وكان خروج الإمام الحسين(عليه السلام) يوم الثلاثاء -يوم التروية- لثمانٍ مضين من ذي الحجّة سنة 60 للهجرة قبل إتمام الحجّ، ويعني ذلك أنَّ الإمام(عليه السلام) لم يُكمِلْ حَجَّه بِسببِ خُطورَةِ الموقف لِيُمارس تكليفَه الشرعيّ في الإمامة والقيادة.
فجمع الإمامُ الحسين(عليه السلام) نساءه وأطفاله وأبناءه وإخوته وأبناء أخيه وأبناء عُمومَته، وشدَّ (عليه السلام) الرّحَالَ وقرَّر الخروج من مكّة المكرَّمة، خرج الحُسينُ(عليه السلام) من مكّة وأرسَلَ يزيدُ بن معاوية(لعنهما الله) عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة إلى مكّة في عسكرٍ عظيم، وولّاه أمر الموسم وأمّره على الحجيج كلّهم، وأوصاه بإلقاء القبض على الحسين(عليه السلام) سرّاً، وإنْ لم يتمكّنْ منه يقتله غيلةً ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة.
فلمّا علمَ الحسين(عليه السلام) بذلك حلّ من إحرام الحجّ وجعلها عمرةً مفردة وعزم على التوجّه إلى العراق؛ مخافةَ أن يُقتل غيلةً فيكون سبباً لهتك حرمة البيت العتيق فإنّ يزيد لا يتورّع عن ذلك، فقال(عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية: (يا أخي قد خفْتُ أن يغتالني يزيدُ بن معاوية بالحرم، فأكون الذي تُستباح به حرمة هذا البيت).
وهذه خطبةُ الإمام الحسين(عليه السلام) ليلةَ الخروج (الحَمدُ للهِ، ومَا شاءَ الله، ولا قُوّة إلّا باللّه، وصلّى الله على رسوله وآله وسلّم، خُطّ المَوتُ على وُلدِ آدم مخطّ القِلادَة على جِيدِ الفَتاة، وما أولَهَني إلى أسلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف، وخيرٌ لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطِّعُها عسلانُ الفلوات بين النّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جُوفاً، وأجربةً سُغباً، لا مَحيصَ عن يومٍ خُطّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفِّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لحمتُه، بل هي مجموعةٌ له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عَينه، وينجزُ بهمْ وَعدُه، من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَلْ مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إنْ شاء الله).