الإمام الصادق(عليه السلام) مؤسّس أكبر مدرسة في عصره لحفظ دين جدّه الرسول الأعظم..

باب قبلة حرم العباس
في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة(148هـ) استُشهد الإمام الصادق(عليه السلام) عن عمر بلغ(65) سنة، على ما هو مشهور عن ولادته التي كانت في السابع من شهر ربيع الأول سنة(83هـ).
الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر(عليهما السلام) أمّه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الملقّبة بـ(المكرّمة)، وقد عاش(عليه السلام) مرحلة صعبة في وقت حكم بني أمية الباغية ولقي أنواع الظلم والمكر، ومن ثمّ حكم بني العباس حتى قام أبو جعفر المنصور الذي لم يسترحْ حتى اغتال الإمام(عليه السلام) بالسمّ في الخامس والعشرين من شهر شوال سنة (148 هجرية).
وذكر اليعقوبي في تاريخه عنه(عليه السلام): (كان أفضل الناس وأعلمهم بدين الله، وكان أهل العلم الذين سمعوا منه إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم، وقد قال مالك بن أنس: ما رأت عينٌ ولا سمعت أذنٌ ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادةً وورعاً).
ولد الإمام الصّادق(عليه السلام) في عهد عبدالملك بن مروان بن الحكم ثمّ عايش الوليد بن عبدالملك، وسليمان بن عبدالملك، وعمر بن عبدالعزيز، ويزيد بن عبدالملك، وهشام بن عبدالملك، والوليد بن زيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان الحمار، حتّى سقوط الحكم الأموي سنة (132هـ) ، ثمّ آلت الخلافة إلى بني العباس، فعاصر من خلفائهم أبا العباس السفّاح، وشطراً من خلافة أبي جعفر المنصور تُقدّر بعشر سنوات تقريباً، وعاصر الإمام الصّادق(عليه السلام) كلّ هذه الأدوار وشاهد بنفسه محنة آل البيت(عليهم السلام) وآلام الأمّة وآهاتها وشكواها وتململها.. وكان عميدَ آلِ البيت(عليهم السلام) ومحطَّ أنظار المسلمين.. لذا فقد كان(عليه السلام) تحت الرقابة الأمويّة والعباسيّة وملاحقة جواسيس الحكّام، يحصون عليه حركاته واتصالاته.
فقد عاصر الإمام الصادق(عليه السّلام) الدولتين في هذه المدة الطويلة; مع جدّه وأبيه اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه بعد جدّه تسع عشرة سنة، وبعد أبيه أيام إمامته أربعاً وثلاثين سنة، وكان في أيام إمامته بقية ملك هشام بن عبدالملك، وملك الوليد بن يزيد بن عبدالملك، وملك يزيد بن الوليد الناقص، وملك إبراهيم بن الوليد وملك مروان بن محمد الحمار، ثم صارت المسوّدة (لاتّخاذهم شعار السواد) مع أبي مسلم سنة اثنتين وثلاثين ومئة فملك أبو العباس الملقب بـ(السفّاح)، ثم ملك أخوه أبو جعفر الملقّب بـ(المنصور)، واستُشهِدَ الصادق بعد عشر سنين من ملك أبي جعفر..
وقد عمل الإمام(سلام الله عليه) خلال فترة حياته الشريفة -والتي شهدت صراعات كثيرة بين طلّاب السلطة- على تربية العلماء والدُّعاة وجماهير الأُمّة وتعليمهم على مقاطعة الحكّام الظّلمة، ومقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي، والتفقّه في أحكام الشريعة ومفاهيمها، وثبّت لهم المعالم والأُسس الشرعية الواضحة، كقوله(عليه السلام): (مَن عَذَرَ ظالِماً بظُلْمهِ سَلّطَ اللهُ عليهِ مَن يظلِمُهُ، فإنْ دعا لم يُستَجَبْ لهُ ولم يأجُرْهُ اللهُ على ظُلامَتِه; والعامِل بالظّلمِ والمُعينُ له والرّاضي به شُركاءٌ ثلاثتُهُم). فاستطاع أن يعطي الفكر الشيعي زخماً خوّله الصمود أمام التيارات الفكرية المختلفة وسمح له بالبقاء الى يومنا هذا، ولذلك يسمّى المذهب الشيعي الفقهي بـ(المذهب الجعفري).