترة والتي تستمر في معظمها لأربع وعشرين ساعة يومياً خلال تلك الأيام من السنة.
البدء بالمشروع
تم البدء بالمشروع التي تضمن إعادة تصنيع مقاطع الشباك الفضية التي تحوي الكرات والمقابض الفاصلة بينها، باستخدام فضة جديدة بنقاوة 999، ويتم العمل كباقي مشاريع العتبة بالكوادر الوطنية العراقية، وتولت ورشة الخراطة والتفريز في شعبة الصياغة في قسم الهدايا والنذور في العتبة العباسية المقدسة تنفيذ المشروع مع إبقاء تاج الشباك الذهبي على حاله لعدم تضرره.