اقطعْ عنقي ولا تقطعْ رزقي..

ناصر جعفر معتوك
قال محمد ذو العشرين ربيعاً يا زائر الحسين(عليه السلام): تفضّل علينا وأكرمنا بجود من أنت قاصده وخذ هذا الطعام المجاني، فصرخ مشتاق بأعلى صوته: لم نتّفق هكذا يا محمد وأنت تعلم أنّ قطع الأرزاق أشدّ من قطع الأعناق.
فسألنا ما الخبر؟ قال مشتاق: اتّفقنا من الصباح أن يتوسّل في كلّ مرّةٍ أحدُنا إلى زائر ويُقنعه بأخذ الطعام الذي أعددناه وهو نذرٌ لله سبحانه وتعالى وثوابه مُهدى إلى روح سيدنا ومولانا أبي عبدالله الحسين(عليه السلام)، علّنا نكسب الأجر العظيم بهذه الخدمة المباركة، لكنّ محمّداً أصرّ على أن يُقنع أكثر من زائر وبهذا يكون قد قطع رزقي في نيل الثواب، وإنْ كرّرها سيكون بيننا خصام.
هذا مشهدٌ حقيقيّ وليس درامياً من إحدى المسرحيات أو الأفلام دار أمامَ الوفد الإعلامي لشبكة الكفيل العالمية والذي أوفد الى محافظات الجنوب لمواكبة مسير الزائرين القاصدين كربلاء المقدسة لإحياء شعيرة زيارة الأربعين.
أمّا المشهد الآخر فقد كان (ناصر جعفر معتوك) والذي كان في الأربعين من العمر يقف في وسط طريق الزائرين أمام موكبٍ حسينيّ خدميّ يقع على الطريق الواصل بين قضاء المدَيْنة التابع لمحافظة البصرة وقضاء الجبايش التابع لمحافظة الناصرية، وهو يتحدّث بلباقةٍ وصوتٍ عالٍ مغتنماً بشاشة وجهه، ليقول: (شوربة حارة، هريس حار، شاي حار، مع وجود مفرزة طبية داخل الموكب)، فبمجرّد أن توقّف الوفد الإعلامي لبضع ثوانٍ حتى أجبرهم بأسلوبه الجميل على تناول الطعام، ثم قال: خدمة الزائرين في طريق الحسين(عليه السلام) توفيقٌ إلهي ونعمةٌ ربانية، وسعيدُ الحظّ من اغتنم هذا التوفيق وجمع أكبر قدرٍ ممكن من هذا الأجر العظيم، لذا علّي أن أبذل ما بوسعي وأستثمر كلّ إمكانياتي لإقناع الزائر بالموافقة على خدمته.
أمّا عباس في المشهد الثالث الذي كان يعطّر الزائرين بالعطور الفاخرة، فقد كان شابّاً طويل القامة يلبس السواد ويضع على رأسه وشاحاً أسود، قال: إنّي لا أنفكّ عن الدعاء والتضرّع إلى الله عزّوجلّ أن يجعلني من خَدَمَة خدّام أبي الأحرار(عليه السلام) وهذه الأُمنيةُ لا تتحقّق ما لم أجدّ في العمل، لذا أنا أستثمر هذه الأيام وأبذل قصارى جهدي من أجل تقديم خدمة للزائرين القاصدين ضريح نبراس الحرية، وهذا يحتّم عليّ أن أسعى على مدى عامٍ كامل وأجمع العطور الفاخرة لأشرّفها بأن تكون على أجساد هؤلاء الزائرين.
الطريق إلى كربلاء المقدّسة في هذه الأيام قد ازدحم بالمواكب الحسينية التي تقدّم الخدمات المتنوعة ونظلمها إنْ شبّهناها بالكرم الحاتمي عند العرب، فهذا يتوسّل إليك لكي يخدمك وهذا يدعو لك بأصدق الدعوات ويرحّب فيك خير ترحيب، أمّا الشائع فإنّك في كلّ لحظة تمرّ هناك أحدٌ ينادي عليك: (هله بزوّار الحسين).

يُذكر أنّ شبكة الكفيل العالمية قد أوفدت إلى محافظات جنوب العراق وفداً إعلاميّاً متكوّناً من صحفيٍّ وخمسةِ مصوّرين عراقيّين وعرب، لتوثيق هذه الزيارة المليونية التي لم يشهد لها العالم مثيلاً، وبهذا تكون شبكة الكفيل أوّل شبكةٍ إعلامية إلكترونية تواكب هذه المسيرة من أبعد نقطةٍ في جنوب العراق حتّى كربلاء المقدسة.