متحف الكفيل للنفائس والمخطوطات.. حكاية الحفاظ على التراث

حينما قررت السيوف والحراب أن تستريح من صخب المعارك، وحينما استمدت الشمعدانات نورها من ضياء مرقد قمر بني هاشم (عليه السلام)، بدأت حكاية النفائس والمخطوطات بالظهور، فكل قطعة تحمل قصة مختلفة، بدءًا من الكشكول الذي يرمز للزهد وصولًا إلى القبة الشريفة، إذ استقرت جميع هذه المقتنيات التاريخية في قاعة متحف الكفيل للنفائس والمخطوطات في العتبة العباسية المقدسة، لتنطق بأمجادها وتراثها العريق.



بداية المسيرة
بدأت عملية جمع المقتنيات الثمينة عام 2007، وفقًا لرئيس قسم المتحف، السيد صادق لازم الزيدي، حيث قال "بتوجيه مباشر من المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي، استخرجنا القطع النفيسة من المخازن وعملنا على جردها وتوثيقها فوتوغرافيًا وتصنيفها بوجه عام، ليكون هذا الجهد الأساس الذي انطلقت منه مسيرة عرض النفائس".

وفي عام 2009، افتُتحت قاعة العرض المتحفي بصورة دائمة، بعدما كانت مجرد معرض مؤقت، وهذا الإنجاز جاء تلبيةً لإلحاح الزائرين، ورغبة في تأسيس رؤية مستقبلية توثق التراث وتُعزز الوعي الثقافي والديني.



النفائس التي أهملها الزمن
لم تكن عملية جمع المقتنيات وترميمها سهلة، بل عانت من إهمال شديد في ظل النظام المقبور.

يروي السيد صادق لازم كيف وُجدت القطع مخزونة بطريقة عشوائية، بعضها تعرض للتلف أو الفقدان، فيما أُصيب بعضها الآخر بالضرر خلال الانتفاضة الشعبانية في عام 1991، ومنها أجزاء من القبة الشريفة والراية التي تعلوها.

قال الزيدي، وجدنا القطع النفيسة بمختلف أنواعها مخزونة عشوائيًّا، وفي أماكن لا تصلح للخزن المتحفي، وفي حال يرثى لها وقد تعرض جزء كبير منها إلى التلف والفقدان".



جهود مضنية لإحياء التراث
استغرقت عملية إعادة الحياة إلى القطع النفيسة جهودًا كبيرة، إذ خضعت لعمليات ترميم دقيقة، قامت بها ملاكات متحف الكفيل، الذين تلقوا تدريبًا متخصّصًا في المتحف العراقي.

كما صُنفت القطع إلى عضوية وغير عضوية، باستخدام أحدث التقنيات العلمية في مجالات الكيمياء، والفيزياء، والبايولوجي.

وفي إطار إحياء الفنون التراثية، استعان المتحف بحرفيين متخصّصين في فنون الزجاج والنقش على الخشب، وأعاد إحياء فنّ الزجاج المرتبط بالمرايا، الذي يزيّن أروقة المراقد المقدسة.



إشادة دولية بدور متحف الكفيل
نال متحف الكفيل إشادة واسعة من شخصيات ثقافية محلية ودولية.

السيد جورج معمّر، مدير المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، وصف المتحف بأنّه "نقطة التقاء للحضارات ومحطة مهمة لحوار الثقافات"، في حين أكدت السيدة لمى ياس الدوري، مدير عام دائرة المتاحف في العراق، على أهمية المتحف وتعاونه الوثيق مع المتحف العراقي الوطني.

كما أبدى الباحث الياباني اتسومو أوكادا، إعجابه بالتطور المستمر للمتحف في زياراته المتكررة، فيما أشاد السيد إيغور فاديف، مدير المجاميع الطبيعية في متحف داروين الروسي، بالجهود المبذولة لجمع التراث الإسلامي وحفظه.

نقلة نوعية وصرح شامخ
يظل متحف الكفيل صرحًا شامخًا بدعم العتبة العباسية المقدسة والجهود المستمرة من المتخصصين، يشير السيد شوقي الموسوي، معاون رئيس قسم المتحف، إلى أنّ التطور الذي شهدته السنوات الأخيرة بفضل المؤتمرات والندوات المتخصصة، أتاح للمتحف أن يكون رائدًا في مجال العرض والتوثيق.

كما أطلقت العتبة العباسية رؤية مستقبلية لتطوير المتحف، تشمل بناء صرح معماري جديد يضم سردابًا وطابقًا أرضيًّا وخدميًّا، وستة طوابق لعرض المزيد من المقتنيات، إضافة إلى إطلاق مشروع العرض الافتراضي باستخدام تقنية الـ (D3)، ليكون بذلك متحف الكفيل على أعتاب نقلة نوعية نحو الحداثة والإبداع.



وأكد قسم المشاريع الهندسية في العتبة العباسية المقدسة، أنّ المبنى الجديد لمتحف الكفيل للنفائس والمخطوطات يشهد تصاعد وتيرة العمل، ووصلت نسبة الإنجاز فيه إلى أكثر من 40%.

وقال رئيس القسم، المهندس ضياء مجيد الصائغ، إنّ "القسم يواصل أعمال إنشاء بناية متحف الكفيل، التي تضم منارة يبلغ ارتفاعها نحو 80 مترًا، وقد صُمّمت وفقًا لأحدث التصاميم التي تناغم العمارة الإسلامية الحديثة.

من جانبه ذكر المهندس المقيم للمشروع حسين محمد باقر، أنّ "المبنى يشيد على مساحة 4000م2، وصُمم وفق أحدث التصاميم التي تناغم العمارة الإسلامية الحديثة، ووصلت نسب الإنجاز فيه إلى أكثر من 40%، بعد إنجاز أعمال التسليح وصب أسس المبنى حسب المتطلبات الفنية".

ويُعد مشروع مبنى متحف العتبة العباسية المقدسة أحد مشاريع تطوير المدينة القديمة وتوسعتها، ويقع في مدخل شارع القبلة المؤدي إلى مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام) في الجهة الجنوبية للعتبة المقدسة.