جاءَ ذلك في سياقِ الكلمةِ التي ألقاهَا مديرُ الدارِ (الأُستاذُ الدكتورُ عادل نذير) في افتتاحِ مؤتمرِها الدوليِّ الثاني الذي انطَلَقَتْ فعالياتُه صباحَ هذا اليومِ وهذا نصُّها:
نجتمعُ اليومَ احتفاءً بذكرى الولادةِ الميمونةِ للرسولِ الأعظمِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وَسَلَّمَ وإحياءً لأمرِ محمدٍ والِ محمدٍ باسمكِم جميعاً نرفعُ آياتِ التهاني والتبريكاتِ إلى الأُمَّةِ الإسلاميةِ جمعاءَ لاسِيَّمَا علمائِها الأعلامِ وفضلائِها الكرامِ ونسألُ اللهَ بهذه المناسبةِ أنْ يستدلَ على هذِه الأمةِ جلابيبَ المودةِ و الرحمةِ والأُلفةِ اللهم ألِّفْ بينَ قلوبِنا واجمعْ شملَنا واصلحْ ذاتَ بينِنا اللَّهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الموصوفِ بالرحمةِ الذي يقولُ اللهُ تعالى فيه: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) .
اللَّهم صلِّ على محمدٍ وآلِه الموصوفِ بالنورِ الهادي الّذي يقول الله تعالى فيه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ) اللَّهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ الموصوفِ بالخلقِ العظيمِ الذي يقولُ اللهُ تعالى فيه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
اللَّهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ لم تناديه باسمِه كسائرِ الأنبياءِ - عليهم السلامُ - وإنّما ناديتَه يا أيُّها النبيُّ ويا أيُّها الرسولُ يا أيُّها المُدَّثِرُ و يا أيُّها المزملُ اللَّهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ كما صَلَيْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ .
هذه المناسبةُ تتزامنُ مع ذكرى الولادةِ الميمونة للنبي صلَّى اللهُ عليه وآلِه وَسَلَّمَ والإحتفاءِ بالمولدِ المباركِ له وخيرُ من يُحَدِّثُنا عن النبي صلَّى اللهُ عليه وآلِه وَسَلَّمَ أخوه وابنُ عمِّه وزوجُ ريحانتِه أميرُ المؤمنين - عليه السلامُ - في أكثرِ من موطنٍ من مواطن نهجِ البلاغةِ يُحدِّثُنَا عنه أَصلاً ونشأةً ومبعثاً إذ يقولُ " مُسْتَقَرُّهُ خَيْرُ مُسْتَقَرٍّ وَمَنْبِتُهُ أَشْرَفُ مَنْبِتٍ فِي مَعَادِنِ الْكَرَامَةِ وَمَمَاهِدِ السَّلَامَةِ.
حتى أفضَتْ كرامةُ اللهِ سبحانَه إلى محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وآلِه، فأخرجَه من أفضلِ المعادنِ منبتاً وأعزِّ الأروماتِ مَغْرَساً من الشجرةِ التي صدعَ منها أنبياءَه وانتخبَ منها أُمناءَه. عترتُه خيرُ العترِ ، وأُسرتُه خيرُ الأُسَرِ، وشجرتُه خيرُ الشجرِ. نَبَتَتْ في حرمٍ وبَسَقَتْ في كرمٍ خيرُ البريةِ طفلاً، ولقد قَرَنَ اللهُ به (صَلَّى اللهُ عليه وآلِه) من لدن أَن كانَ فَطِيماً أعظمَ ملكٍ من ملائكتِه، يسلكُ به طريقَ المكارمِ، ومحاسنَ أخلاقِ العالمِ، ليلُه ونهارُه أرسلَه أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ، وَاعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ، وَانْتَشَار مِنَ الْأُمُورِ، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ، والدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ، عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا، وَإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا، وَاغْوِرَارٍ مِنْ مَائِهَا، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى، وَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ الرِّدَى، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِاَهْلِهَا، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا، دَفَنَ الله بِه الضَّغَائِنَ، وأَطْفَأَ بِه الثَّوَائِرَ، أَلَّفَ بِه إِخْوَاناً، وفَرَّقَ بِه أَقْرَاناً، أَعَزَّ بِه الذِّلَّةَ، وأَذَلَّ بِه الْعِزَّةَ أكرمُ الناسِ عشرةً ، وألينُهم عريكةً، وأجودُهم كفّاً، مَن خالطَهُ بمعرفةٍ أَحَبَّهُ، ومَن رآهُ بديهةً هابَه صلَّى اللهُ عليه وآلِه تسليماً).
