لجنة خبراء الخطّ العربي: خطّ الكفيل يحمل الخصائص الأصيلة لخطّ النسخ

أكّدت لجنة خبراء الخط العربي أنّ خط الكفيل (نسخ) يحمل كلّ الخصائص الأصيلة لخطّ النسخ، بحسب القواعد والضوابط الجمالية المعتمدة.

جاء ذلك في كلمة لأستاذ الخطّ العربي والتصميم الطباعي في كلية الفنون الجميلة/ جامعة بغداد الدكتور عبد الرضا بهية (روضان)، في حفل إطلاق خطّ الكفيل نسخ الذي أقامه المجمع العلمي للقرآن الكريم في العتبة العباسية المقدسة، فيما أشرف على تصميم وبرمجة الخطّ مركز طباعة المصحف الشريف التابع للمجمَع.

وشهد الحفل حضور عضوي مجلس إدارة العتبة العباسية المقدسة الدكتور عباس الددة الموسوي والسيد جواد الحسناوي، ورئيس المجمع العلمي الدكتور مشتاق العلي ورئيس قسم التطوير الدكتور محمد حسن جابر، ورئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية السيد عقيل الياسري، ورئيس قسم العلاقات العامة السيد محمد علي أزهر، وعدد من مسؤولي العتبة العباسية والاكاديميين المهتمين بالخطوط العربية.

لعلّ من دواعي سرورنا أن نحتفي هذا اليوم بإطلاق خط (الكفيل نسخ)، الذي أعدّه وبرمجه مركز طباعة المصحف الشريف التابع للمجمَع العلمي للقرآن الكريم في العتبة العباسية المقدسة.

ولكي ندرك الأهمية الكبيرة لهكذا مشروع وحيويّته البالغة وأوجه الضرورة في تحقيقه، فلا بدّ أن نتعرّف على إشكالية مريرة رافقت النشر الطباعي باللغة العربية منذ دخول الطباعة في بلداننا العربية، واعتماد الحروف المصنّعة في إنتاج المطبوعات على اختلافها بتقنيّات الصف اليدوي والآلي، واستمرّت تلك الإشكالية بل وتفاقمت سوءاً بعد انتشار التقنيات الرقمية واعتماد برامج الجرافيك في الحواسيب، لأغراض التنضيد للنصوص بالنشر العربي، إذ لقمت تلك الحواسيب بأطقم من الحروف المعروفة بـ (الفونتات)، وهي على درجة كبيرة من التشويه والابتعاد عن جماليات الخطوط العربية الأصيلة التي ابتكرها الخطّاطون الأفذاذ على تعاقب القرون الإسلامية، وأعملوا فيها ذائقتهم الجمالية جيلاً بعد جيل حتى أوصلوها إلى عصرنا الراهن، وقد تبلورت في أرقى صورها الأنموذجية وكأنما لم يُبقوا زيادة لمستزيد.

إن الفضل كله يرجع -بعد فضل الله تعالى- إلى الخطّاطين العرب والمسلمين الذين ابتكروا وطوّروا الأنواع الجميلة والرائعة من الخطوط العربية، وأرسوا فناً من أغنى فنون الإنسانية على مدى عمر الحضارة الإسلامية، ولولاهم لما وصل إلينا هذا التراث الضخم من المخطوطات في شتى مجالات المعرفة والفكر والشريعة والعلوم، فضلا عن النسخ الكثيرة جداً من القرآن الكريم.

وهنا لابدّ أن ننحني احتراماً وتقديراً وتبجيلاً لكلّ الخطّاطين والنسّاخين من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، لما قاموا به من أدوار عظيمة للغاية في نقل التراث الحضاري للإسلام، من خلال جهودهم التدوينية التي لا يعلم أحد بمدى عظمتها إلا الله سبحانه وتعالى، فقد كان المؤلّفون يستعينون بالخطاطين والنسّاخين لإنتاج نسخ متعدّدة لمؤلفاتهم، وكأنما كان الخطّاط أو النسّاخ يقوم مقام المطبعة في عصرنا الراهن، على ما في هذا التشبيه والمقارنة تلك من فارقٍ هائل.

وجدير بالذكر أن كميات هائلة من المخطوطات التي وصلت إلى عصرنا الراهن، لم تكن مدونة بخطّ مجوّد، بل كانت منسوخة بيد نسّاخين بكتابة متفاوتة الجودة على أن تتسم بالوضوح والمقرونية، وقد تكون سليمة أو يشوبها أحياناً تصحيف وتحريف ربّما بسبب السرعة في التدوين، ولذلك فإن المخطوطات المجوّدة وفي طليعتها نسخ القرآن الكريم وبعض الأدعية والأوراد وغيرها، إنما يقوم بإنجازها خطّاطون مجودون يبذلون فيها قصارى الجهد، ويمكن وصف تلك المخطوطات المجودة بأنها خزائنيّة، ولذلك برز لدينا وصفان للمدونين هما خطّاط ونسّاخ.

