ففي مسيرة السبايا وقفت عقيلةُ الهاشميّين السيّدة زينب(عليها السلام) كالطود الشامخ مواقف عديدة، واستطاعت لبوة حيدر الكرار أن تحمل لواء نهضة أخيها الإمام الحسين(عليه السلام)، فحفظت عيال أخيها وأهل بيته من جميع المخاطر التي أحدقت بهم خلال مسيرة السبي، ومنها موقفها في مجلس الطاغية يزيد(عليه لعائن الله) في الشام.
وذكر السيدُ الأمين في (لواعج الأشجان) أنّه لمّا دخلت النساء (سبايا الإمام الحسين -عليه السلام- وأهل بيته) على يزيد، نظر رجلٌ من أهل الشام أحمر، إلى فاطمة بنت الحسين(عليه السلام) فقال ليزيد: يا أمير المؤمنين، هبْ لي هذه الجارية، فإنّهنّ لنا حلال.
قالت فاطمة: فارتعدتُ وظننتُ أنّ ذلك جائز عندهم، فأخذتُ بثياب عمّتي زينب، وقلت: يا عمّتاه، أُوتِمْتُ وأُستَخدم؟!. وكانت عمّتي تعلم أنّ ذلك لا يكون. فقالت عمّتي: لا حبّاً ولا كرامة لهذا الفاسق.
وقالت للشاميّ: كذبتَ والله ولَؤُمتَ، والله ما ذاك لك ولا له.
فغضب يزيدُ وقال: كذبت، إنّ ذلك لي، ولو شئتُ أن أفعلَ لفعلت.
فقالت زينب(عليها السلام): كلّا.. ما جعل اللهُ لك ذلك إلّا أن تخرجَ عن ملّتنا وتَدِينَ بغيرها.
وفي (تذكرة الخواصّ) لسبط ابن الجوزيّ: ... صلِّ إلى غير قبلتنا، ودِنْ بغير ملّتنا، وافعلْ ما شئتَ.
فاستطار يزيدُ غضباً، وقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟. إنّما خرج من الدِّين أبوك وأخوك.
قالت زينب(عليها السلام): بدينِ اللهِ ودينِ أبي ودينِ جدّي اهتديتَ أنت وجدُّكَ وأبوكَ إنْ كنت مسلماً!.
قال: كذبت يا عدوّة الله. فقالت: أنت أميرٌ تشتمُ ظالماً، وتقهر بسلطانك!.
قال ابن الجوزيّ: فو الله لكأنّه استحيا فسكت.
ثمّ عاد الشاميّ فقال: يا أمير المؤمنين هبْ لي هذه الجارية. فقال له يزيد: اعزبْ، وهَبَ اللهُ لك حتفاً قاضياً.
وفي رواية السيد ابن طاوس، فقال الشامي: مَنْ هذه الجارية؟. فقال يزيد: هذه فاطمة بنت الحسين، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب. فقال الشامي: الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب؟. قال: نعم. فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد، تقتل عترة نبيِّك وتسبي ذرّيته؟!. والله ما توهّمت إلّا أنّهم [من] سبي الروم. فقال يزيد: والله لأُلحقنّك بهم. ثمّ أمَرَ به فضُرِبت عنقه.