وقد استقبلها أهلُ البيت(عليهم السلام) وسائرُ الصحابة بمزيدٍ من الابتهاج والفرح والسرور، وأجرى الإمامُ أميرُ المؤمنين على وليدته المراسيمَ الشرعيّة، فأذّن في أذنها اليُمنى وأقامَ في اليُسرى، فكان أوّل صوتٍ قرع سمعها هو: (الله أكبر، لا إله إلّا الله)، وهذه الكلمات أنشودةُ الأنبياء، وجوهرُ القيم العظيمة في الأكوان.
وانطبعت هذه الأنشودةُ في أعماق قلب حفيدة الرسول(صلّى الله عليه وآله)، فصارت عنصراً من عناصرها ومقوّماً من مقوّماتها، وفتحت عينها على وجهِ الحياة في دارٍ يُشرف عليها ثلاثةٌ هم أطهرُ خلق الله تعالى، محمّدٌ رسول الله، وعليٌّ أميرُ المؤمنين، وفاطمةُ سيّدة نساء العالمين (صلوات الله عليهم أجمعين).
وحملت زهراءُ الرسول وليدتَها المباركة إلى الإمام فأخذَها وجعل يقبّلها، والتفتت إليه فقالت له: «سمِّ هذه المولودة...». فأجابها الإمامُ بأدبٍ وتواضع: «ما كنتُ لأسبقَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم...». وعرض الإمام على النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أن يسمّيها، فقال: «ما كنتُ لأسبقَ ربّي...». فهبط رسولُ السماء على النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وقال له: «سمِّ هذه المولودةَ زينب، فقد اختار اللهُ لها هذا الاسم...». وأخبره بما تعانيه حفيدتُهُ من أهوالِ الخطوبِ والكوارثِ فأغرق هو وأهلُ البيت في البكاء.
نشأت السيّدةُ زينب(عليها السلام) في بيت العلم والمعرفة ومهبط الوحي والتنزيل، نعم.. فهي التي عاشتْ بين مدرسة النبوّة والإمامة، وتخرّجت على يد تلك المدرستَيْن، وعاشت بين أحضان خاتم النبوّة محمّد(صلّى الله عليه وآله)، ووصيّه علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وأمّ أبيها فاطمة الزهراء(عليها السلام) سيدة نساء العالمين، والحسن والحسين(عليهما السلام) سيّدَيْ شباب أهل الجنّة، ومَنْ تخرّجت من تلكم تلك المدرستَيْن يكفي أن تكون مثَلاً وأُسوةً للمرأة المؤمنة الصالحة.