وقد استمر دور الخطّاطين والنسّاخين في إنتاج المخطوطات حتى ظهور الطباعة على يد المخترع الألماني (يوهانز غوتنبرغ) في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، فكان ذلك إيذاناً بانحسار دور الخطّاطين والنسّاخين في نسخ المؤلفات، وتمّت الاستعانة تدريجياً بحسب تطور المطابع في إنتاج نسخ كثيرة للمؤلّفات، ولم يعد الآن يستعان بالخطّاط أو النسّاخ في تدوين الكتب، ونستثني من ذلك القرآن الكريم الذي لابدّ أن يستمرّ خطّه يدوياً، فضلاً عن بعض الإنجازات الخاصة التي يراد لها أن تكون مخطوطة، فهذه أيضاً يُصار إلى نشرها بعد تصويرها وطباعتها بالكميات المطلوبة.

وفي ظل الثورة التقنية الرقمية المعاصرة فقد أصبح النشر المكتبي والميديا وكل وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن الإعلانات وكلّ ما ينتج طباعياً يعتمد كما أشرنا على الحروف المصمّمة التي تسمّى بـ (الفونتات) من قِبل خطّاطين ليسوا على مستوى عالٍ من المقدرة والتجويد، وقد استعانت بهم الشركات المنتجة للبرمجيات، فأوجدوا أطقمها معتمدين على مبدأ الاختزال من جهة الفصل والوصل بين الحروف، وقد كيفوا الحروف لمتطلّبات التقنية ولم يطوّعوا التقنية لخصوص الحروف الجمالية.

وبما أننا في بلداننا العربية نعاني ممّا يمكن تسميته بـ (الفجوة الرقمية)، التي تعني أننا متلقّون بالتبعية لما ينتجه العالم المتطوّر، فعلماؤهم ومبتكروهم يخترعون ويطوّرون في حقول التقنية والبرمجيات ثمّ بعد مضي زمن يطبّقون توصلاتهم على النشر العربي، ومؤكّدٌ أن ذلك يتم بحكم دوافع تجارية وبهدف جني أرباح مادية طائلة، وليس للناشر العربي من دور في تصحيح السلبيات الشكلية لأطقم الحروف بسبب التخلّف العلمي وعدم القدرة على مواكبة تطور التقنيات الرقمية.
relatedinner
غير أن هناك من المشتغلين عندنا ولاسيّما في العتبة العباسية المقدسة في حقل البرمجيات قد تنبّهوا إلى ضرورة أخذ زمام المبادرة، والإسهام في تطوير ما يرونه بحاجة إلى تحسين وترقية من خلال دراسة سلبيات الفونتات المتوافرة لأغراض النشر العربي، فبدلاً من البقاء على استخدام الحروف المشوّهة والبعيدة عن جماليات فنّ الخطّ العربي، أصبح من المهم جداً إيجاد فونت تتوفر فيه الخصائص الجمالية لفنّ الخطّ العربي لا سيّما خط النسخ، وهو الخطّ المعتمد بشكل أساسي وواسع جداً في المطبوعات المختلفة من مؤلّفات وكتب دراسية منهجية ومجلات ونشريات ومخاطبات رسمية وإعلانات وكلّ ما يراد نشره طباعياً، وهكذا بادر مرکز طباعة المصحف الشريف إلى إيجاد فونت باسم الكفيل (نسخ)، وهو يحمل كل الخصائص الأصيلة لخط النسخ بحسب القواعد والضوابط الجمالية المعتمدة، إذ سيُصار إلى اعتماده في تطبيقات متنوعة لا سيما على مستوى النشر المكتبي والمخاطبات الرسمية، ويغطّي كل الأهداف التدوينية بشكل متقدّم ومستوى رصين.

كلّ الشكر والتقدير للدكتور مشتاق العلي رئيس المجمَع العلمي للقرآن الكريم، والشكر موصول لمركز طباعة المصحف الشريف وعلى رأسه سماحة الشيخ ضياء الدين حميد الزبيدي، الذي تولّى العمل مع طاقم المركز على تحقيق هذا الإنجاز المتميّز، والذي يعدّ إضافة نوعية في مجال النشر المكتبي ممّا سينعكس بشكل فعال على المستوى النوعي لمطبوعات العتبة العباسية المقدسة، والمكاتبات الإدارية وسائر متطلبات التداول التدويني، وكان لي الشرف مع زميلي الدكتور حسين علي جرمط والدكتور عبد الرزاق الكناني، في التعاون على مستوى تهذيب الحروف وجعلها على قواعد خط النسخ الأصيلة، حتى استوت على ما هي عليه الآن.

نسأل الله تعالى أن يجعل إنجازاتكم كلّها في ميزان حسناتكم، وأن تكون كل برامجكم التطويرية مكللة بالنجاح والتوفيق بإذن الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.