لأَجلِ ما لا نعرُفُه من النبيِّ وآلِه وأسرارِه، وبالتفاتةٍ كريمةٍ ومتابعةٍ جادةٍ وحرصٍ كبيرٍ كان تأسيسُ دارِ الرسولِ الأعظمِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ في العتبةِ العباسيةِ المقدسةِ إذ كانَتْ مساحةَ اشتغالٍ علميٍّ لكلِّ الاتجاهاتِ المعرفيةِ، ثم تَكَلَّلَتْ تلك الجهودُ بإقامةِ مؤتمرٍ علميٍّ دوليٍّ أولِ، وهذه نسختُهُ المباركةُ الثانيةُ لنستنهضَ بها الباحثينَ والمهتمينَ بالشأَنِ السيري المبارك فضلاً عن الغيارَى على قضايا الأُمَّةِ و الشريعةِ الإسلاميةِ السمحاءِ.
وَصَلَتْنَا للمؤتمر 88 ملخصاً بحثيّاً ثم 66 بحثاً قُبِلَ منها 54 بحثاً نظرَ فيها أساتذةٌ مختصون وأجازوا قبولَها ثُمَّ رَشحْنَا على أساسٍ تنظيميٍّ وفَنيٍّ مجموعةً من تلك البحوثِ لإلقائها، وأرجو الالتفاتَ إلى أنَّ البحوثَ التي لم تُلقَ إنّما على أساسٍ تنظيميٍّ وفنيٍّ وإلاّ فإنَّها جميعاً ستجدُ طريقَها إلى النشرِ شأنَها شأنَ سائرِ بحوثِ المؤتمرِ
بهذِه المناسبةِ نُجَدِّدَ دعوتَنا لكلِّ الأقلامِ التي تُريدُ أنْ تنهضَ بالسيرةِ النبويةِ المباركةِ لتَضَعَهَا على النحوِ الذي يليقُ بشخصِ النبي الأكرمِ صلَّى اللُه عليه وآلِه وَسَلَّمَ كما يُقررُ القرآنُ الكريمُ وإن كانَ القرآنُ يُقدّمُ ذلك على نحوٍ مختصرٍ مكثَّفٍ لا يَتَمَاشَى مع النحوِ السردِيِّ التاريخيِّ فإنَّ الفراغَ السّيري يجبُ أنْ يُردمَ على أساسٍ يليقُ بالنبي محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدسيتِه على أساسٍ من التوجَّه العَقَدِي والولائي لكلِّ الباحثين المُسلمين المُتَصَدِّينَ لهذه القضيةِ لاسيما ما يشوبُ السيرةَ النبويةَ من اشكالياتٍ تحتاجُ نظراً علميّاً وتحتاجٌ أجواءً بحثيةً تحاولُ أنْ تُسلِّطَ الضوءَ على تلك الإشكالاتِ.
إنَّ الأمةَ تَمرُّ بمرحلةٍ حرجةٍ ولا بُدَّ والحالُ هذِه من التأسيسِ لوعيٍّ إسلاميٍّ معاصرٍ يحافظُ على الهُوِيَّةُ وينفتِحُ على الآخرِ و يُحسِنُ التعاطي مع مُنجَزِه فإنّنَا بحاجةٍ لإجاباتٍ تليقُ بوعيِ القرونِ الحديثةِ لا بوعي القرونِ الوسطى وهذا يَتَطَلَّبُ هِمَّةً عاليةً وتَجَرّداً مسؤولاً نفتحُ فيه النوافذَ للأسئلة من دون أنْ تدفعَنَا الإجاباتُ عن التشبُّثِ بتراثِنا الذي يُضمرُ الكثيرَ من الخيرِ والتسامحِ والأسسِ المُمَهِّدَةِ لوعيٍّ يليقُ بالإسلامِ والمُسلمِين.