بمولد الإمام زين العابدين (عليه السلام) أشْرَقَتِ الأرضُ والسماء وازْدانَتا بهجةً وسروراً

أشرقت المدينةُ المنوّرة وتنوّر وازدهَرَ واستقبَل البيتُ المحمّديّ العلويّ الطاهر بكلّ فرحٍ وسرور وغبطةٍ وحبور، مولدَ الإمام الرابع من أهل بيت النبيّ والوحي الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

وذلك في الخامس من شهر شعبان المبارك عام (38) من الهجرة النبويّة الشريفة، الذي فجّر ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وقدّم للناس بسيرته أروع الأمثلة والدروس في نكران الذات والتجرّد عن الدنيا والانقطاع إلى الله تعالى.

والإمام السجّاد(عليه السلام) أُمُّه السيّدة شاه زنان بنت يَزدَجُرد بن شهريار بن كسرى، ويقال: إنّ اسمها شهربانو، وزوجته السيّدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، أمّا ألقابه (عليه السلام): زين العابدين، سيّد العابدين، السجّاد، ذو الثفنات، إمام المؤمنين، الزاهد، الأمين، المُتَهَجِّد، الزكي... وأشهرها زين العابدين. وله أكثر من كنيةٍ منها: أبو محمّد، أبو الحسن، أبو الحسين، أبو القاسم.

وتُشير الروايات أنّه في يوم ولادته (عليه السلام) سارع جدّه الإمام أمير المؤمنين أو والدُه الإمام الحسين(عليهما السلام)، إلى إجراء مراسيم الولادة الشرعيّة على الوليد المبارك، فأذّن في أُذُنه اليُمنى وأقام في اليُسرى، وقد غرس بذلك في قلبه معبداً ينبض بأحاسيس التقوى والصلاح، فكانت نغماً حيّاً يسيّره نحو البرّ والعمل الصالح.

فكان أوّل ما استُقبِلَ به الإمامُ زين العابدين في هذه الحياة هو صوت (الله أكبر)، وقد طُبِع في قلبه ومشاعره وصار في ذاتيّاته ومقوّماته، وفي اليوم السابع من ولادته عقّ عنه أبوه بكبشٍ وحلق شعرَ رأسه، وتصدّق بوزنه فضّةً أو ذهباً على المساكين.

عاش (عليه السلام) سبعةً وخمسين سنةً تقريباً قضی سنتَيْن أو أربع سنواتٍ منها في كنف جدّه الإمام علي(عليه السلام)، ثمّ ترعرع في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين(عليهما السلام) سبطَيْ رسول الله(صلّى الله عليه وآله)، وارتوی من نمير العلوم النبويّة واستسقی من ينبوع أهل البيت الطاهرين.

قال الشيخ المفيد في کتابه (الإرشاد): کان علي بن الحسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً، وقال: قد روی عنه فقهاءُ العامّة من العلوم ما لا يُحصی کثرةً، وحُفِظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيّام ما هو مشهورٌ بين العلماء.

برز الإمامُ زين العابدين(عليه السلام) علی الصعيد العلميّ إماماً في الدين ومناراً في العلم ومرجعاً لأحکام الشريعة وعلومها، ومَثَلاً أعلی في الورع والتقوی، واعترف المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وانْقادَ الواعون منهم إلی زعامته وفقهه ومرجعيّته.

كان الإمام زين العابدين(عليه السلام) حاضراً في يوم عاشوراء، حيث شاء الله عزّ وجلّ أن تُحفظ ذرّية رسوله (صلّى الله عليه وآله) وأن لا تخلو الأرض من الحجّة.

فسلامٌ على زين العابدين وقرّة عين الناظرين يوم ولد ويوم استُشهِد ويوم يُبعث حيّاً.