في ذكرى شهادة الزهراء(عليها السلام): ما هو سرّ علاقتها بأبي الفضل العباس(عليه السلام)؟..

هناك رابطان مهمّان بين الزهراء(عليها السلام) وأبي الفضل العباس(عليه السلام)، الأوّل أنه (سلام الله عليه) كان المحامي والناصر لأولاد الزهراء(عليها السلام) وبعلها -أبيه- أمير المؤمنين(عليه السلام)، فقد أبلى بلاءً حسناً مع أبيه أمير المؤمنين(عليه السلام) في مواقف عديدة تطلّبت الحزم والشجاعة والصلابة التي كان يمتلكها قمر العشيرة، وتلك المواقف كانت الخطوة الأولى من أمير المؤمنين(عليه السلام) لإعداده وتهيئته لنصرة الإمام أخيه الحسن(عليه السلام)، في مواجهته لطغيان واستبداد معاوية وتسلّطه على رقاب المسلمين من دون حقّ، وكذلك نصرته لأخيه أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) في نهضته المباركة لاسترجاع بريق الرسالة الإسلامية التي حمل لواءها نبيُّنا المصطفى(صلى الله عليه وآله) بعد أن حاول يزيد بفسقه وفجوره إضاعة كلّ تلك الجهود في بناء مجتمعٍ إسلاميّ صالحٍ ورصين، فوقف أبو الفضل العباس(عليه السلام) تلك الوقفة الشجاعة في مساندة أخيه وحبيبه وسيّده أبي الأحرار(عليه السلام) في معركة الطفّ الخالدة التي ميّزت الحقّ من الباطل وأماطت اللثام عن قيمة النفوس الحقيقية في مواجهة التحدّيات، فكان (سلام الله عليه) الدرع الحصينة ونعم الأخ الناصر والمحامي الدافع لابن الزهراء(عليها السلام) الإمام أبي عبدالله الحسين(عليه السلام)..
أما الرابط الآخر الذي يربط بين مولاتنا الزهراء(عليها السلام) وساقي عطاشى كربلاء أبي الفضل العباس(عليه السلام) فهو الرابط العقائدي الممتدّ روحياً عبر المعتقد الحقّ واليقينيّ الذي تربّى عليه قمر العشيرة وترعرع على الذود عن حياض الرسالة باعتباره واجباً دينياً وجهاداً عقائدياً، فقد أشبعته أمّه السيدةُ الطاهرة أمّ البنين(سلام الله عليها) حباً وتفانياً وتضحيةً عن تلك النفوس التي طهرها الله تعالى وأذهب عنها الرجس، وهو أمرٌ قد جُبل عليه المسلمون الأشدّاء فكيف بأبي الفضل العباس(عليه السلام) وهو ابن هذه الدوحة العطرة المباركة، دوحة النبوة المعطاء.
قال بعض الأكابر: إنّ الزهراء(عليها السلام) تأتي يوم القيامة للشفاعة ومعها بعض المصائب التي تحمّلتها في سبيل الله، فتأتي وعلى كتفها الأيمن قميصُ ولدها الإمام الحسن(عليه السلام) وعلى كتفها الأيسر قميص ولدها الإمام الحسين(عليه السلام) وبين يديها طبقٌ تحمل فيه جنينها المحسن -السقط-، فيأتي جبرئيل(عليه السلام) فيقول لها: يا سيدة النساء بم تبدأين للشفاعة؟ أبإسقاط جنينك المحسن؟ فتقول: لا.. فيقول: أبقتل ابن عمّك عليّ بن أبي طالب؟ فتقول: لا.. فيقول: أبقتل ولدك الحسن؟ فتقول: لا.. فيقول: أبقتل ولدك الحسين؟ فتقول: لا.. فيقول: إذن بمن تبدأين يا زهراء؟ عند ذلك تُخرج الزهراء كفّي أبي الفضل العباس وتقول: يا عدلُ يا حكيمُ أحكم بيني وبين من قطعوا هذين الكفّين، ما ذنب هذين الكفّين حتى يُقطعا من الزندين؟ المصدر: كنزالعمال / جامع الفوائد / كتاب قصص فاطمة الزهراء(عليها السلام).
وهناك قصّتان تبيّنان علاقة مولاتنا الزهراء بأبي الفضل(عليهما السلام) القصة الأولى: جاء في أسرار الشهادة للدربندي ومعالي السبطين للمازندراني أنّه حكى جمعٌ من الصلحاء: إنّ واحداً من أهل كربلاء كان يزور سيد الشهداء في كلّ يومٍ وليلة مرّتين أو ثلاث مرات ولا يزور أبا الفضل العباس إلّا بعد مضي عشرة أيام من زيارته، فرأى في المنام الصدّيقة المعصومة الزهراء(عليها السلام) فسلّم عليها فأعرضت عنه، فقال: سيّدتي ما تقصيري؟ فقالت: لإعراضك عن زيارة ولدي، فقال: أزور ولدك في كلّ يومٍ ثلاث مرّات، قالت: نعم تزور ولدي الحسين هكذا ولا تزور ولدي إلّا قليلاً.
القصة الثانية: عن أحد الفضلاء قال: كنت حاضراً في أحد المجالس الحسينية فارتقى الخطيبُ المنبر وبعد حديثٍ طويل قال من جملة ما قال: إنّ العباس ابن أمير المؤمنين(عليهما السلام) لا يمتّ بأيّ صلةٍ لا من قريبٍ ولا من بعيد الى الزهراء ولم يكن ابنها على الإطلاق! إنّما هو ابن فاطمة الكلابية المكنّاة بأمّ البنين ليس إلّا، وفي اليوم الثاني ارتقى ذلك الخطيبُ المنبر ثانيةً وتحدّث حول شخصية العباس بن علي(عليهما السلام) بإسهاب وقال من جملة ما قال: إنّ أبا الفضل هو ابن الزهراء بالقطع واليقين لأنّ الزهراء(عليها السلام) أعلمتني البارحة في عالم الرؤيا وقالت لي: لا يا شيخ لا تفتر علينا كَذِباً إنّه لحقّ، إن هو إلّا ابني وها هي كفّاه المقطوعتان بيدي سأخرُجُ بهما يوم القيامة للمطالبة بأخذ الحقّ ممّن قطعهما يوم كربلاء، وأنت تقول إنّه ليس بابني؟!.