بدأت فكرة المشروع أواخر عام 2005م حيث ناقش مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة مشروع صيانة وتقوية المئذنتين الذي يستدعي إزالة الآجر الخارجي الذي كان يكسو بدنهما سابقاً، والذي يحتاج أصلاً إلى تبديله.
ولأن أعمال الصيانة والتقوية المذكورة، تحتاج إلى إزالة الآجر الخارجي، ثم استعمال آجرٍ جديدٍ بديلٍ عنه وبنفس التصميم والألوان عند انتهاء التقوية، اقترح الأمين العامة للعتبة العباسية المقدسة في وقتها سماحة السيد أحمد الصافي (دام عِزّهُ)، فكرة التذهيب بدل وضع الآجر الجديد، لإضفاء البهاء على مآذن حامل راية أبي عبد الله الحسين عليهما السلام.
وناقش مجلس الإدارة بجلسته المنعقدة بتاريخ 2/2/2006م، تلك الفكرة وأقرها، شرط أن يحافظ التذهيب الجديد على تراثية المآذن وما عليها من كتاباتٍ ونقُوشٍ ويشمل المشروع كل الجزء الواقع تحت شرفة المؤذن، بدءًا من المقرنصات، والبالغ ارتفاعه (15) متراً و(69) سنتيمتراً، بحيث يتضمن المشروع إبدال الطابوق العادي والملون والكاشي الكربلائي ببلاطات النحاس المغلفة برقائق الذهب من عيار (24)، واستبدال الطابوقات الشذرية المغلفة بالمادة الزجاجية (الشبيهة بالكاشي الكربلائي) - والتي تشكل كتابات على شكل نقوش إسلامية - ببلاطات نحاسية مغلفة بالذهب المطعم بالمينا، تتخلل الواجهات الذهبية الأخرى".
لذا فقد حرصت الأمانة العامة على المحافظة على الكتابات الموجودة في الأَشكالِ المعينيِّة، وتمَّ إعادةُ رَسمِها كَما هي والمحافظةُ على أَبعادها وتوزيعها وقياساتها وهندستها، وبدلاً من أن تكونَ بالقرميد المُزَجَّج أَصبحت تلبسُ حِلَّةَ الذهبِ المطعَّمِ بالمِينا، وبذلك سيبقى الاختلاف الفني قائماً بين منارتي الإمام الحسين عليه السلام وحامل لوائه أبي الفضل العباس عليه السلام، لما في ذلك الاختلاف - الذي حرصت إدارة العتبة على ديمومته - من اعتبارات روحية لا تخفى على من تأمل، كما أن بقاءه بينهما قائماً، مهمٌ للناظر والزائر البسيط الذي يهتدي لكلٍ من العتبتين بسبب هذا التمايز الخارجي الفني بينهما.
وضع قرار الأمانة العامة موضع التنفيذ العملي، بدأت مخاطباتها الإدارية مع رئاسة ديوان الوقف الشيعي الموقر، لاستحصال الموافقات الرسمية حول المشروع، وليقوم الديوان الموقر بعدها برصد المبالغ المخصصة اللازمة للمشروع (شراء الذهب، شراء النحاس، البناء، توفير البنى التحتية للمشروع) فحصلت موافقة رئيس الديوان على المشروع بتأريخ 25/3/2007م.
وتطلب مشروع التقوية والصيانة والتذهيب للمئذنتين الشريفتين، من مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة، جلسات ونقاشات فنية مع ذوي الاختصاص، وتكليف شركة عراقية هندسية - وجدت فيها الأهلية - لإعداد الدراسات الأولية لكميات الذهب والنحاس اللازمين للمشروع، وطريقة انجازه، والبنى التحتية للمشروع كإنشاء الورش، وغير ذلك من المتطلبات وفي 1/4/2008م، أعلنت الأمانة العامة للعتبة المقدسة، وفي حفلٍ رسميٍ مهيب، غطته وسائل الإعلام المختلفة، عن البدء بالمشروع، وبعد أن حصلت القناعة لدى الأمانة العامة للعتبة المقدسة بإمكانية التنفيذ محلياً، وفي 1/6/2008، تم التعاقد مع شركة عراقية لتقوم بالتنفيذ - وقد بدأت بذلك فعلياً في هذا التأريخ - وهي شركة أرض القدس الهندسية، وتم إناطة أعمال الإشراف والمتابعة خلال تنفيذ المشروع بقسم الصيانة الهندسية (الشؤون الهندسية والفنية سابقاً) في العتبة المقدسة في حينها، قبل تأسيس قسم المشاريع الهندسية عام 2009م، والذي تابع ما بدأه ذلك القسم فيما بعد".
الانطلاق بالمشروع جاء بعد تهيئة الورش التي يحتاجها المشروع، وتهيئة المواد اللازمة لإنجازه من ذهب ونحاس ومينا ومواد إنشائية لتقوية المنارة وصيانتها وتركيب بلاطاتها الذهبية، بدأت عمليات تصنيع البلاطات النحاسية وإكسائها برقائق الذهب، في الورش الخاصة بالعتبة المقدسة، وتهيأتها تمهيداً لتركيبها على بدن المآذن، بعد عملية الفحص والتقييس النوعي، ويسير بموازاة ذلك عمليات التقوية والصيانة.
