العتبة العباسية: عمدنا إلى إنشاء مراكز لدراسة التراث لتقصّي حلقات الفراغ وملئها

أكد رئيس قسم شؤون المعارف الإسلامية والإنسانية في العتبة العباسية الشيخ عمار الهلالي إنّ العتبة المقدسة عمدت إلى إنشاء مراكز لدراسة التراث إيمانًا منها بوجوب تقصّي حلقات الفراغ وملئها، ولا سيَّما في المكتبة الإسلامية.

جاء ذلك في كلمته خلال انطلاق فعاليات مؤتمر تراث كربلاء العلمي الدولي بنسخته الثانية، الموسوم بـ (حراك كربلاء العلمي في القرن العاشر الهجري)، تحت شعار (تُراثُنا هُويَّتُنا)، الذي يشرف عليه مركز تراث كربلاء التابع للقسم.

وجاء نص الكلمة:

بدءًا أرحب بالحاضرين جميعًا مع حفظ درجاتهم ومقاماتهم، ولا سيَّما من تجشّموا عناء السفر، وأسأل الله تعالى لكم جميعًا أن يجعل منقلبكم من هذه البقعة المقدّسة منقلب خيرٍ بذنبٍ مغفورٍ وأجرٍ جزيلٍ وعطاءٍ غير مجذوذ.

أمّا بخصوص ما نحن بصدده فأقول: إنّ التراث يأخذ أهميّته من مستوياتٍ عدّة تتفاضل فيما بينها، فهو يمثّل إرث الأجداد وحريّ بالأبناء أن يحفظوا أسلافهم بما خلَّفوه لهم، وكذلك يمثّل الامتداد للأمم ومساحة عمقها التاريخي، وبه تُثبت الأمم مجال تأثيرها في حوادث التاريخ، وعليه المدار في الكشف عمّا إذا كانت تلك الأمم متأثّرة بالأحداث من حولها أو مؤثّرة وصانعة لتلك الأحداث، ثمّ تترقى أهميّة التّراث فيما لو كان تراثًا فكريًّا مؤثرًا بالمعرفة أو صانعًا لها، ولو كان منتميًا للحقل الدّيني فإنّ أهميّته ستزداد بفعل الأثر الدّينيّ فيها، وهذه الأهميّة تتضاعف فيما لو تعلَّق ذلك التّراث بمدينةٍ مقدّسةٍ لها شأنها عند فئةٍ كبيرةٍ من المسلمين، وهي كربلاء المقدّسة بما منحها الحسين (عليه السلام) من بعدٍ يمتدّ على طول الشعاع الحسينيّ أثرًا وتأثيرًا، ثمّ يصبح الأمر واجبًا بالرعاية والاهتمام لو نظرنا إلى ما تعرّضت له هذه المدينة من إبادةٍ ممنهجةٍ واستهدافٍ لعلماء هذه المدينة وإرثها المعرفيّ.

ومن كلّ ما سبق وغيره عمدت العتبة العباسية المقدسة إلى إنشاء مراكز لدراسة التراث، ولا سيّما مركز تراث مدينة كربلاء، إيمانًا منها بوجوب تقصّي حلقات الفراغ وملئها، ولا سيّما في المكتبة الإسلاميّة وعلومها، ولمّا كان التراث الكربلائيّ ميدانًا لم يُكشف عن محتواه المعرفيّ أُنشيء هذا المركز لمتابعة ذلك التّراث ودراسته على وفق الآليات المعتمدة في المنهج العلميّ، وبما يناسب الحاجة المعرفيّة المعاصرة، عبر جمع المخطوطات وآثار علماء كربلاء ثمّ تحقيقها تحقيقًا علميًّا، وبعد ذلك فتح نوافذ الدّراسة بما تمّ تحقيقه؛ ليكون إضافاتٍ معرفيّة في الحقول التي ينتمي إليها، وقد تمّت الاستعانة بجملةٍ من الوسائل في سبيل تحقيق ذلك، فكانت المجلات العلميّة المحكّمة والندوات والورش والمؤتمرات العلميّة، وها نحن اليوم في فعاليةٍ من تلك الفعاليات المعرفيّة، وهي المؤتمر العلمي الدّولي الثاني لتراث كربلاء، الذي يُقيمه مركز تراث كربلاء التّابع لقسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة في العتبة العباسية المقدسة، تحت شعار: تراثنا هُويتنا، وبعنوان: حَراك كربلاء العلميّ في القرن العاشر الهجري، وقد شاركت في هذا المؤتمر مجموعة من الدول العربية والإسلاميّة ببحوث متنوّعة بتنوّع تراث كربلاء ومعرفتها العلمية، ولم تتوقف المشاركات عند حدود البحوث؛ بل زادت عليها بوجود الجهود التحقيقيّة لجملة من المخطوطات المهمّة لعلماء كربلاء في القرن العاشر الهجري، وكذلك لمجموعةٍ من المؤلفات التي درست بعض جهود علماء هذا القرن، وقد انتهت الدراسات في هذا المؤتمر إلى جملة مهمّةٍ من النتائج أهمّها التعرّف على شخصياتٍ علمية لم يكن لها ذكر فيما سبق إلّا بالشكل اليسير، وجهودٍ كبيرة لعلماء لم يُسلَّط عليها الضوء ولم تتعرّف عليها الدّراسات في سابق عهدٍ لهذا المؤتمر، ومن النتائج الأخرى المهمّة أنّ الدراسات وجهود التحقيق التي أُنجزت فتحت مسارات معرفيّة جديدة للباحثين بوصفها بكرًا لم تُدرس أو يسلَّط عليها الضوء فيما سبق.

وختامًا أودّ تقديم الشكر لكلّ من شارك في هذا المؤتمر أو بذل جهدًا في سبيل إنجاحه، ولا أملك من الأهميّة بقدر أن أتوجّه إلى العليّ القدير أن يوفّقهم لخير الدّنيا وصلاح الآخرة، وأن يجعل ما بذلوه من جهدٍ خالصًا لله تعالى.
relatedinner
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.