تشير الروايات أنّه لمّا دنت من الزهراء(عليها السّلام) الوفاةُ أوصت أمير المؤمنين(عليه السّلام) بوصايا كثيرة، منها: ((... وأُوصيك إذا قضيت نحبي؛ فغسّلني، ولا تكشف عنّي؛ فإنّي طاهرة مطهّرة، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وصلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، وادفنّي ليلاً لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار، وسرّاً لا جهاراً، وأخفِ موضع قبري، ولا تُشهدْ جنازتي أحداً ممّن ظلمني)).
وفي يوم رحيلها عمدت(عليها السلام) إلى ولديها الحسن والحسين(عليهما السلام) فغسلتهما، وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم، وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما، وهي تُلقي عليهما نظرة الوداع وقلبها يذوب من اللوعة والوجد، ثمّ التفتت (عليها السلام) إلى أسماء بنت عُميس وكانت تتولّى تمريضها وخدمتها، فقالت(عليها السلام): «اسكبي لي غسلاً» فانبرت أسماء وأتتها بالماء فاغتسلت (عليها السلام) فيه، وقالت (عليها السلام) لها ثانياً: «ائتيني بثيابي الجُدُد»، فناولتها أسماء ثيابها (عليها السلام).
ثمّ قالت (عليها السلام): «اجعلي فراشي وسط البيت»، وعندها ذعرت أسماء وارتعش قلبها، فقد عرفت أنّ الموت قد حلّ بالزهراء(عليها السلام) فصنعت لها ما أرادت، فاضطجعت الزهراء(عليها السلام) على فراشها، واستقبلت القبلة، وأخذت تتلو آياتٍ من الذكر الحكيم حتّى فارقت الروحُ الجسد.
وعند انتشار نبأ رحيلها(عليها السلام) تجمّع أهل المدينة المنوّرة على باب الإمام علي(عليه السلام) في انتظار تشييعها (عليها السلام)، فعهد الإمام(عليه السلام) إلى سلمان أن يقول للناس بأنّ مواراتها(عليها السلام) تأخّر هذه العشية، فتفرّق الناس ولمّا مضى من الليل شطره، قام الإمام(عليه السلام) فغسّل الجسد الطاهر ومعه السيّدة أسماء.
وقبل تكفينها دعا الإمام(عليه السلام) بالحسن والحسين لتوديع أمّهما، ليلقوا عليها النظرة الأخيرة، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها ثمّ صلّى (عليه السلام) على الجثمان الطاهر، ثمّ عهد إلى بني هاشم وخلّص أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير ولم يخبر (عليه السلام) أيّ أحدٍ بذلك، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخلّص وأهل بيته(عليهم السلام).
قام الإمام علي(عليه السلام) بدفنها، وبعد تفرّق المشيّعين وقف(عليه السلام) على القبر قائلاً: «السّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النّازِلَة في جوارك، السريعة اللحاق بك، قَلّ يا رسولَ الله عن صَفِيّتِك صَبرِي، وَرَقّ عنها تَجَلُّدِي، إلّا أنّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقد وَسّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ».
فسلامٌ عليها يوم ولدتْ طاهرةً زكيّة ويوم استُشهدتْ مظلومةً ويوم تُبعث راضيةً مرضيّة.