بدأت الملاكات الفنية الهندسية في الجزء الأهم منه من المشروع ، ألا وهو تقوية المئذنتين وصيانتهما، حيث أنهما بنيا أواخر القرن الثامن الهجري، رغم أن بنائهما فعلاً كان إنجازاً هندسياً عظيماً في ذلك الوقت أضيف إلى الإبداعات المعمارية الباهرة، وما زالت تلك المآذن صامدة بوجه الزمن وعوامل العدوان التي واجهتها العتبة المقدسة طوال سبعة قرون مضت.
وَانتدبتِ الأمانة العامة أَمهر الخطاطينَ العراقيين لخطِ كتيبةِ المئذنتين بِخط الثُلُث المُركَّب تركيباً ثنائياً رائعاً، وتم تصنيع بلاطات النحاس التي غلفت بالذهب في ورشة خاصة أعدت لهذا الغرض، وتم التصنيع بكوادر عراقية أيضاً، وتم طلاء البلاطة من الخلف بمادة الإيبوكسي العازلة للرطوبة، أمّا الأَجزاء التي تحتوي على الكتابة والنقوش فتمّ رَسمها وَتنـزيلها على النحاس ليقوم الصَّفَّارُونَ بنقشها بِطريقةٍ تَمَّ اختيارها بعد دراسة وتجاربَ كثيرة، وتمت طريقة الطرق اليدوي باستخدام جلد الغزال وباستخدام كادر من جمهورية الهند متخصص بهذا الضرب من الفن وهو الجزء الوحيد المنفذ من غير العراقيين, بديلاً عن الطلاء الكهربائي للبلاطات النحاسية لأن الطريقة الأولى هي الأكثر ضمانا وعمراً من طريقة الطلاء الكهربائي، حسب رأي ذوي الخبرة والاختصاص وتقرير جهاز التقييس والسيطرة والنوعية في وزارة التخطيط.
وضمن خطوات متسارعة في المشروع، وبعد ثلاثة أشهر من تأريخ البدء بتصنيع البلاطات النحاسية في المشروع، تم إكمال صناعة (3630) بلاطة نحاسية وتمت خلال نفس المدة تغطيتها بالذهب، وأيضاً تصنيع (25) من البلاطات المغطاة بالمينا والتي تحمل النقوش المذكورة، وهذه الكميات تمثل حوالي ثلاثة أرباع الكمية من البلاطات اللازمة لتذهيب المئذنتين.
وبالنسبة للبلاطات النحاسية التي احتوت الكتابات والنقوش في المئذنتين، فتخضع لعمليات تطعيم خاصة بمادة المينا الملونة، وقد تم تأسيس ورشة خاصة بالمشروع من قبل العتبة بكادر عراقي، لغرض تثبيت المينا على البلاطات النحاسية، حيث احتوت الورشة على معدات خاصة بالعملية، مع أفران تم صناعتها خصيصاً لهذا الغرض في سوريا، واُلحق بالورشة مختبر لغرض إجراء الفحوصات والخروج بأفضل النتائج في تثبيت المينا، التي جلبت من الهند بعد فترة من الأبحاث والتجارب العلمية التي قام بها المختبر لإيجاد مادة مناسبة للظروف الجوية العراقية في كربلاء ومن أفضل المناشئ، حيث استغرقت تلك الأبحاث سبعة أشهر تضمنت فترة جلب مادتها الأولية التي تم استيرادها من الهند في رحلة بحث شاقة استغرقت خمسة وعشرين يوماً، وتم تكليف أحد المختصين العراقيين بهذه الأبحاث وهو نفسه من قام بعملية تثبيتها على البلاطات بحرفية داخل تلك الورشة.
كما إن كل بلاطة من الكتيبة القرآنية أو تلك التي تحتوي الكتابات الأخرى والنقوش، عليها أن تمر بعدة مراحل من العمل حتى تخرج بالصورة التي نراها قبل أن يتم تركيبها على المنائر المشرفة.
وقد أنيطت مهمة فحص عملية التذهيب بعد خروجه من ورشة الطرق واللصق في العتبة، بالكوادر العراقية لشعبة الصياغة التابعة لقسم الهدايا والنذور في العتبة العباسية المقدسة آنذاك، والتي شخصت ما يمكن أن يحصل من أخطاء وعيوب خلال التذهيب في كل قطعة، وقامت بإرجاع القطع التي حصلت فيها اخطاء في التذهيب إلى ذلك الكادر، بعد إرشاده لمواطن الخلل حتى يقوم بإصلاحه، ثم تعاد للفحص وتمضي من قبل ورشة الصياغة في الشعبة المذكورة، بعد التحقق من سلامتها بالكامل وتسلم إلى مرحلة البناء والتثبيت في المئذنة".
كما أرسلت نماذج للفحص إلى الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية في بغداد، للتأكد من مطابقتها للمواصفات المطلوبة، وكانت النتيجة إيجابية جداً.
لذا كان حفل ازاحة الستار مدخلا للبهجة والسرور على قلوب المؤمنين، مع ما لعظمة ذلك من شان عند الله، وحدث لا نبالغ إن وصفناه بالعالمية، أخبارٌ حملت إلى محبي الخير في العالم كله، باختلاف مذاهبهم وأجناسهم، وإلى المسلمين خاصة، هذه الفرحة العظيمة، وأشخصت أبصارهم - وعلى الأخص منهم العراقيين - إلى أملٍ مرتقب، وغدٍ يطمحون فيه، برجوع البسمة إلى شفاه الأغلب منهم، بعد أن سرقها الطغاة والعتاة على مر التأريخ.