كانت هناك كلمةٌ للعتبتَيْن المقدّستَيْن ألقاها الأمينُ العامّ للعتبة العبّاسية المقدّسة السيّد مصطفى مرتضى ضياء الدين، هذا أهمّ ما جاء فيها:
كنت أراجع أحد العلماء فأفاض عليّ بروايةٍ رأيتُ من الضروري أن أبدأ بها، فقد ورد في الأثر الصحيح عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) أنّه كان يضمّ الإمام الحسن(عليه السلام) ويقول داعياً ربّه: اللهمّ إنّي أحبُّهُ وأُحبُّ مَنْ يحبّه.
تدلّنا هذه الرواية على مقامٍ سامٍ تبوّأه الإمام الحسن(عليه السلام)، فحديثُ المعصومين لاسيّما النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله) لا يُبنى على المشاعر والعواطف، وإنّما على أساس الواقع الذي يريده الشارعُ المقدّس وإن كان ظاهره يوحي بأنّه عاطفيّ كالرواية التي بدأنا بها حديثنا، وعليه فمفهوم الحبّ الذي دلّنا عليه الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله) في الرواية آنفة الذكر ليس ممارسةً عاطفيّة على قدر ما هي سلوكيّة عقديّة، ينبغي أن يستشعرها المؤمن ويمارسها في أقواله وأفعاله، لتكون بوّابةً لمعرفة القدوة في كلّ زمانٍ للسير على نهجه، فالحسن السبط (عليه السلام) قدوةٌ عقديّة علينا إظهار الحبّ لها واحتذاء ما يرشح عنها، لأنّ إحدى علامات الحبّ هي التقيّد بما يرغبه المحبوب واجتناب ما لا يرغبه.
لذلك علينا أيّها الأحبّة المؤمنون المجتمعون لإحياء ذكرى ولادة حبيب الحبيب الإمام الحسن(عليه السلام)، أن نتذاكر في محاسن ما يرغب، ونتبنّاها في سلوكيّاتنا العمليّة؛ لنكون حسنيّين حقّاً، فما يرغب به -أيّها الأحبّة- هو محض الرضا عند الله سبحانه وتعالى، فعلينا أن نتكافل اجتماعيّاً لنحقّق الكرم الحسنيّ الذي شاع عنه..
علينا أن نكون ملتزمين بشريعة الله وحدودها لتقرّ عين إمامنا السبط (عليه السلام)، الذي كان كجدّه وأبيه وأخيه وأحفاده من المعصومين(عليهم السلام)، بوصلتنا المرشدة نحو الفلاح والصلاح.
وعلينا أن نقرأ واقعنا المُعاش الذي هو ليس ببعيدٍ عمّا عاشه (عليه السلام)، لنُحسن التعامل مع فِتَنِه وأزماته، فما أحوجنا إلى أن نقتدي بهداهم، فهم الدليل إلى الحقّ، وأقوالهم وأفعالهم الحجج على الخلق أجمعين.
إذ ورد في كتاب (روضة الواعظين) عن الإمام الصادق(عليه السلام) ما نصّه: بينا الحسن بن علي(عليه السلام) ذات يومٍ في حجر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ رفع رأسه فقال: يا أبه ما لمَنْ زارك بعد موتك؟
قال: يابني مَنْ أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة، ومَنْ أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومَنْ أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة، ومَنْ آتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة...
وروى الحرّ العامليّ في كتابه النفيس (وسائل الشيعة) عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّ الحسين بن علي(عليهما السلام) كان يزور قبر الحسن بن عليّ(عليهما السلام) عشيّة كلّ جمعة..
أيّها الأحبّة المؤمنون ولاسيّما المؤسّسون لهذا التجمّع المبارك من أهالي كربلاء المقدّسة ومواكبها الطيّبة، لا يسعنا في الختام إلّا أن ندعو لكم بالتوفيق والسداد وأن يقيكم شرّ الداء والوباء، وأن يحفظكم من مزالق الفتن، إنّه سميعٌ مجيبُ الدعاء...