وقال ممثل العتبة العباسية المقدسة الدكتور أحمد الشيخ في كلمة بالمهرجان إنّ العتبة المقدسة سعت جاهدة لاستثمار هذه المناسبات الدينية من أجل بلورة خطاب إنساني علمي ومنهجي، لاسيما في الجامعات والمعاهد الأكاديمية، خطاب يستهدف الطالب والطالبة فيها لتحصينهم من مؤثرات الخطاب الشيطاني الذي تقوده قوى الشر في العالم مستفيدة من امتلاكها المال والتكنولوجيا الحديثة والسطوة الإعلامية والدعائية والعسكرية.
وأدناه نص الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
(إنا أعطيناك الكوثر فصلّ لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر). صدق الله العلي العظيم
الحمد لله نحمده على نعمائه، ونشكره على آلائه، ونشهده على الرضا بقضائه، والصلاة والسلام على نبي الأمة وباب الرحمة أبي الزهراء محمد، وعلى آل بيته سفن نجاة الراغبين وأدلائهم في كل زمان ومكان.
أصحاب السماحة والفضيلة والسعادة، إخوتي الأساتيذ الأفاضل أخواتي الأستاذات الفضليات، أبنائي وبناتي الطلاب والطالبات في هذا الحفل المبارك مع حفظ الألقاب والمقامات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جليل هو الموقف وضيقة هي العبارة فقد اتسع المعنى وعظمت الدلالة وبعد المطلب.
وكيف لا، ونحن بين يدي سيّدة نساء الجنة، نجتمع تحت هذا العنوان هذا المضيء الذي حمل صفتها وجدد كلمتها: (مهرجان الصديقة الكبرى) في نسخته الثامنة، الذي تقيمه العتبة العباسية المقدسة بالتعاون مع رئاسة جامعة بغداد الزاهرة وعلى أديم حرمها المبارك.
وإذا أتشرف بتمثيل العتبة العباسية المقدسة في هذا الجمع الكريم، اسمحوا لي أولا أن أنقل إليكم سلام وتحيات ومباركة متوليها الشرعي سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه)، وأمينها العام السيد مصطفى آل ضياء الدين (دام تأييده).
الحضور الكريم، إنّ مهرجاننا الذي يبدأ أعماله ونشاطاته اليوم ويستمرّ على مدى ثلاثة أيام، لا يقف في مغزاه عند استذكار شهادة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وإن جاء متزامنا مع بعض روايات هذه الذكرى وفي أيامها، وذلك أنها حاضرة في عقول الموالين من المؤمنين وفي قلوبهم ووجدانهم، واستعادة ظلامتها وجور الأدعياء عليها أمر يتجدد في الضمائر الحية على وفق ما حفظه لنا التاريخ من وقائع وروايات موثقة في كل زمان ومكان.
لكن هذا المهرجان يسعى إلى ما هو أبعد وأعمق، وذلك بالسعي لمزج الرؤى الدينية والحوزوية مع الرؤى الأكاديمية بغية الخلوص بالمضامين الفكرية والأخلاقية والثقافية التي جسدتها السيّدة الزهراء، كما جسدها قبلها أبوها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أرسى دعائم الدين الإسلامي الحنيف وحمل رسالة السماء إلى البشرية، وكما جسدها زوجها المرتضى (عليه السلام) فقاتل وقتل من أجل تكريس الإسلام المحمدي الصحيح، وجسدها من بعدهم أبناؤهم المعصومون جميعا، حتى يومنا الراهن. حيث نستلهم الدروس والعبر من هذا السجل الخالد.
إخوتي وأخواتي.. لقد سعت العتبة العباسية المقدسة جاهدة لاستثمار هذه المناسبات الدينية من أجل بلورة خطاب إنساني علمي ومنهجي، لاسيما في الجامعات والمعاهد الأكاديمية، خطاب يستهدف الطالب والطالبة فيها لتحصينهم من مؤثرات الخطاب الشيطاني الذي تقوده قوى الشر في العالم مستفيدة من امتلاكها المال والتكنولوجيا الحديثة والسطوة الإعلامية والدعائية والعسكرية، ومن أدواتها في السيطرة على البشر وفي المقدمة منهم الشباب تلك الأسلحة الناعمة والخبيثة والمدمرة في الوقت نفسه، التي نجدها في إشاعة المفاسد ونشر الانحلال الأخلاقي من الإباحية والمثلية والمخدرات والمسكرات وترويج الابتذال والجريمة والحث على التنكر للمُثل والأعراف والأخلاق السماوية والإنسانية والثقافية والحضارية، ولا أجانب الحقيقة حين أقول إن هذا الزمن الذي نعيشه اليوم يمثل تحدياً شرعياً وأخلاقياً وعلمياً وإنسانياً بشكل عامّ لإنقاذ الإنسان المعاصر الذي بات رهين غياب الوعي، وتحول إلى آلة عبدة عمياء لهذا الخطاب الذي صار معروفاً بالنظام العالمي الجديد، والذي يغذي البشر المستجيبين له بالمفاهيم البراقة من دون أن يدركوا ما تشتمل عليه من أدوار.
وفي ضوء ما تقدم فإن مهرجاننا هذا وهو يرفع لافتة متشرفة بمعنى الصديقية ومضامين مقامها، ليمثل دعوة مفتوحة لكلّ مسؤول من موقعه الديني أو الأكاديمي للتفاعل الجاد في تقديم خطاب تنويري وتوعوي ناهض، لا يقف عند كلمات وتعابير بلاغية ينتهي تأثيرها بانتهاء زمنها المحدود، بل يجب أن يمتد ليشكل هاجسا تفاعلياً مستمراً في وعي الإنسان، وهذا الهاجس هو قوام المبدأ الإيماني الذي نطمح إلى تثويره في نفوس النشء من أبنائنا وبناتنا. ومن هنا فقد تعددت صفحات هذا المهرجان، ولكنها انتهت إلى غاية واحدة، لقد حرص المهرجان في نسخته الثامنة هذه على أن يتكامل فيه الديني بالتاريخي والثقافي بالفني والإبداعي بالعلمي، وأن تتحاور هذه المضامين فيما بينها وتتضايف لتنتج مخرجاتٍ واقعيةً في ضوء مدخلاتها المدروسة بعناية وتمحيص.
وفي الختام، أسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصبر على تنكب طريق الحق والإيمان بمن شرعه لنا، مهما عظمت التحديات، وأسأله جل في علاه أن ينجح مسعانا فيه مهما كان عسيراً، وموحشاً، وأن يثيبنا على نياتنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.